38/12/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/12/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

الصورة الثانية:- ما إذا أعطى الظالم هدية وهي لو نظرنا إليها وحدها يوجد شك بدوي في أنها حرام أو لا ولكن هناك علم اجمالي أنه في أموال ها الظالم يوجد حرام وطبيعي توجد مقدّمة واضحة - أو تتمة - وهي أنه يحتمل أنَّ هذه الجائزة هي المعلوم بالإجمال لأني أعلم بالإجمال أنه يوجد شيء واحد حرام موجوداً فيحتمل أن تكون هذه الجائزة هي ذلك الحرام فهي وحدها شبهة بدوية وبملاحظة العلم الاجمالي هي طرف من أطراف العلم الاجمالي وإنما قلنا هذه قضية واضحة يلزم أن تعرفها لأنه إذا فرض أنه ليست طرفا ًمن العلم الاجمالي ولا يحتمل أنه ينطبق عليها المعلوم بالإجمال فسوف تصير هي الصورة الأولى ، وفي مثل هذه الحالة ما هو المناسب بمقتضى القاعدة ؟

المناسب أن يقال:- إذا فرض أنه كان العلم الاجمالي غير منجّز بسبب كون الأطراف كثيرة فإنه إذا كانت الشبهة غير محصورة فالعلم الاجمالي لا يكون منجّزاً ، ولماذا لا يكون منجزاً ؟ إنه يأتي في محلّه ولو أنَّ أحد الوجوه الجيّدة لذلك هو أنه لا يكون منجّزاً لضعف احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كلّ طرف بحيث لا يعتني العقلاء لاحتمال الانطباق ، ولكن هذا غير مهم فالآن نحن فرغنا في علم الأصول أنَّ العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة غير منجّز ، فإذا افترضنا هنا أنَّ هذه الجائزة وإن كانت طرفاً للعلم الاجمالي ولكن هذا العلم الاجمالي ليس بمنجّز مثلاً لكثرة أطرافه ففي مثل هذه الحالة يجوز أخذ هذه الجائزة لأنَّ العلم الاجمالي ليس بمنجّز ويصير المورد بمثابة الشك البدوي ، يعني مثل ما نقول في الصورة الأولى نقوله هنا أيضاً.

وهكذا الحال لو فرض أنَّ الشبهة كانت محصورة إلا أنَّ بعض الأطراف كان خارجاً عن محل الابتلاء ، كما لو فرض أنَّ السلطان أعطاني جارية ولكني أعلم أنها إما مغصوبة أو أنها جارية السلطان التي عنده في القصر ولا يستطيع أحد الوصول إليها وفرضنا أنَّ الخروج عن محلّ الابتلاء يسقط العلم الاجمالي عن المنجّزية ، فبناءً على هذا يصير الحكم كالشبهة البدوية ، يعني كالصورة الأولى فلا مشكلة من هذه الناحية.

وأما إذا فرض أنَّ الشبهة كانت محصورة والجميع تحت محل الابتلاء ؟ فهذا ما سوف نتعرّض إليه فيما بعد ، والمناسب بادئ ذي بدء هو المنجّزية بمقتضى القاعدة ، إلا إذا قلنا إنَّ الأخبار تشمل هذه الحالة ولكن هذه قضية ثانية.

وهناك بعض القضايا الجانبية نذكرها في هذه الصورة:-

القضية الأولى:- إذا فرضنا أنَّ الشبهة كانت محصورة والجميع تحت محل الابتلاء فقد قلنا القاعدة تقتضي الجواز بادئ ذي بدء ولكن لو رجعنا إلى الأخبار ووجدنا فيها اطلاقاً بحيث نستفيد من الاطلاق الشمول حتى لهذه الشبهة المصورة التي جميع أطرافها تحت محل الابتلاء ، فنطرح هذا السؤال عليكم وعلى الشيخ الأعظم(قده): وهو أنَّ القاعدة تقتضي التنجيز وعدم جواز الارتكاب ولكن الأخبار لو كانت صالحة لشمول المورد فهل يمكن التمسّك بإطلاق الأخبار وبالتالي نحكم بالجواز وإن كانت القاعدة تقتضي العدم أو نطرح الاطلاق جانباً تحكيماً للقاعدة فالمناسب ما هو ؟

وأما الشيخ الأعظم(قده) فإذا طرحناه عليه هذا التساؤل فيقول:- نحن نرفع اليد عن الأخبار تحكيماً للقاعدة ، وهو تصريح غريب فإنَّ حكم العقل بالتنجيز حكم تعليقي هذا من البديهيات فإذا جوز الشرع الارتكاب فحينئذٍ يرتفع حكم العقل بارتفاع موضوعه فلا توجد منافاة أصلاً فالعقل يقول أنا تحفظاً على أحكام الشارع وأغراضه أنا أحكم بالتنجيز وعدم جواز الارتكاب فإذا رخّص الشارع فلا معنى لأن يقف العقل أمامه ، نعم إذا كان علماً تفصيلياً فهذا مشكل قليلاً ، أما إذا كان يوجد علم اجمالي فحكم العقل بالتنجيز هو حكم تعلقي فإذا كان حكماً تعليقياً فالمناسب حينئذٍ تحكيم الاطلاق على مقتضى القاعدة - أي حكم العقل - ونرفع اليد عن حكم العقل لارتفاع موضوعه أو شرطه ، اللهم إلا أن نفترض أنَّ الشيخ يبني على مسلك العلّية ، لأنه يوجد كلام في علم الأصول أنَّ العلم الاجمالي هل هو علّة للتنجيز بنحو العلّية التامة وأنه مقتضٍ ، وتظهر الثمرة بين القولين إنه إذا قلنا هو مقتضي مثل النار فإنها تقتضي الاحراق إذا لم توجد رطوبة فإذا وجدت الرطوبة فهي لا تقتضي الاحراق ، فهل هو مقتضٍ يعني أنه يقتضي التنجيز لو لم يمنع مانع من التنجيز ولو كان المانع شرعياً أو أنه علّة يعني أنَّ التنجيز حتميّ لا ينفك فإنَّ هذا هو معنى العلّية بحيث لا يمكن الترخيص في الخلاف ؟ وقد قلنا إنَّ الشيخ العراقي(قده) ذهب إلى مسلك العلّية التامة ولذلك قال لا يمكن الترخيص في أطراف الشبهة المحصورة ، ولكنه بنى بناءً وهو بأن يجعل أحد الطرفين بديلاً عن الواقع فحلّ المشكلة على هذا الأساس ، فهو(قده) يرى أنه بنحو العلّية التامة ، والشيخ الأعظم(قده) هنا لعلّه يشمّ منه أنه يبني على العلّية[1] ، ونصّ عبارته التي يصرّح فيها أننا نترك الاطلاق ونتمسّك بالقاعدة هي:- ( أقول:- وليس في أخبار الباب ما يكون حاكماً على قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة ....... وقد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط على ذلك فلابد حينئذٍ على مورد لا تقتضي القاعدة لزوم الاجتناب عنه كالشبهة غير المحصورة )[2] ، فهذه العبارة يشم منها أنه يبني على مسلك العلّية.

القضية الثانية:- لو فرض أنَّ العلم الاجمالي كان في شبهة محصورة وكلا الطرفين كانا قابلاً للابتلاء كما لو فرض أنه الظالم أهدى لي مسبحة وأنا أعلم أنَّ هذه المسبحة حرام أو المسبحة الموجودة عنده في مكان يمكنني أن أرفعها وأسبّح بها ففي مثل هذه الحالة كلاهما داخل تحت محل الابتلاء ، والسؤال:- هل يمكن أن نطبق قاعدة تقتضي حلّية التصرّف في هذه المسبحة التي أعطاها لي فهل يوجد مؤمّنٌ يجوّز لي أخذ هذه المسبحة والتسبيح بها ؟

هنا نقل صاحب الجواهر(قده) عن شيخة كاشف الغطاء(قده) أنه جوّز تطبيق أصالة الصحة وقاعدة اليد ، فهو نقل عن شيخه ذلك إلا أنه نقل عنه أضافةً حيث قال:- ( إلا أنَّ التجنّب مع الانحصار من شيم الأبرار )[3] ، وهي واضحة في ذلك ، يعني لا تأخذ هذه المسبحة التي أعطاها لك الظالم فإنَّ من شيم الابرار تركها ، ولكن هذا معناه أنه إذا أردت أن لا تحتاط فهذا جائز لك فجوّز الأخذ ، وتمسّك صاحب مفتاح الكرامة(قده)[4] أيضاً بأصالة الصحة.

وفي التعليق نقول:-

أما قاعدة الصحة:- فقد ذكرنا مسبقاً أنَّ القدر المتيقن من مستندها - الذي هو السيرة العقلائية - هو ما إذا فرض أن الشخص كان مالكاً وشك أن التصرف صحيحاً أو ليس بصحيح أما أنا نشك في كونه مالكاً وبأصالة الصحة نريد أن نثبت أنه مالك وأنَّ الأخذ منه جائز فهذا لا يجزم بانعقاد السيرة عليه فالتمسّك بأصال الصحّة محل اشكال كما أو ضحنا.

وأما قاعدة اليد:- فقد ذكرنا أنَّ التمسّك بها بنحو الاطلاق لا يجوز وإنما يجوز في مساحة ضيقة وهي في الأشياء اليتي هي تحت يده الشخصية يعني في بيته وفي القصر الملكي وفي المخازن الملكية الموجودة تحت يده فهنا هو صاحب يد ففي مثل هذه الحالة نقول هنا إنَّ هذه اليد أمارة على الملكية ، أما أوسع من ذلك كما لو أعطاني من مخازن بلدٍ آخر من توابعه أو إذا جاء المال توّاً فهنا لا مجال للتمسّك بقاعدة اليد ، فعلى هذا الأساس التمسّك بقاعدة اليد في هذا المورد لو فرض أنه قابلة للجريان يشكل التمسّك بها من هذه الناحية حتى لو كانت قابلة للجريان في حدّ نفسها كما لو أعطاني من خزائنه الخاصة وهي أنها متعارضة ، فأصالة اليد في هذه المسبحة التي أخذتها تقتضي الملكية وأصالة اليد في تلك المسبحة الباقية عنده تقتضي الملكية أيضاً والمفروض أني أعلم بأنَّ واحدة منهما محرّمة جزماً فقاعدة اليد لا يمكن تطبيقها ، وهذا إشكال يتوجه إلى كاشف الغطاء والسيد محمد جواد صاحب مفتاح الكرامة وحاصله هو أنَّ قاعدة اليد لا يمكن تطبيقها في هذا المورد لأنَّ الطرفين قابلان للابتلاء فهنا لا يمكن تطبيق قاعدة اليد لتعارضها أما بالنسبة إلى المسبحة التي بيدي فواضحٌ ، يعني قاعدة اليد بلحاظ هذا تعارض قاعدة اليد بلحظ التي عنده ، فواحدة منهما جزماً باطلة ، فلا يمكن تطبيقها على ما في يدي للمعارضة.

بيد أنَّ الحاج ميرزا علي الايرواني ووافقه السيد الخوئي ذهب إلى عدم المعارضة:- فإنَّ اليد في هذه المسبحة التي أعطاها لي تجري بلا أن تعارض بقاعدة اليد الموجودة عند السلطان والتي استطيع الوصول إليها ، باعتبار أنَّ تلك المسبحة هي إما للسلطان وهو لا يأذن لأنه من البداية لم يعطِها لي أو أنها ملك الغير فهي غصبٌ وعلى كلا التقديرين التصرّف حرام فلا يمكن تطبيق قاعدة اليد لعدم الأثر لها فتجري قاعدة اليد في المسبحة التي أعطاها لي بلا معارض ، وهذا سوف يصير تأييداً ودعماً لكاشف الغطاء ومفتاح الكرامة.


[1] لأنه اختلف في أن كلمات الشيخ الأعظم(قده) هل تدل على مسلك علّية العلم الاجمالي أو على مسلك الاقتضاء فالعراقي(قده) يقول يفهم منه العلّية أما الشيخ النائيني(قده) فيقول يفهم منه الاقتضاء والمناسب هو أنَّ كلماته مختلفة وليس من البعيد أن الفكرة لم تكن مطبوخة في الأذهان جيداً فلذلك ترى الاختلاف في الكلمات.

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

الصورة الثانية:- ما إذا أعطى الظالم هدية وهي لو نظرنا إليها وحدها يوجد شك بدوي في أنها حرام أو لا ولكن هناك علم اجمالي أنه في أموال ها الظالم يوجد حرام وطبيعي توجد مقدّمة واضحة - أو تتمة - وهي أنه يحتمل أنَّ هذه الجائزة هي المعلوم بالإجمال لأني أعلم بالإجمال أنه يوجد شيء واحد حرام موجوداً فيحتمل أن تكون هذه الجائزة هي ذلك الحرام فهي وحدها شبهة بدوية وبملاحظة العلم الاجمالي هي طرف من أطراف العلم الاجمالي وإنما قلنا هذه قضية واضحة يلزم أن تعرفها لأنه إذا فرض أنه ليست طرفا ًمن العلم الاجمالي ولا يحتمل أنه ينطبق عليها المعلوم بالإجمال فسوف تصير هي الصورة الأولى ، وفي مثل هذه الحالة ما هو المناسب بمقتضى القاعدة ؟

المناسب أن يقال:- إذا فرض أنه كان العلم الاجمالي غير منجّز بسبب كون الأطراف كثيرة فإنه إذا كانت الشبهة غير محصورة فالعلم الاجمالي لا يكون منجّزاً ، ولماذا لا يكون منجزاً ؟ إنه يأتي في محلّه ولو أنَّ أحد الوجوه الجيّدة لذلك هو أنه لا يكون منجّزاً لضعف احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كلّ طرف بحيث لا يعتني العقلاء لاحتمال الانطباق ، ولكن هذا غير مهم فالآن نحن فرغنا في علم الأصول أنَّ العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة غير منجّز ، فإذا افترضنا هنا أنَّ هذه الجائزة وإن كانت طرفاً للعلم الاجمالي ولكن هذا العلم الاجمالي ليس بمنجّز مثلاً لكثرة أطرافه ففي مثل هذه الحالة يجوز أخذ هذه الجائزة لأنَّ العلم الاجمالي ليس بمنجّز ويصير المورد بمثابة الشك البدوي ، يعني مثل ما نقول في الصورة الأولى نقوله هنا أيضاً.

وهكذا الحال لو فرض أنَّ الشبهة كانت محصورة إلا أنَّ بعض الأطراف كان خارجاً عن محل الابتلاء ، كما لو فرض أنَّ السلطان أعطاني جارية ولكني أعلم أنها إما مغصوبة أو أنها جارية السلطان التي عنده في القصر ولا يستطيع أحد الوصول إليها وفرضنا أنَّ الخروج عن محلّ الابتلاء يسقط العلم الاجمالي عن المنجّزية ، فبناءً على هذا يصير الحكم كالشبهة البدوية ، يعني كالصورة الأولى فلا مشكلة من هذه الناحية.

وأما إذا فرض أنَّ الشبهة كانت محصورة والجميع تحت محل الابتلاء ؟ فهذا ما سوف نتعرّض إليه فيما بعد ، والمناسب بادئ ذي بدء هو المنجّزية بمقتضى القاعدة ، إلا إذا قلنا إنَّ الأخبار تشمل هذه الحالة ولكن هذه قضية ثانية.

وهناك بعض القضايا الجانبية نذكرها في هذه الصورة:-

القضية الأولى:- إذا فرضنا أنَّ الشبهة كانت محصورة والجميع تحت محل الابتلاء فقد قلنا القاعدة تقتضي الجواز بادئ ذي بدء ولكن لو رجعنا إلى الأخبار ووجدنا فيها اطلاقاً بحيث نستفيد من الاطلاق الشمول حتى لهذه الشبهة المصورة التي جميع أطرافها تحت محل الابتلاء ، فنطرح هذا السؤال عليكم وعلى الشيخ الأعظم(قده): وهو أنَّ القاعدة تقتضي التنجيز وعدم جواز الارتكاب ولكن الأخبار لو كانت صالحة لشمول المورد فهل يمكن التمسّك بإطلاق الأخبار وبالتالي نحكم بالجواز وإن كانت القاعدة تقتضي العدم أو نطرح الاطلاق جانباً تحكيماً للقاعدة فالمناسب ما هو ؟

وأما الشيخ الأعظم(قده) فإذا طرحناه عليه هذا التساؤل فيقول:- نحن نرفع اليد عن الأخبار تحكيماً للقاعدة ، وهو تصريح غريب فإنَّ حكم العقل بالتنجيز حكم تعليقي هذا من البديهيات فإذا جوز الشرع الارتكاب فحينئذٍ يرتفع حكم العقل بارتفاع موضوعه فلا توجد منافاة أصلاً فالعقل يقول أنا تحفظاً على أحكام الشارع وأغراضه أنا أحكم بالتنجيز وعدم جواز الارتكاب فإذا رخّص الشارع فلا معنى لأن يقف العقل أمامه ، نعم إذا كان علماً تفصيلياً فهذا مشكل قليلاً ، أما إذا كان يوجد علم اجمالي فحكم العقل بالتنجيز هو حكم تعلقي فإذا كان حكماً تعليقياً فالمناسب حينئذٍ تحكيم الاطلاق على مقتضى القاعدة - أي حكم العقل - ونرفع اليد عن حكم العقل لارتفاع موضوعه أو شرطه ، اللهم إلا أن نفترض أنَّ الشيخ يبني على مسلك العلّية ، لأنه يوجد كلام في علم الأصول أنَّ العلم الاجمالي هل هو علّة للتنجيز بنحو العلّية التامة وأنه مقتضٍ ، وتظهر الثمرة بين القولين إنه إذا قلنا هو مقتضي مثل النار فإنها تقتضي الاحراق إذا لم توجد رطوبة فإذا وجدت الرطوبة فهي لا تقتضي الاحراق ، فهل هو مقتضٍ يعني أنه يقتضي التنجيز لو لم يمنع مانع من التنجيز ولو كان المانع شرعياً أو أنه علّة يعني أنَّ التنجيز حتميّ لا ينفك فإنَّ هذا هو معنى العلّية بحيث لا يمكن الترخيص في الخلاف ؟ وقد قلنا إنَّ الشيخ العراقي(قده) ذهب إلى مسلك العلّية التامة ولذلك قال لا يمكن الترخيص في أطراف الشبهة المحصورة ، ولكنه بنى بناءً وهو بأن يجعل أحد الطرفين بديلاً عن الواقع فحلّ المشكلة على هذا الأساس ، فهو(قده) يرى أنه بنحو العلّية التامة ، والشيخ الأعظم(قده) هنا لعلّه يشمّ منه أنه يبني على العلّية[1] ، ونصّ عبارته التي يصرّح فيها أننا نترك الاطلاق ونتمسّك بالقاعدة هي:- ( أقول:- وليس في أخبار الباب ما يكون حاكماً على قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة ....... وقد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط على ذلك فلابد حينئذٍ على مورد لا تقتضي القاعدة لزوم الاجتناب عنه كالشبهة غير المحصورة )[2] ، فهذه العبارة يشم منها أنه يبني على مسلك العلّية.

القضية الثانية:- لو فرض أنَّ العلم الاجمالي كان في شبهة محصورة وكلا الطرفين كانا قابلاً للابتلاء كما لو فرض أنه الظالم أهدى لي مسبحة وأنا أعلم أنَّ هذه المسبحة حرام أو المسبحة الموجودة عنده في مكان يمكنني أن أرفعها وأسبّح بها ففي مثل هذه الحالة كلاهما داخل تحت محل الابتلاء ، والسؤال:- هل يمكن أن نطبق قاعدة تقتضي حلّية التصرّف في هذه المسبحة التي أعطاها لي فهل يوجد مؤمّنٌ يجوّز لي أخذ هذه المسبحة والتسبيح بها ؟

هنا نقل صاحب الجواهر(قده) عن شيخة كاشف الغطاء(قده) أنه جوّز تطبيق أصالة الصحة وقاعدة اليد ، فهو نقل عن شيخه ذلك إلا أنه نقل عنه أضافةً حيث قال:- ( إلا أنَّ التجنّب مع الانحصار من شيم الأبرار )[3] ، وهي واضحة في ذلك ، يعني لا تأخذ هذه المسبحة التي أعطاها لك الظالم فإنَّ من شيم الابرار تركها ، ولكن هذا معناه أنه إذا أردت أن لا تحتاط فهذا جائز لك فجوّز الأخذ ، وتمسّك صاحب مفتاح الكرامة(قده)[4] أيضاً بأصالة الصحة.

وفي التعليق نقول:-

أما قاعدة الصحة:- فقد ذكرنا مسبقاً أنَّ القدر المتيقن من مستندها - الذي هو السيرة العقلائية - هو ما إذا فرض أن الشخص كان مالكاً وشك أن التصرف صحيحاً أو ليس بصحيح أما أنا نشك في كونه مالكاً وبأصالة الصحة نريد أن نثبت أنه مالك وأنَّ الأخذ منه جائز فهذا لا يجزم بانعقاد السيرة عليه فالتمسّك بأصال الصحّة محل اشكال كما أو ضحنا.

وأما قاعدة اليد:- فقد ذكرنا أنَّ التمسّك بها بنحو الاطلاق لا يجوز وإنما يجوز في مساحة ضيقة وهي في الأشياء اليتي هي تحت يده الشخصية يعني في بيته وفي القصر الملكي وفي المخازن الملكية الموجودة تحت يده فهنا هو صاحب يد ففي مثل هذه الحالة نقول هنا إنَّ هذه اليد أمارة على الملكية ، أما أوسع من ذلك كما لو أعطاني من مخازن بلدٍ آخر من توابعه أو إذا جاء المال توّاً فهنا لا مجال للتمسّك بقاعدة اليد ، فعلى هذا الأساس التمسّك بقاعدة اليد في هذا المورد لو فرض أنه قابلة للجريان يشكل التمسّك بها من هذه الناحية حتى لو كانت قابلة للجريان في حدّ نفسها كما لو أعطاني من خزائنه الخاصة وهي أنها متعارضة ، فأصالة اليد في هذه المسبحة التي أخذتها تقتضي الملكية وأصالة اليد في تلك المسبحة الباقية عنده تقتضي الملكية أيضاً والمفروض أني أعلم بأنَّ واحدة منهما محرّمة جزماً فقاعدة اليد لا يمكن تطبيقها ، وهذا إشكال يتوجه إلى كاشف الغطاء والسيد محمد جواد صاحب مفتاح الكرامة وحاصله هو أنَّ قاعدة اليد لا يمكن تطبيقها في هذا المورد لأنَّ الطرفين قابلان للابتلاء فهنا لا يمكن تطبيق قاعدة اليد لتعارضها أما بالنسبة إلى المسبحة التي بيدي فواضحٌ ، يعني قاعدة اليد بلحاظ هذا تعارض قاعدة اليد بلحظ التي عنده ، فواحدة منهما جزماً باطلة ، فلا يمكن تطبيقها على ما في يدي للمعارضة.

بيد أنَّ الحاج ميرزا علي الايرواني ووافقه السيد الخوئي ذهب إلى عدم المعارضة:- فإنَّ اليد في هذه المسبحة التي أعطاها لي تجري بلا أن تعارض بقاعدة اليد الموجودة عند السلطان والتي استطيع الوصول إليها ، باعتبار أنَّ تلك المسبحة هي إما للسلطان وهو لا يأذن لأنه من البداية لم يعطِها لي أو أنها ملك الغير فهي غصبٌ وعلى كلا التقديرين التصرّف حرام فلا يمكن تطبيق قاعدة اليد لعدم الأثر لها فتجري قاعدة اليد في المسبحة التي أعطاها لي بلا معارض ، وهذا سوف يصير تأييداً ودعماً لكاشف الغطاء ومفتاح الكرامة.


[1] لأنه اختلف في أن كلمات الشيخ الأعظم(قده) هل تدل على مسلك علّية العلم الاجمالي أو على مسلك الاقتضاء فالعراقي(قده) يقول يفهم منه العلّية أما الشيخ النائيني(قده) فيقول يفهم منه الاقتضاء والمناسب هو أنَّ كلماته مختلفة وليس من البعيد أن الفكرة لم تكن مطبوخة في الأذهان جيداً فلذلك ترى الاختلاف في الكلمات.