33/06/15


تحمیل
  (بحث يوم الاثنين 15 جمادى الثانية 1433 هـ 128)
 الموضوع :- المسألة السابعة عشر / الردّ على تفصيل السيد الماتن (قده) بحسب المدرك من كونه صحيحة الصفار أو رواية البصري / بيان أن في العلة المذكورة في رواية البصري فهمين أحدهما الاختصاص باحتمال الوفاء والآخر الشمول لمطلق ما يُسقط الحقّ عن الميت كالإبراء / الشروع في المسألة الثامنة عشر / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في أنه هل نتعدّى من مورد النصّ وهو ما لو ثبت الدين بالبينة الذي نصّت الرواية على أنه بحاجة إلى ضمّ اليمين إلى ما لو ثبت الدين بالإقرار ليكون بحاجة أيضاً إلى ضمّ اليمين .. وكانت نتيجة البحث المتقدم هي التعدي إلى مطلق ما يُثبت الدين سواء كان بينة أو إقراراً أو علم الحاكم أو نحو ذلك .
 ثم إنه قد طُرحت بعده مسألة أخرى وهي أن هذا التعدي إلى غير البيّنة من مثبتات الحق هل يختص بما إذا كان هناك احتمال الوفاء كما لو أقرّ الورثة بالدين واحتُمل الوفاء من قبل الميت أم يعمّ كل ما يوجب سقوط الحق سواء كان وفاء أو إبراء أو احتساباً من الخمس أو الزكاة ونحو ذلك فيلزم فيها جميعاً ضم اليمين .
 وتقدّم أن المسألة مبنية على تنقيح أنه هل هناك خصوصية لاحتمال الوفاء المنصوص عليه في الرواية فلا يمكن حينئذ التعدي إلى غيره مما يُسقط الحقّ من الإبراء ونحوه وإن ثبت التعدي في نفس دائرة احتمال الوفاء إلى كل ما يُثبت الحقّ سواء كان بينة أو إقراراً أو علم الحاكم ونحو ذلك أم لا خصوصية لاحتمال الوفاء وإنما ذُكر من جهة كونه أوضح مصاديق ما يسقط به الحقّ وإنما العبرة بوجود احتمال ما يسقط به الحق عن الميت سواء كان وفاء أو إبراء أو احتساباً من الحقّ الشرعي فأيهما الأصح من هذين الوجهين ؟
 الظاهر صحة الثاني وهو أن المستظهر من الرواية عدم الخصوصية للوفاء وأنه ذُكر من باب الكناية لمطلق ما يسقط به الحق والمراد هو احتمال براءة ذمة الميت من الدين المُدّعى عليه سواء كان هذا باحتمال الوفاء أو بشيء آخر يقوم مقامه في براءة ذمته ولعل التعبير بالحلف على بقاء الحق إلى حين موت المُدّعى عليه الذي يظهر من معتبرة البصري قرينة على ذلك حيث قال : " وإن حقه لعليه [1] " ولم يرد في الرواية أنه يحلف على عدم الوفاء مع أن المذكور قبلها هو احتمال الوفاء حيث ذُكر علة لضم اليمين إلى البيّنة لأجل نفي هذا الاحتمال فلعل في هذا إشارة أو إشعاراً على أن المناط ليس على الوفاء بما على كل ما يسقط به الحقّ عن الميت فيحلف حينئذ على بقاء الحق إلى حين موت المُدّعى عليه .
 وعلى ذلك فالظاهر أن اشتراط انضمام اليمين ثابت حتى في حالات العلم بعدم الوفاء ووجود احتمال الابراء ونحوه مما يوجب سقوط الحق .
 فتحصّل ممّا تقدّم أن انضمام اليمين لا يُشترط فيه أن يكون ثبوت الحقّ بالبيّنة بل يثبت حتى إذا كان ثابتاً بغيرها كالإقرار أو علم الحاكم أو الشياع المفيد للاطمئنان كما لا يُشترط ذلك في خصوص احتمال الوفاء بل يعم مطلق ما يكون موجباً لسقوط الحق عن الميت سواء كان وفاء أو ابراء ونحو ذلك .
 هذا .. ويظهر من قوله (قده) في المتن : " واحتُمل أن الميت قد أوفى دينه " أنه لا يرى التعدي إلى احتمال الابراء ونحوه لأنه قيّد المسألة بما إذا احتُمل الوفاء جموداً على مورد النصّ حيث جاء فيه : " لعله أوفاه حقّه " .
 وأقول : قد تقدّم أن الأظهر التعميم إلى مطلق احتمال ما يسقط به الحق عن الميت سواء كان إبراء أو وفاء أو غيرهما ولا يُقتصر على خصوص احتمال الوفاء ولا بد في ذلك من انضمام اليمين إلى ما يثبت به الحق سواء كان بينة أو إقراراً أو نحو ذلك .
 ثم إن السيد الماتن (قده) قد استقرب عدم الاحتياج إلى ضم اليمين في ما إذا ثبت الدين بالإقرار ونحوه لأنه يرى أن المدرك على هذا الحكم هو صحيحة الصفار وهي واردة في البيّنة فيُقتصر عليها دون رواية البصري لضعفها عنده سنداً .
 وقد ظهر مما تقدّم أن المدرك هو كلتا الروايتين لاعتبارهما عندنا سنداً وأن رواية البصري مفسّرة للصحيحة ومبينة للمراد بها ولذا يُحمل اليمين في الصحيحة على اليمين المذكور في المعتبرة ، وعموم التعليل الموجود في المعتبرة يفسح المجال للتعدي إلى الإقرار ونحوه مما يثبت به أصل الحق.
 ثم قال (قده) في المسألة الثامنة عشر :
 " لو أقام المدعي على الميت شاهداً واحداً وحلف فالمعروف ثبوت الدين بذلك ، وهل يحتاج إلى يمين آخر فيه خلاف قيل بعدم الحاجة وقيل بلزومها ولكن في ثبوت الحق على الميت بشاهد ويمين اشكال بل منع " .
 كان البحث المتقدّم في ما لو أقام المدّعي على الميت بينة وأما البحث في هذه المسألة ففي ما لو أقام المدّعي على الميت شاهداً واحداً وضم إليه يمين نفسه [2] فصار في البين شاهد ويمين مكان البيّنة والمعروف كما ذكر (قده) هو ثبوت الدين بذلك [3] ، وقد عرفت أنه في باب البيّنة لا بد من ضم اليمين لإثبات بقاء الحق إلى حين موت المُدّعى عليه ونفي احتمال الوفاء من قبله فهل الأمر ذاته يجري في ما نحن فيه فيقال إنه لمّا كان الشاهد واليمين بمنزلة البيّنة فيثبت له ما يثبت لها من الاحتياج إلى ضم اليمين أم الحال فيه يختلف ؟
 ذكر السيد الماتن (قده) أن فيه خلافاً فقيل بعدم الحاجة وقيل بلزومها إلا أنه استشكل في أصل ثبوت الحق على الميت بشاهد ويمين بل منع من ذلك .
 وتحرير المسألة أنه لا إشكال في أن الحق المالي ولاسيما الدين يثبت بشاهد ويمين في الجملة ولا يتوقف ثبوته على البيّنة وهذا الحكم [4] مسلّم ولا إشكال فيه ولم يخالف فيه أحد وقد دلّت الروايات المتظافرة على ذلك [5] وفيها ما هو صحيح السند جزماً ، والقدر المتيقَّن من ذلك [6] - سواء من الاتفاق أو من النصوص - هو دعوى الدين على الحي ، وأما دعوى الدين على الميت الذي هو محلّ البحث فقد وقع الكلام فيها في أمرين على الترتيب [7] :
 الأمر الأول : في أنه هل يُكتفى بشاهد ويمين فيها كما هو الحال في دعوى الدين على الحي أم لا بد فيها من البيّنة .
 وهذا الأمر لم يُتطرّق له في كلماتهم من جهة أن بناءهم على التعميم وقبول ثبوت دعوى الدين على الميت بشاهد ويمين وإنما خالف في ذلك السيد الماتن (قده) فاستشكل فيه بل منع .
 الأمر الثاني : أنه بعد البناء على التعميم فهل يُحتاج إلى ضم يمين آخر لإثبات بقاء الحق إلى حين الموت أم يُكتفى باليمين المنضمّ إلى الشاهد الواحد .
 وأقول : من الواضح أن هذا البحث الثاني مترتب على القول بالتعميم في الأمر الأول بمعنى أنه لو قيل باختصاص النصوص [8] بدعوى الدين على الحي فلا مجال حينئذ للبحث في الأمر الثاني وينحصر إثبات الدين على الميت حينئذ بالبيّنة وقد تقدّم سابقاً أنه لا إشكال في اعتبار انضمام اليمين إليها .
 ويقع الكلام فعلاً في الأمر الأول وهو هل أن النصوص الدالة على كفاية الشاهد واليمين في ثبوت الدين مختصة بالدين على الحي أم تعمّ الدين على الميت ؟
 ولا بد لمعرفة ذلك من استعراض تلك النصوص حيث يتبيّن بعد مراجعتها أن فيها من الإطلاق ما يصح الاستدلال به لتعميم ثبوت الدين بشاهد ويمين لدعوى الدين على الميت .. وهذه نماذج منها [9] :
 الأولى : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
 " قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ولم يكن يجيز في الهلال إلا شاهدي عدل " .
 الثانية : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
 " قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق " .
 الثالثة : رواية حماد بن عثمان :
 " قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : كان علي (عليه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي " .
 الرابعة : صحيحة حماد بن عيسى :
 " قال : قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : حدّثني أبي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قضى بشاهد ويمين " .
 وهكذا في روايات كثيرة .. والملاحظ فيها أن الإمام (عليه السلام) لا ينسب الحكم الوارد فيها إلى نفسه مباشرة وإنما ينسبه إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) تارة وإلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أخرى والسرّ في ذلك هو أن للعامة موقفاً مضاداً من هذا الحكم فهم لا يجيزون شهادة الشاهد واليمين وهناك مناظرات وقعت بين الإمام الصادق (عليه السلام) وبين بعض علمائهم بهذا الصدد ولا ريب أنه في مقام إثبات هذا الرأي تكون نسبته إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) أو إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) آكد في ذهن الطرف المقابل وأوقع .
 وهذه الروايات ليس فيها ما يشير إلى اختصاص الحكم بدعوى الدين على الحي كما هو واضح ، ويمكن تجميع قرائن مؤيدة لهذا الإطلاق - وإن كان في حدّ نفسه تاماً - منها المقابلة بين الدين والهلال في جملة من الروايات ففي الهلال لا يجيز إلا شهادة عدلين [10] في حين أنه في الدين يجيز شهادة واحد ويمين المدّعي فهذه المقابلة لا تخلو من إشارة إلى أن الدين مطلق [11] فإنه لم يُقابل بين الدين على الحي والدين على الميت إذ لو كانت دعوى الدين على الميت لا يُكتفى فيها بشاهد ويمين بل لا بد فيها من البيّنة فقد يقال بأن المناسب حينئذ أن تكون المقابلة بين الدين على الميت وبين الدين على الحي [12] لا بين الدين والهلال .
 ومن القرائن أيضاً ذيل موثقة سماعة عن أبي بصير التي هي إحدى روايات هذا الباب :
 " قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، قال : فقال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق وذلك في الدين " [13] .
 فإن من الواضح أن الإمام (عليه السلام) كان في مقام تحديد الموضوع فقال : (في الدين) ولم يخصّصه بكونه على الحي فلو كان موضوع الحكم هو هذا لكان من المناسب أن يقيّد الإمام (عليه السلام) بذلك ولكنه (عليه السلام) أطلق وهذا الإطلاق يكاد يكون ظاهراً ظهوراً واضحاً في أن الحكم هو مطلق الدين لا خصوص الدين على الحي .
 والحاصل أن الإطلاق ثابت في هذه الروايات ولم أر من يستشكل فيه في حدود تتبّعي لكلمات القوم والمسألة كأنها مرسلة إرسال المسلّمات ولذا نراهم حينما يتطرّقون إلى هذه المسألة يدخلون مباشرة إلى البحث الثاني وهو أنه إذا أقام المدّعي شاهداً ويميناً فهل يحتاج إلى ضم يمين آخر أم لا ، وهذا - كما تقدّم - متفرّع على التعميم في الأمر الأول فيظهر من ذلك عدم وجود مخالف بينهم ، نعم .. الظاهر من عبارة السيد الماتن (قده) هو المخالفة لأنه أفتى بأن الدين على الميت لا يثبت بشاهد ويمين بل يثبت بخصوص البيّنة وقد فرغنا عن أنه يحتاج حينئذ إلى ضم اليمين وبناء على هذا لا تصل النوبة إلى هذا البحث الثاني .
 وقد استدل السيد الماتن (قده) على هذه الدعوى [14] بما سيأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى .


[1] أي على الميت .
[2] أي يمين المدّعي .
[3] أي بشاهد ويمين المدّعي .
[4] أي ثبوت الدين بشاهد ويمين في الجملة .
[5] أي على ثبوت الحق المالي وفي خصوص الدين بشاهد ويمين ، وهي روايات كثيرة مروية في الوسائل في الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم .
[6] أي من الثبوت بشاهد ويمين .
[7] أي بينهما طولية .
[8] أي المُثبتة لكفاية الشاهد واليمين في ثبوت الدين .
[9] يُلاحظ بشأنها الوسائل في الباب الرابع عشر من أبواب كيفية الحكم أو الكافي مج7 ص385 و386 .
[10] أي بينة .
[11] أي سواء كان على حي أو على ميت .
[12] من جهة أن الدين على الحي يُكتفى فيه بشاهد ويمين .
[13] المصدر السابق .
[14] أي عدم كفاية الشاهد واليمين في ثبوت الدين على الميت .