32/11/23


تحمیل
 (بحث يوم السبت 23 ذ ق 1432 ه)
 الجهة الثانية [1] : في أنه بعد الفراغ من اشتراط الاجتهاد في تولّي منصب القضاء كما دلّت عليه المقبولة يقع الكلام في أن المجتهد الذي هو مأذون لذلك بموجب الأدلة - هل يصحّ له أن يأذن للمقلد في القضاء أم لا ؟
 حُكي القول بالجواز عن جماعة والظاهر أن الدليل عليه عندهم هو التمسّك بعموم ولاية الفقيه باعتبار أن المستفاد منه [2] هو أن يثبت للمجتهد كل ما ثبت للإمام (عليه السلام) من الولاية في الأمور العامة ومن جملتها نصب القضاة وإن لم يكونوا مجتهدين - ، وأما ثبوت ذلك [3] للإمام (عليه السلام) فبما هو المعروف والمنقول من أن القضاة الذين نُصبوا في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمان الإمام (عليه السلام) لم يكونوا مجتهدين ومع ذلك نُصبوا من قِبل المعصوم (عليه السلام) للقضاء فإذا كان هذا ثابتاً للإمام (عليه السلام) فيكون ثابتاً للمجتهد بمقتضى أدلة ولاية الفقيه .
 وهذا الدليل كما لا يخفى يبتني على مقدمتين :
 الأولى : أن نصب غير المجتهد للقضاء أمر جائز للمعصوم (عليه السلام) .
 الثانية : أن كل ما هو جائز للمعصوم من باب الولاية العامة الثابتة له يكون جائزاً للفقيه .
 وقد أُجيب عمّا تقدّم بالمناقشة في كلتا المقدمتين :
 أما بالنسبة إلى المقدمة الثانية فبمنع المبنى بتقريب أن الأدلة التي استُدلّ بها على ولاية الفقيه [4] لا تساعد على ذلك .
 وأما بالنسبة إلى المقدمة الأولى فبأن الإذن فرع الأهلية والمفروض في محلّ الكلام المفروغية من عدم أهلية غير المجتهد لتولّي القضاء [5] بل استفدنا من الأدلة - في ضوء ما تقدّم - عدم أهلية غير من ذُكر في أدلة النصب العام - وهي المقبولة وأمثالها - لتولّي هذا المنصب وحينئذ يقال بأنه كيف يُؤذن لمن ليس أهلاً لذلك في تولّيه ، وأما ولاية الإمام (عليه السلام) فهي مختصّة بحدود ما هو جائز في الشريعة التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) فإذا فرضنا أن تولّي غير المجتهد لمنصب القضاء غير جائز فيها لكونه ليس أهلاً له فلا يُتصوّر حينئذ أن يأذن المعصوم لغير المجتهد في تولّي ذلك فإن الجمع بين الأمرين [6] نوع تهافت في الكلام وخلف لما فُرض سابقاً فلا يُعقل أن يأذن المعصوم لغير المجتهد في تولّي منصب القضاء ويتفرّع عليه بالضرورة عدم ثبوته للمجتهد حتى لو قلنا بتمامية أدلة ولاية الفقيه واستفدنا العموم منها .
 إذاً ففي المقام وجهتا نظر مختلفتان :
 إحداهما : التمسّك بعموم أدلة ولاية الفقيه وإثبات جواز الإذن للمجتهد كما هو جائز للمعصوم (عليه السلام) والاستدلال على جوازه له (عليه السلام) بوقوعه منه خارجاً في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث نصبا القضاة في البلدان المختلفة مع أنهم ليسوا جميعاً واجدين لشرط الاجتهاد .
 والأخرى : عدم جواز الإذن لأن غير المجتهد ليس أهلاً لتولّي هذا المنصب فيُشكّ في أصل ثبوته للمعصوم (عليه السلام) إن لم يُجزم بعدمه لأن عدم الأهلية ثبت في الشرع فكيف يُتعقّل أن يأذن المعصوم لفاقدها في تولّي هذا المنصب .
 وفي مقابل ذلك كلّه قد يقال بأنه لا إشكال في أن أدلة النصب العام ومن أهمّها المقبولة تدلّ على أهلية المجتهد لتولّي القضاء ويُستفاد من كون الرواية في مقام التحديد عدم أهلية غيره لتولّيه .. وعلى ذلك فينبغي أن يقع الكلام في أنها [7] حيث تُثبت الأهلية للمجتهد وتنفيها عن غيره فهل هي ناظرة في ذلك إلى القضاء نفسه - بمعنى فصل الخصومة - أم هي ناظرة إلى القضاء على أنه منصب مجعول بالنصب العام غير محدّد بزمان أو مكان معيّنين ؟
 فإذا بُني على الثاني فيثبت أن غير المجتهد ليس أهلاً لتولّي هذا المنصب أي أنه ليس منصوباً بالنصب العام إلا أنه لا يُستفاد حينئذ من الرواية عدم أهليته لتولّي نفس القضاء وفصل الخصومة في قضية جزئية معيّنة .
 وبعبارة أخرى : أن الرواية على هذا الاحتمال ليست ناظرة إلى اشتراط الاجتهاد في نفس القضاء وفصل الخصومة لكي تدل على عدم أهلية غير المجتهد لذلك بل هي ناظرة إلى القضاء على أنه منصب ومن الواضح الفرق بينهما فإنه من الممكن جداً أن يُشترط في ذلك النصب العام غير المحدد بزمان أو مكان أو أشخاص معيّنين ما لا يُشترط في النصب الخاص [8] وليُعتبر بمثل طهارة المولد على نحو التقريب لا الالتزام فمن غير المناسب تولّي من لم يتوفّر على هذا الشرط منصب القضاء ولكن لا مانع من أن يفصل في قضية جزئية يؤذن لها فيها .. إذاً يمكن افتراض أن هناك شرطاً معتبراً في تولّي منصب القضاء مع كونه غير معتبر في نفس القضاء وفصل الخصومة .
 وأما إذا بُني على الاحتمال الأول [9] فتدلّ الرواية حينئذ على عدم أهلية غير المجتهد لفصل الخصومة .
 وحينئذ فلا مانع على الاحتمال الثاني من أن يأذن المعصوم (عليه السلام) لغير المجتهد في فصل خصومة جزئية معيّنة في واقعة شخصية لأن المفروض أنه لم يدلّ دليل بناءً على هذا الاحتمال - على اعتبار الاجتهاد في نفس القضاء وفصل الخصومة إذ لا دليل في البين إلا المقبولة وهي بحسب الفرض ناظرة إلى النصب العام فهي تنفي أهلية غير المجتهد في هذا الباب ، وأما بالنسبة إلى نفس القضاء وفصل الخصومة في واقعة جزئية معيّنة فهي لا تدلّ على عدم أهلية غير المجتهد للفصل فيها حتى يقال بأنه كيف يُؤذن لغير المجتهد بتولّي القضاء فيها ؟َ!
 فالنتيجة أنه لا يكون على هذا الاحتمال ثمة إشكال في إذن المعصوم (عليه السلام) لغير المجتهد في فصل الخصومة في واقعة شخصية معيّنة ونتعدّى بمقتضى أدلة ولاية الفقيه بناءً على تماميتها إلى المجتهد في زمان الغيبة فيجوز له حينئذ أن يأذن لمن لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد في أن يقضي في الوقائع الجزئية إذا كان عالماً بأحكامها .
 وأما على الاحتمال الأول فالمسألة مشكلة لأن الرواية بناءً على هذا الاحتمال تدلّ على عدم أهلية غير المجتهد للقضاء وفصل الخصومة فكيف يؤذن له في ذلك ؟!
 هذا .. والظاهر أن نظر المقبولة بملاحظة صدرها وذيلها إنما هو إلى النصب العام حيث تنهى عن التحاكم إلى أهل الجور والطاغوت ثم تأمر بالرجوع إلى من روى حديثهم ونظر في حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم (عليهم السلام) فهي تتصدّى لنصب من توافرت فيه هذه الصفات [10] في كل زمان ومكان قاضياً يُرجَع إليه في فصل الخصومات وحلّ النزاعات وهذا - كما هو واضح - نصب عام وليس نصباً في واقعة شخصية جزئية وقد فُهم من كون الرواية في مقام التحديد نفيُ أهلية غير المجتهد لتولّي هذا المنصب ، ولا ريب أن هذا المفاد أجنبي عن مسألة أهلية غير المجتهد للقضاء [11] وعدم أهليته له .. إذاً لا دلالة في الرواية على ذلك وإنما غاية ما تدلّ عليه أن غير المجتهد لم ينصبه الإمام (عليه السلام) بالنصب العام ولا يلزم من هذا عدم صلاحيته للقضاء وفصل الخصومة في الوقائع الجزئية المعيّنة .. وعلى ذلك فلو دلّ دليل على إذن المعصوم لغير المجتهد للقضاء في واقعة أو وقائع معيّنة - كرواية عبد الله بن طلحة المتقدمة - أمكن الالتزام بجواز ذلك للفقيه أيضاً بمقتضى عمومات أدلة ولاية الفقيه وهذا حديث مطروح في هذه المسألة .
 فالنتيجة إذاً أننا لا نملك دليلاً على عدم أهلية غير المجتهد لتولّي القضاء في واقعة أو وقائع شخصية معيّنة فيقع الكلام في كفاية ذلك المقدار [12] لتولّي غير المجتهد للقضاء وفصل الخصومة بمعنى أنه هل يكفي عدم وجود الدليل على عدم الأهلية أم لا بد من الدليل على الأهلية لذلك ؟
 الظاهر عدم الكفاية بل لا بد من إقامة الدليل على أهلية غير المجتهد لتولّي القضاء وفصل الخصومة ، والسرّ في ذلك ما تقدّم مراراً من أن القضاء ونفوذ حكم شخص بحقّ غيره على خلاف الأصل والقاعدة ولا مخرج عنه إلا بدليل ، وما وقع تحت اليد منه إنما يتكفّل ببيان أهلية المجتهد لتولّي منصب القضاء وصلاحيته لنفس القضاء وفصل الخصومة بالتبع ، وهل يوجد دليل في البين على أهلية غير المجتهد لتولّي القضاء وفصل الخصومة لكي نلتزم بجوازه له في واقعة جزئية بشرائط معينة مع إذن المجتهد له في القضاء فيها أم لا ؟
 وبعبارة أخرى : أنه مع عدم الدليل المزبور يلزم القول بشرطية الاجتهاد في من يقضي في الواقعة الجزئية على حدّ لزوم القول بها في من يتولّى منصب القضاء لأن القضاء على خلاف الأصل ولا يُخرَج عنه إلا بدليل فهل ادّعي في المقام وجوده على ذلك ؟
 ذُكر في كلماتهم أن ثمة أدلة لإثبات أهلية غير المجتهد لتولّي القضاء وهي المقبولة ورواية عبد الله بن طلحة وأهمّ منهما ما تداولوه من أننا نعلم أن المنصوبين للقضاء في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمان الوصي (عليه السلام) ليسوا واصلين إلى مرتبة الاجتهاد .
 ولا بد في المقام من التحقّق من مدى وفاء هذه الأدلة بالمدّعى وسيأتي إن شاء الله تعالى .


[1] من جهات البحث عن شرط الاجتهاد .
[2] أي من عموم دليل ولاية الفقيه .
[3] يعني نصب غير المجتهد قاضياً .
[4] من أنه يثبت للفقيه كل ما ثبت للإمام (عليه السلام) من الولاية في الأمور العامة .
[5] وذلك في الجهة الأولى من جهات البحث عن شرطية الاجتهاد في القضاء .
[6] أي بين فرض كون تولّي غير المجتهد لمنصب القضاء غير جائز في الشريعة وإذن المعصوم له في تولّي ذلك .
[7] أي المقبولة .
[8] أي القضاء في قضية جزئية .
[9] أي كون المقبولة ناظرة إلى نفس القضاء وفصل الخصومة .
[10] وهي لا تجتمع إلا في المجتهد - كما تقدّم - .
[11] بمعنى فصل الخصومة في واقعة جزئية .
[12] أي عدم الدليل على عدم أهلية غير المجتهد لتولّي القضاء في واقعة أو وقائع شخصية معيّنة .