34-03-28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 371 ) / الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مؤيدات في المقام:- ذكرنا فيما سبق ثلاثة أدلة على إجزاء الوقوف مع القوم على كلامٍ بالنسبة إلى الدليل الثالث من حيث السند وهناك مؤيدات يستفيد منها الفقيه لتقوية القلب فإنه قد يمتلك دليلاً علمياً لإثبات المطلوب بيد أن الأدلة العلمية أحياناً تكون علمية أكثر من كونها مورثة للاطمئنان فالفقيه فيحتاج أحياناً إلى ما يورث له القناعة كي يتمكن من الإفتاء من دون تخوِّف ، والمؤيدات قد تساعده في هذا المجال هي:-
 المؤيد الأول:- إنا لو لم نقل بالإجزاء فلازم ذلك الاحتياط - أي بالوقوف في اليوم الثاني- ولكن ينبغي أن نلتفت إلى الاحتياط كقضية جماعية وليس كقضية فردية فإذا نظرنا إليه من الزاوية الفردية - يعني أنا كفرد أذهب إلى الموقف في اليوم الثاني وأقف فربما لا يكون فيه ضير ولا استبعاد - ولكن لا معنى لهذه النظرة إذ لو كان الاحتياط مطلوباً فهو ليس مطلوباً من هذا الفرد دون ذاك وإنما هو مطلوب من جميع الشيعة الذين لا يجزيهم ذلك الموقف ، فلو نظرنا إليه بالشكل المذكور فالفقيه قد يستبعد مطلوبية الاحتياط بهذا الشكل الجماعي كما أنه بعيد في حدّ نفسه أو للزوم محاذير وبالتالي ينبغي للفقيه أن ينظر هكذا لا أنه ينظر من الزاوية الفردية.
 وهذا الكلام يمكن تسريته إلى موارد أخرى ولا يختص بمقامنا ، ففي باب دليل الانسداد مثلاً قالوا بأن باب العلم والعلمي منسدّ وعليه فإما أن يجب الاحتياط أو ... الخ ، ثم قالوا في إبطال الاحتياط بأنه يلزم منه إما اختلال النظام - أي أنه إذا أراد المكلف أن يحتاط في جميع أموره فيلزم اختلال النظام في جميع أمور حياته - أو يلزم منه العسر والحرج وهما مرفوعان ، إن هذا الكلام جاء وهو ناظر إلى الاحتياط من الزاوية الفردية فنحتاج إلى إبطاله بمحذور اختلال النظام أو العسر والحرج ، أما إذا نظرنا إليه من الزاوية الجماعية فإن الاحتياط إذا كان مطلوباً فهو لا يطلب من هذا الفرد دون ذاك وإنما يطلب من الجميع وطلب الاحتياط من الجميع يمكن أن يطمئن الفقيه ببطلانه بقطع النظر عن مسألة اختلال النظام أو العسر والحرج ، وعلى أي حال هذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها ، وبناءً على هذه النكتة قد يغلب على ظن الفقيه الاجتزاء بالوقوف مع القوم لاستبعاد أن الشريعة تريد الاحتياط من الجمع الشيعي ككل ، وربما يرتقي هذا المؤيد عند البعض إلى درجة أكبر فيولّد عنده الاطمئنان وهذا يختلف باختلاف النفسيات.
 المؤيد الثاني:- إن لازم ذلك التسلسل - إن صح التعبير- فإنه لو قلنا بعدم الإجزاء فلازمه أن يحتاط فإذا لم يتمكن فعليه أن يحج في السنة الثانية والمحذور نفسه قد يأتي في السنة الثانية ..... وهكذا ولا نحتمل أن الشريعة تريد الحج في كل سنة من دون حكمٍ بالإجزاء بالشكل المذكور.
 المؤيد الثالث:- إن الحج مبني على كونه ظاهرة عبادية جماعية وقوّته في كونه يتمثل في وحدة المسلمين والكل يقف في يوم واحد في عرفات أو في المشعر فإنه يعطي صورة قويّة للإسلام فإذا فرض أنه لم يجزئ الوقوف معهم فذلك يعني أن الجمع المسلم سوف يتفرق إلى شريحتين ولا تحصل تلك الظاهرة الجمعية التي هي مطلوبة للإسلام.
 المؤيد الرابع:- إن أهل البيت عليهم السلام دعوا الشيعة إلى حضور جنائزهم وتشييعهم وصلواتهم ...... وهكذا ، إن هذا هو الخط الذي سار عليه أهل ابيت عليهم السلام والمناسب لهذا الخط الدعوة إلى الوقوف معهم في موقفهم لا الوقوف في يومٍ آخر فإنه لا يتناسب مع الروح التي نجدها في بعض الأحاديث.
 وعلى أي حال إن هذه مؤيدات لا أدلة والقضية تتبع نفسية الفقيه من هذه الناحية.
 مؤيد على العكس:-
 قد يتمسك بدليل أو مؤيد على العكس أي على عدم الاجزاء:- وذلك فإن الامام الصادق عليه السلام في قضية السّفاح قال:- ( لإن أفطر يوماً ثم أقضيه خير من أن تضرب عنقي ) فإن هذا معناه هو عدم الإجزاء غايته في باب الصوم فبالتعميم إلى مقامنا يثبت المطلوب ولا أقل هو مؤيد على العكس كما ذكرنا لا أنه دليل.
 وفيه:- إنها لو تمت سنداً - فقد ذكرنا سابقا أن الرواية ضعيفة السند بالإرسال لأنها وردت عن رجل - فهي واردة في مورد ترك الواجب رأساً ، وينبغي أن نفرق بين نحوين من التقية فهناك تقية يأتي فيها المكلف بالواجب ولكن قد اختل فيه بعض الشروط وإن كان من الزاوية العلمية هو تركٌ للمأمور به رأساً بعد فرض عدم توفّر الشرط ولكن من النظرة العرفية يعدُّ إتياناً بالمأمور به غايته هو فاقدٌ للشرط وأخرى يفترض أن التقية تقتضي ترك الواجب راساً.
 وباتضاح هذا نقول:- إن مسألة الصوم هي من قبيل ترك الواجب رأساً فإن المكلف لو أكل في نهار الصوم فهو لم يأتِ بالواجب رأساً لا أنه أتى به وهو فاقدٌ لبعض شرائطه بل حتى من الزاوية العرفية هو تركٌ للمأمور به رأساً ، وهذا بخلافه فيمن وقف مع القوم فإنه أتى بالوقوف غايته هو فاقدٌ للشرط - أعني أن يكون ذلك في اليوم التاسع - فهو من النظرة العرفية إتيانٌ للمأمور به ولكن مع فقد الشرط ومورد الرواية هو الترك راساً فعلى هذا الأساس لا يلزم من ذلك عدم الإجزاء في المورد الثاني الذي فرض فيه الإتيان بالمأمور به ولكن مع فقدان الشرط ، بل يمكن أن نقول:- إن روايات التقية التي تقول ( التقية ديني ) هي من الأول تقتضي الأجزاء في مورد الإتيان بالمأمور به فإن لازم الإتيان بالوقوف معهم وتنزيله بأنه من الدين يقتضي الإجزاء وهذا بخلافه في ترك الواجب رأساً فإنه لا يوجد شيءٌ حتى يُجعَل من الدين وحتى يكون لازم ذلك الإجزاء . إذن إما أن نتمسك بفكرة التخصيص ونقول بأن هذه الرواية تخصص عمومات التقيّة ، أو نقول إن المورد المذكور أي ترك الواجب خارج رأساً بلا حاجة إلى مخصّص بمعنى أن عمومات التقية هي من البداية تقتضي الإجزاء فيه بقطع النظر عن الحديث المذكور إذ لم يؤتَ بالواجب حتى يقال إن لازم الإتيان به وكونه من الدين هو الإجزاء . وعلى أي حال هذا المؤيد العكسي مرفوض.
 الجزم بالمخالفة:- إن كل ما ذكرناه كان ناظراً إلى حالة احتمال الموافقة أما إذا جزمنا بالمخالفة وأن هذا اليوم ليس هو اليوم التاسع فهنا قد يقال بعدم الإجزاء كما ذهب إليه السيد الحكيم(قده) [1] والسيد الخوئي(قده) [2] وذلك باعتبار أن السيرة دليل لبّي والقدر المتيقن منه هو حالة احتمال المخالفة لا الجزم بها بمعنى أنا نقول ( إنه في فترة مائتي سنةٍ من البعيد أنه كان يُجزَم في كل تلك الأعوام بالمطابقة ومن القريب جداً حصول احتمال المخالفة في بعض الأعوام ) وحيث إنهم عليهم السلام لم يأمروا بالاحتياط والإعادة فيلزم الإجزاء ، إن هذا وجيه في حالة احتمال المخالفة ولكن لا يأتي في حالة الجزم بالمخالفة يعني لا يمكن أن نقول ( إنه في فترة مائتي عام من البعيد عدم الجزم بالمخالفة ) كلا فإن حالة الجزم بالمخالفة هي حالة نادرة في حدّ نفسها فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نجزم أو نطمئن بأن مثل هذه الحالة قد حصلت طيلة مائتي سنةٍ ولو مرة واحدة أو مرتين ورغم ذلك لم يأمر الأئمة بالاحتياط إن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يُدَّعى إذ نجيب ونقول إن هذه الحالة نادرة ولعلها لم تقع أبدأ فلذلك لا يمكن التمسك بالسيرة . نعم لو فرض أن شخصاً جزم أو اطمأن بأن هذه الحالة من الطبيعي أن تحصل وتقع أيضاً فلا بأس آنذاك بالتمسك بالسيرة ، بيد أن العلمين يريدا أن يقولا ( نحن لا يحصل لنا الاطمئنان بتحقق حالة الجزم بالمخالفة ) إذن السيرة لا يمكن التمسك بها وعلى هذا الأساس لا يمكن الحكم بالإجزاء.
 إن قلت:- لماذا لا نتمسك برواية أبي الجارود ؟
 قلت:- قد يقولا إنها واردة في مورد الشك لأن أبا الجارود ذكر من البداية:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام:- أنا شككنا في عام من تلك الأعوام في الأضحى فلما دخلت على أبي جعفر عليه السلام وكان بعض أصحابنا يضحي ، قال:- .... ) . إذن المذكور في الرواية هو الشك والإمام عليه السلام حينما قال:- ( الفطر يوم يفطر الناس ..... ) فهو ناظر إلى هذه الحالة التي فرضها أبو الجارود وهي أنه يوجد شك فلا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية التعميم لحالة الجزم بالمخالفة.
 يبقى الأمر بالنسبة إلى عمومات التقية فلماذا لا يتمسك بها بناءً على استفادة الإجزاء منها كما هو مختار السيد الحكيم ؟
 ويمكن أن يجاب على ما ذكر(قده):- بأن المورد يكون من موارد التقية فيما لو فرض أن من رأيهم لزوم الوقوف إذا حكم القاضي حتى في حالة الجزم بالخلاف فإنهم إذا كان رأيهم كذلك فالتقية تقتضي الوقوف معهم في حالة الجزم بالخلاف ، ولكن من أين لك ذلك ؟ إذ لعلهم يرون لزوم الوقوف على طبق حكم الحاكم فيما إذا لم يجزم ببطلان حكمه ، ومعه فلا يمكن التمسك بعمومات التقية لعدم الجزم بكون المورد من موارد التقية بعدما هم فسحوا المجال للجازم بالخلاف وجوّزوا له أن لا يتبع حكم القاضي.
 ولكن يمكن أن يقال:-
 أما بالنسبة إلى السيرة:- فنحن من المترددين لسعتها لحالة الجزم بالمخالفة فلذلك يصعب التمسك بها ونؤيدهم بهذا المقدار .
 ولكن بالنسبة إلى رواية أبي الجارود:- فهي وإن وردت في مورد الشك وقد فرض أبو الجارود الشك ولكن يمكن أن يدعى أن ما أفاده الإمام عليه لسلام بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع هو شامل لحالة الجزم بالخلاف أيضاً فهو يريد أن يتساير الشيعة مع الموقف الرسمي للناس لا أن ذلك يختص بحالة الشك فهذا لا يتلاءم مع مناسبات الحكم والموضوع .
 وأما بالنسبة إلى عمومات التقية فيمكن أن يقال:- إنه حتى لو فرض أن رأيهم هو عدم لزوم متابعة القاضي في حال الجزم بالخلاف ولكن مع ذلك يمكن عدّ الوقوف معهم مصداقاً من مصاديق التقيّة فإنهم يتابعون القضاة عادةً في هذا المجال وليس لهم تشتت في الموقف حتى وإن كانت فتواهم تجوّز المخالفة في حالة الجزم بالخلاف ولكن عملاً لا يصنعون ذلك فالذي لا يقف في ذلك اليوم ويقف في اليوم الآخر يكون معروفاً بأنه من الشيعة ، وهذا له نظائر في مذهبنا فإنا نقول إنه لا يلزم في الأذان أن يقول المؤذن ( أشهد أن علياً ولي الله ) فإنه ليس بلازم ولكن مع ذلك من لا يأتي به نعرف أنه ليس بشيعي ، أو كما لو فرض أن الشخص لا يصلي على التربة فإنه لا يلزم ذلك ولكن لو لم يصلِّ عليها فيعرف أنه ليس بشيعي ، أو كما لو تكتف لا بنية التشريع ومن دون أن يقصد من ذلك اتباع تلك السنّة الباطلة فلو صنع ذلك فقد لا نحكم ببطلان صلاته ولكن بالتالي نعرف أنه ليس بشيعي ، ومقامنا من هذا القبيل ، وعليه فالتمسك بعمومات التقية شيء وجيه.


[1] دليل الناسك، ص353.
[2] المعتمد، ص157.