36/03/06


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا , مسألة 49
اجيب عن الاعتراض الثاني على الرواية بالقول بالتبعيض بالحجية ؛ فأن الرواية مشتملة على مطلبين احدهما وجوب قضاء الصوم والاخر عدم وجوب قضاء الصلاة , فإذا كان الالتزام بالثاني غير ممكن فأنه يسقط عن الحجية لكن الاول يبقى على حجيته ولا موجب للألتزام بسقوطه عن حجيته , فيصح الاستدلال بالرواية لأن فقرة الاستدلال لم تسقط عن الحجية .
وهذا الجواب ( مسألة التبعيض في الحجية ) لا اشكال فيه مبدئيا وتساعد عليه الصناعة , لكنه مشروط بشرط غير متحقق في المقام , والشرط هو ان لا يكون هناك ارتباط بين فقرات الرواية الواحدة , وانما يشترط ان تكون الرواية بمثابة جمل (فقرات) متعددة تتضمن مطالب متعددة جمعت في رواية واحدة , وعند ذلك تأتي مسألة التبعيض في الحجية وتصح ؛ والسر في امكان جريان التبعيض في الحجية عند تحقق هذا الشرط هو انه بعد افتراض ان الفقرات في الرواية غير مترابطة فلا يكون عندئذ تلازم بين افتراض خطأ في فقرة وبين افتراضه في الفقرة الثانية , لأن افتراض الخطأ والاشتباه في الفقرة الثانية يكون خطأ اضافيا جديدا وليس هو نفس الخطأ الذي افترض في الفقرة الاولى ؛ فتجري فيه ( في الخطأ في الفقرة الثانية ) اصالة عدم الخطأ والاشتباه وهذا ( افتراض عدم استلزام الخطأ في الفقرة الاولى الخطأ في الفقرة الثانية ) هو معنى التبعيض في الحجية .
نعم لو كان السبب في سقوط الفقرة الاولى عن الاعتبار هو كذب الراوي مثلا فأنه يستوجب سقوط الفقرة الثانية بلا اشكال, بل كل ما هو موجود في الرواية ؛ لكن المفروض في محل كلامنا ان سقوط هذه الفقرة(الاولى) عن الاعتبار ليس هو كذب الراوي وانما هو من جهة الخطأ او الاشتباه او التقية او امثال ذلك , كما لو افتراضنا بأن الصحيح في الرواية هو عبارة (تقضي صلاتها ) فحصل الاشتباه من الراوي واضاف كلمة (لا) فصارت العبارة (لا تقضي صلاتها)؛ هذا الكلام بناء على عدم وجود الترابط بين فقرات الرواية .
واما اذا فرضنا وجود الترابط بين فقرات الرواية وكانت تتضمن مطلبا واحد وكأنها جملة واحدة ولبيان امر واحد , فحينئذ لا معنى للقول بالتبعيض في الحجية لأن أي شيء نفترض كونه موجبا لسقوط الحجية عن بعض هذا المطلب الواحد يكون بنفسه موجبا لسقوط الحجية عن الفقرات الاخرى , لأن افتراض الاشتباه في جزء هذا المطلب الواحد يستلزم افتراض الاشتباه في المطلب الاخر لكونهما جزأين لمطلب واحد .
والذي يبدو ان الرواية التي نتكلم عنها من قبيل الثاني فهي وان كانت ذات فقرات متعددة لكنها مسوقة لبيان مطلب واحد , فالرواية وان قالت (تقضي صومها ولا تقضي صلاتها) لكنها ليست في مقام بيان حكمين مستقلين لا يرتبط احدهما بالآخر؛ وانما الظاهر ان الرواية في سياق بيان ان هناك فرقا بين الصلاة الصوم , حيث ان المفروض في السؤال هو انها صامت وصلت من دون الاغسال , وفي الواقع ان هناك فرقا بين الصوم والصلاة من حيث وجوب القضاء , ولنفي التعجب بين هذا الفرق بينهما في ان هذه كيف تقضي صومها ولا تقضي صلاتها _ حيث ان هذا التعجب موجود وتشير اليه الروايات _ فهذه الرواية كأنها في سياق بيان الفرق بين الحكمين لنفي الاستغراب والتعجب الحاصل في الفرق بينهما , وعليه فأن الرواية وان كانت ذات فقرتين الا ان مطلبها واحد , وهو ان هناك فرقا بين الصوم والصلاة وان الواجب على المستحاضة هو قضاء الصوم دون الصلاة .
وحينئذ يكون التفكيك والتبعيض بين الفقرتين مشكلا جدا لأنه مطلب واحد, ويؤيد كون الرواية مسوقة لبيان مطلب واحد استشهاد الامام عليه السلام بكلام رسول الله صلى الله عليه واله بأمر نسائه بذلك فأنه لا يبعد انه يفهم منه _ كمؤيد_ ان الرواية مسوقة لبيان ذلك لأن هذا هو مورد الاستغراب فكأن الامام عليه السلام شعر بالحاجة في ان ينسب هذا الحكم الى النبي صلى الله عليه واله .
وهذا المعنى يستظهر من الرواية وبناء على هذا الاستظهار يكون التمسك بالتبعيض في الحجية في هذه الرواية مشكلا , ومن هنا يتضح ان هذا الاشكال مستحكم وهو ان الرواية تشمل على ما لا يمكن الالتزام به (عدم وجوب قضاء الصلاة على المستحاضة).
والغريب ان السيد الخوئي ذكر الرواية في باب الصوم وقال بأن الرواية تامة وهذه الاشكالات الواردة عليها ليست تامة, وطرح الاشكال الاول (ذكر فاطمة عليها السلام ) وحملها على كون المراد منه تعليم النساء وطرح الاشكال الثاني بمسألة التبعيض في الحجية وذكر بأنه لابد من العمل بهذه الرواية بل بعض العبارات تفيد الجزم بالعمل بها , لكنه في باب الاستحاضة عندما ذكر هذه الرواية استشكل فيها وقال بأن هذه الرواية مشوشة ولا يمكن العمل بها ويرد علمها الى اهلها .
ولعله لهذه الاشكالات برزت احتمالات للعمل بهذه الرواية من جملتها :-
الاول : وجود تقديم وتأخير في الرواية وقد وضحه صاحب المنتقى الشيخ حسن حيث يقول ما حاصله ( ليس من المستبعد ان يبلغ الوهم الى وضع الجواب مع غير سؤاله فأن من شأن الكتابة _ فأن روايتنا مكاتبة _ في الغالب ان تجمع الاسئلة المتعددة فإذا لم يمعن الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم )
فتكون مثلا العبارة التي في روايتنا انها تقضي صلاتها ولا تقضي صومها أي عكس ما هو موجود في الرواية .
الثاني : وجود سقط في الرواية وان السؤال في الحقيقة هو عن حكم الحائض والنفساء فيكون الجواب على القاعدة أي انها تقضي صومها ولا تقضي صلاتها , واستدلوا على ذلك بعدم مناسبة التعليل لمورد السؤال _ وهذا اشكال اخر في الرواية _ فالذي يظهر من التعليل ان هذا الشيء كان يفعله النبي صلى الله عليه واله بكثرة ( كان رسول الله صلى الله عليه واله يأمر نساءه بذلك ) وكأن القضية فيها استمرارية؛ بينما مورد السؤال_ طهور المرأة من حيضها او نفاسها اول شهر رمضان ثم تأتي اليها الاستحاضة وتستمر هذه الاستحاضة حتى تترك صلاتها وصومها جميع رمضان _ يتضح عند التأمل بأنه نادر جدا ؛ ومن هنا قد تشكل علامة استفهام اخرى تضاف الى ما تقدم مما يؤيد التوقف في العمل في هذه الرواية الشريفة.
قال الماتن
مسألة 49: (يشترط في صحّة صوم المستحاضة على الأحوط )[1]فأصل الاشتراط عند السيد الماتن احتياطي وهو في محله لأن المشهور ذهب الى الاشتراط ؛ والغريب ان المشهور ذهب الى ذلك استنادا الى هذه الرواية لعدم وجود دليل على هذا الحكم الا هذه الرواية وهو حكم على خلاف القواعد فلابد للمشهور من الاستناد الى دليل عند الحكم بالاشتراط , والظاهر ان مستند المشهور هو هذه الرواية كما صرح البعض بذلك ومن هنا يكون الاحتياط في محله.
(الأغسال النهاريّة التي للصلاة دون ما لا يكون لها، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل كالمتوسّطة أو الكثيرة فتركت الغسل، بطل صومها)
هناك مطلبان لابد من التعرض لهما بأعتبار ان السيد الماتن خالف ما يمكن ان يقال بأنه ظاهر الرواية فيهما :-
المطلب الاول: هل ان الشرط هو الاغسال النهارية فقط او يضاف اليها الاغسال الليلية ؟ او يضاف اليها حتى غسل صلاة الصبح ؟
فظاهر عبارة السيد الماتن ان المطلوب هو الاغسال النهارية فقط ؛ في حين ان ظاهر الرواية هو ان تعمل ما تعمل المستحاضة لكل صلاتين , وهو لا يختص بالاغسال النهارية بل يشمل الاغسال الليلية , لأن الغسل للعشائين غسل لصلاتين ايضا ؛ بل يحتمل شمول الرواية لغسل صلاة الصبح وقد ذهب الى ذلك جماعة من الفقهاء _وان كانت العبارة لا تشمل غسل صلاة الصبح لأن العبارة فيها الغسل لصلاتين وصلاة الصبح صلاة واحدة _ بدعوى ان سياق الرواية هو ان هذه المستحاضة تركت ما يجب عليها من الاغسال وهو يشمل حتى صلاة الصبح .
المطلب الثاني : ان السيد الماتن يعمم الحكم للمستحاضة المتوسطة , وهو خلاف الرواية _ على تقدير العمل بها _ لأن الرواية تقول ( ما تعمل المستحاضة من الغسل لصلاتين ) ولا يوجد في المستحاضة المتوسطة الغسل لصلاتين وانما المطلوب منها غسلا واحدا لجيمع الصلوات , والغسل لصلاتين من مختصات الاستحاضة الكثيرة وهو ظاهر الرواية , فالتعدي الى المتوسطة الذي جزم به السيد الماتن يحتاج الى بحث سيأتي ان شاء الله .
ونشير الى ما ذكره السيد الماتن بقوله (الأغسال النهاريّة التي للصلاة دون ما لا يكون لها) والمقصود به الاغسال التي تجب على المرأة لكن ليست للصلاة فهي ليست شرطا لصحة صومها .