35/06/16


تحمیل
الموضوع: الصوم :المفطرات : الاكل والشرب :الاستدلال على مفطرية اكل وشرب القليل.

روايات ذوق المرق: واغلبها تصرح بالجواز[1] [2]وقد تجعل دليلا على عكس ما يُدّعى من ان روايات ذوق المرق تدل على مفطرية القليل , وانما يستدل بها على المفطرية اذا كانت تنهى عن ذوق المرق , فيقال مثلا انها تنهى عن ذوق المرق للزوم دخول القليل بالجوف , نعم هناك رواية واحدة تمنع من ذوق المرق وهي صحيحة سعيد الأعرج ( قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم، أيذوق الشيء ولا يبلعه ؟ قال: لا.)[3] فهذه الرواية يمكن الاستدلال بها على مفطرية المقدار القليل, لكن الظاهر انه لا قائل بحرمة ذوق المرق , اي لم يسلم احد بمضون هذه الرواية , خصوصا ان الروايات الدالة على الجواز روايات كثيرة جدا , ولذا حملها الفقهاء على الكراهة , بأعتبار الجمع بينها وبين الروايات المجوزة , وبما ان تلك الروايات_ بقطع النظر عن كثرتها وصحة سندها _ صريحة في الجواز وهذه الرواية ظاهرة في المنع فيقدم الصريح على الظاهر فتحمل هذه الرواية على خلاف ظاهرها .
فالنتيجة انه لا يمكن الالتزام بهذه الرواية في محل الكلام لكي يُلتزم بها في الاستدلال على مفطرية المقدار القليل .
ويمكن الاضافة الى روايات المضمضة المتقدمة الدالة على مفطرية المقدار القليل روايات اخرى منها

رواية علي بن جعفر( في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في اذنه الدهن ؟ قال : إذا لم يدخل حلقه فلا بأس)[4] فأنها تدل على المفطرية بضميمة ان المقدار الذي يصل الى الحلق اذا صب الدهن في الاذن يكون مقدارا قليلا , ومع ذلك نهت الرواية عن دخوله الحلق وظاهر النهي الارشاد الى المفطرية .
وكذلك رواية الذباب المتقدمة

مسعدة بن صدقة (عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أن عليا عليه السلام سُئل عن الذباب يدخل حلق الصائم ؟ قال : ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام)[5]
فقد يقول قائل ان هذا المقدار القليل لو كان طعاما لكان مفطرا , وقد تُجعل هذه الروايات مؤيدة لروايات المضمضة , لكن هذه المؤيدات ليست تامة بحسب الظاهر اما رواية الذباب فليست فيها دلالة على المقدار القليل لو كان طعاما لكان مفطرا, وانما هي ناظرة الى ان الذباب ليس طعاما, وغير ناظرة الى ان هذا المقدار لو كان طعاما لكان مفطرا وان كان قليلا .
واما رواية علي بن جعفر فنحن نستشكل في سندها وان عُبر عنها بأنها صحيحة الا ان سند صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر مباشرة غير تام , نعم ما ينقله صاحب الوسائل عن التهذيب فهذه مسألة اخرى فأن الشيخ الطوسي له طريق صحيح الى كتاب علي بن جعفر .
وفي المقابل قد يقال ان هناك روايات تدل على عدم مفطرية القليل واهم هذه الروايات مص لسان الصبي او الزوجة او الزوج وهذه الروايات كثيرة والاستدلال بها واضح نذكر منها ثلاث روايات
الاولى: يرويها محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن عيسى[6]، عن ابن محبوب[7]، عن أبي ولاد الحناط _ وكل هؤلاء ثقات فالرواية تكون معتبرة _ (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام، إني اقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شيء ؟ قال : فقال لي : لا بأس ليس عليك شيء)[8] فالرواية صريحة في دخول ريق الغير الى جوفه ومع ذلك قال الامام عليه السلام لا بأس ليس عليك شيء .
الثانية: _وهي معتبرة ايضا_ أبي بصير( قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الصائم يقبل ؟ قال : نعم ويعطيها لسانه تمصه)[9]
وهذه العبارة (ويعطيها لسانه تمصه) اضافها الامام عليه السلام , وعادة مص اللسان يستلزم دخول شيء في جوفه .
الثالثة: وسندها هو الطوسي عن محمد بن احمد عن محمد بن احمد العلوي عن العمركي البوفكي عن علي بن جعفر والظاهر انها تامة سندا ومحمد بن احمد الذي ينقل عنه الشيخ الطوسي هو صاحب كتاب نوادر الحكمة وطريق الشيخ الطوسي اليه صحيح وهو ثقة , اما محمد بن احمد العلوي فهو لم يُصرح بوثاقته لكن الذي يظهر من النجاشي انه جليل القدر فتدخل رواياته في الحسان لأنه عبر عنه بأنه من شيوخ اصحابنا[10] وهذا التعبير واضح في امكان الاكتفاء به في الاعتماد على هذا الرجل اما باقي السند فأن العمركي وعلي بن جعفر فأن وثاقتهما مسلم بها ولا اشكال فيها.

علي بن جعفر( عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل الصائم، يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك ؟ قال: لا بأس)[11]
وهذه الروايات تامة سندا ويستدل بها على المفطرية بأعتبار استلزام مص لسان الغير دخول شيء من ريق ذلك الغير الى جوف الصائم , بل ان الرواية الاولى صريحة في الدخول في الجوف , بل قد يستدل على عدم مفطرية المقدار القليل بروايات ذوق المرق , على اساس استلزام دخول شيء قليل من المرق في الجوف .
لكنه يجاب اما روايات ذوق المرق فيمكن الجواب عنها ان هذه الملازمة غير واضحة , وعليه فلا تكون فيها دلالة الا على ذوق المرق, كما انه ورد في بعض روايات ذوق المرق اشتراط عدم البلع وانه يبصق ثلاثا , واما روايات مص لسان الزوجة او بالعكس فيحتمل كما ذكر اكثر من واحد من الفقهاء ان التجويز بأعتبار الاستهلاك , ومن هنا يظهر ان هذه الروايات التي اُستدل بها على مفطرية المقدار القليل تامة, ولا تعارضها روايات ذوق المرق ولا روايات مص اللسان فأن تلك الروايات اوضح دلالة على مفطرية المقدار القليل واذا تمت تلك الروايات او تم الاطلاق _ الدليل الاول المتقدم اي اطلاق الاكل والشرب ليشمل القليل والكثير _ فحينئذ يلتزم بذلك بلا اشكال واما اذا شككنا بالإطلاق كما تقدم وشككنا بدلالة الروايات فحينئذ يكون الامر مشكلا, لكن الظاهر والله العالم ان الروايات تامة, ولا يعارضها شيء من الروايات الاخرى التي ذكرناها .
وقد استدل بعضهم على عدم مفطرية القليل بما دل على جواز السواك من قبيل رواية الحلبي( قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه ؟ فقال : لا بأس به )[12]
وراية موسى بن أبي الحسن الرازي ( عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان ؟ قال : جائز، فقال بعضهم : إن السواك تدخل رطوبته في الجوف، فقال : ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق ؟ فقال : الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب فان قال قائل :لا بد من الماء للمضمضة من أجل السنة فلا بد من السواك من أجل السنة التي جاء بها جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم)[13]
ورواية الحسين بن علوان، (عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال : قال علي عليه السلام : لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار وآخره، فقيل لعلي عليه السلام في رطوبة السواك، فقال : المضمضة بالماء أرطب منه، فقال علي عليه السلام : فإن قال قائل : لابد من المضمضة لسنة الوضوء، قيل له : فإنه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل)[14]
ويجاب عن هذه الروايات انها معارضة بروايات كثيرة تدل على عدم الجواز[15] هذا اولا وثانيا انه يأتي فيها الاحتمال الذي ذكرناها في مص اللسان بأعتبار ان هذه الرطوبة الموجودة في السواك تكون قليلة وتستهلك في داخل فم الصائم وسيأتي الحديث عن القليل المستهلك .
ومن الادلة التي تُذكر للأستدلال على عدم المفطرية للقليل هو ما دل على جواز الازدراد لما يخرج بالقلس _وهو ما خرج من الحلق وليس بقيء_ مثل صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشئ من الطعام، أيفطره ذلك ؟ قال : لا، قلت : فان ازدرده بعد أن صار على لسانه قال : لا يفطره ذلك)[16]
وقد حمل الفقهاء هذه الرواية على الازدراد القهري فتكون خارجة عن محل كلامنا واُشير الى ذلك في موثقة عمار بن موسى( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثم يرجع إلى جوفه وهو صائم ؟ قال : ليس بشيء)[17] فالرواية غير ناظرة الى حالة التعمد ولعل الرواية المتقدمة ايضا ناظرة الى حالة الازدراد القهري والنكتة التي ذكرها الفقهاء التي تساعد على ذلك هو انه من البعيد ان يزدرد الانسان ما يخرج من جوفه عمدا لنفور الطبع عن ذلك فتنصرف الرواية عنه فتحمل على الازدراد القهري وحينئذ لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام , فأن وجود هذه الاحتمال في الرواية يكفي في سقوطها عن الاستدلال في محل الكلام , فالظاهر والله العالم ان الاقرب هو _وفاقا للمشهور والمعروف بينهم _ انه لا فرق بين القليل والكثير في المفطرية لكن ذلك ليس استنادا الى الاطلاق لأننا نشكك في تماميته في شموله للمقدار القليل كالذرات الصغيرة وانما استنادا الى بعض طوائف الروايات المتقدمة التي قلنا بتماميتها.


[6] في المصدر موجود عن ابن ابي عمير لكن صاحب الوسائل لم يذكره .
[7] المراد به الحكم بن محبوب .