36/02/08


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة لا عن عمد.
هناك مسائل لابد من البت بها للوصول الى نتيجة ما تقدم سابقا :-
المسألة الاولى: هل ان المأخوذ في الصوم هو مانعية الجنابة او شرطية الطهارة ؟؟
يبدو بحسب ظواهر الادلة وكما هو الرأي المعروف والمشهور هو ان المأخوذ فيه هو مانعية الجنابة , لأن الادلة لا يستفاد منها اكثر من كون الجنابة مانعة من الصوم ؛ فليس هناك دليل في الصوم من قبيل ما هو وارد في الصلاة مثلا ( لا صلاة الا بطهور ) حيث يستفاد منه بشكل واضح شرطية الطهارة في الصلاة ؛ فالوارد في الصوم هو عبارة عن ادلة تنهى عن الجنابة وتدل على مبطليتها , وهذا لا يستفاد منه الا مانعية الجنابة لا شرطية الطهارة .
نعم ورد في جملة من النصوص _ كما ذكر السيد الحكيم في المستمسك_ الامر بالغسل ومقتضى الجمود على ذلك هو شرطية الطهارة لا مانعية الجنابة.
لكن الظاهر ان الادلة _ التي يستقصيها الباحث الواردة في محل الكلام_ كلها تشير الى مانعية الجنابة مثلا:-
الروايات الواردة في وجوب امساك الصائم عن الجماع ؛ والروايات الواردة في وجوب امساك الصائم عن الامناء والنهي عنه , وكذلك هناك طائفة من الروايات تمنع وتنهى عن اكراه الزوجة على الجماع , والروايات الدالة على حرمة البقاء على الجنابة عمدا , والروايات الدالة على ان من نسي غسل الجنابة حتى مضى الشهر فعليه القضاء , فيستفاد منها ان الجنابة هي التي تكون مانعة .
وكذلك صحيحة ابي سعيد القماط (أنه سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال )[1]
فمن الواضح من الرواية ان الجنابة هي التي تمنع من صحة الصوم, لكن حيث انها كانت في وقت حلال فلا تمنع منه, اما لو كانت في وقت حرام فأنها ستمنع منه , ويظهر من مجموع هذه الروايات ما ذكره الفقهاء من ان الجنابة مانعة من صحة الصوم لا ان الصوم مشروط بالطهارة .
واما ما ذكره السيد الحكيم من انه ورد في بعض الروايات الامر بالغسل ,فأنه ليس هناك امر بالغسل بشكل واضح وصريح, وانما ورد في سياق اخر كما في بعضها ( من نسي غسل الجنابة حتى مضى عليه الشهر كله او بعضه يجب عليه القضاء ) وامثال هذه التعبيرات التي ورد فيها الغسل وليس هناك رواية صريحة تشترط الطهارة او الغسل بحيث يُفهم منها هذا المعنى ؛ مع انه على فرض وجود هكذا روايات فيمكن حملها على ما لا ينافي ظواهر الروايات السابقة ؛ كما لو قلنا بأن الامر بالغسل لأجل رفع المانع (الجنابة).
ومن هنا فالظاهر _ والله العالم_ ان المأخوذ في الصوم هو مانعية الجنابة لا شرطية الطهارة .
المسألة الثانية : مسألة التضاد بين الطهارة والحدث .
ذهب جماعة من فقهائنا منهم الشيخ صاحب الجواهر والسيد الخوئي (قدهما) الى القول بعدم التضاد ؛ وذكرا بأن ما دل على طهورية التراب لا يستلزم رافعيته للحدث لعدم التضاد بين الطاهرة والحدث وامكان اجتماعهما, واستشهدا على ذلك بالنصوص المشتملة على اطلاق الجنب على المتيمم _ بضميمة ان التيمم يفيد الطهارة _ الذي هو بحسب الفرض متطهر , وقد اُطلق هذا في روايتين احداهما عامية لا يمكن الاعتماد عليها .
اما الرواية المعتبرة فهي موثقة عبدالله بن بكير،( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : رجل أم قوما وهو جنب وقد تيمم وهم على طهور، فقال : لا بأس .)[2]
حيث اطلق لفظ الجنب على من كان متيمما ويُفهم منه عدم المانع من اجتماع الجنابة والطهارة .
القول الاخر ذهب الى التضاد بين الطهارة والحدث ؛ ويستدل عليه بأن الظاهر من ادلة التيمم هو ترتب الطهارة عليه وانه يكون سببا لحصول الطهارة ؛ والطهارة تعني النظافة والنزاهة وما يساوق هذا المعنى , في مقابل القذارة والكدورة التي تسببها بعض الاحداث, والظاهر ان التقابل بين الطهارة والكدورة او القذارة هو تقابل الضدين , كما هو الحال في النجاسة الخبثية مع الطهارة منها , فالظاهر ان التقابل بين النجاسة الخبثية والطهارة منها هو تقابل الضدين بمعنى ان الشيء الواحد اما ان يكون فيه نجاسة خبثية او لا توجد فيه تلك النجاسة , وكذلك الكلام في الحدث الاصغر والطهارة منه , فأن الانسان اما ان يكون متطهرا من الحدث او ان يوجد فيه ذلك الحدث ؛ والجمع بين الطهارة وبين الحدث او ا لخبث كأنه جمع بين الضدين فالمقابلة بينهما مستحكمة والتقابل بينهما هو تقابل الضدين , هذا هو الرأي الثاني ولا يبعد ان يكون هو الاقرب بحسب ما يفهم عرفا من الطهارة , خصوصا عندما يقال مثلا التراب مطهر , او الآية الشريفة عندما تقول (لِيُطَهَّرَكُمْ ) فأن المفهوم منها انه يطهرهم مما هم فيه وهو الجنابة , اذن التراب يطهر الانسان مما هو فيه وهو الجنابة وهذا يعني انهما متقابلان ولا يمكن اجتماعهما .
اما موثقة ابن بكير فيمكن حملها على ما ينسجم مع ما قلنا بأن يكون المراد بقوله (جنب ) الاطلاق العرفي بأعتبار ان العرف لا يدقق في هذه المسائل ولا يلتفت الى ان التيمم مطهر, بل يمكن ان يكون الاطلاق شرعيا والمراد بكونه جنبا بلحاظ الزمان السابق ؛ فهذا الحمل وان كان خلاف الظاهر ولكنه لا مانع منه , فهذا الاطلاق لو كان في روايات متعددة فأنه قد يمنع, الا انه لا يوجد الا في هذه الرواية وهناك رواية اخرى ولكنها عامية كما قلنا ؛ فالظاهر ان الصحيح هو وجود التضاد بين الطهارة والحدث وانه لا يمكن اجتماعهما .
المسألة الثالثة : هل ان التيمم رافع للحدث ؟ او لا؟
المشهور والمنسوب الى الاصحاب انه ليس رافعا للحدث وانما هو مبيح لما يتوقف على الطهارة ؛ مع بقاء الحدث على حاله , وفي قبال هذا القول هناك قولان :-
احدهما ان التيمم رافع للحدث ؛ والثاني انه ليس رافعا للحدث او مبيحا فقط وانما يوجب حصول الطهارة كالغسل .
والظاهر بحسب الادلة هو ترتب الطهارة على التيمم ,ومن جملة الادلة الآية الشريفة التي هي الاصل في باب التيمم ( حيث ورد في ذيل الآية قوله تعالى (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ )[3] فالظاهر منها ان المقصود هو ان يطهركم بالتيمم ومنه يُفهم ان التيمم تترتب عليه الطهارة .
وكذلك ظاهر معظم النصوص هو ترتب الطهارة على التيمم , مثلا
صحيحة زرارة ( فأن التراب احد الطهورين) فالمراد بقوله احد الطهورين هو ان المحدث اذا تيمم تحصل له الطهارة .
وصحيحة محمد بن مسلم ( ولكنه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها لمكان انه دخلها وهو على طهر بتيمم ) أي بسبب التيمم وهي واضحة في ان التيمم يفيد الطهارة .
وصحيحة محمد بن حمران وعن جميل بن دراج جميعاً ـ في حديث ـ ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا .)[4]
فقوله طهورا أي انه تترتب عليه الطهارة .
صحيح محمد بن مسلم (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء ؟ قال : لا يعيد، إن رب الماء رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين)[5]
وغير هذا من الروايات .
فهذا _ كون التيمم موجبا للطهارة_ هو المستفاد من ظاهر الادلة , وليس في قبال ذلك الا ان يقال بأن هذه النصوص كلها تحمل على انها في مقام بيان ان التيمم في حكم الطهارة لا انه تترتب عليه الطهارة حقيقة , فيكون التيمم موجبا لطهارة تنزيلية وليس موجبا لطهارة حقيقة, وحينئذ لا نستطيع ان نقول ان التيمم يقتضي الطهارة حقيقة .
ولكن هذا الحمل خلاف ظاهر الروايات , فأن ظاهرها _ كما تقدم _ هو انها تفيد ترتب الطهارة على التيمم ؛ خصوصا قول الامام عليه السلام (إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا) فهو عليه السلام يقول (جعل التراب طهورا ) فحمله على ان المراد التطهر حكما خلاف الظاهر , خصوصا بعد ان قال عليه السلام (كما جعل الماء طهورا) أي كما ان الماء يوجب الطهارة فهذا ايضا يوجب الطهارة ؛ وهكذا قوله عليه السلام (فقد فعل أحد الطهورين) وكذلك قوله عليه السلام (لمكان انه دخلها وهو على طهر بتيمم).
وكذلك الكلام في الآية الشريفة (لِيُطَهَّرَكُمْ ) أي بالتيمم مما انتم فيه فالظاهر منها هو الطهارة الحقيقية وليس الطهارة حكما.
اذن حاصل الكلام في المسألة الثالثة هو ان الظاهر ان التيمم تترتب عليه الطهارة ؛ وبعد الفراغ من ذلك يقع الكلام في انه يرفع الحدث؟؟ او لا ؟؟
وبعبارة اخرى _بعد استبعاد القول الذي يذهب الى ان التيمم مبيح فقط كما لعله استبعده المتأخرون _ فهل ان التيمم يرفع الحدث او لا؟؟
قلنا ان هناك قولان الاول انه لا يرفع الحدث وان كان يوجب الطهارة والثاني انه يرفعه؛ والقول الاول يستند الى عدم المنافاة والتضاد بين الطهارة والحدث , بينما القول الثاني يبني على التضاد بينهما وحينئذ يكون الدليل الدال على حصول الطهارة يدل بنفسه على رفع الحدث للتضاد الموجود بينهما .
والظاهر ان الصحيح هو القول الثاني بأعتبار ما فرغنا عنه من ان الظاهر هو التضاد بين الطهارة والحدث , وحينئذ لابد ان يكون رافعا للحدث لعدم امكان اجتماعهما ؛ بل قد يفهم من الآية الشريفة _ بقطع النظر عن التضاد_ عندما تقول (وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ)
فالتيمم شُرع ليطهرهم من الجنابة التي هم فيها, أي يرفع عنهم الجنابة التي هم فيها فتكون الآية بحسب ظهورها دالة على ان التيمم رافع للحدث الذي جيء بالتيمم لأجله .
وعلى كل حال فالظاهر من الادلة هو ان التيمم رافعا للحدث وليس موجبا للطاهرة فقط مع بقاء الحدث .