36/01/17


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا
ثم الحق المصنف القضاء بشهر رمضان فيكون البقاء على الجنابة عمدا موجبا لبطلانه ايضا ؛ ومقتضى اطلاق العبارة (عبارة المصنف) عدم الفرق بين القضاء المضيق والموسع .
وهذا المطلب ( فساد الصوم في قضاء شهر رمضان عند البقاء على الجنابة ) اُستدل له بما يشبه القاعدة وهي ( الحاق القضاء بالأداء) بأعتبار اتحاد القضاء والاداء في الماهية وانما يكون الاختلاف بينهما في الوقت ؛ فالصوم له ماهية واحدة اخترعها الشارع وقد تعلق بها الامر الوجوبي تارة والامر الاستحبابي تارة اخرى ؛ واوجبها الشارع في اوقات (كما في شهر رمضان ) وندب اليها في اوقات اخرى.
وقالوا اذا دل دليل على اعتبار خصوصية في هذه الماهية فأن هذه الخصوصية اذا كانت معتبرة عند تعلق الامر الوجوبي بالماهية فأنها تكون معتبرة ايضا عندما يتعلق الامر بالوجوب القضائي بل حتى الامر بالندبي كما سيأتي ؛ فالقضاء ملحق بالأداء بأعتبار ان الماهية واحدة وانما الاختلاف يقع في وقت الامتثال كما قلنا .
وبما ان الدليل دل على عدم جواز البقاء على الجنابة حتى الصباح متعمدا وان هذه الخصوصية اعتبرت في هذه الماهية , فلابد من تحققها في جميع انواع الصوم ؛ نعم وان قلنا بأن هذه الاعتبار هو في الاوامر الواردة في صيام شهر رمضان , لكن ورود النصوص في شهر رمضان لا يعني ان صوم قضاء شهر رمضان ممكن ان يخلو من تلك الخصوصية , فأن هذه الخصوصية معتبرة في الماهية حالها حال الاكل والشرب حيث انهما معتبران بالصوم المعهود الذي اخترعه الشارع بقطع النظر عن ان الامر الذي تعلق بها وجوبي او غير وجوبي فضلا عن كونه شهر رمضان او قضاء شهر رمضان ؛ فأن عدم الاكل والشرب مأخوذ في هذه الماهية بحيث ان الماهية لا تتحقق عند الاكل والشرب ؛ وما نحن فيه (البقاء على الجنابة عمدا حتى الصباح ) من هذه القبيل وحينئذ لا يفرق بين صوم وصوم .
وهذا الدليل هو الذي يسوغ لنا ما ذكرناه في الدرس السابق ايضا ؛ من اننا يمكننا ان نستدل على مبطلية البقاء على الجنابة عمدا لصوم شهر رمضان بالأدلة التي ستأتي الدالة على مبطلية البقاء عمدا لقضاء شهر رمضان , والمراد به هو هذا الدليل حيث انه اذا تم الدليل على اعتبار عدم البقاء على الجنابة عمدا في قضاء شهر رمضان فأنه يكون معتبرا ايضا في اداءه وان لم نقل بالأولوية .
والمشكلة في هذا الدليل هو انه يتم فيما لو لم تكن هناك ادلة خاصة واردة في بعض انواع الصوم دالة على عدم اعتبار هذه الخصوصية؛ أي انها دالة على ان البقاء على الجنابة عمدا لا يضر بذلك النوع من الصوم كما سيأتي في الصوم المندوب _ وهو الصحيح الذي افتى به الفقهاء المتأخرون على الاقل _ حيث ان البقاء على الجنابة لا يضر بالصوم المندوب .
فإذا ثبت ذلك في بعض انواع الصوم وثبت ان البقاء على الجنابة ليس كسائر المفطرات ( كالأكل والشرب والجماع ) المعتبر عدمها في جميع انواع الصوم , فإذا دلت الادلة على ان البقاء على الجنابة ليس هكذا وانما يجوز البقاء في الصوم المندوب ويصح منه ذلك ؛ فأننا نشكك في هذه القاعدة ويكون عدم البقاء على الجنابة متعمدا ليس كسائر المفطرات كالأكل والشرب مثلا , ولم يؤخذ في ذات الماهية وان اعتبر في شهر رمضان وفي قضاءه لكن هذا لا يعني ان قد اخذ في نفس الماهية ؛ والذي يبدو انه ليس كالأكل والشرب وهذا يعني انه وان اُخذ في صوم شهر رمضان الا انه اُخذ كشيء اضافي على الماهية ؛ وحينئذ لابد من الاختصار على الدليل وبما انه ورد في خصوص شهر رمضان وقضاءه فلا يمكن التعدي الى غير مورد النص .
وكذلك أذا كان النص مختص بشهر رمضان لا يمكن التعدي الى القضاء ؛ لأننا استكشفنا عدم كون هذه الخصوصية دخيلة في الماهية من الروايات الاتية التي تصرح بأن البقاء على الجنابة لم يؤخذ عدمه في الصوم الندبي, بل هناك رأي يقول بعدم اخذه في الصوم الواجب غير المعين (غير القضاء).
الدليل الثاني على الفساد في قضاء شهر رمضان هو الروايات وقد استدلوا بثلاث روايات وهي :-
الاولى: صحيحة عبدالله بن سنان، (أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى يجيء آخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع ؟ قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره )[1]
ويرويها الشيخ الصدوق بأسناده عن عبدالله بن سنان وسنده اليه في المشيخة تام, وكذلك يرويها الشيخ الطوسي بسند صحيح عن عبدالله بن سنان .
والرواية واردة في قضاء شهر رمضان وهي اما ان تكون مختصة بحال التعمد او تكون مطلقة له وعلى كلا التقديرين تنفعنا في مقام الاستدلال ؛ اما القول بأنها مختصة بحال التعمد فهو الظاهر من الرواية حيث انه لم يغتسل حتى يجيء اخر الليل ؛ واذا منعنا هذا الظهور فهي مطلقة وتشمل حالة التعمد وتدل على لزوم بطلان الصوم لأن الامام عليه السلام قال في جوابه لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره .
والثانية: صحيحة عبدالله بن سنان الاخرى (ـ قال : كتب أبي إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) وكان يقضي شهر رمضان وقال : إني أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر ؟ فاجابه ( عليه السلام ) : لا تصم هذا اليوم وصم غدا .)[2]
وهذا يعنى ان البقاء على الجنابة حتى الصباح ينافي الصوم فيجب عليه ان يقضي يوما اخر ؛وهذه الرواية ايضا اما ان تكون مختصة بصورة العمد واما ان تكون مطلقة شاملة له فيكون الاستدلال بأطلاقها .
الرواية الثالثة: موثقة سماعة بن مهران( قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر ؟ فقال ( عليه السلام ) : عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر، فقلت : إذا كان ذلكمن الرجل وهو يقضي رمضان ؟ قال : فليأكل يومه ذلك وليقض فانه لا يشبه رمضان شيء من الشهور )[3]
وليس من محل كلامنا صدر الرواية حيث ان مورده النومة الثانية بعد الجنابة التي قلنا ان الروايات تدل على صوم يوم اخر من باب العقوبة لا من باب الفساد _على ما تقدم سابقا في طرح هذا الاحتمال_ فأنه يقول يتم صومه وهذا يعني ان صومه صحيح لكن عليه ان يقضي يوما اخر من باب العقوبة ؛ ومحل الشاهد في المقام هو قوله عليه السلام (فقلت : إذا كان ذلكمن الرجل وهو يقضي رمضان ؟ قال : فليأكل يومه ذلك وليقض فانه لا يشبه رمضان شيء من الشهور) أي ان شهر رمضان له خصوصية وهي وجوب اتمام ذلك الصوم بينما في غيره ليس هكذا , وقوله عليه السلام (فليأكل يومه وليقض ) يدل على ان البقاء على الجنابة ينافي صوم القضاء .
هذه الروايات التي اُستدل بها في محل الكلام .
والذي نقوله هو انه لا ظهور لهذه الروايات في حالة التعمد , بل لعله يمكن ان يقال انها ظاهرة في عدم التعمد , كما في قوله (فلم اغتسل حتى طلع الفجر) فليس فيها ظهور في تعمد عدم الغسل الى ان يطلع الفجر , بل لعلها ظاهرة في عدمه ؛ ومع ذلك فأن هذا الامر لا يمنع من الاستدلال بالرواية على المفطرية في حال التعمد, وذلك لأن الروايات جميعا تدل المفطرية في حال التعمد الذي هو محل كلامنا بالأولوية , لأنه اذا كانت المفطرية ثابتة في قضاء شهر رمضان اذا بقي على الجنابة غير متعمد فمن باب اولى يكون مبطلا للصوم اذا بقي على الجنابة متعمدا .
وعليه فأن الروايات تدل على بطلان الصوم سواء قلنا بأنها ظاهرة في حال تعمد البقاء على الجنابة, او قلنا بعدم الظهور في حال التعمد ولا عدمه, فأنها تشمل لحال التعمد بالإطلاق حينئذ, وكذلك اذا قلنا بأنها ظاهرة في حال عدم التعمد لأنها تدل على البطلان في حال التعمد حينئذ بالأولوية.
فالظاهر ان القضاء ملحق بشهر رمضان وتعمد البقاء على الجنابة يكون منافيا لصوم شهر رمضان وصوم قضاءه .
ثم ينتقل المصنف الى غيرهما من انواع الصوم , فيقول ( ان البقاء على الجنابة مبطل للصوم في شهر رمضان وقضاءه دون غيرهما من الصيام الواجبة والمندوبة ) أي ان غير شهر رمضان وقضاءه لا يفسده البقاء على الجنابة متعمدا سواء كان الصيام واجبا كالمنذور او كان مندوبا .
ونحن نتكلم اولا في الصيام المندوب ثم بعد ذلك بالصيام الواجب غير شهر رمضان وقضاءه .
اما بطلان الصيام المندوب فالذي يفهم من كلماتهم انه محل خلاف , ففي الحدائق انه نسب القول بعدم الفرق والفساد بين شهر رمضان وغيره وهذه العبارة تشمل حتى الصوم المندوب , فكما ان البقاء على الجنابة عمدا يبطل صوم شهر رمضان كذلك يبطل جميع انواع الصوم بما فيها الصوم المندوب ونسب هذا القول الى المشهور ؛ لكن المحقق في المعتبر على ما حكي ذكر (ولقائل ان يخص هذا الحكم( حكم الفساد) برمضان دون غيره ) وهذا الكلام يشمل المندوب الذي هو محل كلامنا ؛ فيبدو ان المسألة خلافية , وقد تبع كل منهما جماعة من المتأخرين , ويظهر من السيد الخوئي عدم الخلاف فيها, والظاهر انها مسألة خلافية .
ودعوى الاختصاص التي استقربها المحقق في المعتبر لعل منشأها هو ان معظم الروايات الدالة على الفساد واردة في شهر رمضان كما ذكرنا ذلك سابقا , لكنه من الواضح انها غير مختصة في شهر رمضان حيث اننا ذكرنا ثلاث روايات واردة في قضاء شهر رمضان , فينبغي تعميم الفساد اليه وعدم تخصيصه بشهر رمضان .
والدعوى المنسوبة الى المشهور التي يذكرها الشيخ صاحب الحدائق وهي ان الفساد ثابت في جميع انواع الصوم لعلها مستندة الى ما تقدمت الاشارة اليه من ان الصوم عندما يطلق سواء تعلق بأمر وجوبي او استحبابي في شهر رمضان او غيره المتبادر منه هو نفس تلك الماهية التي اخترعها الشارع وامر بها , وقلنا انه اذا دل دليل على اعتبار شيء في هذه الماهية فأنه يكون مأخوذا في جميع انواع الصوم حتى وان كان الدليل مخصوص بشهر رمضان ؛ وعليه فأن النصوص الواردة في بطلان الصوم في شهر رمضان وقضاءه عند تعمد البقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر تتعدى احكامها من هذا المورد الى غيرها بناء على هذا الامر .
وقد يكون الوجه في ما نسب الى المشهور هو هذا لكنه قد عرفت بأنه لا يمكن تسليمه في محل الكلام على الاقل _ وان امكن تسليمه بالنسبة الى الاكل والشرب والجماع_ لأنه قلنا بأنه ستأتي ادلة تدل على عدم منافاة البقاء على الجنابة متعمدا في الصوم المندوب ومن الواضح ان الصوم المندوب هو قسما من اقسام الصوم , وعندما تدل الادلة على ان البقاء على الجنابة لا ينافي الصوم نستكشف منه ان هذه الخصوصية ليست معتبرة في ماهية الصوم وانما اعتبرها الشارع في صوم معين زيادة على ما هو معتبر في ذات الماهية , ولذا يكون من الصعوبة تطبيق هذه القاعدة والتعدي من مورد النص (صوم شهر رمضان وقضاءه) الى محل الكلام .
وعلى كل حال فالاستدلال بهذه القاعدة على ما ذهب اليه المشهور لا يخلو من صعوبة ؛ نعم اُستدل على عدم المبطلية _خلافا للمشهور_ في محل الكلام بثلاث روايات وهي :-
معتبرة حبيب الخثعمي (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الايام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم ؟ قال : صم )[4]
ويبدو ان المقصود من الثلاثة ايام هي الايام المستحبة من كل شهر (الايام البيض) , والرواية وان لم يكن فيها تصريح تعمد البقاء على الجنابة لكنه فيها شيء يشبه تعمد البقاء على الجنابة وهو التصريح بتعمد النوم بعد الجنابة حتى ينفجر الفجر وهذا الكلام عبارة اخرى عن تعمد البقاء على الجنابة فتكون الرواية دالة على ان تعمد البقاء على الجنابة الى الصباح لا ينافي الصوم المندوب .
موثقة ابن بكير (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح، أيصوم ذلك اليوم تطوعا ؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار... الحديث)[5]
ولابد من حمل هذه الرواية على تعمد البقاء على الجنابة ايضا ويفهم ذلك من قوله (يجنب ثم ينام حتى يصبح) أي انه تعمد النوم حتى يصبح (لابد من فرضها بهذا الشكل لكي يستفاد منها في محل الكلام)
رواية ابن بكير ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار ؟ قال : يصوم إن شاء، وهو بالخيار إلى نصف النهار)[6]
وهي غير تامة السند حيث يرويها الشيخ الطوسي بأسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن ابي عبدالله الرازي _ وهو احمد بن محمد الجاموراني_ الذي استثناه ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة وهو ضعيف , وقد عبر عنها بعض الفقهاء بالموثقة مع انها ضعيفة السند.
ولابد من حمل هذه الرواية ايضا على تعمد البقاء على الجنابة لكي يصح الاستدلال بها في محل الكلام , لكن ذلك فيه شيء وهو انه يلزم منه انه ترك صلاة الصبح تعمدا وهو قد يكون بعيدا .