34-03-04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 368 )/ الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم إن الفارق العملي بين الأقوال الثلاثة واضح ، فعلى الأول يلزم أن يحضر المكلف عرفات من بداية الزوال وإلا كان آثماً لو تأخر عن ذلك نعم ذلك لا يضر بصحة الوقوف لتحقق الركن وهو المسمى ، وعلى القول الثاني يلزم الحضور بعد الزمان الذي يحتاجه فعل المقدمات كساعة مثلاً فلو تأخر عن الساعة أثم ولكنه لا يؤثر على الوقوف كما أشرنا ، وأما على الثالث فيلزم لو ذهب إلى الموقف قبل الغروب بساعة أو بنصف ساعة مثلاً لم يكن آثماً فإن الواجب هو المسمّى والركن هو المسمى أيضاً ، نعم نتفق جميعاً في أن الإفاضة قبل الغروب لا تجوز ومن أفاض فعليه كفارة بدنة وهذا يأتي انشاء الله تعالى ولذلك نقول فليذهب قبل الغروب بنصف ساعة مثلاً فإنه حقق الركن ولا يكون آثماً . إذن الثمرة على هذا الأساس واضحة.
 وإذا أردنا أن نسأل عن دليل هذه الاقوال الثلاثة فنقول:-
 أما القول الأول:- فلا نعرف له دليلاً حتى على مستوى صورة الدليل ، اللهم إلا أن يدعى الإجماع مثلاً أو يدعى السيرة والارتكاز المتوارث ، ولكن دعوى الإجماع أمر مشكل بعد فعل النبي صلى الله عليه وآله حيث إنه وقف بعد أداء صلاة الظهرين و ... و ... , ، اللهم إلا أن يدعى أنه فعل ذلك داخل حدود عرفة ثم ذهب بعد ذلك إلى الموقف فكأن الموقف شيء أضيق من حدود عرفات ، ولكن هذا مجرد إبداء احتمالات لا دليل عليها ، مضافاً إلى مخالفة جمع كثير من الأصحاب وقد نقلنا بعض كلماتهم.
 وأما القول الثاني:- فقد يستدل له بفعل النبي صلى الله عليه وآله - يعني بالروايات البيانية - والظاهر أن هذا هو مستند أصحاب القول المذكور ومنهم السيد الخوئي(قده) فإنه تمسك بهذا كغيره.
 ولكن الذي نقوله:- إن هذا فعل منه صلى الله عليه وآله والفعل لا يدل على اللزوم فكيف نثبت أن التأخر عن الوقت المذكور أمر غير جائز إننا نحتاج إلى دليل على ذلك غير هذه الروايات البيانية ولا دليل على إثبات الوجوب - أي بعد الزوال بساعة - إلا أحد أمور ثلاثة:-
 الأمر الأول:- الارتكاز المتوارث والسيرة القطعية على ذلك فإن المسلمين من لدن العصر الأول كانوا يقفون من الزوال وقد ارتكز أن هذا يأتون به بنحو اللزوم ، وحيث أن هذا لابد له من منشأ ولا منشأ إلا الوصول من معدن العصمة والطهارة فيثبت المطلوب كما نستدل بذلك في بعض الواجبات الأخرى كاعتبار نيّة القربة في الوضوء والصلاة وما شاكل ذلك ، وقد تمسك بهذا بعضٌ كالسيد الروحاني(قده) [1] .
 ويرد عليه:- إن دعوى هذا الارتكاز مع مخالفة غير واحدٍ من الفقهاء كالعلامة وابن ادريس وصاحب الرياض - وقد قرأنا عبائرهم سابقا - شيء مشكل ، والوجه في ذلك هو أن الارتكاز لو كان ثابتاً حقاً فالفقيه بشكل غير اختياري لا يتمكن أن يخالفه ويتجاوزه كمسألة القربة في الوضوء فإن الفقيه لا يمكن أن يتجاوز اعتبار قصد القربة وكأن هذا خط أحمر فإذا تجاوز هذا فإنه يعني أن الارتكاز ليس شيئاً واضحاً وبيّناً ، وبهذا يختلف المقام عن مسألة دعوى الإجماع فلا يشكل علينا ويقال إنكم تأخذون بالإجماع حتى في حالة مخالفة المتأخرين وتقولون إن مخالفتهم لا تضر فهنا يلزم أن تقولوا كذلك ، إذ نجيب ونقول:- هذا قياس مع الفارق فإن الارتكاز إذا كان ثابتاً حقاً فالفقيه حتى إذا كان من المتأخرين لا يتمكن أن يخالفه من أعماقه ومن حيث لا يشعر وهذا بخلافه في الإجماع فإنه يمكن فيه المخالفة فنقول إذا كان من المتأخرين فلا تضر مخالفته .
 إذن قياس هذا مع ذاك قياس مع الفارق . ونحن لا نريد أن ندّعي الجزم بعدم ثبوت الارتكاز بل واقعاً ثبوته ليس بواضح نتيجة مخالفة هؤلاء الأعلام ، نعم هناك ارتكاز على أصل ضرورة الوقوف في عرفات فإن هذا ارتكاز متوارث لا يجسر أي فقيه على مخالفته - أي لا يمكن ان يأتي فقيه ويقول الوقوف بعرفات ليس بلازم - أما الوقوف من هنا إلى هنا فنقول إن دعوى الارتكاز عليه ليس بواضح.
 الأمر الثاني:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( إنما تعجِّل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة ثم تأتي الموقف وعليك السكينة والوقار فاحمد الله وهلله ومجِّده ..... ) [2] بتقريب أن قوله ( ثم تأتي الموقف ) يمكن أن يستفاد منه اللزوم فإن الجملة الفعلية في مقام الانشاء تدل على اللزوم خلافاً للشيخ النراقي(قده).
 ولكن نقول:- إن هذا وجيه على مسلك حكم العقل إذ المفروض أن الرواية مقترنه بجملة من المستحبات وهذا الاقتران قد يسلب ظهورها في الوجوب ويصيّرها مجملة ، بل حتى على مسلك حكم العقل ذكرنا سابقاً أن دعوى حكم العقل في هذه الحالة أول الكلام ولا حق لصحاب مسلك حكم العقل أن يدعي هنا أن العقل يحكم باللزوم بعد فرض الاقتران بكثير من المستحبات ، والسيد الخوئي(قده) قد ذكر ذلك في مواضع من التنقيح أي أنه مع الاقتران بالمستحبات الكثيرة يتوقف العقل عن الحكم بالوجوب من ذلك [3] في مسألة أن من كان قائماً للصلاة يقرأ الفاتحة بأي مقدار يفرِّج بين رجليه ؟ فهل يجوز أن يفرِّج بأكثر من ثلاثة أصابع والثلاثة أصابع نعم جزماً أو لا ؟ فهنا ذكر(قده) رواية قد يستفاد منها أنه يلزم ذلك - أي بمقدار ثلاثة أصابع - بتقريب أن الامام الصادق عليه السلام حينما علّم حمّاد كيفية الصلاة قال حمّاد:- ( وقرَّب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرَّجات ) ، إنه(قده) علق بقوله:- ( هذه الصحيحة وإن كان ظاهرها عدم جواز التفريج أكثر من الشّبر لكنه لا يمكن الأخذ به أما أولاً فلأنها مشتملة على عدّة من الآداب والمستحبات ووحدة السياق تشهد بإرادة الندب من الجميع إذ يبعد جداً إرادة الوجوب من هذه الخصوصية والاستحباب من جميع ما عداها ).
 وقد يقول قائل:- إنه جرى في هذه العبارة بناءً على مسلك الوضع . ولكن العبارة الثانية يقول فيها:- ( إنا وإن ذكرنا في الأصول أن الاستحباب كالوجوب بحكم العقل ..... إلا أن خصوص هذه الموثقة لما كانت مشتملة على كثير من المسنونات .... فهي في قوة الاقتران بالترخيص في الترك فعليه لا ينعقد للأمر المزبور ظهور في الوجوب ) [4] إنه(قده) ملتفت إلى أنه يبني على مسلك حكم العقل ولكن رغم ذلك قال مادام هي مقترنة فلا يمكن أن نحكم بالوجوب . إذن يشكل التمسك بهذه الرواية.
 الأمر الثالث:- ما أفاده الشيخ النراقي(قده) حيث قال:- ( إن الأخبار وان كانت قاصرة عن إفادة وجوب الوقوف تمام ذلك الوقت إلا أنه يمكن إتمامها بضميمة قوله صلى الله عليه وآله ( " خذوا عني مناسككم " ) [5] .
 والإشكال عليه واضح:- فإن هذا الحديث لو ثبت سنداً وثبوته أول الكلام ، نعم نعترف أن مضمونه شيء مسلّم بلا حاجة إلى نصٍّ لفظي ولكن نقول إن المقصود هو ( خذوا مناسككم بالنحو الذي أنا أأتي به فإن كان قد أتيت بالنسك بنحو اللزوم فيلزمكم الإتيان به بنحو اللزوم وإذا كان بنحو الاستحباب فتأتون به بنحو الاستحباب دون اللزوم ) إن غاية ما يستفاد منها ذلك فبالتالي يكون المقصود هو أنه خذوها منّي ولا تأخذوها من غيري إلا منّي ومن هو منّي ، وهذا ينبغي أن يكون من المطالب الواضحة.
 إذن على هذا الأساس يكون الحكم بالوجوب من بعد الزوال بساعة شيء مشكل.
 ومنه يتضح النظر فيما أفاده السيد الخوئي(قده) حيث ذكر أن المكلف في هذه الساعة لو لم يشتغل بالصلاة والغسل فهل يمكن أن يتأخر في الذهاب إلى الموقف بأن يذهب بعد ساعة ولكنه لا يريد الاشتغال بهذه المقدمات ؟ قال:- إن هذا شيء مشكل فإن الجواز ثبت بحق من اشتغل بمقتضى الروايات البيانية أما من لم يشتغل فإثبات جواز التأخر في حقه شيء مشكل.
 ونحن نعلق ونقول:- لابد وأن نثبت أصل الوجوب من الزوال حتى آنذاك يصح لنا أن نقول إن الخروج عن هذا الدليل مشكل إلا في حدود من اشتغل بالعبادة والمقدمات ، ولكن أين دليلك على الوجوب من الزوال؟!


[1] المرتقى 2 277.
[2] الوسائل 13 -532.
[3] التنقيح تسلسل 14 192 .
[4] التنقيح التسلسل 15 332.
[5] مستند الشية 12 217 ، 218.