36/08/18


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل يكره للصائم امور .....)
قال الماتن
(الثالث عشر : إنشاد الشعر ولا يبعد اختصاصه بغير المراثي، أو المشتمل على المطالب الحقة من دون إغراق، أو مدح الأئمة (عليهم السلام وإن كان يظهر من بعض الأخبار التعميم (.[1]
الكلام يقع في انشاد الشعر للصائم وهو اعم من الصائم في شهر رمضان وغيره.
ومن جهة اخرى لا يشمل الليل في شهر رمضان لأن الكراهة على تقدير القول بها ترتفع في الليل, والظاهر أن كراهة انشاد الشعر للصائم لم تذكر الا في كلمات المتأخرين (العلامة ومن عاصره ومن تأخر عنه) كما نص على ذلك صاحب الحدائق حيث ذكر بأن اكثر الاصحاب لم يذكروه في مكروهات الصائم.
وعلى كل حال يستدل على الكراهة بصحيحتي حماد ابن عثمان:
الاولى: حماد بن عثمان (قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : تكره رواية الشعر للصائم وللمحرم، وفي الحرم، وفي يوم الجمعة، وأن يروى بالليل، قال : قلت : وإن كان شعر حق ؟ قال : وإن كان شعر حق .)[2]
والثانية: حماد بن عثمان وغيره (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لا ينشد الشعر بليل، ولا ينشد في شهر رمضان بليل ولا نهار، فقال له إسماعيل : يا أبتاه فانه فينا ؟ قال : وإن كان فينا)[3]
والذي يظهر من هذه الرواية أن المسألة لا ترتبط بالصوم وإنما ترتبط بشهر رمضان.
وقد يقال بإمكان ارجاع الرواية الثانية إلى الاولى أو الاولى إلى الثانية, لكنه من الصعب جداً ذلك لأن الرواية الثانية تنص (ولا ينشد في شهر رمضان بليل ولا نهار).
وحينئذ لا يكون تعارض بين الروايتين فيمكن الالتزام بكراهة انشاد الشعر للصائم وكراهة انشاده في شهر رمضان, وتشتد الكراهة عند اجتماعهما كما هو المتعارف في مثله.
وما يصح الاستدلال به لأثبات كراهة الانشاد للصائم هو خصوص الرواية الاولى, لأن الرواية الثانية لا تتكلم عن الكراهة بالنسبة للصائم.
وهناك روايات معارضة وهي عبارة عن ثلاث روايات :
الاولى: رواية علي بن يقطين (قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن الكلام في الطواف وإنشاد الشعر والضحك في الفريضة أو غير الفريضة، أيستقيم ذلك ؟ قال : لا بأس به، والشعر ما كان لا بأس به منه)[4]
والرواية تعتبر صحيحة سنداً.
ومحل الشاهد في الرواية هو قوله عليه السلام (والشعر ما كان لا بأس به منه أو مثله في نسخة اخرى) ويستفاد من هذه العبارة أن الشعر الذي لابأس به في حد نفسه (منه) أي من الذي حكمنا به بأنه لا بأس به, فيفهم منها أن ما لا بأس به من الشعر لا بأس بإنشاده في الطواف.
ومعارضتها للصحيحة السابقة بأعتبار أن الصحيحة الاولى دالة على كراهة انشاد الشعر للمحرم وان كان لا بأس به حيث ورد فيها (قال : وإن كان شعر حق), فتلك الرواية تثبت البأس فيه وان كان حقاً وهذه تنفي البأس عنه اذا كان كذلك.
ويلاحظ على مسألة تعارض هذه الرواية امران :
الاول: الظاهر أن نفي البأس اعم من نفي الكراهة فالبأس بحسب ما يفهم يساوق التحريم ونفيه يكون نفياً للتحريم وهو يجتمع مع الكراهة.
وقد نبه على هذه الملاحظة في بعض كلماتهم.
الثاني: لو سلمنا بالملاحظة الاولى فأن المذكور في صحيحة حماد عناوين متعددة (تكره رواية الشعر للصائم وللمحرم، وفي الحرم، وفي يوم الجمعة، وأن يروى بالليل) وصحيحة علي بن يقطين عندما تقول بأن ما لا بأس به من الشعر لا بأس به في الطواف تعارض فقرة (وفي الحرم) أي الفقرة الدالة على كراهة انشاد الشعر في الحرم وان كان مما لا بأس به, ولا تعارض فقرة الصائم أو الجمعة, أو غير ذلك مما ورد فيها, وحينئذ يمكن التبعيض في الحجية بلحاظ فقرات الرواية الواحدة, فتكون فقرة في الحرم لها معارض لابد من علاجه, وبقية الفقرات لا معارض لها ومنها فقرة (تكره رواية الشعر للصائم) فيستدل بها على كراهة انشاد الشعر للصائم وان كان حقاً.
الرواية الثانية: رواية محمد بن مسلم (عن أبي جعفر عليه السلام قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من القوم ؟ قالوا : وفد بكر بن وائل، قال : فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي ؟ قالوا : نعم يا رسول الله، قال : فما فعل ؟ قالوا : مات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحمد لله رب الموت ورب الحياة، كل نفس ذائقة الموت، كأني أنظر إلى قس بن ساعدة الأيادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر وهو يخطب الناس ويقول : اجتمعوا أيها الناس، فإذا اجتمعتم فأنصتوا فإذا أنصتم فاسمعوا، فإذا سمعتم فعوا، فإذا وعيتم فاحفظوا، فإذا حفظتم فاصدقوا، ألا إنه من عاش مات، ومن مات فات، ومن فات فليس بآت، إن في السماء خبرا وفي الأرض عبرا، سقف مرفوع، ومهاد موضوع، ونجوم تمور وليل يدور، وبحار ماء ( لا ) تغور، يحلف قس ما هذا بلعب وإن من وراء هذا لعجبا، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ أم تركوا فناموا ؟ يحلف قس يمينا غير كاذبة إن لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة وحده، قال : هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا ؟ فقال بعضهم :
سمعته يقول :
في الأولين الذاهبين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * تمضي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إلي * ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة * حيث صار القوم صائر
وبلغ من حكمة قس بن ساعدة ومعرفته أن النبي صلى الله عليه وآله كان يسأل من يقدم
عليه من أياد من حكمه ويصغي إليه سمعه)[5]
وقد جعلت هذه الرواية معارضة لرواية حماد الاولى ايضاً بأعتبار انها تدل على جواز انشاد الشعر في البيت الحرام (بفناء الكعبة) وقد انشد بين يدي الرسول (ص) بل يظهر منها أن الرسول (ص) هو الذي امره بالإنشاد.
وقد نوقشت هذه المعارضة في بعض الكلمات بأن ذلك(الأمر بالإنشاد من قبل الرسول (ص)) قد يكون حصل من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبل ورود الحكم بالكراهة, ولكن هذا الجواب غير تام لأن النبي صلى الله عليه واله لم يسكت عن فعل ذلك فحسب, لكي يقال بأنه لم يبلغ عن الحكم بالكراهة, فلا تحصل الكراهة في حق المكلف الذي ينشد الشعر لأن الكراهة بلغت بعد ذلك, لكن الاستدلال ليس بسكوت الرسول واقراره بل بأمره بالإنشاد ومن البعيد أن يقال بأن الرسول (ص) امره بذلك قبل الكراهة فأنه يعلم بالكراهة وان لم يبلغها لأن غاية الأمر أن التدريج في بيان الاحكام.
نعم يرد على ذلك أن هذا الحديث يعارض فقرة في الحرم فقط وأما فقرة (تكره رواية الشعر للصائم) فلا تعارضها, وبناءً على امكان التبعيض في الحجية في الحديث الواحد يمكن الالتزام بحجية فقرة (تكره رواية الشعر للصائم) ويكون الحديث معارضاً لفقرة في الحرم لابد من علاجه.
الرواية الثالثة: الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب ( الآداب الدينية ) عن خلف بن حماد (قال : قلت للرضا عليه السلام : إن أصحابنا يروون عن آبائك عليهم السلام إن الشعر ليلة الجمعة ويوم الجمعة وفي شهر رمضان وفي الليل مكروه وقد هممت أن أرثي أبا الحسن عليه السلام وهذا شهر رمضان، فقال لي ارث أبا الحسن في ليلة الجمعة، وفي شهر رمضان وفي الليل، وفي سائر الأيام، فإن الله يكافئك على ذلك)[6]
وفيها:
اولاً: ضعف السند للإرسال.
ثانياً: لا يمكن الاستفادة من الرواية كراهة انشاد الشعر وروايته كما هو العنوان المذكور في المتن, لأنها تتكلم عن انشاء الشعر فهي تقول (وقد هممت أن أرثي أبا الحسن عليه السلام) وهذا يعني نظم الشعر وانشاءه, ويمكن أن يكون انشاء الشعر ليس فيه كراهة وان كانت موجودة في انشاده حتى في المراثي.
ثالثاً: انها لا تعارض صحيحة حماد الاولى لعدم ذكر الصائم فيها, نعم هي تعارض صحيحة حماد الثانية التي ذُكر فيها كراهة انشاد الشعر في شهر رمضان.
هذه هي الروايات التي ذُكرت كروايات معارضة لصحيحة حماد الاولى.