36/03/29


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا , مسألة 56 القسم الرابع وهو ما اذا نام مجنبا بانيا على الاغتسال .

الكلام عن روايات الطائفة الاولى .

أقول : ان عمدة الطائفة الاولى هي صحيحة معاوية بن عمار , لأن صحيحة ابن ابي يعفور تقدم الاشكال فيها بتعدد نسخها ولا يمكن الجزم بصحة نسخة منها وترجيحها على النسخ الاخرى؛ اما الرواية الثانية :صحيحة العيص بن القاسم (أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل ان يغتسل ؟ قال : لا بأس )[1].
فالظاهر ان ما ورد فيها سؤال عن جواز النوم بعد الاحتلام وبعد الغسل (أي هي بصدد السؤال عن حكم تكليفي), و ليست الرواية ناظرة الى ما اذا نام واستمر به النوم الى الصباح هل يجب عليه القضاء ؟ او لا يجب ؟ وعليه فلا يمكن ان نجعل هذه الرواية من اخبار الطائفة الاولى التي تدل على ان النوم الاول بعد الجنابة وبعد العلم بها اذا استمر الى الصباح يصح الصوم ولا يجب القضاء .
.
اما الرواية الاولى :صحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : ليس عليه شيء، قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ؟ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة )[2]
وهي الرواية التي اعتنى بها الفقهاء وجعلوها الدليل على صحة الصوم في النوم الاول .
فالظاهر انها ليست مطلقة وشاملة للتعمد وعدمه , كما ذكر السيد الخوئي (قد) وانما موردها صورة عدم التعمد , والقرينة على ذلك هي :-
القرينة الاولى: ما ذكره السيد الخوئي وهو قوله (قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ؟ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة) فأن هذا التعبير (عقوبة)لازمه افتراض عدم التعمد , والا لو كان متعمدا في ترك الغسل في مفروض السؤال لكان القضاء عليه على القاعدة, لأنه ترك الواجب في وقته عامدا عالما , ومنه يفهم ان مورد الرواية مورد عدم التعمد , نعم يعاقب لوجود نوع من التساهل والتهاون فيعاقب عليه بوجوب القضاء عليه , لا ان القضاء بأعتبار انه ترك الغسل عامدا عالما .
واذا لم تتم هذه القرينة وناقشنا فيها , فيمكن لنا ان نقول:
القرينة الثانية : بأن هذه الرواية صريحة في التفريق بين النوم الاول والنوم الثاني , فإذا كان المفروض في المسألة هو تعمد ترك الغسل فأن هذا التفريق لا وجه له ؛ لأنه في النوم الاول لا يجب عليه القضاء وفي النوم الثاني يجب القضاء , وهذا_ التفريق _ يكون مقبولا عندما يُفترض عدم التعمد الى ترك الاغتسال, والا فالمتعمد يقضي في كلتا الحالتين ( في النوم الاول والثاني) , فالتفريق بعدم وجوب القضاء في النوم الاول, والوجوب في النوم الثاني لا يكاد يصح الا مع افتراض عدم التعمد, فالمفروض في اصل الرواية هو عدم تعمد ترك الغسل , لا انها مطلقة تشمل صورة التعمد وعدمه , وتخصيص هذه الرواية بصورة عدم التعمد يجعلها اخص مطلقا من اخبار الطائفة الثانية, وموافقة لما يُفهم من اخبار الطائفة الثالثة _اذا قلنا بأن لها مفهوما في عدم وجوب القضاء في حال عدم العمد _ حيث انها تقول بوجوب القضاء في حالة التعمد ؛ وحينئذ ننتهي الى نفس النتيجة التي ذهب اليها المشهور وهي عدم وجوب القضاء في النوم الاول .
اما الرواية الرابعة :صحيحة ابي سعيد القماط (أنه سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال )[3]
فليس فيها قرينة تدل على الاختصاص بحالة عدم العمد كما هو الحال في صحيحة معاوية بن عمار , ولكنها فهم منها الفقهاء انها ناظرة الى غير المتعمد كما يظهر ذلك من العنوان الذي ذكره صاحب الوسائل (ان من اجنب ليلا في شهر رمضان ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر صح صومه وليس عليه قضاءه ولا كفارة ) وذكر هذه الرواية اول رواية في الباب وهذا يعني ان صاحب الوسائل يفهم منها الاختصاص بغير العمد , ونحن نقول ان التعليل المذكور في ذيل الرواية (وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال) يناسب ان تكون الرواية ناظرة الى غير العامد, وذلك لأن التعليل كأنه يريد ان يقول بأن هذا لم يصدر منه أي مخالفة ولم يصدر منه سوى الجنابة وكانت في وقت حلال , وهذا انما يصح في غير العامد (أي يمكن ان يقال بأنه لم يصدر أي مخالفة ) واما العامد الباني على ترك الغسل الى الصباح فلا معنى للتعليل له بأنه لم يصدر منه أي شيء, ولا شيء عليه لأن جنابته كانت في وقت حلال , فهو وان كان ممكنا ان يقال بأن العزم على البقاء على الجنابة من خلال النوم لا يضر بالصوم تعبدا , لكنه لا يعلل بأنه لا شيء عليه لأن جنابته كانت في وقت حلال والمفروض انه قصد المفطر لأن هذا التعليل لا يناسب العامد , ومنه يمكن جعل الرواية مختصة بغير العامد وعدم اطلاقها للعامد, ومن هنا يظهر ان الطائفة الاولى من الاخبار ليس فيها اطلاق وبالتالي فالجمع الذي ذكره السيد الخوئي(قد) لعله لا يكون تاما.

هذا ما يرتبط بالنوم الاول ؛ اما بالنسبة الى النوم الثاني
فقد ذهب المشهور الى وجوب القضاء فيه دون الكفارة ونُقل الاجماع على ذلك من اكثر من واحد ,بل قيل ان نقل الاجماع مستفيض , واُستدل على ذلك بصحيحتين الاولى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة بناء على حملها على غير العمد , وتقدم الكلام في القرينتين على حمل الرواية على غير العمد , وحينئذ يصح الاستدلال بها على وجوب القضاء في النوم الثاني لغير العامد الذي هو محل الكلام ؛ والصحيحة الثانية التي اُستدل بها هي صحيحة ابن ابي يعفور بناء على بعض النسخ التي يفهم منها وجوب القضاء في النوم الثاني, فأن هذه الرواية نُقلت بنسخ متعددة وهي الرواية الثالثة :صحيحة ابن ابي يعفور (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له .)[4] وهذه الصحيحة تقدم الكلام فيها وانها وردت بنسخ متعددة :-
حيث انها نُقلت في التهذيبين للشيخ الطوسي _ القراءة الاولى_ (ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، فإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له .) [5][6] وهي على هذه النسخة لا يصح الاستدلال بها في المقام فهي اجنبية عن المقام لأنها ناظرة الى النوم الاول وليس الى النوم الثاني , لأن المفهوم من قوله (يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ) انه اجنب بالاحتلام في النوم ثم يستيقظ من ذلك النوم وبعد ذلك تقول الرواية (ثم ينام) وهذا هو النوم الاول وهو الذي حُكم عليه بوجوب القضاء وليس النوم الثاني .
ونقلت في الفقيه بشكل اخر _القراءة الثانية_ ابن أبي يعفور (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : " الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ، ثم ينام، ثم يستيقظ، ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم صومه ويقضي يوما آخر، فإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه وجاز له )[7].وعلى هذه النسخة يصح الاستدلال بالرواية لأنها حكمت بالقضاء على من نام مجنبا بالنوم الثاني.
ونقلت هذه الرواية في بعض نسخ الفقيه والوسائل بشكل ثالث _القراءة الثالثة_ (الرجل يجنب في شهر رمضان ثم ينام ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ) وعلى هذه القراءة تكون الرواية غير ناظرة الى حالة الاحتلام, وانما هي ناظرة الى ان الرجل يجنب ثم ينام فأن استيقظ بعد ذلك ونام ( أي النوم الثاني) يكون هذا النوم موجبا للبطلان وحينئذ يصح الاستدلال بها في محل الكلام .
وحينئذ يمكن الاستدلال بهذه الرواية على بعض النسخ , ولكن كما قال السيد الخوئي (قد) يكفينا صحيحة معاوية بن عمار .