35/06/14


تحمیل
الموضوع: الصوم :المفطرات : الاكل والشرب :الاستدلال على عدم مفطرية اكل وشرب غير المعتاد.
تقدم القول ان لفظ الاكل والشرب لم يرد في الادلة لكي يمكن التمسك بالإطلاق في مقام الاستدلال على قول المشهور ليشمل حكمُ المفطرية ما لا يعتاد اكله .
نعم قد يقال في محل الكلام يمكننا استكشاف كون الاكل والشرب موضوعين لحكم المفطرية في الادلة وان لم يُذكر ذلك فيها , ونستكشف ذلك من ادعاء الفقهاء قاطبة على ان موضوع المفطرية هو الاكل والشرب , فالمشهور عمدة ادلتهم اطلاق الاكل والشرب اي انهم يفترضون ان موضوع المفطرية هو الاكل والشرب, والقائل بالقول الاخر يسلم ايضا بأن موضوع المفطرية هو الاكل والشرب, غاية الامر انه يدعي انصراف هذا الاطلاق عن اكل غير المعتاد , اذن من الواضح ان كل من الاطلاق او الانصراف فرع وقوع الاكل والشرب موضوعا للمفطرية في الادلة, والا لا معنى للتمسك بالإطلاق ولا معنى لدعوى الانصراف, فإذا لم يقع الاكل والشرب موضوعا للمفطرية وكان موضوع المفطرية هو الطعام فهو اساسا لا يشمل اكل غير المعتاد ولا حاجة للإنصراف عن غير المعتاد, ويدعم ذلك ورود الاكل والشرب في الادلة خصوصا الآية القرآنية والروايات السابقة وان لم يمكن التمسك بأطلاقها لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة .
وقد يقال اذا استكشفنا ان الاكل والشرب هو موضوع الحكم بالمفطرية حينئذ يمكن التمسك بالإطلاق لشمول اكل غير المعتاد.
وفي قبال ذلك دعوى الانصراف او دعوى التخصيص وقد بينا سابقا دعوى الانصراف وذكرنا الجواب التقليدي وهو ان الانصراف لا يتحقق بعدم التعارف الخارجي او عدم شيوع الشيء خارجا لا يوجب الانصراف عن ذلك الشيء , بل يبقى اللفظ على اطلاقه شاملا لكل الافراد النادرة وغيرها .
ولبيان النكات في مطلب الانصراف لابد من القول ان الانصراف له ملاكات واسباب كثيرة ولا يمكن ان تُعطى ضابطة تجري في جميع الموارد لأنه يختلف بأختلاف الموارد, ولذا من المهم جدا التأمل في البحث الفقهي الذي يُدّعى فيه او يُنفى فيه الانصراف, والذي يمكن ان يقال في المقام هو ان هناك ما يمكن ان ينفع في معرفة الانصراف وعدمه, وهو مسألة الاستهجان العرفي لإستثناء الفرد النادر وعدم الاستهجان , فالاستهجان يجعل علامة مؤشرة على الانصراف, وعدم الاستهجان العرفي يجعل علامة على عدم الانصراف , والسبب في ذلك هو ان استثناء الفرد النادر اذا استهجنه العرف كما لو قال الدليل (الماء طاهر مطهِّر) فإذا اردنا معرفة شمول هذا الدليل لماء الكبريت (الذي هو فرد نادر) او ان الدليل منصرف عنه , نأتي الى هذا الميزان فنقول اذا قال المتكلم (الماء طاهر مطهر الا ماء الكبريت) فأن استهجن العرف هذا الاستثناء فهذا يعني ان اطلاق الماء منصرف عن ماء الكبريت وكأن العرف يقول ان ماء الكبريت اساسا غير داخل في هذا الدليل فلا يحتاج اخراجه الى استثناء, واما اذا رأى العرف ان الاستثناء في محله , كما لو قال الدليل (اعتق رقبة الا الرقبة الكافرة) فأنه لولا الاستثناء يكون هذا الفرد داخلا في العام والعرف لا يستهجن الاستثناء في هذا المورد فيكون العام شاملا له لولا الاستثناء وهذا مؤشر على عدم الانصراف , و ليس هذا هو المناط في الانصراف _ فالانصراف له مناطاته الخاصة _ لكن يمكن جعله مؤشرا اثباتيا , ومن هنا يظهر عندما يقال في مقام الاعتراض على الانصراف في موارد ثبوته _ كما يقال ان اللفظ موضوع للطبيعي للفرد النادر وغيره_ ان هذا الاعتراض ليست في محله لأن الذي يدعى الانصراف لا يدعي الانصراف في ان اللفظ لا يشمل الفرد النادر في الظهور الاستعمالي , فهو لا يريد القول بأن الرقبة ليس لها ظهور استعمالي في الكافر, فلا معنى بان يُجاب على هذا القول ان لفظ الرقبة موضوع للطبيعي وهو اعم من الرقبة الكافر والمؤمنة , فهذا صحيح بلا اشكال, وانما يدعي عدم شمول الظهور التصديقي , فهو يريد ان يقول ان المتكلم بهذا اللفظ الموضوع للطبيعي لا يقصد تفهيم الفرد النادر وانما يقصد تفهيم الافراد المتعارفة فقط , وعليه فعندما يحكم بالمفطرية مثلا و تمت دعوى الانصراف فهو لا يقصد تفهيم ان الحكم بالمفطرية ثابت لكل افراد الاكل والشرب وانما هو ثابت لبعض الافراد المتعارفة , فلا معنى للأشكال عليهم بهذا الاشكال .
وفي المقابل عدم استهجان الاستثناء نجعله كاشفا ومؤشرا على عدم الانصراف بالبيان الذي ذكرناه ومن هنا يظهر ان (القلة والندرة وعدم الشيوع وعدم التعارف) كلها تؤدي الى معنى واحد ليست ملازمة للأنصراف فقد يكون هناك في موارد القلة والندرة انصراف وقد لا يكون , وذلك لما قلناه من ان الانصراف له ملاكاته الخاصة ليست منه القلة والندرة , فالقلة وحدها ليست ميزانا للأنصراف وانما لابد من ملاحظة الظروف والقرائن التي قد يفهم منها الانصراف وقد يفهم منها عدم الانصراف , مثلا لفظ الحيوان ثبت انه منصرف عن الانسان مع انه لغة يشمل الانسان و ان الانسان ليس فردا نادرا , بل قد يكون لفظ واحد يتحقق فيه الانصراف في حالة, ولا يتحقق في حالة اخرى مثال ذلك اذا حكمنا وقلنا ان الدم نجس وشككنا في الدم الموجود في بيضة الدجاجة , هل يحكم بنجاسته بناء على الاطلاق او يحكم بعدم النجاسة بناء على انصراف هذا الدليل عنه لأنه فرد نادر , يظهر ان الحكم في هذا المورد بالنجاسة لعدم الانصراف عنه , ولا يوجد استهجان عرفي عند استثناء هذا الفرد من الحكم كما لو قلنا كل دم نجس الا دم بيضة الدجاجة , لكن في مورد اخر يمكن التمسك بالانصراف في نفس هذا الفرد من قبيل ما قالت رواية عمار بن موسى (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) .....فقال : كل شيء من الطير توضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب)[1]
فإذا قال الا دم بيضة الدجاجة فأن هذا الاستثناء مستهجن عرفا لعدم الاحتمال العرفي ان يكون الطائر الذي شرب من ذلك الماء ان الدم الموجود على منقاره دم بيضة دجاجة , واستهجان الاستثناء دليل على الانصراف وعدم شمول الحكم لهذا للفرد النادر .
هذا بالنسبة الى دعوى الانصراف والادلة المطلقة , اما في محل الكلام فمجرد ان عدم تعارف اكل التراب والطين وغيرها من باقي الامور لا يوجب الانصراف , ويبدو ان الاستثناء لا يوجب الاستهجان فإذا ورد دليل وقال (الاكل مفطر ) فإذا قال الا التراب فأنه ليس بمفطر, فأن هذا الاستثناء ليس بمستهجن وهذا يعني ان الدليل ليس فيه انصراف عن التراب, اي ان الاطلاق يبقى على حاله, واشكال الانصراف ليس واردا عليه .
قد يُدّعى الانصراف على اساس نكتة اشرنا اليه سابقا وهي ان العلة او الحكمة في تشريع الصوم هو ان يذوق الانسان الم الجوع , وعلى فهم هذا الجو وان حكمة تشريع الروايات هي كذلك , فقد يقال _وان قلنا ان الادلة دالة على مفطرية الاكل, ونسلم ان الاكل يشمل المعتاد وغير المعتاد, ولا نقبل الانصراف على اساس الندرة, لكن الدليل الذي يقول ان الاكل يفسد صوم الصائم في جو مشبع بحكمة ابتعاد الانسان الصائم عن حالة الشبع والامتلاء ويعاني الم الجوع _ بأنصراف هذا الدليل الى الاكل المعتاد الذي يمنع الانسان من ذوق الم الجوع ويقربه الى حالة الشبع , اي لا ينصرف عن كل اكل نادر وانما ينصرف عن مثل اكل الحصى والتراب لأنه لا يقربه نحو الشبع ولا يبعده عن الم الجوع , والميزان السابق يمكن تطبيقه في المقام لكن بلحاظ هذه الاجواء من الحكمة التي ذكرناها , كما لو قلنا (الاكل يفسد صوم الصائم الا اكل الحصى) فأن الاستثناء في هذا المورد يكون مستهجنا .
واما التخصيص (الاشكال الثاني على الاطلاق) حيث قالوا انه مخصص بالروايات الثلاثة المتقدمة (الرواية الحاصرة , رواية الذباب , رواية الاكتحال)
فقد تقدم عدم صلاحية هذه الروايات للتخصيص.





[1] الكافي , الكليني , ج3 ,ص10.