35/06/15


تحمیل
الموضوع: الصوم :المفطرات : الاكل والشرب :الاستدلال على عدم مفطرية اكل وشرب غير المعتاد.
تقدم الكلام في التشكيك في اصل وجود الاطلاق والتشكيك في تماميته على فرض وجوده وبالتالي التشكيك في صحة ما ذهب اليه القوم من الحكم بمفطرية اكل وشرب غير المعتاد , لكنه بالرغم من ذلك فشهرة القوم بالتعميم ونقلنا عبارات المتقدمين القائلين بالإجماع واذا قلنا ان الأجماع الذي نقله الشيخ الطوسي و الاجماع الذي نقله السيد بن زهرة يمكن التأمل فيهما, فأن الاجماع الذي نقله السيد المرتضى[1] واضح جدا حيث انه نفي الخلاف فيه بين المسلمين الا الحسن بن صالح, فهذه الشهرة العظيمة مضافا الى بعض ما ذكرنا في مقام التعليق على الادلة التي اُستدل بها للقول المشهور يجبرنا على ان نلتزم بما التزم به المشهور(اي بالتعميم) لكن على نحو الاحتياط , لا على اساس ان الادلة هي التي تثبت هذا التعميم.

قال الماتن (ولا بين الكثير والقليل كعشر حبة الحنطة أو عشر قطرة من الماء أو غيرها من المايعات حتى أنه لو بل الخياط الخيط بريقه أو غيره ثم رده إلى الفم وابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه إلا إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا تصدق عليه الرطوبة الخارجية وكذا لو استاك وأخرج
المسواك من فمه وكان عليه رطوبة ثم رده إلى الفم فإنه لو ابتلع ما عليه بطل صومه إلا مع الاستهلاك على الوجه المذكور وكذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام من بين أسنانه)
والكلام يقع في مبطلية اكل وشرب القليل في مقامين الاول مع فرض عدم الاستهلاك والثاني مع فرض الاستهلاك.
اما المقام الاول: مع عدم استهلاك القليل من الاكل والشرب , واُستدل عليه بأمور:-
الاول: الاطلاق حيث ان مقتضى الاطلاق للأكل والشرب هو شمول الكثير منه والقليل وقد تمسك به جماعة من الفقهاء من المتقدمين ومن المتأخرين .
وهذا الدليل اُستشكل عليه بدعوى عدم شمول المطلقات لهذا المقدار القليل لأنه قد يشكك في صدق الاكل على مثل هذا المقدار القليل كعشر حبة الحنطة او صدق الشرب على عشر قطرة الماء , حتى وان التزمنا بمفطريته فأن ذلك لا لصدق الاكل والشرب عليه, وانما تعبدا بما ورد في الادلة من كون الصائم ممنوع حتى من هذا المقدار , هذا الكلام بناء على التشكيك في صدق الاكل والشرب واما اذا لم نشكك فيه وبنينا على كون ذلك المقدار يصدق عليه الاكل والشرب , فأنه يأتي حينئذ اشكال الانصراف , وذكروا انه يشهد لعدم الشمول ما لو امر الطبيب المريض عن الاكل والشرب مدة معينة فهل يمكن تصور مخالفة امر الطبيب عندما يتناول المريض عشر قطرة ماء او عشر حبة حنطة ؟
وهذا الوجه وان لم يُذكر الانصراف كنكتة له لعدم الشمول كما قلنا, لكن يمكن تخريج هذا الشيء على اساس الانصراف اي ان الاكل المنهي عنه ينصرف عن هذا المقدار .
اقول ان مسألة الانصراف هنا تارة نفترض عدم صدق الاكل والشرب وحينئذ فالمطلقات لا تشمل المقام لأنها تنهى عن الاكل والشرب وهذا المقدار ليس اكلا او شربا, هذا مع القطع بعدم صدق الاكل او الشرب واذا شككنا في صدق الاكل الشرب عليه فلا يمكن التمسك بالدليل ايضا لأنه يكون من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية, لأنه اذا اردنا التمسك بالدليل فلابد من احراز موضوعه .
واذا قطعنا النظر عن ذلك وقلنا بصدق الاكل والشرب على هذا المقدار القليل, قد يقال ان الانصراف ليس له نكتة واضحة ,خصوصا اذا طبقنا الميزان الذي ذكرناه وقلنا انه ميزان غالبي وعرفي فإذا استثنينا الاكل القليل من الدليل نجده انه ليس استثناءا مستهجنا , كما لو قلنا ان الاكل يفطر الصائم الا المقدار القليل جدا.
وهذا رد على دعوى الانصراف في محل الكلام والمهم في المقام هو صدق الاكل والشرب والمفروض اننا نتكلم في الدليل الاول (الاكل من المفطرات ) وليس في الروايات الاتية .
والظاهر ان من الصعوبة التمسك بكون المقدار القليل من الاكل والشرب للتشكيك الحاصل في صدقه في محل الكلام .
واما مثال الطبيب فالظاهر ان قياس الأوامر الشرعية على مثال الطبيب غير واضح, فالشارع له حسابات خاصة غير الموجودة عند الطبيب, فقد يحرم الشارع كل اكل على الصائم ولو كان قليلا لأنه يريده ان يبتعد عن الحالة البهيمية , اما الطبيب فأنه يمنع عن الاكل الذي يضر بصحة المريض لا كل اكل قليله وكثيره .
الدليل الثاني: الروايات
اُدعي وجود روايات عديدة تدل على ان المفطر ليس محصورا بأكل الكثير من الطعام وانما الاكل القليل ايضا يكون مفطرا .
وذكر[2] السيد الخوئي ان مجموعة من الروايات بعضها ما ورد في المضمضة وما ورد في النهي عن مص الخاتم وما ورد في النهي عن مص النواة وما ورد في النهي عن ذوق الطعام لمعرفة طعمه , فهذه اربعة طوائف من الروايات قال انها تدل على ان المفطر هو مطلق الاكل اي ما يشمل الكثير والقليل وهذه الروايات اذا تمت تكون هي الدليل على المفطرية ولا نحتاج الى التمسك بالإطلاق, ويبدو ان الاستدلال ببعضها تام , والمقصود من البعض هو الروايات الواردة في المضمضة , فمفادها ان المضمضة اذا لم تكن في وضوء فريضة كما لو كانت في غير وضوء او في وضوء النافلة ودخل في جوفه شيء من الماء فأنه يكون مبطلا لصومه, مع انه بحسب العادة ان ما يدخل في الجوف من الماء اثناء المضمضة مقدار قليل جدا .
ومن هذه الروايات
حماد (عن أبي عبد الله عليه السلام في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه، فقال : إن كان وضوءه لصلاة فريضة فليس عليه شيء، وإن كان وضوءه لصلاة نافلة فعليه القضاء)[3] ومنها نستفيد المضمضة ان كانت لا للوضوء يجب عليه القضاء ايضا.
يونس( قال : الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء، وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه ( فليس عليه شيء) وقد تم صومه، وإن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة، والأفضل للصائم أن لا يتمضمض)[4]

سماعة - في حديث – (قال : سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه ؟ قال : عليه قضاؤه، وإن كان في وضوء فلا بأس به)[5] ونقيدها بوضوء الفريضة بأعتبار الروايات السابقة.
زيد الشحام ( عن أبي عبد الله عليه السلام في الصائم يتمضمض قال : لا يبلغ ريقه حتى يبزق ثلاث مرات)[6] وهذه الروايات لا تخلو من دلالة على ان المفطر للصائم ليس هو خصوص شرب الماء الكثير بل يشمل القليل جدا ايضا .
واما باقي الروايات التي ذكرها في طائفة النهي عن مص الخاتم فيمكن التأمل في دلالتها لأن بعض الروايات تدل على جواز مص الخاتم لا على منعه , واما روايات مص النواة وهي عبارة عن روايتين منها

عبد الله بن سنان (عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يعطش في شهر رمضان، قال: لا بأس بأن يمص الخاتم )[7]
يونس بن يعقوب (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الخاتم في فم الصائم ليس به بأس فأما النواة فلا)[8]
وهذه الرواية يرويها الشيخ الكليني عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن، عن محسن بن أحمد، عن يونس بن يعقوب, ومحسن بن احمد مجهول فتكون الرواية ضعيفة السند ولا يمكن الاستدلال بها .
منصور بن حازم (أنه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يجعل النواة في فيه وهو صائم ؟ قال : لا قلت : فيجعل الخاتم ؟ قال : نعم.)[9]
وهذه الرواية يرويها الشيخ الصدوق في الفقيه[10] بسنده عن منصور بن حازم وطريق الشيخ الصدوق[11] الى منصور بن حازم فيه مشكلة في محمد بن علي ماجلويه (ماجيلويه) فهو لم يُنص على وثاقته , نعم هو ممن روى عنه الشيخ الصدوق كثيرا والسيد الخوئي يذكر (وقع بهذا العنوان، في اثنين وخمسين موردا من مشيخة الفقيه)[12] وبما اننا بنينا على ان اكثار رواية الاجلة امثال الشيخ الصدوق عن شخص يكفي في الاعتماد على ذلك الشخص اضافة الى ذلك فأن الشيخ الصدوق كلما ذكره ترحم عليه او ترضى له, وهذا فيه اشعار ايضا في الاعتماد عليه, فمن يقبل هذا الكلام تكون الرواية تامة عنده ومعتبرة, واما من لم يقبله كالسيد الخوئي فأنه يرى ان الرواية من جهة محمد بن علي ماجيلويه ضعيفة سندا, ممكن استكشاف وجود طريق اخر[13] للشيخ الصدوق نفسه الى منصور بن حازم من طريق الشيخ الطوسي الى منصور بن حازم لأن الشيخ الطوسي في الفهرست[14] تحت هذا العنوان ذكر ان له كتاب اخبرنا به جماعة _ علما ان كل هؤلاء الجماعة من الثقات _ عن ابي جعفر بن بابويه (الشيخ الصدوق) عن ابن الوليد عن الصفار عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب وابراهيم بن هاشم عن ابن ابي عمير وصفوان عن منصور بن حازم ,ومن هنا يمكن ان نستكشف ان الشيخ الصدوق يملك طريقا اخر الى كتاب منصور بن حازم غير الطريق الذي ذكره في المشيخة وهذا مما يقوي ما يقال ان طرق الشيخ الصدوق في المشيخة او طرق الشيخ الطوسي في المشيخة هي بعض طرقهما الى من يروون عنهم, فهما لديهما طرقا كثيرة لكنهما لا يذكران الا طريقا واحد وبناء على هذا الكلام تكون الرواية صحيحة ولا يمكن الاستشكال فيها من ناحية السند, لكن الاشكال انه لا يلتزم احد في مفطرية مص النواة, فلا ملازمة بين مص النواة ودخول شيء الى الجوف, فمن يريد الالتزام بمفطرية مص النواة لابد ان يلتزم بها تعبدا لا من باب دخول شيء الى الجوف, ومن هنا يكون الالتزام بمفطريته مشكل جدا, ولم يلتزم بها احد ولذا حمل الفقهاء هذه الرواية على الكراهة .


[13] كما نبه على ذلك السيد الخوئي (قد)..