39/03/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك – مسألة ( 39 ) جوائز الظالم.

وأما النقل الثاني للرواية فهو:- ( وعنه[1] عن محمد بن زياد[2] عن هشام ابن سالم قال سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده جالس قال: إنه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه وله عندنا دراهم وليس له وارث ، فقال أبو عبد الله عليه السلام: تدفع إلى المساكين ، ثم قال رأيك فيها ؟ ثم أعاد عليه المسألة فقال له مثل ذلك ، فأعاد عليه المسألة ثالثة فقال أبو عبد الله عليه السلام: تطلب له وارثاً فإن وجدت له وارثاً وإلا فهو كسبيل مالك ، ثم قال: ما عسى أن تصنع بها ؟ ثم قال: توصي بها فإن جاء لها طالب وإلا هي كسبيل مالك )[3] .

والمهم هي أنَّ نقطة الاشتراك هي ( توصي بها فإن لها طالب وإلا هي كسبيل مالك ) ، وهي وإن كانت في نهايتها تشترك مع مضمون الرواية السابقة بيد أنها تشتمل على اضطراب - إنّ صحّ التعبير - أو نحو ذلك حيث إنَّ الامام عليه السلام حينما أجاب بقوله ( تدفع إلى المساكين ) بقي السائل يقول له ( رأيك فيها ثم أعاد عليه المسالة فقال له مثل ذلك فأعاد عليه ثم كان جواب الامام بعد المرّة الثالثة جواباً يغاير ما ذكره في البداية ، يعني في البداية قال له تدفع إلى المساكين ولكن بعد الالحاح والتكرار أجاب الامام عليه السلام في المرة الثالثة بأن تطلب له وارثاً فإن وجدت له وارثاً وإلا فهو كسبيل مالك ، فإذن الرواية تشتمل على اضطراب يطمأن أو قريب من الاطمئنان على أنه يوجد تشويش في النقل ، وهذا بيان واقع حال وهو لا يؤثر علينا ، ولعلّ الرواية إذا اشتملت على تشويش من هذا القبيل تسقط عن الاعتبار من باب السيرة العقلائية فإنَّ السيرة العقلائية في أمثال هذه النقول لا يجزم بانعقادها على الأخذ بالرواية مادامت تشتمل على مثل هذا التشويش.

النقل الثالث للرواية:- وهو عن الصدوق:- ( بإسناده عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن جندب عن هشام بن سالم قال سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر فقال:- كان لأبي أجير وكان له عنده شيء فهلك الأجير فلم يدع وارثاً ولا قرابة وقد ضقت بذلك كيف أصنع ؟ قال: رأيك المساكين ، رأيك المساكين ؟ فقلت إني ضقت بذلك [ ذرعاً قال ] هو كسبيل مالك فإن جاء طالب اعطيته )[4] ، إنها في ذيلها تتفق مع النقل الأوّل وأنه تبقيها عندك أمانة ، ولكن يوجد تشويش أو تعبير غامض وهو قوله ( رأيك المساكين رأيك المساكين ؟ ) وإذا رجعنا إلى الفقيه رأينا الموجود هكذا ( رابَك المساكين رابك المساكين )[5] وفُسِّرت هذه العبارة بأنه هل أدخل عليك الريب والشك والمساكين وهم فقهاء مدرسة الاتجاه المقابل يعني أنَّ هؤلاء ألقوا عليك الشك ، وبناءً على هذا تصير العبارة أوضح ، ولكن من الغريب أنَّ صاحب الوسائل مرّ عليها مرّ الكرام وكذلك المحقق للوسائل على هذا المنوال أيضاً ، وفي الكافي والتهذيب نقل بشكل آخر وهو ( قال: مساكين وحرّك يده ) من دون أن توجد فقرة ( رابك ) أو ( رأيك ) وإنما قال ( مساكين ، مساكين ).

وهذا كله ليس بالمهم فأنا نقلت هذين النقلين ليس بهدف أن اجعلهما معارضين إلى النقل السابق حتى نقول آنذاك إنَّ النقل متعارض فيسقط الجميع عن الحجية وإنما المعارضة ليست موجودة من هذا القبيل التي تسقط الرواية بسببه عن الحجية.

نعود إلى النقل الأوّل فما هو الجواب عنه ؟

يمكن الجواب:- بأنَّه نسلّم أنَّ الرواية لم تدل على أنه بعد الطلب واليأس يتصدّق به والمفروض أن الروايات الأربع السابقة تدل على الفحص وعند اليأس التصدّق وهذه دلت على أنَّ الموقف الشرعي فقط وفقط هو التحفّظ على المال والايصاء به من دون أن بالتصدق فكيف الجواب عنها ؟ يمكن أن يقال: إنَّ أمر الامام بالفحص والطلب والوصية بالمال يمكن أن يقال هو محمول على حالة عدم اليأس من المالك إذ من البعيد أن يأمر بالفحص حتى مع اليأس التام من المالك فإنَّ هذا عبث ، فيمكن حينئذٍ أن يجمع بين هذه الرواية وبين ما سبق بحملها على حالة عدم اليأس من المالك فإنَّ نفس طب الامام بالفحص واصراره على ايصاله ليس من البعيد أنه قرينة عرفية على أنه لم يحصل اليأس من المالك وإلا كان طلب الفحص والإيصاء عبثاً وبلا فائدة.

ثم لو تنزّلنا عن هذا الجواب فيمكن أن يقال:- إنَّ مورد الرواية هو الحق الكلّي الذمّي ، فإنَّ الأجير استحق الأجرة وهي المال في الذمّة - دراهم في الذمّة وليست شخصية - ولعل الكلّي في الذمّة له خصوصية وهو أنه يتحفّظ عليه ويوصى به لأنه لا يحتمل أن يتلف في يومٍ من الأيام بخلاف المال العيني فإنه يحتمل تلفه كأن يسرقه السارق ، وهذا بخلاف الحق الكلّي الثابت في الذمّة فلا يحتمل أن يأتي السارق ويسرقه ، فعلى أي حال مورد هذه الرواية هو الحق الكلّي ولعلّ للحق الكلّي خصوصية من هذه الناحية ، فإذن لا يمكن أن نقول إنَّ هذه الرواية معارضة للروايات السابقة التي دلت على أنَّ الحكم هو الفحص وإذا حصل اليأس يتصدّق بالمال لأنَّ تلك موردها الحقّ الشخصي وهذه موردها الحق الذمّي ويمكن أن يختلف الحكم.

ومن الغريب ما ذكره السيد الخوئي(قده) من احتمال وجود خصوصية للمورد وهي أنَّ المالك في المورد معلوم وليس مجهولاً فنحن نعرفه وهو من عمل بالرحى وإنما نجهل أخباره ولا ندري إلى أين ذ هب ، فالمورد من معلوم المالك ولكن جهلت أخباره ولعل له خصوصية وإذا ادعى مدعٍ أنه لا خصوصية إذ الفرض هو العجز عن الوصول إليه في كلا الموردين ولا فرق بين أن يكون هذا العجز من ناحية الجهل به رأساً أو من ناحية عدم المعرفة بمكانه مع معرفة شخصه وتمييزه ، أجاب وقال: إنَّ الجزم بمناطات الأحكام شيء صعب[6] .

والغرابة من ناحيتين:-

أولاً:- إنَّ هذا خروج عن الجادة والطريقة العرفية ، فالإنسان حينما يكون عرفيا لا يحتمل الفرق بين الموردين - يعني إلغاء الخصوصية عرفاً - ، إما بناءً على ما ذكره فحينئذٍ لا يوجد عندنا تنقيح المناط ولا إلغاء الخصوصية عرفاً لأنه سوف يأتي ما ذكره وهو أنه يحتمل الخصوصية.

مضافاً إلى أنه حينما وصل الشيخ الأعظم(قده) إلى فرع أنَّ معلوم المالك إذا لم تعرف أخباره فهو من حيث الحكم كمجهول المالك هنا أمضى السيد الخوئي كلام الشيخ الأعظم وقال ما نصّه:- ( إنَّ ظاهر الموثقة أنه وظيفة من بيده لمال بما أنه عجز عن ايصاله إلى مالكه ولا يفرّق بين اسباب ذلك ) ، وذكر قريب من ذلك في مصباح الفقاهة[7] .

إذن الجواب الصحيح ما ذكرناه من أنه أوّلاً هذه يمكن أن نحملها على صورة عدم ليأس من المالك بقرينة قول الامام عليه السلام ( اطلب ) ، وثانياً لو تنزّلنا ولكن نقول إنَّ موردها هو الحق الكلي الذمّي فيمكن أن يكون له خصوصية.

الاحتمال الثالث:- وهو أنَّ حكم مجهول المالك هو للإمام عليه السلام فيدفع إليه ومالكه هو الامام وليس الحكم هو الفحص واليأس ثم التصدّق بل رأساً يكون المالك هو الامام عليه السلام ، ويدل على ذلك وراية محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد[8] عن موسى بن عمرو[9] عن الحجال[10] عن دواد بن يزيد[11] عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رجل إني قد أصبت مالاً وإني قد خفت فيه على نفسي ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه ، قال فقال له أبو عبد الله عليه السلام والله: أن لو صبته كنت تدفعه إليه ؟ قال: أي والله ، قال: فانا والله ما له صاحب غيري ، قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره ، قال: فحلف ، فقال: فاذهب فاقسمه في اخوانك ولك الأمن مما خفت منه ، قال: فقسمته بين اخواني )[12] ، فكيف نتخلص من هذه الرواية ؟


[1] وعن الحسن بن محمد بن سماعة وهذا ارجاع ضمير إلى السابق.
[2] يعين ابن ابي عبيد.
[6] محاضرات في لفقه العفري، الخوئي، ج1، ص641. مصباح الفقاهة، الخوئي، تسلسل35، ص790؟.
[7] مصباح الفقاهة، الخوئي، تسلسل35، ص790.
[8] ابن عيسى.
[9] وهو مشترك.
[10] ثقة.
[11] ثقة.