35/01/28


تحمیل
الموضوع: الصوم: فصل في النية

قال الماتن (فصل في النية يجب في الصوم القصد إليه مع القربة والإخلاص كسائر العبادات ولا يجب الإخطار، بل يكفي الداعي .......)
والكلام على ضوء هذه العبارة فيما يسمى بأبحاث النية التي تجري في كل العبادات ولا تختص بالصوم.
والذي يفهم من العبارة هو اعتبار امرين في الصوم
الاول: قصد القربة والاخلاص والثاني: القصد اليه حسب تعبيره في المتن , اما قصد القربة والاخلاص فالمقصود به ان المكلف عندما يترك المفطرات لابد ان يقصد التقرب بذلك الى الله تعالى وان يكون الترك لأجل الله تعالى.
اما القصد اليه فالظاهر من العبارة هو القصد الى الصوم وهو الذي يعبر عنه في كلماتهم (بقصد العنوان) أي ان المعتبر في الصوم قصد القربة وقصد العنوان وهناك شيء ثالث يذكر في كلماتهم وهو (اعتبار القصد بمعنى الارادة والاختيار) , والمراد بهذا الاعتبار صدور العمل بإرادة واختيار بحيث يستند العمل الى ارادته واختياره في قبال ما لا يعتبر فيه ذلك كالواجبات التوصلية فليس المطلوب فيها صدور العمل عن ارادة بل لو صدر منه غافلا يكون العمل صحيحا ومجزيا .
والاول (قصد القربة ) ينتقض عندما يكون العمل رياء او أي حال اخر يكون العمل لغير وجه الله تعالى والثاني (قصد العنوان ) ينتقض اذا ترك المفطرات في شهر رمضان بداعي الهي لكن من دون قصد العنوان ( الصوم ) كما لو فرضنا ان المفطرات كانت مضرة بصحته فنهاه الطبيب عنها فتركها قربة الى الله تعالى لأن تناول المضر محرم عليه .
الثالث ( القصد بمعنى الارادة ) ينتقض كما لو كان غافلا او نائما او ان حالته تشمئز من المفطرات.
اما الامر الاول فالظاهر انه لا اشكال ولا خلاف في اعتبار قصد القربة في الصوم ولا داعي للأستدلال على ذلك فالمسألة من الواضحات المسلمة التي لا يمكن التشكيك فيها
نعم السيد الخوئي ذكر هذا البحث واطال الكلام فيه وذكر نصوص من القرآن الكريم ومن الروايات يرى انها دالة على ان الصوم من العبادات لكن لا داعي للدخول في هذا المطلب .
اما الامر الثاني (قصد العنوان ) الذي يحتمل ان يكون هو مراد المصنف في قوله (القصد اليه ) أي القصد الى الصوم .
فأعتبار قصد العنوان يترتب عليه ان المكلف اذا ترك المفطرات من دون قصد العنوان وان كان قاصد القربة اليه تعالى لا يعد صائما .
اما على القول بعدم اعتبار قصد العنوان فأن ترك المفطرات بقصد القربة يكفي في صحة الصوم وان كان قصد القربة راجع الى امر اخر غير عنوان الصوم كما مثلنا في حال كون المكلف منتهيا عن المفطرات المضرة بصحته لأن تناول المضر امر محرم .
والبحث يرتبط بهذه الجهة
هل ان الصوم من العناوين القصدية التي يرتبط في صحتها قصد العنوان من قبيل السجود والاحترام فلابد من القصد لتحقق مفهومها ؟
او انه ليس من العناوين القصدية فهو يتحقق حتى مع عدم قصده ؟
فقصد العنوان يؤخذ لكي يتميز به الفعل عن الافعال الخارجية الاخرى فهناك افعال خارجية متشابهة لا تتميز الا بالعنوان ويمثل لذلك بصلاة الظهر وصلاة العصر فهما لا فرق بينهما من حيث الكيفية وانما تتميز احداهما عن الاخرى بقصد العنوان .
وكذلك السجود والركوع من هذا القبيل فمثلا الانحناء تارة يكون لأخذ شيء من الارض واخرى يكون ركنا من اركان الصلاة أي ركوعا, ولا يميز هذا عن ذاك من حيث الافعال الخارجية فكل منهما يشبه الاخر تماما وانما يحصل التمييز بينهما بواسطة القصد .
والسؤال هل ان الصوم من هذا القبيل ؟ام لا ؟
فهناك رأي يرى انه من العناوين القصدية ولعل عبارة المصنف تساعد على ذلك او لا اقل انه امر محتمل فيها .
ولا يوجد دليل يدل على ان الصوم من العناوين القصدية , نعم في باب صلاة الظهر والعصر دل الدليل على ان الظهرية والعصرية من العناوين القصدية كما يذكر في محله .
ويمكن ان يقال ان اثبات كون الصوم من العناوين القصدية لا يتوقف على وجود دليل يدل على ذلك , فهناك طريق اخر لأثباته وهو التمسك بالظهور العرفي .
فمن ترك المفطرات في شهر رمضان قاصدا امتثال التكليف الشرعي بحرمة تناول المضر (المفطرات ) من دون ان يقصد الصوم , فهل يراه العرف صائما ويسميه صائما ؟؟
من الواضح ان العرف لا يراه صائما وهذا في نفسه يمكن ان يجعل دليلا على ان الصوم من العناوين القصدية ويمكن تأييد هذا الكلام ببعض الروايات التي ذكرها الشيخ صاحب الوسائل منها رواية عمار الساباطي (عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام ؟ قال : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى الافطار فليفطر)[1]
والرواية معتبرة وموثقة وطريقها (الشيخ الطوسي بسنده عن علي بن الحسن بن فضال، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي)
وقد تجاوزنا مشكلة سند الشيخ الطوسي الى علي بن الحسن بن فضال وان كان فيه الزبيري كما تقدم مرارا.
اقول يمكن ان يستفاد من هذه الرواية اعتبار نية الصوم بل ظاهر الرواية المفروغية عن نية الصوم بأعتبار ان السائل سأل (متى ينوي الصيام ؟)
وفي الحديث الثامن من نفس الباب ايضا تعبير مشابه وهي رواية معتبرة لهشام بن سالم (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأى في الصوم، فقال : إن هو نوى الصوم قبل ان تزول الشمس حسب له يومه، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى .)[2]
اقول يمكن تأييد ما ذكرناه بالروايات ولا نجعلها دليلا لأحتمال انها ليست ناظرة الى محل الكلام وانما هي ناظرة الى نية الصوم في قبال نية الافطار لا نية الصوم بالمعنى المطروح (اعتبار قصد العنوان ).
وعلى كل حال اتضح الى هنا ان العرف يساعد على اعتبار قصد العنوان وسيأتي ما له ربط بهذا الكلام .
واما اعتبار القصد بمعنى الارادة والاختيار الذي قلنا انه لا يتحقق في حالة الغفلة او حال كونه مقهورا على الترك لأن الترك حينئذ لا يستند الى اختياره وارادته .
ففي الواجبات التوصلية لا يعتبر فيها القصد بهذا المعنى كما لو جاء المطر وطهر الثوب فأنه يتطهر مع انه ليس فيه اختيار وارادة .
اما في الصوم فقد يقال بعدم الاعتبار ويصح الصوم وان صدر بدون اختياره وارادته بل قد يقال ان هذا هو الفارق بين الواجبات التي يكون المطلوب فيها امرا عدميا(كالصوم والاحرام ) وبين الواجبات التي يكون فيها المطلوب امرا وجوديا (كالصلاة والزكاة ).
فأن المطلوب بالواجبات التي يكون المطلوب فيها امرا عدميا هو مجرد الترك وان لم يستند هذا الترك الى ارادة واختيار.
اما الواجبات التي يكون المطلوب فيها امرا وجوديا فلابد ان يستند فيها الفعل الى الارادة والاختيار
واُستدل على ان الصوم من الواجبات التي لا يعتبر فيها الارادة والاختيار انه بناء على القول بالاعتبار يلزم بطلان الصوم عند النوم والغفلة او اشمئزاز النفس من المفطرات .
مع ان القول بصحة الصوم في هذه الحالات يكاد ان يكون ضروريا.