35/01/26


تحمیل
الموضوع: الصوم : ضروريات الدين
استعرضنا ادلة القول الثالث وتبين عدم تماميتها والان نقول مزيدا على ما تقدم يلاحظ على القول الثالث امرين :-
الاول :- ان القول الثالث يستلزم الغاء خصوصية عنوان الضروري فأنه لا يفرق بين الضروري وغيره من حيث ان الانكار فيهما يستلزم الكفر في حالة العلم لأنه يستلزم انكار احد الاصلين.
وعليه فلا داعي للتقييد بهذا العنوان (الضروري ) بل كان المفروض ان يذكروا ان الكافر من انكر التوحيد والرسالة , بينما هم ذكروه ( كما في الشائع )معطوفا على الكفر بأنكار الرسالة والتوحيد ,
فالوجه الثالث عليه ان يجيب عن هذه الاشكال ما هو الوجه في ذكر الفقهاء جميعا (أي من تعرض للمسألة ) لعنوان الضروري مع انه بناءا على القول الثالث ليس له أي خصوصية .

واجاب المحقق الاشتياني في حاشيته المعروفة على الرسائل وحاصل الجواب هو ان الوجه في افراد الضروري في الذكر في كلمات الفقهاء هو طريق لأحراز علم المنكر بثبوت ما انكره في الدين , فيكون الفرق بينه وبين غيره مع ان الحكم يجري في غيره من الاحكام الشرعية, ان غير الضروري من الاحكام الشرعية لا نستطيع احراز الثبوت ,فلا ملازمة بين انكاره وبين العلم بثبوته في الدين بخلاف الضروري حيث توجد ملازمة بينهما.
اقول ان هذا الامر وان كان ممكنا لكن حمل كلماتهم جميعا على ذلك الظاهر انه لا يخلو من صعوبة بأعتبار انه اولا خلاف الظاهر في نفسه فالظهور الاولي للكلام انه ليس من هذا الباب وثانيا ان اللازم من هذا الكلام هو استثناء صورة الشبهة , أي انه بناءا على هذا القول لابد من استثناء صورة الشبهة مع ان الكثير من الفقهاء لم يستثنها .
الامر الثاني : ان القول الثاني بالمعنى المطروح له يعجز عن تفسير الحكم بكفر الخوارج والنواصب الذي لا اشكال فيه كما تقدم (ورود روايات صحيحة في ذلك) حيث لا يمكن القول بأن نحكم بكفرهم لأن انكارهم يلازم انكار الرسالة او التوحيد , ولذا ذكرهم الفقهاء كمثال لمن انكر الضروري وليس لمن انكر الاصلين, بينما المناسب بناءا على القول بالامارية هو ان يكونوا مثالا لأنكار الرسالة .

القول الرابع :
وقد نقلناه سابقا عن الشيخ الانصاري وقلنا ان له تفصيل في المسألة وحاصله ان التفصيل بين القاصر والمقصر في خصوص ما اذا كان المنكَر من الاحكام العملية الضرورية واما اذا كان المنكَر من الامور العقائدية فأنه يحكم بكفره مطلقا , اما في الاحكام العملية فإذا كان قاصرا فأنه لا يحكم بكفره , واما اذا كان مقصرا فأنه يحكم بكفره , والذي يظهر من كلامه المذكور في كتاب الطهارة هو انه يعترف بأطلاق الادلة بل بأطلاق الفتاوى ايضا وان مقتضى الاطلاق هو الالتزام بالكفر حتى مع الشبهة من دون فرق بين كون المنكر قاصرا او مقصرا , لكن لوجود مانع يمنع من الاطلاق في خصوص المنكر القاصر مع كون المنكر من الاحكام العملية والمانع هو انه كيف يمكن الحكم بكفر شخص قاصر ولقصوره هو غير مكلف بما انكره لا مكلف بالتدين به ولا مكلف بالعمل على طبقه , فمثلا شرب الخمر فهو غير مكلف بالتدين به لأن المطلوب فيه هو العمل وليس الاعتقاد , وغير مكلف بالعمل على طبقه لفرض جهله بحرمة شرب الخمر , فمثل هذا الحكم الشرعي كيف يمكن القول انه اذا انكره يحكم بكفره ؟؟
فالواقع انه يستبعد الحكم بالكفر في مثل هذا الفرض , اذن هناك مانع من الالتزام بأطلاق الادلة في المقام , بخلاف المقصر حيث انه لمكان تقصيره فهو مكلف بالعمل على طبق ما انكره وان كان جاهلا به لأن هذا الجهل هو الذي اوقعه , وعدم الاختيار هذا لما كان بالاختيار لا ينافي استحقاق العقاب اذا ترك العمل , هذا هو التفصيل الذي ذهب اليه الشيخ الانصاري كما يظهر من كلماته في كتاب الطهارة .
والذي يلاحظ على هذا التفصيل هو ان مسألة ربط الحكم بالكفر بما اذا كان الشخص المنكر مكلفا بالعمل او بالتدين بما انكره غير واضح بحيث ان المكلف اذا كان مكلفا بالعمل على طبق ما انكره او مكلفا بالتدين كما في الامور العقائدية بما انكره فأنه يحكم عليه بالكفر, اما اذا كان غير مكلف فلا يحكم عليه بالكفر , فهذا الربط بين الامرين غير واضح وهو لم يأتي بدليل عليه وانما الذي ذكره هو الاستبعاد وفي الحقيقة اننا اما ان نعترف بأطلاق الالة او لا ؟ فعلى الثاني لا اشكال في الكلام في عدم الشمول للمورد (القاصر) واما على الاول كما هو ظاهر الادلة والاعتراف بذلك وان مقتضى هذه المطلقات هو الحكم بكفر القاصر و المقصر فأن هذا الاستبعاد المجرد لا يبرر رفع اليد عن هذه المطلقات بالنسبة للجاهل القاصر, ولعل الشيخ الانصاري اشار الى هذا المطلب بقوله في هذه المسألة (في غاية الاشكال) , واضافة الى ذلك فأن ما ذكره قد يجري في الامور العقائدية كما في المعاد اذا كان الجهل فيه جهلا قصوريا, فنقول كيف يحكم بكفره مع انه غير مكلف لا بالعمل على طبقه لأنه من الامور العقائدية التي لا يطلب فيها العمل وانما يطلب فيها الاعتقاد وغير مكلف بالتدين والاعتقاد لفرض جهله القصوري , بل يجري الكلام في النبوة ايضا كما لو افترضنا انه جاهل في النبوة وانكرها جهلا .
فهناك اشكالات ترد على هذا التفصيل وتوجب عدم الالتزام به .
وعلى كل حال فأن هذه الاقوال الاربعة هي من اهم الاقوال في المسألة .
ومما تقدم في مقام التعليق على هذه الاقوال وعلى ادلتها انتهينا الى نتيجة ونعتقد بأنها هي الرأي الصحيح في محل الكلام بغض النظر عن التسميات _ كما قلنا ان التسميات غير مهمة فالمهم في محل الكلام هو النتيجة العملية _ هو الحكم بكفر المنكر للضروري مطلقا (اي سواء كان عالما بثبوت ما انكره في الدين او كان جاهلا بذلك اي حتى مع فرض الشبهة ) وهل ان هذه النتيجة تسمى السببية ( مع قطع النظر عن الملاحظة الاخير التي استفدناها من كلمات الشيخ الانصاري على ما تقدم ) او الامارية؟؟ لا اشكال في ذلك لكن بالنتيجة فأن المنكر للضروري يحكم بكفره عالما بالثبوت او جاهلا به كما في حال صاحب الشبهة عملا بأطلاق الادلة المتقدمة , نعم هناك مشكلة تواجه هذا الالتزام الذي ذكرناه وهي ان الالتزام بالكفر حتى في حال الشبهة, والمشكلة هو ان هناك روايات تقول ان المعتبر في الاسلام هو الاقرار بالشهادتين فقط وقلنا ان لازم هذا الكلام ان الخروج عن الدين لا يكون الا بأنكار احد هذين الامرين لأن الكفر هو الخروج عن الاسلام يعني انكار ما يعتبر في الاسلام فلا معنى لتسمية من انكر شيئا ليس معتبرا في الاسلام كافرا, فأن الكفر يقابل الاسلام وما يعتبر في الاسلام انكاره يكون كفرا وخروجا عن الدين , وعليه فلابد ان يكون الشخص الذي حكمنا بكفره قد انكر احد هذين الاصلين , فالعالم بثبوت ما انكره في الدين لا اشكال في الحكم بكفره لوجود الملازمة فيكون منكرا للرسالة , اما صاحب الشبهة كيف نحكم بكفره ؟ مع انه بحسب ما تدركه عقولنا ان انكاره لا يرجع الى انكار الرسالة .
فهنا يقع التنافي وقلنا ان علاج هذا التنافي هو ما ذكره الشيخ الانصاري اي ان نلتزم بأن المعتبر في الاسلام هو الاقرار بالشهادتين لا اكثر , ولا يعتبر فيه الاقرار بضروريات الدين تفصيلا , وانما المعتبر كما عبر عنه الشيخ الانصاري التصديق الاجمالي بالرسول والذي هو في واقعه يستبطن التصديق بكل ما جاء به الرسول(صلى الله عليه واله) لكن من دون العلم بالتفاصيل, لأن عدم التصديق بل التشكيك بصحة ما جاء به يعني عدم التصديق بالرسالة , والتصديق بالرسول ولو اجمالا لا يبعد ان يكون معتبرا في الاسلام فالتصديق بالرسالة المراد منه ان يشهد ان هذا رسول الله وانه مبعوث من قبل الله وان كل ما يأتي به هو من قبل الله وحقيقة وواقع, لكن من دون معرفة التفاصيل , وهذا يعني التصديق بكل ما جاء به الرسول من الضروريات وغيرها , اذن الذي يدخل في الاسلام ويتشهد الشهادتين فأنه يصدق الرسول بحسب ظاهر كلامه بكل ما جاء به فيتحقق الاسلام, ويخرج عن الاسلام اذا انكر شيئا يوجب التراجع عن هذا التصديق وفي صورة العلم بأن ما انكره ثابت في الدين فأن هذا التراجع واضح, ولا يحتاج الى اقامة دليل لكن في صورة الشبهة فأن هذا التراجع يحتاج الى دليل والروايات التي تحكم بكفر صاحب الشبهة كما في الروايات الواردة في من انكر الفرائض كالحج وحرمة شرب الخمر ووجوب الصلاة فحينئذ لابد ان نستكشف منها ان هذا تراجع عن التصديق السابق وهذا نستكشفه من الروايات الواردة في كفر منكر الضروري مطلقا حتى لو كان صاحب شبهة .