34/08/20


تحمیل
 الموضوع: مسألة 108
 قال(قده):( مسألة 108 ) : الظاهر أنّ أداء الشهادة واجب عيني ، وليس للشاهد أن يكتم شهادته وإن علم أنّ المشهود له يتوصّل إلى إثبات مدّعاه بطريق آخر . نعم ، إذا ثبت الحقّ بطريق شرعي سقط الوجوب .
 ذكر هذه المسألة بعد مسالة 107 وقبل مسالة 109 التي يتعرض فيها الى النحو الثاني لتحمل الشهادة وهو تحمل الشهادة من دون إستدعاء وطلب كأنّه يشعر بان النزاع في ان وجوب أداء الشهادة هل هو عيني او كفائي؟ يختص بالوجوب في النحو الاول من تحمل الشهادة ، بينما هو لايختص بذلك ، بمعنى ان الكلام في وجوب اداء الشهادة في النحوين لو قلنا بالوجوب في النحو الثاني كما هو احد الاقوال في المسالة كما سيأتي ، بل الكلام في مطلق وجوب أداء الشهادة هل هو عيني او كفائي؟
 وعلى كل حال فالظاهر أتفاق الفقهاء على أن أداء الشهادة واجب كفائي ، بل حكي الاجماع عليه في كلماتهم من قبل جماعة من الفقهاء ، لكن السيد الماتن يقول هو واجب عيني ، وفسر العينية بانه ليس للشاهد ان يكتم شهادته وان علم ان المشهود له يتمكن من اثبات مدعاه بطريق اخر فمثل هذا لايسقط عنه الوجوب ولذا صار وجوب اداء الشهادة وجوباً عينياً ، وأما إذا ثبت مدعى المشهود له بان شهد له فعلاً عادلان فهنا يسقط الوجوب والمشهور يتفق معه على ذلك ، ولكن المشهور سمّى هذا بالواجب الكفائي لانه إذا قام به الغير سقط عن الباقين لانه لاحظ الاداء (الذي هو الواجب) بالقياس الى صدوره من الغير وعدم صدوره ولاحظ ان وجوب اداء الشهادة يسقط بلا اشكال عند صدوره من الغير ، والسيد الماتن وافق على هذه النتيجة فيقول يسقط الوجوب بقيام الغير باداء الشهادة وثبوت المدعى ، لكنه سماه عيني لانه لاحظ الاداء الواجب ليس بالنسبة الى صدوره من الغير وعدم صدوره ، وانما لاحظه بالنسبة الى العلم بتمكن الغير من اثبات مدعاه بطريق اخر وعدم العلم بذلك ، وحينما لاحظ بان الاداء واجب بالرغم من التمكن من اثبات المدعى بطريق اخر سماه بالواجب العيني .
 إذاً الجهة الملحوظة في تسمية هذا الواجب بالعيني او الكفائي يبدو انها مختلفة فيما بين السيد الماتن والمشهور.
 ومن هنا يمكن ان يقال انه لاخلاف حقيقي بينهما ، بمعنى ان كل منهما يتفق على سقوط الوجوب عند صدور الاداء من الغير وكل منهما يتفق على عدم سقوط الوجوب بمجرد العلم من اثبات مدعاه بطريق اخر غاية الامر انهما يختلفان في التسمية فأحدهما يسميه بالواجب العيني والاخر يسميه بالواجب الكفائي .
 ويبدو ان تسمية المشهور هي الاصح ، بإعتبار ان المتعارف في تقسييم الواجب الى عيني او كفائي هو ملاحظة الواجب بالقياس الى صدوره من الغير او عدم صدوره ، فيقال ان الصلاة او الصوم او غيرهما واجبات عينية لان الواجب لايسقط في حال صدوره من الغير ، وبعبارة اخرى ليس الغرض قائم بذات الفعل وتحققه بالخارج فقط ، بل الغرض صدور الفعل من الفاعل مع توجه الخطاب الى جميع المكلفين ،واما لو كان الغرض الداعي الى الوجوب هو تحقق الفعل من أي فاعل كان فهذا الوجوب يسقط بتحقق غرضه عند قيام احد الاشخاص بالاتيان بالعمل وهذا هو الواجب الكفائي ، فالملحوظ في الواجب العيني والواجب الكفائي هو الفعل بالنسبة الى صدوره من الغير وعدم صدوره من الغير .
 وتطبيق هذا الميزان في محل الكلام يجعل كلام المشهور صحيحاً لان الأداء الواجب بالاضافة الى صدوره من الغير وعدم صدوره يسقط بافتراض صدوره من الغير مما يعني انه واجب كفائي لاواجب عيني ، وهذا بخلاف التحمل الذي استقربنا انه واجب عيني تمسكاً بإطلااقات أدلته إذ هو لايسقط بقيام من به الكفاية به ، ودعوى لابدية سقوط الوجوب فيه بتحقق غرضه مدفوعة -كما ذكرنا - بان مجرد تحمل اثنان للشهادة لايورث علماً بتحقق الغرض لاحتمال طرو احد الموانع من قبيل الموت والمرض ونحوهما ، فلامانع من الاحتياط بإشهاد اكثر من اثنين ممن به الكفاية لكي يحقق غرضه من ضمان اداء الشهادة في وقتها فلا مانع من الالتزام بالوجوب العيني للتحمل بمعنى انه لايسقط بمجرد قيام من به الكفاية .
 وعلى كل حال ، إنّ وجوب الاداء لايسقط بمجرد العلم بان المشهود له يتمكن من اثبات مدعاه بطريق اخر كما ذكر السيد الماتن وهذا لاأشكال فيه عند الطرفين، كما انه لاأشكال من سقوط الوجوب عند قيام من به الكفاية باداء الشهادة وثبوت المدعى بها .
 قال(قده):( مسألة 109 ) : يختصّ وجوب أداء الشهادة بما إذا أُشهد ، ومع عدم الإشهاد ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد. نعم ، إذا كان أحد طرفي الدعوى ظالماً للآخر وجب أداء الشهادة لدفع الظلم وإن لم يكن إشهاد.
 ................
 مشهور المتأخرين ذهبوا الى وجوب أداء الشهادة ولم يفرقوا بين نحوي تحمل الشهادة ، بمعنى انه يجب على من تحمل الشهادة ولو من دون إستدعاءٍ ان يؤدي الشهادة ، وفي المقابل ذهب جماعة من القدماء على ماحكي عنهم الى عدم الوجوب كالاسكافي والشيخ في النهاية وظاهر الحلبي والقاضي وبن حمزة وبن زهرة والكليني والصدوق فان المفهوم من كلمات هؤلاء انهم يرون عدم وجوب الاداء حتى في النحو الثاني .
 ومن هنا وجد استفهام عن منشأ هذا التضارب في الكلمات مع ان الروايات كثيرة وصريحة وصحيحة على عدم الوجوب إذ مضمونها انه بالخيار بيين ان يشهد او ان لايشهد .
 ويدل على عدم الوجوب روايات عديدة مروية في الباب الخامس من ابواب الشهادات:
 منها: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد ، وإن شاء سكت [1] .
 ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار ، إن شاء شهد ، وإن شاء سكت ، وقال : إذا أشهد لم يكن له إلا أن يشهد [2] .
 ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( عليه السلام )قال: إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار ، إن شاء شهد ، وإن شاء سكت [3] .
 ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) في الرجل يشهد حساب الرجلين ، ثم يدعى إلى الشهادة قال : إن شاء شهد ، وإن شاء لم يشهد [4] .
 ومنها: رواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما ، قال : ذلك إليه إن شاء شهد ، وإن شاء لم يشهد ، وإن شهد شهد بحق قد سمعه ، وإن لم يشهد فلا شئ ، لأنهما لم يشهداه [5] .
 والمراد من(فيطلبان منه الشهادة) هو طلب أداء الشهادة .
 وهذه الروايات على كثرتها تردد المتاخرون في الاخذ بمضمونها ،وقد علل الشهيد الثاني ذلك بعموم الادلة على إقامة الشهادة وبإنها امانة حصلت عنده فوجب عليه الخروج منها كما ان الأمانات المالية تارةً تحصل عنده بقبولها كالوديعة وتارةً بغيره كتطيّر الريح وما نحن فيه من هذا القبيل وعل كلا التقديرين يجب عليه أداؤها .
 وهذا الكلام لايسعنا الموافقة عليه.
 أما الاول فواضح ، فإنّ عموم ادلة إقامة الشهادة يخصص بما دل من الروايات على التخيير في النحو الثاني من التحمل .
 وأما الثاني ، فإنّه مجرد استحسان خصوصاً مع وجود هذه اروايات الصحيحة التي تفصل بين النحوين من التحمل .
 وعلى كل حال ، يبدو ان الصحيح ماعليه المتقدمين من الذهاب الى عدم الوجوب نعم ، لابد من تقييد عدم الوجوب في النحو الثاني بما إذا لم يكن احد الطرفين ظالماً للأخر ، واما إذا كان أحدهما ظالماً للأخر بحسب تشخيص من تحمل الشهادة فيجب عليه أداء الشهادة ، وقد صرح بها الاستدراك بعض المتقدمين الذين ذهبوا الى عدم الوجوب كالشيخ في النهاية والصدوق ، ودلت عليه أكثر من رواية معتبرة والعمدة هي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار ، إن شاء شهد ، وإن شاء سكت ، إلا إذا علم من الظالم فيشهد ، ولا يحل له إلا أن يشهد [6] .
 ومرسلة يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار ، إن شاء شهد ، وإن شاء سكت ، إلا إذا علم من الظالم فيشهد ، ولا يحل له أن لا يشهد [7] .
 فان الخدش فيها من جهة الارسال من قبل يونس فقط واما باقي رجال السند لابأس بهم .
 وعليه ، فماذكروه من الاستدراك صحيح ولابد من لالتزام به لقيام الرواية الصحيحة عليه .
 والظاهر ان المراد من الظالم هو مطلق من يأخذ حق الغير ولو لم يكن عن علم وعمد فيجب على من تحمل الشهادة أداء الشهادة حينئذٍ وان كان الآخذ يعتقد ان ماأخذه هو حق له .


[1] الوسائل (آل البيت) ج27،ص317،ح1
[2] الوسائل(آل البيت) ج27،ص318،ح2
[3] الوسائل(آل البيت) ج27،ص318،ح3
[4] الوسائل(آل البيت) ج27،ص319،ح6
[5] الوسائل(آل البيت) ج27،ص319،ح5
[6] الوسائل(آل البيت) ج27،ص318،من نفس الباب ،ح4
[7] الوسائل(آل البيت) ج27،ص320،ح10