24-12-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/12/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الرواية الثانية:- رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي المتقدمة وهي كما سلف عين صحيحة جميل من حيث المضمون إلا أن الفارق هو أن صحيحة جميل يوجد فيها صدر وهو:- ( سألته من قدم الحلق على زيارة البيت قال لا ينبغي الا أن يكون ناسيا ) وهو لا يوجد في رواية البزنطي ، وتقريب الدلالة نفس ما تقدّم فيقال إن الرواية قد جاء فيها هكذا:- ( جاء قوم الى النبي وقدموا .. وهو قال لا حرج ) ومقتضى عدم الاستفصال هو الشمول حتى للعامد.
وفي مقام الجواب نقول:- نحن بلحاظ صحيحة جميل ذكرنا ثلاثة أجوبة وكان الجواب الأوّل هو أن صحيحة جميل اشتملت على صدرٍ - أعني قوله عليه السلام ( لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) - واستشهد الإمام عليه السلام على هذا الحصر بالقوم الذين جاءوا الى النبي صلى الله عليه وآله وهذا يعني أن القوم الذين جاءوا هم ناسون أو جاهلون وليسوا عامدين وإلا فكيف حصر الامام عليه السلام الاجزاء بالناسي إن ما صدر من النبي لو كان عامّاً ويعم العامد لكان من المناسب للإمام أن يحكم بالاجزاء مطلقاً لا أنه يحصر ذلك بالناسي بمعنى الغافل الشامل للجاهل إن هذا الجواب لا يأتي هنا باعتبار أن هذه الرواية لا تشتمل على الصدر حتى يكون صالحاً للاستشهاد على أن القوم الذين جاءوا الى النبي صلى الله عليه وآله كانوا ناسين أو جاهلين فقط ، بيد أن الحواب الثاني والثالث يأتيان هنا فلو تمّا هناك يتمّان هنا أيضاً فالجواب الثاني هنا بأن يقال إن ما صدر من النبي كان قضيّة في واقعة لا أنه توجد ألفاظ من النبي حتى نتعامل معها وإنما هو إخبار عن واقعه وقعت ولعله كان يعرف فيها النبي أن هؤلاء ليسوا عامدين وهذا ما يصطلح عليه بالقضية في واقعة وفي مورد القضية في واقعة لا يمكن التمسك بالاطلاق أو ترك الاستفصال أو ما شاكل ذلك ، إن هذا الجواب الثاني الذي ذكرناه هناك يأتي هنا فيقال إن هذه قضيّة في واقعة . وأيضاً يأتي الجواب الثالث الذي ذكر هناك فإنه لو تمّ هناك يأتي هنا فيقال لو غضضنا النظر عن هذا الجواب وأن المرد هو قضيّة في واقعة فمع ذلك لا ينعقد الاطلاق باعتبار وجود المقيّد المتصل وهو أن المؤمن  الذي جاء لامتثال أمر الله عز وجل لا يقصد المخالفة العمديّة عادةً . إذن لا ينعقد إطلاق من البداية والنبي صلى اله عليه وآله لعل لم يستفصل من هذه الناحية - أي من ناحية وجود هذه القرينة المتصلة - . إن هذين الجوابين يأتيان هنا.
ونضيف جواباً ثالثاً:- وهو لا يأتي هناك وهو أنا لو سلمنا الاطلاق وتنزلنا عن الجوابين السابقين فيوجد جواب ثالث يختص بهذه الرواية وربما يأتي من روايات بعديّة وهو أنه يوجد مقيّد لهذا الاطلاق على تقدير ثوته وانعقاده وهو صحيحة جميل - أعني الرواية الأولى - فإنه فهمنا من استشهاد الامام عليه السلام أن الحكم بالاجزاء عند مخالفة الترتيب ينحصر بالناسي بالمعنى العام الشامل للجاهل - أي مطلق الغافل - ولا يعم العامد والصحيحة المذكورة يوجد لها مفهومٌ فهي تنفي الاجزاء عن العامد لا أنها فقط أثبتت الاجزاء للناسي حتى يقال بأنها لا تصلح آنذاك للتقييد كلا بل يوجد لها مفهوم ٌبسبب الحصر فإن الحصر له مفعومٌ فيفهم أن الإجزاء ثابت في حقّ الناسي بالمعنى الوسيع دون العامد فتصير تلك الصحيحة مقيّدة لإطلاق هذه الرواية إن تمّ فيها الاطلاق ، وهذا جواب خاصٌ بهذه الرواية وما سوف يأتي بعدها.
الرواية الثالثة:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي ، قال:- لا بأس وليس عليه شيء ولا يعودنَّ )[1] إن هذه الصحيحة واردة في محلّ كلامنا وهو مخالفة الترتيب في خصوص مقامنا أعني من قدّم الحلق على الذبح وقد حكم الامام عليه السلام بأنه لا شيء عليه يعني بما في ذلك الاعادة والمصداق الواضح للشيء هو الإعادة يعني فلا إعادة عليه ، بيد أن الامام عليه السلام استدرك وقال ( ولا يعودن ) فنفهم أن الترتيب هو مجرد حكم تكليفي وهي بعدم الاستفصال تعمّ العامد أيضاً فإنه عليه السلام لم يستفصل بأن هذا الرجل الذي حلق قبل أن يضحي هل هو ناسٍ أو عامد فيثبت بذلك العموم.
والجواب:-
أولاً:- نفس ما أشرنا إليه في الرواية السابقة فيقال إن ترك الاستفصال لا يعتمد عليه ولا يستكشف منه العموم هنا لاحتمال أن الامام عليه السلام فهم من صيغة السؤال أن النظر هو الى الناسي أو الجاهل باعتبار أن المؤمن القاصد للحج لا يقصد المخالفة العمديّة فلأجل هذه القرينة لم يستفصل وفهم أن المقصود هو خصوص والناسي والجاهل.
وثانياً:- لو سلّمنا انعقاد الاطلاق أو العموم إلا أنها مقيّدة بصحيحة جميل لنفس ما ذكرناه سابقاً فإن تلك الصحيحة تحصر الاجزاء بخصوص الغافل وتنفيه عن العامد فتكون قرينة على تخصيص أو تقييد هّه الرواية لو كان فيها عموم أو إطلاق . إذن هذه الرواية لا يمكن أن نستفيد منها الشمول للعامد.
إن قلت:- إن توجد قرينة في هذه الرواية تدلّ على نظرها الى العامد وهي قوله عليه السلام:- ( ولا يعودنَّ ) فإن مثل هذا التعبير يقال للعامد ولا يقال للناسي أو الجاهل فإذن هذه تصلح قرينة على إثبات التعميم.
قلت:- إن هذا التعبير ربما يكون فيه إشعارٌ لما ذكر لا أنه ظاهر في ذلك وإلا للزم أن يكون السؤال مختصّاً من البداية بخصوص العامد وهو شيءٌ بعيدٌ فإن العامد لا تختصّ به هذه الرواية بل لو تنزّلنا فهو أحد الأفراد المشمولة للرواية لا أن الرواية خاصّة به بينما بناءً على هذه القرينة يلزم اختصاص هذه الرواية من البداية بخصوص العامد . إذن تعبير ( ولا يعودن ) صالحة للملائمة مع جميع الأفراد الثلاثة بمعنى أنه لا يعودنَّ عن اختيارٍ وقصدٍ ومن الواضح أن العود والقصد كما هو ثابت في حقّ من خالف عامداً هو وجيه أيضاً في حقّ من خالف سهواً أو جهلاً فيقال له صحيح أنك جهلت أو نسيت ولكن لا تقصد العود إلى ذلك إن هذا شيءٌ لا بأس به.
ولو قيل:- إن ذيل الرواية الذي يقول ( ولا يعودنَّ ) لا ينسجم مع الجاهل والناسي بل هو ظاهر في العامد.
أجبنا:- إنه لو تنزلنا وقبلنا بهذا ولكن نقول إنه سوف تصير منافاة بين صدر الرواية وذيلها فالصدر إطلاقه لا يختصّ بخصوص العامد وله ظهور قويّ في الشمول يعني أن الناسي والجاهل قدرٌ متيقنٌ منه لا أنه مختصّ بالعامد بيمنا ذلك ظاهرٌ بالعامد فتصير معارضة بين الصدر والذيل فتصير الرواية مجملة حينئذٍ لإثبات ما أراده المشهور.
الرواية الرابعة:- موثقة عمار الساباطي قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حلق قبل أن يذبح قال يذبح ويعيد الموسى لأن الله تعالى يقول " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه " )[2] ، وهذه أيضا واردة في محلّ كلامنا - أعني من حلق قبل أن يذبح – والامام عليه السلام لم يحكم بالفساد فتدلّ بذلك على الصحة ، هكذا يقال في تقريب دلالة الرواية.
وفي الجواب نقول:- إنه يأتي نفس ما ذكرنا من الجوابين السابقين فيقال هي إما أنها لا تشمل العامد للقرينة التي ذكرناها وهي أن المؤمن لا يتقصّد المخالفة فالإمام فهم من السؤال خصوص الجاهل أو الناسي فالإطلاق لا ينعقد من البداية ، أو نقول نحن نسلم بالاطلاق بيد أن صحيحة جميل تكون مقيّدة لها بغير الغافل لنفس ما ذكرناه سابقاً ، على أنه يمكن أن يقال إن هذه الموثقّة هي لا تدلّ على الصحّة إذ لو دلّت على ذلك فلماذا أمر الامام بإمرار الموسى ؟! إنه لا داعي إلى ذلك . إذن التعبير بإمرار الموسى حيث قال ( يعيد الموسى ) صالح للأمرين معاً يعني أن هذه الموثقة مجملة فكما يمكن أن يستفاد منها الصحة حيث لم يحكم الامام بشيء كذلك يمكن أن يستفاد منها الفساد بمعنى أنه لا يجتزأ بحلقه هذا لأنه قد خولف فيه الترتيب والقرينة على ذلك هي الأمر بإعادة الموسى . إذن هذا التعبير يحتمل كلا الوجهين فالموثقة إذن مجملة ، وهذا يمكن جعله جواباً ثالثاً فهنا إذن ثلاثة أجوبة بالنسبة الى هذه الموثقة وهذا الإجمال الذي هو الجواب الثالث خاصّ بها ولا يأتي بالنسبة الى الروايات المتقدّمة لخصوصيّة في هذه الرواية لأن التعبير بـ( يعيد الموسى ) صالح للاثنين معاً.
والنتيجة النهائية من كل ما ذكرناه:- هو أن ما يمكن أن يستدل به على أن مخالفة الترتيب حتى لو كانت عن عمدٍ فهو لا تضرّ لا دليل عليها لأن الدليل منحصرٌ بهذه الروايات الأربع وقد عرفنا المناقشة فيها جميعاً . إذن لابد من إعادة الحلق أو القصير من جديد إن أمكن فإذا فرضنا أنه قصّر قبل الذبح فلابد وأن يقصر من جديد بعدما يذبح . بهذا ننتهي من البحث الثالث من النقطة الثالثة.