33/06/10


تحمیل
  (بحث يوم الأربعاء 10 جمادى الثانية 1433 هـ 125)
 الموضوع :- تكملة المسألة السادسة عشر / التعميم الأول للمسألة : تعميم الحكم والاستثناء لما إذا ادّعى المدّعي الحقّ لغيره والاستدلال عليه / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في المسألة السادسة عشر وتقدّم أن فيها تعميمين كان أوّلهما تعميم الحكم والاستثناء لما إذا ادّعى المدّعي الحقّ لغيره وعدم اختصاصه بما إذا ادّعاه لنفسه فيقال حينئذ أنه إذا ادّعاه لمورّثه أو لموكّله أو لمن هو مولّى عليه أو لمن هو وصيّ عليه فيُستثنى ذلك من الحكم بالاكتفاء بالبيّنة فلا تقبل دعواه ولا يثبت الحق المدّعى إلا بانضمام يمينه إلى البيّنة .
 واستدل على ذلك بالإطلاق من جهة أن الوارد في النص هو عنوان : (الرجل الذي يدّعي قِبَل الرجل الحقّ) وهذا العنوان كما يشمل المدّعي لنفسه يشمل أيضاً المدّعي لغيره إذ يصدق عليه أنه رجل يدّعي قِبَل الرجل الحق فإذا كان المُدّعى عليه ميتاً فحينئذ يثبت له هذا الحكم كما لو كان مدّعياً لنفسه .
 ويشهد لهذا الإطلاق [1] أن المستفاد من النصوص أن ما يوجب ضم اليمين إلى البيّنة هو خصوصية المُدّعى عليه وهي كونه ميتاً لا خصوصية المدّعي ككونه يدّعي لنفسه أي أن تمام الملاك في هذا الاشتراط [2] ملحوظ فيه جانب المُدّعى عليه وهو كونه ميتاً .
 ويشهد لهذا الإطلاق أيضاً عموم التعليل في رواية البصري إذ لا ينبغي الإشكال في أنه لا فرق بلحاظ العلة المذكورة بين من يدّعي الحق لنفسه ومن يدّعيه لغيره لأنها - كما تقدّم عبارة عن احتمال الوفاء مع عدم التمكن من الإثبات وهذان الأمران كما هما موجودان في من يدّعي لنفسه فيقتضيان ضم اليمين إلى البيّنة كذلك هما موجودان في من يدّعي لغيره فيقتضيان فيه الأمر عينه .
 وقد يقال في مقابل هذا [3] بمنع الإطلاق بمعنى أن النصوص مختصة بما إذا كان المدّعي يدّعي الحق لنفسه فلا تشمل ما إذا ادّعاه لغيره ويُستشهد لهذا المنع بأن الوارد في النصوص عبارات ظاهرها دعوى الحق لنفسه من قبيل قوله في رواية البصري : " يحلف .. أن حقّه لعليه " فحقّه يعني حقّ الحالف وهو المدّعي وإلا فلو ادّعى الحق لغيره فلا يكون حقّاً له بل يكون حقّاً لغيره ، ومن قبيل قوله أيضاً : " فلا حقّ له " فإنه يُفهم منها أن نظر الرواية إلى كون المدّعي يدّعي الحقّ لنفسه فإذا لم يحلف فلا حقّ له فيقال إن ظاهر النصوص هو الاختصاص بخصوص مدّعي الحق لنفسه .
 هذا هو المذكور في كلمات الفقهاء (رض) ويظهر أن نكتة النزاع تتجسّد في أمر ينبغي في ضوئه أن تُحرّر المسألة بغير ما مرّ تحريره وهو أنه قد تقدّم منّا أن المدّعي بالدين على الميت لا يُكتفى منه بالبيّنة بل يُطالب باليمين فإن جاء بهما فلا إشكال في أنه يثبت له الحق وإلا فلا يكون ثابتاً له والذي يقال هنا إنه إذا فُرض عدم تمكنه من الحلف لأيّ سبب كان فهل يقال بثبوت الحق اكتفاءً بالبيّنة وإسقاطاً لاعتبار ضم اليمين مع تحقق موضوع الاستثناء في هذه الحالة من كون الدعوى على الميت أو يُلتزم بعدم الثبوت استناداً لاعتبار ضم اليمين حتى في هذه الحالة ؟
 ذُكرت هنا وجوه ثلاثة في ما يلزم الالتزام به :
 الأول : الالتزام بسقوط الحق في هذه الحالة فلا يثبت الحق بالبيّنة وحدها دون انضمام اليمين عملاً بمقتضى الشرطية المستفادة من الأدلة التي هي محفوظة حتى في حال العجز وعدم القدرة .
 الوجه الثاني : الالتزام بثبوت الحق بالبيّنة وحدها بدعوى أن غاية ما يُستفاد من النصوص هو اشتراط ضم اليمين إلى البيّنة في حال التمكن والقدرة فلا يُستفاد من النصوص الشرطية مطلقاً .
 الوجه الثالث : أن يُلتزم باشتراط يمين نفي العلم فلا يُطلب من المدّعي اليمين على نفي الوفاء وبقاء الحق إلى حين الموت واقعاً لأنه غير قادر عليه بحسب الفرض ولكن يُطلب منه أن يحلف على نفي علمه بالوفاء .. وعلى ذلك فيثبت الحق استناداً إلى البيّنة واليمين على نفي العلم الذي يكون المدّعي قادراً عليه بحسب الفرض .
 وهذه الوجوه الثلاثة المذكورة أضعفها أخيرها وذلك لأنه لا مجال للاكتفاء بالحلف على نفي العلم والحال أن المطلوب كما هو صريح الرواية هو الحلف على نفي الثبوت واقعاً .
 هذا من جهة .. ومن جهة أخرى أن نفي العلم بالوفاء لا يُثبت الحق للمدّعي بمعنى أنه لا يَثبت به بقاء الحق إلى حين موت المُدّعى عليه ومن هنا يكون الاكتفاء به لإثبات الحق خلاف الظاهر جداً وعليه فيدور الأمر بين أول الوجهين وثانيهما فأقول :
 إن ترجيح أحد الوجهين على الآخر مبني على تحقيق جهة قد أشير إليها في ما مرّ وهي أن الشرطية [4] المستفادة من النصوص هل هي مطلقة فلا بد من ضم اليمين إلى البيّنة أم مخصوصة بحال القدرة حتى يمكن الاكتفاء بالبيّنة لإثبات الحق في حال العجز وعدم القدرة ؟
 مقتضى الظهور الأولي للأدلة هو الأول [5] بمعنى أن انضمام اشتراط اليمين إلى البيّنة في النصوص ليس مقيّداً بالقدرة على الحلف واليمين ، ولا يوجد في قبال ذلك [6] إلا إحدى دعويين :
 الأولى : أن يقال بأن دليل الشرطية وارد بلسان التكليف فيجب تخصيصه بحال القدرة ، أما الكبرى - أعني كون التكليف مشروطاً بالقدرة فواضحة ، وأما الصغرى فهي ظاهر قوله (عليه السلام) : (فعليه اليمين) وهذا اللسان لسان تكليف كما لا يخفى .
 وجواب هذه الدعوى ظاهر في ضوء ما تقدّم سابقاً فإن المفهوم من هذا اللسان بل حتى مما هو أصرح منه ليس إلا الوجوب الشرطي وهو حكم وضعي وليس حكماً تكليفياً ولذا لا يتوقف أحد في أن المدّعي لو فُرض أنه لم يأت باليمين حتى مع قدرته عليه لا يكون آثماً ومستحقاً للعقاب فقوله (عليه السلام) : (فعليه اليمين)لا يُستفاد منه إلا الوجوب الشرطي الذي هو حكم وضعي مفاده أن الحق لا يثبت إلا بضم اليمين إلى البيّنة فإذا لم يأت باليمين لا يثبت حقه لا أنه يكون آثماً ومستحقاً للعقاب .
 الدعوى الثانية : الانصراف - كما هو مذكور في بعض الكلمات - أي انصراف النصوص عن العاجز فلا إطلاق لها حتى تشمل غير القادر على اليمين أو قل انصراف النصوص إلى القادر والمتمكن من اليمين .
 وأُيّد هذا الانصراف من قبل الشيخ صاحب الجواهر (قده) باستبعاد الالتزام بسقوط الحق مع وجود البيّنة فإنه على خلاف المذاق الفقهي على حدّ تعبيره - ، ولو تم هذا فإنه يؤيّد أن اشتراط الضم مختص بالقدرة ففي حال عدم القدرة يسقط اعتبار ضم اليمين إلى البيّنة .
 وسيأتي الكلام عن هذه الدعوى إن شاء الله تعالى .


[1] أي الشمول للمدّعي لغيره وعدم الاختصاص بالمدّعي لنفسه .
[2] أي اشتراط ضم اليمين إلى البيّنة .
[3] أي الإطلاق والالتزام بالتعليل .
[4] أي شرطية انضمام اليمين إلى البيّنة في ثبوت حقّ المدّعي على الميت بالدين .
[5] أي إطلاق الشرطية .
[6] أي في قبال هذا الظهور الأولي .