38/04/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

وأتمكن أن أقول بعبارة أخرى:- إنه مادام الداعي هو الرزق فالقربة متحقّقة ولكن بأدنى مراتبها فإنَّ هذه عبادة العبيد.

ونقرأ عباراتهم:- قال الشيخ الأعظم(قده):- ( فإن قلت يمكن أن تكون غاية الفعل التقرب والمقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الأجرة كما يؤتى بالفعل تقرباً إلى الله ويقصد منه حصول المطالب الدنيوية كأداء الدين وسعة الرزق وغيرهما من الحاجات ، قلت:- فرقٌ بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرّب إليه من العمل وبين الغرض الحاصل من غيره فإن طلب الحاجة من الله تعالى سبحانه ولو كانت دنيوية محبوب عند الله فلا يقدح في العبادة بل ربما يؤكدها )[1] , وعبارته واضحة فيما اشرنا إليه.

وقال الشيخ النائيني(قده):- ( ومنها أن أخذ الأجرة من قبيل الداعي إلى الداعي إذ ليس في عرض داعي الامتثال بل في طوله فالداعي على الامتثال هو أمر الله والمحرّك لإتيان الفعل بداعي الله هو الأجرة وفيه إنه لو كان هذا إشكالاً لكان أولى وأحق من أن يكون جواباً فإنه لولا الأجرة لما حصل للعامل الداعي إلى اتيان الفعل لله سبحانه فصار محرّكه إلى العمل بالآخرة هو الأجرة )[2] ، ثم تعرض إلى مسألة الصلاة لتوسعة الرزق وأجاب وبنفس جواب الشيخ ، ثم قال ما نصّه:- ( وبالجملة لو وقع في سلسلة داعي العمل داعٍ غير إلهي يخرج لعمل عن كونه قربياً ) ، إلى أن تعرّض إلى مسألة طلب الرزق وأجاب بهذه العبارة:- ( إن الاتيان بالصلاة لأمر الله سبحانه حتى يوسع في رزقه ...... عبادة وإن لم تكن عبادة الأحرار ) ، ولماذا قال هو عبادة ؟ باعتبار أنَّ هذا شيء محبوب إلى الله تعالى فيكون عبادة.

إذن العلمان ردّا فكرة الداعي إلى الداعي.

ويردّه:-

أوّلاً:- إنَّ العلمين أجابا عن مسألة الصلاة لتوسعة الرزق بأنَّ ذلك شيء محبوب عند الله تعالى - أي الطلب لتوسعة الرزق - ، ونحن نقول:- هذا صحيح ولكن هذا لا يكفي لصيرورة الصلاة عبادة إلا إذا أتيت بالصلاة طلباً للرزق من الله تعالى فتقول هكذا ( أصلي يا ربِّ طلباً للرزق والتوسعة منك ) ، فالتوجّه إلى الله تعالى والطلب منه هو الذي جعل العمل محبوباً وبالتالي يكون عبادة ، أما أن يأتي بالصلاة وهو نيته أن يكثر ماله ولكنه لم يتوجه إلى الله تعالى بل هو سمع أنه توجد صلاة لتوسعة الرزق ولكن لا يتوجّه بالطلب إلى الله تعالى فهذا لا يصير هذا الداعي داعياً إلهياً محبوباً ، وهي نكتة ظريفة.

فمّرة الانسان يأتي بالصلاة وهدفه الرزق وهو بناءه أنَّ القضية أوتوماتيكية علّة ومعلول فالصلاة تصير علّة للرزق وهكذا الناس يأتون بها وهذا لا ينفع في صيرورة العمل عبادة ، ومرّة يأتي بها فيقصد أنه يا ربِّ إني أصلّي ركعتين طلباً للرزق منك فهذا المكلّف يتوجّه بصلاته إلى الله ويطلب منه فيصير هذا العمل عبادة ، والمفروض أنَّ الناس يأتون هكذا والروايات قالت إنَّ هذه الصلاة جيّدةٌ للرزق ولم تُشِر إلى مسألة أنه لابد وأن يقصد الانسان بصلاته الطلب من الله تعالى فهذا لم تشر إليه الروايات ولا الناس يأتون بذلك بهذا الشكل ، فعلى هذا الأساس نقول هذا الحلّ الذي أبرزه العلمان لا ينفع فإنَّ الروايات لم تؤكد على قضية أنه لابدّ وأن يكون طلب الرزق من الله تعالى والناس أيضاً غافلون عن ذلك.

فإذن هذا الحلّ الذي ذكره العلمان ليس مقصوداً إلى الروايات فبقيت فكرة الداعي إلى الداعي بشكلها السابق عندنا على حالها ولا يصلح ما ذكره العلمان كرّدٍ عليها وأنه هنا الدواعي كلها قربية ، ونحن نقول:- كلا بل الدواعي ليست قربية ، لأنَّ الروق حيث لم يكن طلبه من الله فليس داعياً قربياً ، فبالتالي هذا الحلّ لا ينفع.

ثانياً:- ماذا يقصد العلمان في ردّهما هل يريدان أن يقولا إن القربية حاصلة والعبادية حاصلة - يعني في مسألة من يستأجر للإتيان بالعبادة - القربية والعبادة حاصلة لكن لا بالدرجة الكافية بل بدرجة ناقصة ضعيفة ، أو أنهما يريدان أن يقولاً أصلاً لا توجد عبادة وقربيّة ؟ فإن قصدا الأوّل نقول لهما إنه لا دليل على اعتبار الدرجة العالية وإنما منشأ اعتبار القربيّة هو الارتكاز والقدر المتيقن من الارتكاز هو اعتبار القربية ولو بدرجة ضعيفة ، وإن كانا يقصدان الثاني - يعني أنه أصلاً لا توجد قربة وعبادة مادام النتيجة تنتهي إلى الأجرة ولا يرد الاشكال بصلاة الرزق لأنَّ الرزق شيء محبوب إلى الله تعالى فهو مثلاً شيء قربي وعبادي - فنقول لهما ما رأيكما في الحج الاستيجاري ؟ فإنَّ الحج الاستيجاري - ونحن لا يوجد عندنا في العبادات رواية للاستيجار لا للصلاة ولا للصوم وإنما في الحج فقط فإنَّ هذا متّفق عليه بلا كلام أنه مشغول الذمّة بالحج ومات يخرج مقدار الحج من أصل تركته فإنَّ دَيْنَ الله أحقّ بالقضاء ، وهذا يقول به كلّ الفقهاء فلابدّ من ارسال أجيرٍ للحج ، فالمقصود أنَّ الاجارة للحج ثابتة بلا إشكال فكيف توجّهان - أيها العلمان - ذلك فإنه هنا توجد أجرة وليس رزقاً ، فتوجد عبادة استيجارية ، ولا تقل:- هذا خرج بالدليل ، فأقول:- لا تقل هذا لأنَّ هذا الذي دلّ عليه الدليل بالتالي هو قربيّ أو غير قربيّ ؟ إنك لا تستطيع أن تقول هو ليس قريباً فأنت اجعل هذا كاشفاً ان الله تعالى يقبل بهذه وإن كانت نهاية السلسلة هو الأجرة ولكن هذا المقدار كافي وحيث لا نحتمل الفرق بين الحج وبين بقيّة العبادات ، فإذا اكتفي في الحج فيكتفي بغيره ، وروايات الحج الاستيجاري أقوى دليل على صحّة فكرة الداعي إلى الداعي ، ولكن الاشكال المهم الذي يسجّل على العلمين هو أنهما لم يلتفتا إلى مسألة الحج الاستيجاري بل ذهبا إلى الصلاة لطلب الرزق وغاب عنهما الحج الاستيجاري ، فهذا يُسجّل عليهما وهو وأنكما لم يذكرا الحج الاستيجاري ولو بنحو إشكالٍ وجواب ، فإنهما غفلا عنه وهذا لا ينبغي أن يُغفل عنه.

إذن اتضح أنَّ فكرة الداعي إلى الداعي الوقوع أدلّ دليلٍ على الامكان.

وقد يقول قائل:- صحيح أنَّ هذه الرواية دلت على ذلك ولكن من قال إنَّ هذا من باب الداعي إلى الداعي ؟ فأقول عليك بالنتائج وليس عليك بالطرق والأسباب بالتالي العبادة الاستيجارية صحيحة ولا تتوقّف فيها إمّا من باب فكرة الداعي إلى الداعي أو باب فكرة أخرى ، إذن لا يوجد موجب للتوقّف من هذه الناحية . هكذا ينبغي أن يناقش ما أفاده العلمان.

بيد أنَّ السيد الخوئي(قده)[3] حاول أن يجيب ويرد على العلمين بشكل آخر غير مأ أشرت إليه حيث ذكر ما حاصله:- إنَّ العبادة لها اشكال أربعة ثلاثة في حقّ البشر والرابع خارج عن مستوى البشر ، أما الثلاثة التي هي في حقّ البشر الأوّل أن يأتي الانسان بالعمل طلباً للمزيد من الفضل والنعمة من الله عزّ وجلّ كما قال عزّ من قائل ﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم ﴾ فأنا أجيء بالعمل فاصلّي وأصوم وغير ذلك حتى يزيد الله تعالى في رزقي وفي النعم علي وغير ذلك ، والثاني أن أجيء بالعبادة من صلاة وصوم وغير ذلك طمعاً في جنته وخوفاً من ناره كما أشارت الآية الكريمة ﴿ ويدعوننا رغباً ورهباً ﴾[4] وهكذا ﴿ وادعوه خوفاً وطمعاً ﴾[5] ، والثالث هو أنه يعبد الله تقرباً إليه ونيلاً لرضاه هذا للعارفين والسالكين ، والرابع هو أنه لا يعبد الله تعالى تقربا ونيلاً لرضاه بل أعلى من ذلك بل هو أهل للعبادة لأنه كما ورد في الرواية:- ( ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك )[6] .

ونأتي إلى الأنحاء الثلاثة الموجودة في حق البشر:- وهذه الأنحاء الثلاثة إذا نظرنا إليها هي في النهاية ترجع إلى حبّ نفع النفس ، فأنا مثلاً أصلي لأجل الجنّة لأني أحبّ نفسي فحبّاً لنفسي أريد الجنّة وحبّاً لنفسي أريد إبعادها عن النار ، فبالتالي في جميع هذه الانحاء الثلاثة كلّها في نهاية السلسلة ترجع إلى حبّ النفس ، فلو كانت فكرة الداعي إلى الداعي باطلة وأنه يلزم أن تكون جميع السلسلة قربية فعبادات كلّ البشر ما عدى أمير المؤمنين عليه السلام - وبالأولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم - فيلزم أن تكون عبادة كلّ البشر باطلة لأنهم بالتالي كلّهم يعبدون الله تعالى ونتيجة السلسلة هي حبّ النفس وحبّ النفس ليس داعياً قربياً ، فكلّ عباداتنا صارت باطلة ، فإذن لا يضرّ كون نهاية السلسة شيء غير قربي مثل حبّ النفس أو مثل الأجر - كما هو محلّ كلامنا -.


[2] منية الطالب، النائيني، ج1، ص51.
[3] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج1، ص556.