34-04-06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الرابعة:- يشترط في الوقوف في المشعر الحرام قصد القربة . والمستند في ذلك ما أشرنا إليه غير مرة وهو التمسك بفكرة الارتكاز المتوارث بالبيان المتقدم ولا نكرر.
 وهناك قضية فنيّة:- وهي أنه ذكر(قده) في باب السعي أنه يلزم فيه قصد القربة كما ويلزم فيه تعيين أنه لحج أو عمرة ولحج إسلام أو غيره لتمتع أو لغيره ، والمناسب لما ذكره هناك الاشارة اليه هنا أيضاً فيقال ( يلزم في الوقوف في المشعر الحرام إضافة إلى قصد القربة هو تعيين أنه لحج الإسلام أو لغيره ولحج تمتع أو غيره ) نعم لا معنى لتعيين أنه لحج أو عمرة بعد فرض أن العمرة لا تشتمل على ذلك ، ونحن فيما سبق أشرنا إلى أنه لا يلزم ذلك إذ المكلف من حين الاحرام هو قد قصد ذلك - أي قال أحرم لحج الإسلام التمتعي - وبعد أن شخص ذلك في بداية الاحرام فلا دليل على لزوم التشخيص بعد ذلك ويكفينا عدم الدليل فنتمسك بالبراءة كما هو الحال في باب الصلاة فإنه يكفي من البداية أن يعين أنها صلاة ظهرٍ وبعد هذا العيين لا حاجة حينما يأتي إلى الركوع أن قصد ذلك من جديد وأن هذا الركوع لصلاة الظهر الأدائية وليست القضائية فكل هذا لا حاجة له بعد فرض أنه من البداية قد خصص ذلك.
 وهل يلزم أن يقصد المكلف الوقوف في المشعر الحرام بنحوٍ تفصيلي ؟ يعني بتعبير آخر:- حينما يصل إلى المشعر الحرام هل يلزم أن يعرف أن هذا هو المشعر الحرام ويقصد الكون فيه في الفترة المقررة أو يكفي القصد الاجمالي الموجود حين الاحرام فإنه قاصد الاتيان بجميع واجبات الحج والتي منها والوقوف في المشعر الحرام ؟ وبالجملة:- القصد التفصيلي هل هو لازم أو يكفي ذلك القصد الاجمالي ؟
 قد يقال:- نعم يلزم القصد التفصيلي تمسكاً ببعض الروايات من قبيل موثقة يونس بن يعقوب ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل أفاض من عرفات فمرَّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى فرما الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار ، قال:- يرجع إلى المشعر فيقف به ثم يرجع ويرمي الجمرة ) [1] بتقريب أن المقصود من قول السائل ( فلم يقف حتى انتهى إلى منى ) والحال أنه قد مرّ بها هو أنه لم يقصد الوقوف بالمشعر الحرام والإمام عليه السلام قال:- ( عليه أن يرجع ) . إذن هذه الموثقة تدل على لزوم القصد التفصيلي ولا يكفي ذلك القصد الاجمالي .
 والجواب واضح:-
 أما أولاً:- فلأنه يحتمل أن يكون المقصود من ( فلم يقف ) يعني الوقوف المطلوب شرعاً بأن جاء من عرفات ومرَّ بالمشعر قبل الوقت المقرر وذهب إلى منى ، إن مثل هذا الوقوف حيث أنه وقوف خارج الوقت فلال يكون مجزياً فيلزمه العود ، إنه يحتمل أن يكون المقصود من الموثقة هو هذا ، فالرواية بناءً على هذا تعود مجملة ولا يمكن أن نجعلها دليلاً على لزوم القصد.
 وأما ثانياً:- فحتى لو سلمنا أن المقصود أنه مرَّ في الوقت الواجب المحدد ولكن المفروض أنه لم يقف والموثقة يمكن أن تقصد الإشارة إلى وجوب الوقوف هنيئة فحينئذ يلزمه العود من ناحية أنه لم يقف هنيئة ، وعليه فالرواية كما تحتمل المعنى الذي أراده المستدل تحتمل أحد هذين المعنيين وبالتالي تعود مجملة وبالتالي سوف لا تكون دليلاً صالحاً على اعتبار القصد التفصيلي .
 وعلى منوالها صحيحة أبي بصير:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- لا بأس بأن تقدم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر ساعة ثم ينطلق بهن إلى منى ) [2] بتقريب أن قوله ( فيقفن عند المشعر ) يعني كي يقصدن الوقوف فيه فتكون دالة على اعتبار القصد التفصيلي.
 ولكن يرد عليها ما اشرنا إليه في الرواية السابقة:- وهو أنه يحتمل أن يكون المقصود الاشارة إلى لزوم الوقوف هنيئة ولا يكفي المرور مرور عابر من دون سكون ولبث ، وعليه فهي مجملة من هذه الناحية فلا تصلح دليلاً . وبالتالي نتمسك بما تقتضيه القاعدة وهو كفاية ذلك القصد الاجمالي بعد عدم الدليل على اعتبار القصد التفصيلي ، وعلى هذا الاساس لو فرض أن صاحب الحملة جاء بجماعته إلى المشعر الحرام ولم يعرف بعضهم أن هذا هو المشعر ولكنه علّمه وقال ( لابد من البقاء هنا حتى طلوع الشمس ) كفى ذلك وإن لم يعرف المكلف أن هذا هو المشعر ويقصد بنحو التفصيل الوقوف فيه بعد فرض أنه كان من البداية قاصدا الاتيان بجميع أفعال الحج التي منها الوقوف بالمشعر الحرام .
 
 مسألة ( 372 ):- إذا أفاض الحاج من عرفات فالأحوط أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة وإن كان لم يثبت وجوبها.
 وكان من المناسب حذف قوله ( إذا افاض الحاج من عرفات ) فإنها زائدة ولا حاجة إليها بل المناسب أن يقال ( مسألة:- الأحوط المبيت ليلة العيد في المزدلفة ) ، وهكذا قوله ( وإن كان لم يثبت وجوبها ) إذ لا حاجة إلى ذكره إذ أن ذلك يشار إليه في الكتب العلميّة.
 وهذه المسالة قد أشار إليها الفقهاء ونسب إلى الأكثر وجوب المبيت ، وواضح أن المقصود من المبيت ليس هو أن ينام في المشعر بل المقصود هو المكث قبل طلوع الفجر فإن البيتوتة تصدق بذلك ، نعم قد يكون هناك كلام في أنه هل يلزم أن يكون في الثلث الأخير من الليل أو من بعد نصفه ؟ ولكن هذه قضايا جانبية ليست مهمة.
 وعلى أي حال نسب في المدارك [3] والحدائق [4] والرياض [5] والجواهر [6] إلى الأكثر الوجوب كما ونسب الخلاف إلى العلامة في التذكرة ، وممن اختار عدم الوجوب الشيخ النراقي [7] .
 وما يستدل به على وجوب المبيت هو ما يلي:-
 الدليل الأول:- التأسي ، بمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله حيث بات ، وهكذا ورد في الرواية المبينة لكيفية حج النبي صلى الله عليه وآله فيلزمنا نحن أن نتأسى به ، وقد تمسك بذلك صاحب المدارك والحدائق والجواهر وغيرهم.
 والإشكال عليه واضح:- فإن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب وهو من الأمور الواضحة ، اللهم إلا أن يكون مقصودهم هو أن كل ما ورد في روايات تعليم كيفية حج النبي صلى الله عليه وآله فالأصل الأولي أو الظاهر منه هو الوجوب فأي خصوصية ذكرت فالظاهر هو الوجوب إلا أن تقوم قرينة ودليل على الخلاف ، إن هذا أوجه من سابقه ولكنه ليس تمسكاً بفكرة التأسي وإنما هو تمسك بظاهر الدليل وهذا لا يقصدونه . ولكن لو كانوا يقصدون ذلك كما تدل عليه بعض عبارات السيد الخوئي(قده) في باب الوضوء فإنه على ما ببالي يقول في روايات تعليم كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وآله أن كل ما يذكر فيها نحمله على الوجوب إلا أن يقوم دليل وقرينة على الخلاف ، ونحن ذكرنا سابقاً أن مثل هذا لا يستند إلى دليل فلا يوجد عندنا ظهور أو أصل - أو بالأحرى نعرف منشأ لهذا الظهور وهذا الأصل - وعلى هذا الأساس يكون هذا الوجه محلّ تأمل.
 الدليل الثاني:- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام حيث جاء في بعض فقراتها:- ( ولا تجاوز الحياض ليلية المزدلفة ) [8] بتقريب أن الحياض - كما قلنا سابقاً - هي واقعة في وادي مُحَسِّر أو في بدايته كما أشارت إلى ذلك صحيحة سابقة قالت في تحديد حدود المشعر أن أحد الحدود هو حياض مُحَسِّر فهذا معناه أنه في وادي مُحَسِّر توجد حياض والإمام يقول لا تتجاوز الحياض ليلية المزدلفة يعني لا يجوز تجاوز الحياض أو تجاوز المشعر في الليل أي لابد في الليل من البقاء في المشعر وعدم التجاوز للحياض والخروج من المشعر الحرام فتكون دالة على وجوب المبيت.
 والجواب:-
 أما أولاً:- فلأن هذا يمكن أن يكون من باب المقدمة للوقوف في المقدار الواجب - أعني من طلوع الفجر - فإن من لم يبت إلى طلوع الفجر فهو بالتالي سوف لا يقف من بداية طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فالإمام عليه السلام قال ( لا تتجاوز الحياض ليلية المشعر ) من باب المقدمية لتحقق الوقوف الواجب - أعني من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس - إن هذا يحتمل أن يكون هو المقصود ويكفينا الاحتمال المخل بالظهور,
 وثانياً:- إن امتثال هذا التكليف يتحقق بما إذا جاء المكلف في بداية طلوع الفجر فإنه يصدق عليه أنه لم يتجاوز الحياض ليلة المبيت ، وبتعبير آخر:- إن اقصى ما تدل عليه هو أن من كان في المشعر ليلة المشعر فينبغي له أن لا يتجاوز الحياض أما من لم يكن في المشعر ليلة العيد وجاء من حين طلوع الفجر فبالتالي هو لم يتجاوز الحياض ليلة المبيت ، فإذن على هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد من هذه الفقرة أن المبيت لازم بل غاية ما نستفيده هو أن من كان في المشعر لا يجوز له أن يتجاوز في الليل الحياض.
 وثالثاً:- يحتمل أن يكون النهي عن تجاوز الحياض إشارة إلى البعد المكاني دون البعد الزماني بمعنى أن المقصود هو إشارة إلى أن المشعر الحرام ينتهي بالحياض فأنت إذا تجاوزت الحياض فقد تجاوزت عن المشعر الحرام فالمقصود هو الاشارة إلى هذا المعنى - أي تحديد المكان بحدوده وليس الزمان -.
 إن قلت:- إنه بناءً على هذا لا حاجة إلى التقييد بليلة العيد بل المناسب أن يقال ( وقت الوقوف الواجب لا تتجاوز الحياض) فإن تسليط الأضواء على الليل لا داعي إليه مادام المقصود هو الإشارة إلى البعد المكاني
 قلت:- إنه لا يبعد أن يكون تخصيص الليلة بالذكر من باب أنها الحالة الطبيعية فإن الناس عادة تأتي قبل طلوع الفجر إلى المشعر الحرام فيريد عليه الإمام أن يبين لهم أن بقائكم لابد وأن يكون في المنطقة التي هي قبل الحياض لا أنكم تتجاوزون الحياض فإنكم تتجاوزون بذلك عن المشعر.
 ورابعاً:- إذا رجعنا إلى الرواية وقرأناها بالكامل - لا كما صنع صاحب الوسائل حيث قطعها - لرأينا أنها مقرونة بجملة من مستحبات بل لعله بقطع النظر عن ذلك يمكن حملها على الاستحباب أيضاً حيث إنها هكذا:- ( لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً وتصلي بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين وانزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر . ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله ولا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة وقول اللهم هذه جمع .... ) إن الرواية كما نرى واردة في بيان مستحبات وآداب شرعية وكل ما قراناه هو من جملة المستحبات ولا يوجد فيها واجب وحينئذ فجملة ( ولا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة ) يصعب أن يحكم العقل حتى بناءً على مسلك حكم العقل بالوجوب مادامت المقارنات من المستحبات ولا حقَّ - كما قلنا سابقا - لأصحاب حكم العقل أن يقولوا بأن العقل يحكم بالوجوب فمن المناسب أن يتوقف العقل في مثل ذلك . بل نصعّد اللهجة ونقول:- إنه بقطع النظر عن هذه الأمور يحتمل أن يكون قوله ( ولا يجاوز ) عطفاً على جملة ( يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله ) فيصير التقدير هكذا ( ويستحب للصرورة أن يقف بالمشعر وأن لا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة ) وهذا احتمال وجيه ومعه تعود الرواية مجملة ، وعليه فاستفادة اللزوم منها شيء صعب.


[1] الوسائل، ج14، ص35، ب21 من أبواب الوقوف بالمشعر ح3.
[2] الوسائل، ج14، ص30، ب7 من أبواب الوقوف بالمشعر ح7.
[3] المدارك، ج7، ص43.
[4] الحدائق، ج16، ص434.
[5] الرياض، ج6، ص367.
[6] الجواهر، ج19، ص73.
[7] مستند الشيعة، ج12، ص248.
[8] الكافي، ج4، ص486، ح1.