36/12/05
تحمیل
الموضوع:- مبحث الإجـــزاء.
ولتوضيح الحال أكثر نقول:- يمكن أن يوجّه ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) بوجهين:-
الوجه الأوّل:- ما تقدّم.
ويرد عليه:- إنّ متعلّق الأمر مادام قد حصل فيلزم سقوط الأمر، والمفروض أنّه أمرني بأن أأتي بالماء له وأضعه إلى جنبه ولم يقل لي جئني بالماء واسقنيه، فمتعلق الأمر قد تحقّق، ومادام قد تحقّق فيلزم سقوط الأمر، فلا يمكن الامتثال الثاني.
ودعوى أنّ الغرض الذي دعى إلى الأمر بَعدُ باقٍ - وهو الحاجة إلى الشرب وما دام باقياً فيمكن الامتثال حينئذٍ من جديد - مدفوعةٌ بأنّ بقاء الغرض لا يعني بقاء الأمر، بل الأمر قد سقط لتحّقق متعلّقه.
نعم ربما يقال إنَّ العقل يدعو - وهذه دعوة عقليّة - إلى الاتيان بالماء مرّة ثانية لأنّ هدف المولى لم يتحقّق، ولذلك ترى الناس حينما يرون أنَّ المولى بَعدُ لم يشرب الماء وأريق يقولون للعبد لماذا لم تأت بالماء وإذا لم يأتِ به فسوف يوبّخونه، ولكن كما قلنا هذا حثّ ودعوةٌ عقيلّةوليس أمراً شرعياً، وكلامنا هو في الأمر الشرعي، فالأمر الشرعي إذا سقط فبقاء الغرض لا يكون سبباً لبقاء الأمر الشرعي وإنما هو سببٌ للدفع العقلي لا أكثر.
بل ربما يقال:- إنَّ العقل أيضاً لا يحكم بالدفع والتحرك لأنّ المولى يمكنه أن يتكلّم فلماذا لم يتكلّم ؟! نعم إذا كان يخجل أو اعتمد على وضوح المطلب فهذه قضيّة ثانية، ولكن إذا كان بإمكانه أن يتكلّم ولم يتكلّم فدعوة العقل إلى الامتثال ثانيةً هي أوّل الكلام.
وبالجملة:- نحن لو سلّمنا أنّ العقل يدعو فهذه دعوة عقيلّة ولا تعني بقاء الأمر، بل الأمر قد سقط، فالامتثال الثاني لا يمكن، خلافاً لما ذكره صاحب الكفاية(قده) من أنّ الغرض إذا كان باقياً فيمكن الامتثال الثاني بعد الامتثال الأوّل، كلّا بل نحن نقول إنّه لا يمكن الامتثال الثاني لأنّ بقاء الغرض لا يعني بقاء الأمر وإنما غاية ما يعني هو دعوة العقل - على كلامً في دعوة العقل -.
وربما يصعّد البعض اللهجة أكثر ويقول:- إنّ الغرض قد تحقّق أيضاً، يعني حينما أتى العبد الماء فقد تحقّق الغرض أيضاً، والوجه في ذلك أنّ غرض المولى من الأمر بالماء هو التمكّن من شربه للماء والتمكن قد حصل له، فالغرض قد تحقّق - خلافاً لصاحب الكفاية(قده) - فلم يبقَ الغرض حتى يقال إنّه يمكن تبديل الامتثال بامتثالٍ آخر.
ويردّه:- إنّ التمكّن وإن كان هو غرض المولى ولكنّه غرضٌ غيريّ وليس غرضاً نفسياً فإنّ التمكن بما هو تمكّن لا ينفع المولى شيئاً وإنما الذي ينفعه هو الشرب والتناول، فالتمكن غرض غيري والغرض النفسي هو الشرب والمفروض أنّ الشرب لم يتحقّق ومادام لم يتحقّق فالغرض النفسي إذن بَعدُ موجودٌ فياتي كلام صاحب الكفاية(قده) لو اكتفينا في جواز تبديل الامتثال بببقاء الغرض.
إذن تصعيد اللهجة لا يصلح رداً على صاحب الكفاية(قده).
وإنما الذي يصلح ردًأ ما أشرنا إليه:- وهو أنّ بقاء الغرض لا يعني بقاء الأمر فإنّ الأمر قد سقط بتحقّق متعلّقه سواء تحقّق الغرض أم لا، نعم قد يدعو العقل إلى الامتثال ثانيةً ولكن هذه دعوى عقيلّة لا أنّ الأمر بَعدُ باقياً حتى يصدق الامتثال لأجله.
الوجه الثاني:- إنّ الغرض إذا كان باقياً - يعني عند فرض تحقّق الغرض الأدنى فقط دون الأقصى فإنّ الغرض آنذاك يكون باقياً إذ الغرض الأقصى فرضنا أنّه بعدُ لم يتحقّق - فالأمر سوف يكون باقٍ على مستوى الفعليّة دون الفاعليّة والتحريك، فالأمر باقٍ حقيقةً على مسوى الفعليّة غايته لا يكون محركاً بسبب تحقّق المتعلّق.
وإذا فرضنا أنّ الأمر باقٍ فعليّةً بسبب بقاء الغرض فيمكن الامتثال الجديد لفرض بقاء الأمر، وهذا كلام فنيّ وعلميّ فكيف الجواب ؟
وربما يقال في ردّه:- إنّ الذي ينفع في الامتثال هو الفاعليّة والتحريك، فإذا اعترفتم بأنّ هذا الأمر ليس له فاعيلّة وتحريك فلا يجب الامتثال حينئذٍ.
إذن أنتم باعترافكم ثبت أنّ هذه المحاولة لا تنفع شيئاً فإنّ الامتثال فرع فاعليّة الأمر وتحريكه وليس فرع الفعليّة، فوجود أمرٍ فعليّ بلا قابلية لأن يحرّك لا يجدي شيئاً، فالامتثال الجديد لا يجب.
ولكن الجواب:- إنّ الذي يحتاج إلى فاعليّة ومحركيّة ليس أصل الامتثال وإنما لزوم الامتثال، فالامتثال يلزم ويجب إذا كان الأمر له فاعليّة وتحريك، وأمّا إذا لم تكن له فاعلية وتحريك فلا يلزم الامتثال، فلزوم الامتثال فرع الفاعليّة لا أصل الامتثال فإنّ أصل الامتثال يحتاج إلى أمرٍ منتسبٍ للمولى بأيّ شكلٍ كان، فيكفي للامتثال مجرّد وجود أمرٍ كيفما كان والمفروض أنّه موجودٌ غاية الأمر أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يحرّك ولكن بالتالي يوجد أمرٌ فيمكن الامتثال.
إذن الذي هو فرع الفاعليّة والمحركيّة هو لزوم الامتثال ووجوب الامتثال والتحرك أمّا أصل الامتثال فيكفي وجود الأمر ولو من دون أن تكون له محركيّة وفاعليّة، فهذا الجواب لا ينفعنا، فجئنا بجوابٍ آخر ينفعنا لردّ هذا البيان.
والصحيح في ردّ هذا البيان أن يقال:- إنّ متعلّق الأمر إذا حصل فمن المناسب سقوط أصل الأمر حتى على المستوى الفعلي إذ قد فرض تحقق المتعلّق فالأمر باقٍ لأجل ماذا ؟! إنّ بقاءه لغو وبلا فائدة إذ قد تحقّق المتعلق فيلزم آنذاك زوال الأمر من الأساس.
نعم نحن نسلّم أنّ الغرض بَعدُ باقٍ لكن بقاء الغرض لا يكفي لتصحيح بقاء الأمر إذ قد فرض تحقّق المتعلّق فبقاؤه يكون لغواً وبلا فائدة.
إن قلت:- ما رأيك في باب الارادة فإنّه في باب الارادة إذا تحقّق المراد لا يزول أصل الارادة بل هي باقية وإنما الذي يزول هو فاعليتها وتحريكها ودفعها، فلو فرضنا أنّا تناولنا الطعام فإذا شبعنا فقد تحقّق المراد ولكن هل زالت الارادة أو هي باقية ولكنها ليست محرّكة ؟ إنها باقية غايته أنّها ليست لها قابلية للتحريك بدليل أنّنا نقول ( احتفظوا بالطعام الباقي إلى الوجبة التالية ) فلو كانت الارادة ليست موجودة لما قلنا ذلك، أو أنّنا نقوم لتحضير الوجبة التالية من الطعام وهذا معناه أنّ الارادة موجودة وإّلا لما هيئناه للوجبة الجديدة.
إذن الارداة على مستوى الفعليّة لا تزول بتحقق المراد وإنما الذي يزول هو الفاعليّة والتحريك، فأصل الاردة بَعدُ باقٍ على مستوى الفعليّة لكن فاعليتها وتحريكها قد سقط.
وإذا قبلنا هذا في باب الارادة فلنقبله في باب الأمر، ففي باب الأمر يكون الأمر كذلك.
قلت:- إنّ هذا يتمّ إذا فسّرنا الحكم الشرعي - الوجوب - بالارادة كما تبنّاه الشيخ العراقي(قده)، فإذا قلنا أنّ حقيقة الوجوب عبارة عن الارادة فهذا يكون تامّاً كما ذكر لأنّه لا يوجد عنده جعلٌ واعتبار.
أمّا إذا بنينا على ما بنى عليه الشيخ النائيني(قده) كما هو الصحيح وهو أنّ الوجوب عبارة عن جعلٍ واعتبارٍ فصحيحٌ أنّ الارادة هي من مبادئ هذا الاعتبار ولكن ويسقط هذا الاعتبار بتحقّق المتعلّق فلا يتمّ ما ذُكر.
إن قلت:- إنَّ الشيء إنما يكون مسقطاً للأمر إذا أخذ عدمه قيداً في ثبوت الأمر أما إذا لم يؤخذ عدمه قيداً فلماذا يسقط الأمر بل يكون باقياً ؟! فمثلاً الاستطاعة اعتبرت في تحقّق الوجوب فإذا زالت زال الوجوب آنذاك لأنها أخذت قيداً، أمّا عدم تحقّق المتعلّق فلم يؤخذ قيداً في ثبوت الأمر فلماذا يسقط الأمر بتحقّق المتعلّق بعد فرض عدم أخذ عدمه قيداً في متعلّق الأمر ؟!!
قلت:- إنَّ المولى يأخذ القيود التي تحتاج إلى أخذٍ وهو ينبّه على الأمور التي هي بحاجة إلى التنبيه، ما الأمور التي لا تحتاج إلى منبّهٍ يكون التنبيه عليها مضحكاً، فلا معنى لأخذ عدم تحقّق المتعلّق قيداً في ثبوت الأمر فإنّ هذا شيء مضحك.
فعلى هذا الأساس يكون تحقّق المتعلّق من مسقطات الامر وبالتالي لا يمكن تبديل الامتثال بالامتثال حتّى مع فرض تحقّق الغرض الأدنى دون الغرض الأقصى خلافاً للشيخ الخراساني(قده).
ولتوضيح الحال أكثر نقول:- يمكن أن يوجّه ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) بوجهين:-
الوجه الأوّل:- ما تقدّم.
ويرد عليه:- إنّ متعلّق الأمر مادام قد حصل فيلزم سقوط الأمر، والمفروض أنّه أمرني بأن أأتي بالماء له وأضعه إلى جنبه ولم يقل لي جئني بالماء واسقنيه، فمتعلق الأمر قد تحقّق، ومادام قد تحقّق فيلزم سقوط الأمر، فلا يمكن الامتثال الثاني.
ودعوى أنّ الغرض الذي دعى إلى الأمر بَعدُ باقٍ - وهو الحاجة إلى الشرب وما دام باقياً فيمكن الامتثال حينئذٍ من جديد - مدفوعةٌ بأنّ بقاء الغرض لا يعني بقاء الأمر، بل الأمر قد سقط لتحّقق متعلّقه.
نعم ربما يقال إنَّ العقل يدعو - وهذه دعوة عقليّة - إلى الاتيان بالماء مرّة ثانية لأنّ هدف المولى لم يتحقّق، ولذلك ترى الناس حينما يرون أنَّ المولى بَعدُ لم يشرب الماء وأريق يقولون للعبد لماذا لم تأت بالماء وإذا لم يأتِ به فسوف يوبّخونه، ولكن كما قلنا هذا حثّ ودعوةٌ عقيلّةوليس أمراً شرعياً، وكلامنا هو في الأمر الشرعي، فالأمر الشرعي إذا سقط فبقاء الغرض لا يكون سبباً لبقاء الأمر الشرعي وإنما هو سببٌ للدفع العقلي لا أكثر.
بل ربما يقال:- إنَّ العقل أيضاً لا يحكم بالدفع والتحرك لأنّ المولى يمكنه أن يتكلّم فلماذا لم يتكلّم ؟! نعم إذا كان يخجل أو اعتمد على وضوح المطلب فهذه قضيّة ثانية، ولكن إذا كان بإمكانه أن يتكلّم ولم يتكلّم فدعوة العقل إلى الامتثال ثانيةً هي أوّل الكلام.
وبالجملة:- نحن لو سلّمنا أنّ العقل يدعو فهذه دعوة عقيلّة ولا تعني بقاء الأمر، بل الأمر قد سقط، فالامتثال الثاني لا يمكن، خلافاً لما ذكره صاحب الكفاية(قده) من أنّ الغرض إذا كان باقياً فيمكن الامتثال الثاني بعد الامتثال الأوّل، كلّا بل نحن نقول إنّه لا يمكن الامتثال الثاني لأنّ بقاء الغرض لا يعني بقاء الأمر وإنما غاية ما يعني هو دعوة العقل - على كلامً في دعوة العقل -.
وربما يصعّد البعض اللهجة أكثر ويقول:- إنّ الغرض قد تحقّق أيضاً، يعني حينما أتى العبد الماء فقد تحقّق الغرض أيضاً، والوجه في ذلك أنّ غرض المولى من الأمر بالماء هو التمكّن من شربه للماء والتمكن قد حصل له، فالغرض قد تحقّق - خلافاً لصاحب الكفاية(قده) - فلم يبقَ الغرض حتى يقال إنّه يمكن تبديل الامتثال بامتثالٍ آخر.
ويردّه:- إنّ التمكّن وإن كان هو غرض المولى ولكنّه غرضٌ غيريّ وليس غرضاً نفسياً فإنّ التمكن بما هو تمكّن لا ينفع المولى شيئاً وإنما الذي ينفعه هو الشرب والتناول، فالتمكن غرض غيري والغرض النفسي هو الشرب والمفروض أنّ الشرب لم يتحقّق ومادام لم يتحقّق فالغرض النفسي إذن بَعدُ موجودٌ فياتي كلام صاحب الكفاية(قده) لو اكتفينا في جواز تبديل الامتثال بببقاء الغرض.
إذن تصعيد اللهجة لا يصلح رداً على صاحب الكفاية(قده).
وإنما الذي يصلح ردًأ ما أشرنا إليه:- وهو أنّ بقاء الغرض لا يعني بقاء الأمر فإنّ الأمر قد سقط بتحقّق متعلّقه سواء تحقّق الغرض أم لا، نعم قد يدعو العقل إلى الامتثال ثانيةً ولكن هذه دعوى عقيلّة لا أنّ الأمر بَعدُ باقياً حتى يصدق الامتثال لأجله.
الوجه الثاني:- إنّ الغرض إذا كان باقياً - يعني عند فرض تحقّق الغرض الأدنى فقط دون الأقصى فإنّ الغرض آنذاك يكون باقياً إذ الغرض الأقصى فرضنا أنّه بعدُ لم يتحقّق - فالأمر سوف يكون باقٍ على مستوى الفعليّة دون الفاعليّة والتحريك، فالأمر باقٍ حقيقةً على مسوى الفعليّة غايته لا يكون محركاً بسبب تحقّق المتعلّق.
وإذا فرضنا أنّ الأمر باقٍ فعليّةً بسبب بقاء الغرض فيمكن الامتثال الجديد لفرض بقاء الأمر، وهذا كلام فنيّ وعلميّ فكيف الجواب ؟
وربما يقال في ردّه:- إنّ الذي ينفع في الامتثال هو الفاعليّة والتحريك، فإذا اعترفتم بأنّ هذا الأمر ليس له فاعيلّة وتحريك فلا يجب الامتثال حينئذٍ.
إذن أنتم باعترافكم ثبت أنّ هذه المحاولة لا تنفع شيئاً فإنّ الامتثال فرع فاعليّة الأمر وتحريكه وليس فرع الفعليّة، فوجود أمرٍ فعليّ بلا قابلية لأن يحرّك لا يجدي شيئاً، فالامتثال الجديد لا يجب.
ولكن الجواب:- إنّ الذي يحتاج إلى فاعليّة ومحركيّة ليس أصل الامتثال وإنما لزوم الامتثال، فالامتثال يلزم ويجب إذا كان الأمر له فاعليّة وتحريك، وأمّا إذا لم تكن له فاعلية وتحريك فلا يلزم الامتثال، فلزوم الامتثال فرع الفاعليّة لا أصل الامتثال فإنّ أصل الامتثال يحتاج إلى أمرٍ منتسبٍ للمولى بأيّ شكلٍ كان، فيكفي للامتثال مجرّد وجود أمرٍ كيفما كان والمفروض أنّه موجودٌ غاية الأمر أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يحرّك ولكن بالتالي يوجد أمرٌ فيمكن الامتثال.
إذن الذي هو فرع الفاعليّة والمحركيّة هو لزوم الامتثال ووجوب الامتثال والتحرك أمّا أصل الامتثال فيكفي وجود الأمر ولو من دون أن تكون له محركيّة وفاعليّة، فهذا الجواب لا ينفعنا، فجئنا بجوابٍ آخر ينفعنا لردّ هذا البيان.
والصحيح في ردّ هذا البيان أن يقال:- إنّ متعلّق الأمر إذا حصل فمن المناسب سقوط أصل الأمر حتى على المستوى الفعلي إذ قد فرض تحقق المتعلّق فالأمر باقٍ لأجل ماذا ؟! إنّ بقاءه لغو وبلا فائدة إذ قد تحقّق المتعلق فيلزم آنذاك زوال الأمر من الأساس.
نعم نحن نسلّم أنّ الغرض بَعدُ باقٍ لكن بقاء الغرض لا يكفي لتصحيح بقاء الأمر إذ قد فرض تحقّق المتعلّق فبقاؤه يكون لغواً وبلا فائدة.
إن قلت:- ما رأيك في باب الارادة فإنّه في باب الارادة إذا تحقّق المراد لا يزول أصل الارادة بل هي باقية وإنما الذي يزول هو فاعليتها وتحريكها ودفعها، فلو فرضنا أنّا تناولنا الطعام فإذا شبعنا فقد تحقّق المراد ولكن هل زالت الارادة أو هي باقية ولكنها ليست محرّكة ؟ إنها باقية غايته أنّها ليست لها قابلية للتحريك بدليل أنّنا نقول ( احتفظوا بالطعام الباقي إلى الوجبة التالية ) فلو كانت الارادة ليست موجودة لما قلنا ذلك، أو أنّنا نقوم لتحضير الوجبة التالية من الطعام وهذا معناه أنّ الارادة موجودة وإّلا لما هيئناه للوجبة الجديدة.
إذن الارداة على مستوى الفعليّة لا تزول بتحقق المراد وإنما الذي يزول هو الفاعليّة والتحريك، فأصل الاردة بَعدُ باقٍ على مستوى الفعليّة لكن فاعليتها وتحريكها قد سقط.
وإذا قبلنا هذا في باب الارادة فلنقبله في باب الأمر، ففي باب الأمر يكون الأمر كذلك.
قلت:- إنّ هذا يتمّ إذا فسّرنا الحكم الشرعي - الوجوب - بالارادة كما تبنّاه الشيخ العراقي(قده)، فإذا قلنا أنّ حقيقة الوجوب عبارة عن الارادة فهذا يكون تامّاً كما ذكر لأنّه لا يوجد عنده جعلٌ واعتبار.
أمّا إذا بنينا على ما بنى عليه الشيخ النائيني(قده) كما هو الصحيح وهو أنّ الوجوب عبارة عن جعلٍ واعتبارٍ فصحيحٌ أنّ الارادة هي من مبادئ هذا الاعتبار ولكن ويسقط هذا الاعتبار بتحقّق المتعلّق فلا يتمّ ما ذُكر.
إن قلت:- إنَّ الشيء إنما يكون مسقطاً للأمر إذا أخذ عدمه قيداً في ثبوت الأمر أما إذا لم يؤخذ عدمه قيداً فلماذا يسقط الأمر بل يكون باقياً ؟! فمثلاً الاستطاعة اعتبرت في تحقّق الوجوب فإذا زالت زال الوجوب آنذاك لأنها أخذت قيداً، أمّا عدم تحقّق المتعلّق فلم يؤخذ قيداً في ثبوت الأمر فلماذا يسقط الأمر بتحقّق المتعلّق بعد فرض عدم أخذ عدمه قيداً في متعلّق الأمر ؟!!
قلت:- إنَّ المولى يأخذ القيود التي تحتاج إلى أخذٍ وهو ينبّه على الأمور التي هي بحاجة إلى التنبيه، ما الأمور التي لا تحتاج إلى منبّهٍ يكون التنبيه عليها مضحكاً، فلا معنى لأخذ عدم تحقّق المتعلّق قيداً في ثبوت الأمر فإنّ هذا شيء مضحك.
فعلى هذا الأساس يكون تحقّق المتعلّق من مسقطات الامر وبالتالي لا يمكن تبديل الامتثال بالامتثال حتّى مع فرض تحقّق الغرض الأدنى دون الغرض الأقصى خلافاً للشيخ الخراساني(قده).