34-04-15


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 373 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
  [[ يبقى بالنسبة إلى المؤيد الذي أشار إليه السيد الخوئي فجوابه:- أنه ما أكثر ما تختلف الروايات في المورد الواحد في مقدار الجزاء فواحدة تقول عليه كذا والاخرى تقول عليه كذا أي مع اختلاف الجزاء وحينئذ إن أمكن الحمل على التخيير فنحمل عليه ، وإذا استبعدنا التخيير في المقام باعتبار أن التخيير بين الشاة والبدنة شيء بعيد فنحمل البدنة على الاستحباب فيكون الواجب هو شاة والراجح أن يكون بدنة ، وعلى هذا الاساس لا منافاة بينهما من حيث الدلالة بعد إمكان الجمع بينهما حتى تعدّ هذه مؤيدة لورود تلك بكلا شقيها في خصوص الجاهل.
 الدليل الثاني:- صحيحة هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أنه قال في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس:- لا بأس به ، والتقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى :- لا بأس به ) [1] بتقريب أنه عليه السلام سئل عن حالة التقدم من مزدلفة إلى منى فيرمون الجمار وتكون صلاة الفجر في شقة السكن والإمام أجاب وثال ( لابأس به ) فيدل ذلك على أن الافاضة في الليل لا تضر بصحة الحج من دون فرقٍ بين أن يكون الشخص جاهلاً أو عامداً لإطلاقها والإمام عليه السلام حكم بنفي البأس. ]] [2]
 استدراك وإضافة لما ذكره السيد الخوئي(قده) من مؤيد حيث نقول له:- لو قبلنا ما تقول من أن صحيحة ابن رئاب تصير قرينة على أن صحيحة مسمع ناظرة إلى الجاهل بكلا شقيها إلا أن هذا لا ينفعك بل هو يضرك والوجه في ذلك هو أن صحيحة ابن رئاب قد دلت على أن من أفاض ولو قبل الفجر فعليه بدنة - يعني أن عمله صحيح - إذن ثبت مطلوبنا من خلال صحيحة ابن رئاب وإن لم يثبت من خلال صحيحة مسمع ، فأنت أبطلت دلالة صحيحة مسمع على أن العامد لو أفاض قبل الفجر لا يبطل عمله ولكن بالتالي سوف نصل إلى هذه القضية - وهي عدم بطلان العمل في حق العامد لو أفاض قبل الفجر - من خلال صحيحة علي بن رئاب لأنها قالت هكذا:- ( إن الصادق عليه السلام قال:- من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمداً أو مستخفاً فعليه بدنة ) فهذه تدل بمقتضى الاطلاق على أنه لو أفاض قبل الناس سواء فرض قبل طلوع الشمس أم قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه وهو قد سلّم شمولها لحالة الإفاضة قبل الفجر ولذلك جعلها قرينة على أن السابقة ناظرة إلى الجاهل فلابد من كون هذه وارد أو شاملة للإفاضة قبل الفجر حتى تصلح كمؤيد وشاهد ، فبالتالي سوف يثبت المطلوب من خلال هذه الصحيحة وإن لم يثبت من خلال الصحيحة السابقة.
 أما ما ذكر من الدليل الثاني ففيه:-
 أولاً:- لو سلمنا إطلاقها وشمولها للشخص العامد وعدم اختصاها بذوي العذر كالخائف والنساء والمرضى والشيوخ فيوجد مقيد لها وهو ما دلَّ على أن الترخيص ثبت لعناوين خاصة وأنه صلى الله عليه وآله رخّص للنساء والمرضى وغيرهم من ذوي الأعذار ، إن تخصيص الترخيص بعناوين معيّنة يفهم منه أن غير أصحاب هذه العناوين لا تجوز لهم الإفاضة ، وعلى هذا الأساس تصير مثل هذه الرواية التي قيّدت الرخصة بعناوين خاصة مقيدة لإطلاق هذه الرواية فنعمل قانون حمل المطلق على المقيد.
 وثانياً:- يمكن أن ندعي أنه لا إطلاق لها من الأساس حتى نحتاج إلى الجمع بالتقييد بقرينة ما ذكر ، بل لا إطلاق فيها والوجه في ذلك هو أن الامام عليه السلام لو كان هو يقول ابتداءً ( لا بأس بالتقدم من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار وصلاة الفجر في المنازل بمنى ) فالتمسك بالإطلاق يكون وجيهاً ولكن المفروض أنه أجاب عن سؤالٍ لم يحدد مضمونه من قبل الراوي بل الراوي ذكر أن الإمام عليه السلام حكم بنفي البأس في مسألة التقدم من المزدلفة إلى منى أما أن السؤال والحوار كان عن ماذا ؟ فهل هو عن مطلق الناس أو عن خصوص ذوي الاعذار ؟ إن هذه قضية لم يشر إليها ولعل الجواب كان عن خصوص ذوي الأعذار ولم ينبِّه الراوي على ذلك من باب وضوح المطلب فإن الرخصة ليست لجميع الناس وإنما هي لشريحة خاصة فالراوي سأل الإمام بأن ذوي الأعذار يسرعون في أداء الأعمال بحيث تقع صلاتهم للفجر بمنى فهل الإسراع بهذا الشكل جائز أو لا ؟ والامام عليه السلام قال:- لا بأس . إذن كيف نتمسك بالإطلاق بعدما فرض أنه لم ينقل إلينا مورد السؤال ، وهذه نكتة يجدر الالتفات إليها في هذه الرواية وفي سائر الروايات التي تكون من هذا القبيل.
 الدليل الثالث:- إطلاق الروايات الدالة على أن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج فإن الروايات المذكورة تشمل بإطلاقها حتى من أفاض قبل الفجر فإن من أفاض قبل الفجر يصدق عليه أنه قد أفاض قبل طلوع الشمس وقد حكمت عليه بأنه قد أدرك الحج وذلك يعني أنه لا شيء عليه فيثبت المطلوب ، وهي روايات متعددة من قبيل صحيحة الحلبي المتقدمة في أبحاث سابقة:- ( ..... وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحجّ من قابل ) [3] ، وعلى منوالها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله في سفرٍ فإذا شيخ كبير فقال:- يا رسول الله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع ؟ فقال له:- إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلاً ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها .. ) [4] ، وعلى منوال ذلك صحيحة حريز [5] ، إلى غير ذلك من الروايات.
 وتقريب الدلالة:- هو إما أن يكون بلحاظ الاطلاق الذي أشرنا إليه - يعني قوله ( من أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ) فإن هذا يدل على أن البداية هي ولو من الليل فإنه يصدق عليه ( من قبل طلوع الشمس ) - أو يتمسك بقوله ( قبل إفاضة الناس ) فإن إفاضة الناس حيث أنها تكون عادةً عند طلوع الشمس فقبل هذا الوقت يصدق على الإفاضة من الليل وبالتالي يثبت المطلوب.
 وفيه:- إن الروايات المذكورة ليست في مقام البيان من ناحية البداية ولو من قبل طلوع الفجر وإنما هي بصدد البيان من ناحية أن من لم يدرك الموقف في عرفات فيكفيه أن يدرك الناس قبل طلوع الشمس أما من متى يلزم أن يكون قد أدرك المشعر الحرام فهل يكفي ولو من الليل ؟ إنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية بل تريد أن تقول ( إن من لم يدرك عرفات فيكفيه أن يدرك المشعر من آخره - يعني قبل إفاضة الناس - ) أما البداية فهي من متى ؟ هل ولو من قبل طلوع الفجر ؟ إنها ليست في مقام البيان من ناحيته فيتعذر آنذاك التمسك بالإطلاق ، وهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة.
 ومن خلال هذا كله اتضح أنه لا يوجد دليل واضح على أن البداية هي من طلوع الفجر فالمرجع آنذاك هو الأصل العملي فإذا شككنا في أنه هل يلزم الوقوف من قبل طلوع الفجر أو يكفينا من حين طلوع الفجر فمقتضى أصل البراءة هو ذلك - يعني عدم يقيد الوقوف بأن يكون من قبل طلوع الفجر - فنجري البراءة عن هذا الضيق الزائد. ولكن في نفس الوقت نقول:- لو فرض أن شخصاً وقف وأفاض قبل طلوع الفجر فلا يبطل بذلك حجّه غايته يلزمه الجبر بشاة.
 إذن النتيجة هي الجمع بين هذين المطلبين - يعني يكفي الوقوف من طلوع الفجر تمسكاً بأصل البراءة ولكن من وقف قبل طلوع الفجر وأفاض قبل طلوع الفجر كفاه ذلك وربما يحكم عليه بالإثم ، بمعنى أنه لا يبطل حجّه غايته يلزمه الجبر بشاة تمسكاً بصحيحة مسمع ، هذا من حيث تحديد الموقف بداية.


[1] الوسائل ج14 ص30 17 من أبواب الوقوف بالمشعر ح8.
[2] هذا المقطع سقط من تقرير المحاضرة السابقة وقد أضفته هنا.
[3] الوسائلج14 ص36 ب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[4] المصدر السابق ح4.
[5] المصدر السابق ج14 ص 37 ب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1.