38/05/16
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/05/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الجملة الشرطية – المفاهيم.
كلامٌ للشيخ العراقي(قده):- ذكر الشيخ العراقي(قده)[1] [2] أنَّ الركن الأوّل متحقق إنما الكلام في الركن الثاني ، يعني هل الجزاء هو الطبيعي أو لا ؟ فإذا كان هو طبيعي الحكم ثبت المفهوم وإلا فلا ، أما الأوّل فينبغي أن يكون متفقاً عليه بين الجميع فالكل يسلّمون به ، والدليل على أنَّ الركن الأوّل متوفر هو أنه في باب المطلق والمقيّد هناك قضية متفق عليها بين الأصوليين وهي أنه إذا قيل ( اعتق رقبة ) ثم قيل ( اعتق رقبة مؤمنة ) في مثل هذه الحالة جرت سيرة الأصوليين على التقييد ، يعني جعل الثاني مقيداً للأوّل واطلاق الأوَّل لا يؤخذ به وإنما يقيد اطلاق الأوّل بالثاني فيصير المقصود من ( اعتق رقبة يعني مؤمنة غير كافرة ) وهذا متفق عليه بين الأصوليين ، وهذا لا يتم إلا بناءً على العلّية الانحصارية بناءً على أنَّ الوصف علّة منحصرة ، وبإمكانك أن تبدل هذا بجملةٍ شرطية بأن يقال هكذا ( اعتق رقبة ) ثم المقيد يقول ( اعتق رقبة إذا كانت مؤمنه ) فسواء أتيت به شرطاً أو وصفاً فالشيء نفسه ، فاتفاقهم هنا على أنَّ المطلق يحمل على المقيّد يكشف عن أنَّ الوصف أو الشرط علّة منحصرة ، وواضح أنَّ هذا يكون فيما إذا فرض أننا علمنا بوحدة الحكم أما إذا كان الحكم متعدداً فإذن يوجد حكمان عند المولى أحدهما مطلق وآخر مقيّد فنحمل المقيّد على الأفضلية مثلاً ولا نقيّد والتقييد لا يصير إلا في حالة وحدة الحكم.
والوجه في دلالة هذا على أنَّ الشرط علية منحصرة هو أنه إذا لم يكن الشرط علّة منحصرة فلماذا يحمل المطلق على المقيّد ؟! بل ليبقَ المطلق على اطلاقه ، فلابد إذن أن نقول نحن فهمنا من جملة ( اعتق رقبة ) يعني إذا كانت مؤمنة وأنَّ الايمان علّة منحصرة ، وإذا كانت علّة منحصرة لجواز العتق فحينئذٍ يلزم تقييد المطلق إذ المفروض أنَّ الحكم فيهما واحداً ، أما إذا لم يكن علّة منحصرة فلا موجب حينئذٍ للأخذ بالمقيّد بل ليؤخذ بالمطلق ويبقى المطلق على إطلاقه وتقديم المقيّد على المطلق ليس بأولى من الأخذ بالمطلق.
وفيه:- إنَّ نكتة التقييد لا تنحصر بفهم العلّية الانحصارية من الشرط أو من الوصف بل يمكن أنَّ نتصور نكتة ثانية وهي أن يقال:- إنَّ العرف يجمع بين الدليلين جمعاً عرفياً بهذا البيان هو أنه لو أخذنا بالمقيد فقد عملنا بالمطلق أيضاً وامتثلنا المطلق أيضاً ، فاعتق رقبة مؤمنة يصدق عليه اعتق رقبة ، بخلاف العكس فمن عمل بالاطلاق واعتق رقبة كافرة لا يكون ممتثلاً للمقيّد ، فلعل العرف جمع بين الدليلين بهذا الشكل وهو أنَّ العمل بالمقيّد هو عملٌ بهما معاً وذلك بخلاف العمل بالمطلق فإنه لو اعتقنا الرقبة الكافرة لأنَّ المطلق يقول حتى اعتاق الكافرة يجوز واعتقت الكافرة فهذا ليس عملاً بالمقيّد ، خصوصاً إذا ضممنا ضميمة وهي أنَّ عادة المتكلّم عادةً تكون جارية على هذا وهي أن يذكر الحكم مطلقاً ثم بعد ذلك يذكر المقيّدات له ، فهذه الطريقة العقلائية أيضاً تصير قرينة على التقييد.
فإذن لعلّ نكتة التقييد ليس هو فهم العلّية الانحصارية من الشرط أو الوصف وإنما من جهة الجمع العرفي بالبيان الذي أشرنا إليه.
فإذن حمل المطلق على المقيّد لا تنحصر نكتته بما ذكره الشيخ العراقي(قده) بل لعلّ النكتة ما أشرنا إليه.
والخلاصة من كلّ هذا:- إنه يعتبر في تحقق المفهوم تحقق ركنين العلية الانحصارية – أو التوقف – والثاني أن يكون الجزاء هو طبيعي الحكم ، ولكن نضيف اضافةً وهي أنَّ الركن الأوّل عادةً يحقق الركن الثاني فإنَّ التوقف والعلّية الانحصارية لا يصدق إلا إذا كان طبيعي الحكم هو المعلّق على الشرط أو على الوصف أو ... ، وبهذا نفرغ من المقدّمة.
مفهوم الشرط
يحتاج استفادة المفهوم من القضية الشرطية إلى اثبات الركنين المتقدّمين ، وقد وقع الكلام بلحاظ الركن الأوّل - أي العلّية الانحصارية - فهل يكن اثباته أو لا ؟
ويظهر من الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية:- أنه لا يمكن اثباته ، لأنه رفض كل التقريبات المذكورة لإثبات ذلك ، وبالتالي سوف يصير أنَّ القضية الشرطية لا مفهوم لها لأنه لا يمكن اثبات أنَّ الشرط علّة منحصرة.
ولكني أقول:- إنَّ الشيخ الخراساني(قده) يتكلم بهذا الكلام في الأصول ، وأما حينما يذهب إلى الفقه فلا أحتمل أنه يقول بذلك ، فمثلاً فهو حينما يصل في الفقيه إلى روايةٍ مثل:- ( إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء ) [3] لا يمكن أن يقول بأنَّ هذه الجملة لا مفهوم لها - يعني كل شرطية لا مفهوم لها - ؟!! إنَّ هذا ليس عرفياً ، فلا يمكنه أن يقول في الفقه إنَّ القضية الشرطية لا مفهوم لها ، بل القضية الشرطية من أوضح القضايا التي لها مفهوم في الفقه ولا يمكن القول بخلاف ذلك ، ومن هذا يتضح وجود خللٍ في الصناعة.
وقد ذكرت عدة تقريبات لإثبات العلّية الانحصارية:-
التقريب الأوّل:- أن يدّعى أنَّ الشرطية موضوعة لحالة كون الشرط علّة منحصرة للجزاء ، وقد أشار إلى هذا الدليل الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية[4] ، والمستند في هذه الدعوى هو التبادر فنقول إنَّ المتبادر هو هذا والتبادر دليل الوضع.
ولكنه أجاب وقال:- وفيه: إنه لو كانت الشرطية موضوعة للعلية الانحصارية يلزم في حالة استعمالها في غير ذلك - أي في غير العلّية الانحصارية - يلزم أن يكون الاستعمال مجازاً والحال أننا بوجداننا لا نشعر بالمجازية في حالة كون الشرط ليس علّة منحصرة ، من قبيل أن يقال- وهذا المثال منّي - ( إذا تناولت السّم تَمُت ) فهذه الشرطية لا نشعر بالمجازية والعناية فيها بلا شك والحال أنَّ الشرط ليس علّة منحصرة ، فإنه إذا كان الشرط علّة منحصرة فسوف يصير المعنى ( إذا أكلت السمّ فسوف تموت وأما إذا لم تأكله فسوف لا تموت أبداً ) ، فإذن هو ليس علّة منحصرة فيلزم أن يكون الاستعمال مجازياً والحال أننا بالوجدان لا نشعر بالمجازية والعناية ، وقد قبل من جاء بعده بهذا المطلب وقبل به.
ولكن يمكن أن يقال:- ما المقصود بالشعور بالعناية والمجازية ؟ إننا لا نفهم معنىً لذلك سوى أنه يحتاج إلى قرينة ، فلولا القرينة لا يحمل اللفظ على ذلك فيحتاج إلى قرينة ، فالعناية لابد أن يكون المقصود منها هو هذا ولا يقصد منها شيئاً آخر ، وحينئذٍ نقول إذا كانت القرينة موجودة وهي وضوح المطلب فهذه قرينة جليّة ففي مثل هذه الحالة لا نشعر بالمجازية مادامت القرينة جليّة مائة بالمائة ، كما في مثال ( إذا أكلت السم تَمُت ) ، فالكل يعرف أنَّ المقصود هو أنَّ هذا الطريق حتميٌّ للموت ولكن لا يعني ذلك أنه إذا لم يتحقق ذلك فلا يوجد موت ؟!! كلا بل إذا تحقق هذا الشيء فيوجد موت وهذا واضح جداً ويعرفه كل انسان حتى الطفل ، فيحث إنَّ القرينة جليّة جداً فلا نشعر بأيَّ عناية ، فإذن يمكن أنَّ يقال بأنَّ الشرطية موضوعة للعلّية الانحصارية.