39/03/16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

ثانياً:- إنه بعدما فرض دلالة الطائفة الثانية أعني مثل رواية ابن أبي حمزة الواردة في عامل بني أمية على الإذن في التصدّق من دون حاجة إلى فحصٍ ، فحينئذٍ التصدّق بالمال قبل الفحص يصير مصداقاً لأداء الأمانة إلى أهلها فترتفع المعارضة ، فيصير الدليل الثاني أشبه بالحاكم على الدليل الأوّل - لأنَّ الامام عليه السلام هو ولي وقد اذن بالتصدّق - فأداء الامانة يتحقق حينئذٍ وترتفع المعارضة ، فلا تبقى معارضة بينهما في التصدّق قبل الفحص.

ثالثاً:- إنه ذكر أنَّ الآية الكريمة تدل على وجوب ردّ الأمانة إلى أهلها - وهذا نسّم به - وإذا وجب الردّ وجب الفحص من باب المقدمة - وهذا تام أيضاً - ثم قال وإنما يجب الفحص إذا أمكن ، ونحن نقول: لماذا يجب الفحص إذا أمكن ؟ هو(قده) علّل بأنه يلزم التكليف بغير المقدور فإنه إذا وجب الفحص حتى مع عدم القدرة على الفحص والوصول إلى المالك يلزم التكليف بغير المقدور ، ونحن نقف هنا ونقول: إنَّ التكليف بغير المقدور جائز على مبناك ، فإنه يبني على أنَّ القدرة ليست شرطاً في متعلق التكليف وإنما هي شرط عقلاً في وجوب الامتثال[1] ، وإن قلت مرّة إني طيلة حضوري في مجلس درسه المبارك لم أسمع هذا منه مرّةً ولم اسمع تفريعاً على هذا المبنى ، ومن الغريب أنَّ السيد الشهيد لم اسمع منه الاشارة إلى هذا المبنى ولكن بعد المراجعات اتضح أنَّ هذا المبنى كان موجوداً عند السيد الخوئي(قده) ، وهل تسمِّ هذا عدولاً عن المبنى أو غير ذلك ؟ ، يعني كان في مجلس درسه بالعكس فهو حينما كان يتكلّم كان يفرّع على اشتراط القدرة ولكن عنده هذا المبنى ، وهل هذا عدول عن المبنى أو هو غفلة عنه ؟ إنَّ هذا ليس بمهم وإنما هذا واقع حال وواحد من الموارد هو هذا المورد فإنه هنا فرّع على اشتراط القدرة في متعلّق التكليف وبناءً على اشتراط القدرة في متعلق التكليف صار حينئذٍ وجوب الفحص مشروطاً بالامكان ، وسوف تصير النسبة هي العموم والخصوص من وجه ، أما إذا قلنا إنَّ الفحص واجب فالنسبة سوف تتغير ولا تكون عموم وخصوص من وجه ، فهذه النسبة مبنية على هذا المبنى فإذا أنكرنا هذا المبنى فسوف تفوت هذه النسبة.

رابعاً:- إنه قال إنَّ الرواية تخالف اطلاق الكتاب فتردّ ، ونحن نقول:- إنه يبني على أنَّ مخالفة اطلاق الكتاب لا تضر إنما الذي يضرّ هو مخالفة عموم الكتاب فإنَّ اطلاق الكتاب ليس من الكتاب ، باعتبار أنه وليد مقدّمات الحكمة لا أنَّ لفظ الكتاب يدلّ عليه وإلا صار مدلولاً وضعياً ، وهذا ما كان يبنى عليه قبل سلطان العلماء ، وحيث إنَّ الصحيح إنه مدلول حكمي فإذن هو ليس كتاباً ، فمخالفة الرواية لإطلاق الكتاب ليست مخالفة للكتاب حتى يصير ذلك من الزخرف والباطل[2] ، فإذن المورد لا يكون من المخالفة لإطلاق الكتاب حتى نقول بأنَّ الرواية تُردّ من باب أنها زخرف ومخالفة للكتاب الكريم.

إن قلت[3] :- إن الآية الكريمة قد ورد فهيا الجمع المحلّى باللام حيث قال ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات ﴾ والجمع المحلّى باللام موضوع للعموم فإفادة العموم سوف تكون بالمدلول اللفظي.

قلت:- إنَّ الجمع المحلى بالألف واللام صحيح هو موضوع للعموم ولكن بلحاظ الأفراد يعني لو كان الموجود مائة فرد فهو يشمل المائة بالدلالة الوضعية أما الشمول للأحوال يعني في الأفراد هذه الأمانة وتلك الأمانة وتلك الأمانة هذه الشمول لها بالعموم الوضعي أما كون هذه الأمانة شرعية أو مالكية فهذه حالة وليست فرداً فهذه يمكن أن يقال هي مشمولة بالاطلاق ومقدّمات الحكمة وليست بالعموم الوضعي فإنَّ العموم الوضعي ناظر إلى الأفراد.

فإذن يبقى الاشكال مستحكماً كما هو فإنَّ هذا إطلاق وليس عموماً بلحاظ الامانة الشرعية ، وقد تعرّضنا إلى ذلك فيما سبق وناقشناه.

هذا كلّه فيما يرتبط بما أفاده السيد الخوئي(قده).

وإذا اتضح هذا نقول:- إذن يبقى التساؤل السابق فعّالاً على حاله ، وهو أنه كيف نثبت وجوب الفحص في مجهول المالك إذا كان المالك مجهولاً لا معلوماً فإنه إذا كان معلوماً توجد مثل رواية يونس ، ولكن إذا كان مجهولاً والمفروض أنك لا تجزم بعدم الخصوصية - فإنه لو جزمت بعدم الخصوصية فسوف تنحل القضية - وقلنا يحتمل خصوصية الفحص عن خصوص معلوم المالك فيبقى مجهول المالك لا يوجد دليل على وجوب الفحص فيه ورفضنا ما أفاده السيد الخوئي(قده) فماذا نصنع ؟

نقول:- إنَّ لزوم الفحص بالمقدار الميسور قضية عرفية عقلائية معهودة في الذهن لا تحتاج إلى تنبيه فحينما قال الامام عليه السلام لعامل بني أمية ( فمن عرفته فردهّ إليهم ومن لم تعرفه فتصدق به ) ليس المقصود أنه تصدّق حتى إذا امكن السؤال بنحو يسير بأن يفرض أنه يسأل من هذا أو ذاك وتعرف بسهولة فلا يحتمل أنَّ مقصود الامام عليه السلام أن هذا المقدار من السؤال لا يلزم بل عرفاً يعبّر بهذا التعبير ( ومن لم تعرف تصدّق ) ولكن المقصود هو إذا انسدت الأبواب من تحصيله أما إذا أمكن تحصيله خصوصاً إذا كان بالسؤال اليسير فعلى هذا الأساس من الواضح أنه يجب الفحص هنا ، ولا يحتاج إلى أن يبيّن ذلك فإنَّ هذا شرط معهودٌ ارتكازي عقلائي عرفي يغفل عن بيانه لمركوزيته وعقلائيته.

ونضم إليه شيئاً آخر:- وهو أنه ما هي النكتة في التصدّق حينما نتصدّق ؟ النكتة هي العجز عن الوصول إلى صاحبه ، فإذا فرض أنه أمكن معرفة المالك بالفحص فلا يوجد عجز ، يعني نفس هذا الفهم وهو أنَّ الصدقة وسيلة بعد العجز عن الايصال إلى المالك يفهم منه أنه إذا أمكن الفحص فحينئذٍ يكون ذلك هو المقدّم إذ لا عجز آنذاك عن الوصول إلى المالك والدفع إليه.

والخلاصة:- إذن هناك قرينتان أو بيانان لإثبات وجوب الفحص الأوّل إنَّ الفحص ولو بمقدار يسير هذه قضية عرفية عقلائية مركوزة لا داعي إلى بيانها والمتكلم يسكت عنها لوضوحها ، الثاني إنَّ المفهوم من النص هو أن التصدّق هو وسيلة بعد العجز عن الايصال إلى المالك والعجز إنما يكون إذا فرض أنه لم يمكن الفحص أما إذا أمكن الفحص فلا عجز آنذاك ، فإذن نثبت وجوب الفحص بالمقدار الممكن بهاتين القرنيتين أو بهذين البيانين.

وقد يقال:- إنما يجب الفحص إذا أمكن الوصول إلى المالك من خلال الفحص ونحن نشك هل يمكن الوصول إلى المالك أو لا يمكن الوصول إليه وإذا شككنا في إمكان الوصول المالك - أو الوصول إلى المالك فسوف نشك هل يجب الفحص أو لا يجب الفحص فإنَّ الوجوب مشروط بإمكانية الوصول ، وحيث إنَّ إمكانية الوصول مشكوكة واقعاً فسوف نشك في وجوب الفحص علينا وعدم وجوبه فنجري أصل البراءة وبالتالي لا نفحص.


[2] ترا ث السيد الخوئي ( مصباح الأصول ج3 )، الخوئي، تسلسل48، ص517. التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، ج2، ص378، ط جديدة.
[3] هذا لم يذكره(قده) وإنما نحن نذكره.