13-12-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/12/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وكلا الأمرين الذين ذكرهما قابلان للمناقشة:-
  أما الأول:- أعني مصرف سيد الشهداء عليه السلام - فذلك:-
 أوّلاً:- مَن قال إن المورد المذكور ليس من مورد الملك والحق بل هو من مورد المصرف فإن هذا هو أوّل الكلام فإن بالإمكان أن يدّعى أنه من مورد الملك فهو ملكٌ لسيد الشهداء عليه السلام فبجمعه وأخذه ودفعه يصير ملكاً له. وإذا قلت:- كيف يصير ملكاً والحال أنه لا يوجد شرط الملك وحصوله هو القبول والقبض فلابد وأن يقبل سيد الشهداء عليه السلام فلا قبول ولا قبض هنا فكيف يتحقق الملك ؟! نظير ما لو دفعت لك مالاً وقلت لك أوصل هذا الى فلان فهل يصير هذا المال ملكاً لفلان قبل أن يصل إليه ؟! نعم إذا وصل إلى يده فقد حصل القبول والقبض فصار ملكاً له أما إذا لم يصل إليه ولم يقبضه فهو ليس ملكاً له فإن شرطا الملكيّة في باب الهديّة والهبة هو القبول إضافةً الى القبض أو على الأقل القبول وهنا لا يوجد قبولٌ فكيف يصير ذلك ملكاً ؟
 قلت:- لا بأس بأن نلتزم بفكرة التخصيص فنقول إن كلّ ملكٍ يتوقّف على القبول إلا في هذا المورد فلا يحتاج الى قبولٍ والمستند لذلك هو السيرة ، وأنا لا أريد أن أدعي الجزم بذلك بل أقول إنه يحتمل ذلك ويكفيني الاحتمال لإسقاط ما تمسك به من الدليليّة فإن السيرة ليس لها لسانٌ فيحتمل أنها ناتجة عمّا ذكره - أي من كون مجرد المصرفيّة موجبٌ للضمان ويحتمل هذا ومعه فلا يمكن التمسك بما أشار إليه(قده).
 وثانياً:- إن هذه السيرة نحتمل أنها حادثة وليست مستمرة من عهد المعصوم وإلى زماننا سواء كانت سيرة متشرعيّة أم كانت سيّرة عقلائية فإن هذه القضيّة - وهي قضيّة الجمع لجهة وعنوان معين مثل سيّد الشهداء عليه السلام - لا نجزم بأنها كانت متداولة سابقاً ، وبكلمة أخرى هذه القضية المعيّنة جزماً لم تكن سابقاً قد جرت عيها السيرة ولا توجد أرقام وشواهد مماثلة لهذه القضيّة حتى يمكن الاستعانة بها ومعه كيف تثبت حجيّتها ونحن نعرف أن سيرة العقلاء لا تكون حجّة إلا إذا كانت في عهد المعصوم ليثبت امضاؤها بسبب السكوت وإذا كانت سيرة متشرعة فيلزم أن تكون معاصرة - أي مأخوذة من المعصوم عليه السلام - فصحيح أنّا لا نحتاج في سيرة المتشرعة الى عدم الردع ولكن نحتاج الى المعاصَرة ليثبت أنها مأخوذة من المعصوم عليه السلام ونحن لا نجزم بأن هذه السيرة كانت ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام فكيف تكون حجّة ؟!
 وثالثاً:- لو سلّمنا أنها كانت ثابتة سابقاً ولكن نقول إنها سيرة في موردٍ خاص - أعني الأموال التي تجمع لسيّد الشهداء عليه السلام - فهي تنفع في هذا المجال ولا يمكن أن نثبت بذلك أنه في جميع موارد المصرف يكون الأمر كذلك بل غاية ما يثبت هو أنه إذا كان مورد المصرف من قبيل ما جمع لسيد الشهداء عليه السلام فيثبت الضمان وذلك لأجل السيرة أما أن كلّ موردٍ للمصرفيّة كموردنا - وهو ثلث الفقراء في باب الهدي أو ثلث المؤمنين - كون أمره كذلك فلا فكيف نتعدّى من ذلك المورد الى هذا المورد فلعلّ هذه السيرة سيرة خاصّة بهذا المورد المعين - أعني ما جمع ليسد الشهداء عليه السلام - ولا يثبت من خلال ذلك الشمول والعموم لجميع موارد المصرفيّة . نعم إذا فرض أن السيرة المذكورة كانت سيرة عقلائيّة ولم تكن سيرة متشرعيّة فهناك كلام يناسب ذكره في مبحث السيرة وحاصله أن سيرة العقلاء لا تكون حجّة إلا إذا أمضاها المعصوم من خلال سكوته وعدم ردعه ولكن الامضاء يتوجّه الى ماذا ؟ فهل يتوجّه الى العمل بمقداره الخارجي الذي تجسّد خارجاً أو أنه يتوجّه الى النكتة العقلائية التي هي ربما تكون أوسع من العمل الخارجي ؟ إن هذا قد وقع محلَّ بحثٍ وكلامٍ بين الأعلام وهو نزاعٌ مهمٌّ وله آثاره المهمة ومن جملة آثاره وثمراته - وهذا من باب الكلام يجرّ الكلام والغرض هو لفت النظر الى أهمية هذا الكلام - هو أن الفقهاء يقولون من حاز ملك وهذا من الأحكام المسلّمة ومستند هذا الحكم هو السيرة العقلائية فإن من أخذ سمكة من البحر لا يحقّ لأحدٍ أن ينازعه في ذلك ومن حفر أرضاً فحصل على بئرٍ فلا حقّ لأحدٍ أن ينازعه فيه وهكذا باقي الأشباه والنظائر وهذه سيرة مسلّمةٌ ثابتةٌ في زمن المعصوم أيضاً ، ولكن في زماننا وجدت وسائل جديدة للحيازة لم تكن موجودة في زمن المعصوم فيحفر الشخص مثلاً أرضاً ويستخرج البترول بكميّة كبيرة فهذا هل ينطبق عليه ( من حاز ملك ) ويكون مالكاً ؟ إن الثمرة تظهر هنا فإنه إذا كان الامضاء يتوجّه الى العمل بمقدار ما تجسّد وحصل خارجاً فلا يكون هناك دليلاً على ملكيّة البترول الذي كميته كبيرة بل حتى لو لم تكن كميته كبيرة فلا دليل على أن البترول يملك بالحيازة فإنه في زمن المعصوم عليه السلام لا نجزم بأن هذه الظاهرة موجودة ، إذن يلزم أن لا نحكم بكون الحيازة موجبة للملكيّة في باب حيازة البترول مادام المدار على العمل بمقدار ما تجسّد خارجاً . وأما إذا قلنا إن الامضاء يتوجّه الى النكتة العقلائية وليس الى العمل بمقدار ما تجسّد خارجاً فالنكتة العقلائية كما نعرف قد تكون وسيعة وتشمل البترول وغيره فيثبت بذلك أن الحيازة موجبة للملكيّة في باب البترول وغيره . إذن هذا نزاع مهم وقد اختار السيد الماتن(قده) أن الامضاء يتوجّه الى العمل بمقدار ما تجسّد خارجاً وليس أكثر من ذلك فلاحظ التنقيح [1] وفقه الشيعة [2] خلافاً للسيد الحكيم(قده) في المستمسك [3] حيث بنى على أن الامضاء يتوجّه الى النكتة بعرضها العريض . وعلى هذا الأساس نقول بناءً على ما اختاره السيد الماتن من أن الامضاء يتوجّه الى العمل بمقدار ما تجسّد خارجاً ففي مقامنا نقول إن هذه السيرة في مورد الجمع ليسّد الشهداء عليه السلام يثبت الامضاء بمقدار مساحتها وهو الجمع ليسّد الشهداء عليه السلام أما ما كان أوسع من ذلك فلا يثبت الامضاء بلحاظه والذي منه محلّ كلامنا وهو ثلث الاهداء وثلث الصدقة في باب الهدي ، إذن لا يثبت ما أراده(قده) من خلال هذه السيرة.
 وقد يقول قائل:- يحتمل أن مقصوده(قده) شيء آخر وكلمة السيرة في كلامه جاءت عفواً وليس هدفه ينحصر بها ومقصوده الأساسي هو أننا لا نحتمل في مورد الجمع لسيّد الشهداء أنه لا يوجد ضمان إذا أتلف ما جمع له عليه أفضل الصلاة والسلام ، فمقصوده هو أنه يريد أن يثبت الاطمئنان على ثبوت الضمان لا أنه يريد أن يدّعي السيرة حتى يأتي كل كلامنا هذا ، إن هذا احتماله موجود وجاءت كلمة السيرة في كلامة بشكلٍ عفوي.
  فنجيب:- صحيحٌ قد لا نحتمل عدم ثبوت الضمان كما قال(قده) ولكن بالتالي يبقى ما أشرنا إليه من الاشكالات وارداً عليه بما في ذلك هذا الاشكال الثالث فإن الذي نطمئن بثبوت الضمان فيه هو مثل هذا المورد - أي مورد ما جمع لسيّد الشهداء - أما ثلث الهديّة وثلث الصدقة من الهدي فنحتمل أنه لا ضمان بلحاظه . إذن حتى لو أردنا أن نساعده(قده) ونقول إن مقصوده ليس هو السيرة بل عدم احتمال عدم الضمان والاطمئنان بالضمان فحتى لو سلّمنا له هذا فنقول هذا خاصّ بهذا المورد - أي فيما جمع لسيّد الشهداء - أما في موردنا فهو أوّل الكلام ولا ينفع إثبات الضمان في هذا المورد لإثبات الضمان في موردنا.


[1] التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، ج2، ص329 ، ط قديمة.
[2] فقه الشيعة، ج2، 75.
[3] مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، ج1، ص215.