33/06/23


تحمیل
  (بحث يوم الثلاثاء 23 جمادى الثانية 1433 هـ 134)
 الموضوع :- المسألة العشرون / الموارد التي وقع الكلام في نفوذ الحكم فيها وعدم نفوذه / المورد الأول : العلم بخطأ الحاكم واقعاً / مراجعة إلى المورد الأول وبسط الكلام فيه / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في استعراض الموارد التي وقع الكلام في نفوذ حكم الحاكم فيها وعدم نفوذه وجواز نقضه وعدم جوازه وتقدّم ذكر المورد الأول وهو العلم بخطأ الحاكم واقعاً .
 ولمزيد البيان لهذا المورد أقول :
 لقد ذكرنا أن في هذا المورد رأيين :
 الرأي الأول : جواز نقض حكم الحاكم عند العلم بخطئه وعدم مطابقته للواقع .
 الرأي الثاني : عدم جواز نقض حكم الحاكم وإن عُلِم بخطئه وعدم مطابقته للواقع لأنه حكم نافذ بمقتضى الأدلة .
 وقد اختار جماعة من المحقّقين الأول واختار آخرون الثاني .
 وهذا الرأيان (مع افتراض أن الحكم في كل منهما كان على طبق الموازين ولم يكن هناك تخلّف في تطبيقها مطلقاً عدا كون الحكم غير مطابق للواقع) يبتنيان في الحقيقة على تحقيق جهة مهمة (غير مسألة إصابة الحكم للواقع فإنها وإن كانت مسألة ملحوظة إلا أنها ليست هي المناط في اعتباره وجعله نافذاً) وهي أن حكم الحاكم الوارد في الأدلة هل هو مأخوذ فيها على نحو الطريقية الصرفة أم هو مأخوذ على نحو الموضوعية المحضة ؟
 والكلام في هذه الجهة في مقامين : ثبوتاً وإثباتاً :
 أما في مقام الثبوت : فالحكم بالمنظور الأول يكون كسائر الطرق والإمارات كاشفاً محضاً عن الحكم الشرعي الواقعي فيُتصوّر فيه انكشاف الخطأ ، وبناءً عليه يتّجه ما عليه الرأي الأول من جواز النقض لأنه إنما يكون معتبراً ونافذاً عند الشك في مطابقته للواقع ، وأما مع العلم بعدم إصابته له فلا يكون نافذاً فيتّجه حينئذ جواز نقضه .
 وأما بالمنظور الثاني فيكون تطبيقاً للحكم الشرعي الواقعي في مورده فالمطلوب بالحكم هنا إنهاء الخصومات وحلّ المنازعات والفصل في القضايا وهي العلة في اعتباره فليس الحاكم وفق هذا المنظور - مجرد ناقل للحكم الشرعي ومخبر عنه كما هو الحال في المفتي حيث إنه بمعنى من المعاني مخبر عن الحكم الذي يعتقده وأدّى إليه اجتهاده وإنما المنظور في الحاكم هنا أن يكون حكمه فيصلاً في القضايا ورافعاً للخصومات فيكون حجة ونافذاً حتى في حالات العلم بالخلاف والخطأ فيتّجه حينئذ القول بعدم جواز نقضه كما عليه الرأي الثاني .
 وأما في مقام الإثبات : فإن المستظهر من الأدلة في باب القضاء أن الحكم شُرّع لغرض إنهاء الخصومة وفصل النزاع لأن الشارع المقدّس يعلم بأن إبقاء الخصومات قائمة دون إنهاء وفصل وإلزام الآخرين بالالتزام بهذا الفصل يكون مثاراً لاختلال النظام العام وموجباً لإثارة الفتن والصراعات لاسيما في ذلك الزمان الذي كانت مثل تلك الخصومات تتطور وتؤدي إلى حروب بين القبائل والأقوام فالشارع المقدّس لاحظ هذا الجانب وشرّع القضاء واعتبر حكم الحاكم لهذا الغرض .
 ومن الواضح أن هذا الغرض لا يتحقق في ما لو كان حكم الحاكم مأخوذاً على نحو الطريقية المحضة لأن لازمه عدم نفوذه في حالة العلم بالخطأ والخلاف ، ومن الواضح أيضاً أن هذه الحالة ليست نادرة وقليلة الوقوع بل هي حالة عامة وشائعة إذ كثيراً مّا يحصل القطع بالخلاف في معظم الدعاوى من قبل حاكم آخر أو من قبل أحد المتخاصمين فإن كل واحد منهما يجزم بأن الحقّ معه فإذا حكم الحاكم لأحدهما قَطَعَ المحكوم عليه بأن الحاكم قد أخطأ في حكمه لأنه يرى أن الحقّ له .
 وحينئذ نقول : إنه مع كون هذه الحالة ليست قليلة بل هي حالة شائعة فإذا جاز نقض الحكم لمن يقطع بخطأ الحاكم فيه لم يتحقّق الغرض من تشريع القضاء أعني الفصل في الخصومات وإنهاء النزاعات ، ويؤيِّد هذا المعنى :
 أولاً : مقبولة عمر بن حنظلة فإنها واضحة الدلالة على أن المراد بالحكم في قوله (عليه السلام) : (فإذا حكم بحكمنا فلم يُقبل منه فإنما بحكم الله استخفّ وعلينا ردّ) هو الحكم على طبق الموازين الموضوعة في مقام الاجتهاد عموماً وفي باب القضاء بشكل خاص ، والمستفاد منها بمقتضى إطلاقها وعدم تقييدها بما إذا لم يُعلم بعدم المطابقة للواقع أن موضوع الحكم بالنفوذ هو حكم الحاكم الذي أدّى إليه اجتهاده لا حكم الحاكم المطابق للواقع فيُستفاد منها نفوذ حكم الحاكم مطلقاً .. وهذا الأمر يكون واضحاً بملاحظة ما تقدّم ذكره من كون الغرض من تشريع القضاء إنما هو الفصل في القضايا وحسم مادة النزاع فيها ومن أن حالات العلم بالخطأ في الدعاوى ليست حالات نادرة وقليلة فإنه مع ذلك يُلاحظ أن الإمام (عليه السلام) حكم في هذه الرواية الشريفة بلزوم قبول حكم الحاكم وصرّح بان عدم قبوله يعني الاستخفاف بحكم الله تعالى والردّ على أوليائه الأطهار ولم يُقيّد القبول فيها بما إذا لم يُعلم بالخطأ والخلاف فتدل الرواية حينئذ على لزوم قبول حكم الحاكم مطلقاً مما يعني عدم جواز نقضه .
 وثانياً : صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة فإن الوارد فيها قوله (عليه السلام) : " إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حقّ له قِبَله ذهبت اليمين بحقّ المدّعي فلا دعوى له، قلت له : وإن كانت عليه بينة عادلة ؟ قال : نعم وإن أقام بعدما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادّعاه قِبَله مما قد استحلفه عليه " .
 وهي تدل بوضوح على أن يمين المُدّعى عليه التي هي أحد موازين باب القضاء إذا حكم الحاكم استناداً إليها فإنها تذهب بحقّ المدّعي وتُسقط الدعوى ، ولم يُقيّد الحكم فيها بذهاب حقّ المدّعي بما إذا لم يُعلم بعدم مطابقته للواقع .
 والنتيجة أن المستظهر من الأدلة أن حكم الحاكم مطلق فلا يبرّر نقضه العلم بالخطأ والخلاف ، نعم .. هناك خصوصيات في موارد أخرى وسيأتي الحديث عنها - قد تبرّر النقض ولكن لم يُفترض في محلّ الكلام وجود شيء منها البتة غاية الأمر حصول العلم بمخالفة حكم الحاكم للواقع بنظر الغير .
 هذا تمام الكلام في المورد الأول .
 المورد الثاني : وقد طرح في البحث السابق ولا مزيد على ما طُرح فيه .
 المورد الثالث : ما إذا كان حكم الحاكم مستنداً إلى علمه - بناءً على أن علم الحاكم أحد طرق الإثبات القضائي وليس مستنداً إلى بينة أو يمين أو إقرار فهنا هل يجوز لحاكم آخر ليس له مثل ذلك العلم بالقضية أن ينظر فيها ويحكم بخلاف ما حكم به الحاكم الأول استناداً إلى بيّنة عنده - مثلاً وهل يجوز للمحكوم عليه في القضية أن يترافع إلى حاكم آخر أم لا يجوز كلا الأمرين بسبب أن حكم الحاكم المستند إلى علمه كحكمه المستند إلى البيّنة هو حكم نافذ يحرم ردّه ونقضه أو الترافع من قبل أحد المتخاصمين إلى حاكم آخر .
 ربما يقال هنا باحتمال عدم نفوذ حكم الحاكم المستند إلى علمه على أساس التفريق في مستند الحاكم بين علمه وبين البيّنة فيُلتزم بعدم جواز نقض حكم الحاكم المستند إلى البيّنة باعتبار أنها كما هي حجة عند الحاكم الأول هي حجة أيضاً عند الحاكم الثاني فلا يبقى ثمة مبرر لنقض حكم الحاكم الأول من قبل الحاكم الثاني .. وهذا بخلاف العلم الشخصي إذا استند إليه الحاكم فإنه لا يكون حجة على غيره من الحاكمين فبإمكان حاكم آخر نقض حكم الحاكم الأول فيحكم حكماً آخر استناداً إلى البيّنة .
 ويأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى .