34-05-22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الكلام يقع في الشرائط المعتبرة في الرمي:-
 الأمر الأول:- قصد القربة.
 وقد يستدل على ذلك بأن ذلك مقتضى العباديَّة أو لازمها فإنه قد يعلّل هكذا ، وقد يعلّل أخرى بأنه جزء العبادة وما كان جزءاً للعبادة يلزم أن يكون عبادة أيضاً إذ ليس المركب إلا عين أجزائه فإذا افترض أنه عبادة فيلزم أن تكون الأجزاء كذلك . هكذا قد يذكر في توجيه اعتبار قصد القربة في الرمي.
 وكلاهما قابل للمناقشة:-
 أما الأول:- فلأنه من قبيل تعليل الشيء بنفسه ، - أي من قال إن الرمي عبادة حتى يلزم فيه قصد القربة ؟ -.
 وبكلمة أخرى:- إن اعتبار قصد القربة ليس عبارة إلا عن العبادية وليس شيئاً وراء ذلك فكيف يعلّل اعتبار قصد القربة بأنه لازم العباديّة أو مقتضى العباديّة ؟ فإن هذا أشبه بأن يقال ( يعتبر قصد القربة لأنه ممّا يعتبر فيه قصد القربة ) !!
 وأما الثاني:- فباعتبار أن كون الرمي جزءاً من العبادة هو أوّل الكلام فلعله من قبيل الواجب ضمن الواجب ، وهذا بخلافه في مثل الوقوف بعرفة وفي المشعر الحرام فإنه إذا لم يكن الحج ذلك فما هو إذن ؟ إنه هو الشاخص المهم في الحج ، وهذا بخلافه بالنسبة إلى الرمي خصوصاً بالنسبة إلى الرمي يوم العاشر فإنه ليس هو من الشواخص البارزة في الحج والأركان فيه فيحتاج إلى إثبات مسبقٍ لكونه جزءاً من الحج ومن العبادة لا أن ذلك يؤخذ كشيءٍ مفروغٍ عنه.
 هذا مضافاً إلى وجاهة أن يقال إن الملازمة بين عباديّة الشيء وعباديّة أجزائه هي أول الكلام فإن اللازم أن تكون شواخصه المهمّة عبادة أما أن تكون أجزاءه الأخرى التي لا تعدّ أركاناً وشواخصاً فيه هي أيضاً يلزم أن تكون كذلك فهو أوّل الكلام ، وعلى هذا الأساس يشكل الاستناد إلى هذين البيانين . كما أنه لا معنى لأن يستند إلى ما كنّا نعتمد عليه سابقاً من التمسك بفكرة الارتكاز المتوارث حيث كنّا نقول إنه بالنسبة إلى أصل الإحرام أو الوقوف بعرفة أو المشعر هناك ارتكاز بين جميع طبقات المتشرعة بما فيهم الفقهاء على اعتبار قصد القربة - يعني في الوقوف في المشعر مثلاً - وهذا الارتكاز حيث لا يمكن أن يتحقق من دون علّة لاستحالة تحقّق المعلول بلا علّة فلابد من افتراضه مأخوذاً ومستنداً إلى ارتكاز أسبق عليه وقد توارث الخلف من السلف هذا الارتكاز إلى أن نصل إلى طبقة أصحاب الأئمة عليهم السلام فهم لابد وإن أخذوه من الإمام عليه السلام ، هكذا كنا نقول هناك وبهذا البيان نثبت عباديّة الصلاة والصوم والحج وكثيراً من هذه الأمور العبادية الأخرى إن هذا البيان لا يأتي في مقامنا - يعني بالنسبة إلى الرمي - إذ ليس هناك ارتكاز واضح بين المتشرّعة على اعتبار قصد القربة فيه حتى يأتي فيه ما ذكر . وعلى هذا الأساس يكون اعتبار قصد القربة في رمي جمرة العقبة قضيّة مبنيّة على الاحتياط بعد عدم وضوح الدليل التام على اعتبار ذلك.
 ثم إن هناك ملاحظة وقد أشرنا إليها سابقاً:- وهي أنه يكفي لتحقق قصد القربة في الرمي أن يؤتى به بقصد كونه واجباً ومأموراً به ومطلوباً فإن هذا بالتالي هو نحوٌ من أنحاء قصد القربة ، وعلى هذا الأساس يكون تسليط الأضواء على اعتبار قصد القربة فيه قضيّة ليست بلازمة بعد فرض أن المكلف يأتي به بنيّة الوجوب لأنه مطلوب منه وما دام يأتي به بهذه النيّة فقد تحقّق بالتالي قصد القربة وهذا المقدار كافٍ لا أنه يلزم أن ينوي الحاج ويقول ( ااتِ بالرمي بقصد القربة ) كما توحي به عبائر الفقهاء التي تورث الوسوسة وبالتالي يأتي المكلف ويقول إني لم أقصد القربة ، كلا بل نقول له إنك ما دمت قد أتيت به لمطلوبيته فهذا تحقيق لقصد القربة.
 وأشرنا فيما سبق أيضاً إلى أن المكلف في بداية الإحرام هو ينوي الإحرام لأجل الإتيان بالحج - يعني بأفعاله وأجزائه - امتثالاً لأمره عز وجل ومادام يقصد هذا في بداية الإحرام فما الداعي بعد هذا عند الإتيان بكل جزء التنبيه على اعتبار شرطية قصد القربة ؟ إنه قد تحقق منه ذلك من البداية وهذا كما هو الحال في باب الصلاة فإن الفقهاء عند ذكر كل جزءٍ جزءٍ من أجزاء الصلاة لا يقولون حين ذكر الركوع بأنه يلزم فيه قصد القربة وهكذا في السجود .... وهكذا ، كلا هذا لا يلزم إذ المفروض أن المكلف قد قصد الصلاة من البداية بقصد القربة وبالتالي هذا قصد إجمالي للإتيان بجميع الأجزاء بقصد القربة فالتأكيد على اعتبار قصد القربة في كل جزءٍ ظاهرة تورث الوسوسة وليست فنيّة وشيء لا داعي إليه بعد أن فرض أن المكلف قد اعتبرنا في حقه أن يقصد القربة حين الإحرام وذلك بالإتيان بالإحرام لأجل أفعال الحج قربة إلى الله تعالى فإنه حينما نوى هذا المعنى امتثالاً لأمره فقد قصد ذلك في كل جزء.
 
 
 الأمر الثاني:- قال(قده):-
 أن يكون الرمي بسبع حصيات ولا يجزي الأقل من ذلك ، كما لا يجزي رمي غيرها من الأجسام.
 ..........................................................................................................
 إن هذا الشرط ينحّل إلى شرطين:-
 الأول:- أن يكون الرمي بسبع حصيات لا أقل.
 الثاني:- أن يكون الرمي بما يصدق عليه عنوان الحصاة ولا يكفي الرمي بما لا يصدق عليه العنوان المذكور.
 أما بالنسبة إلى الشرط الأول:- فلم ينقل خلاف في ذلك ولكن ما هو الدليل عليه ؟
 قد يستدل على ذلك بما ورد في رمي بقيّة الجمار من أنه لو أنقص حصاة واحدة من السبع فعليه أن يكمل ذلك بسبعٍ حتى يصدق عنوان السبع ، ثم نقول:- إن هذا وإن ورد في رمي بقيّة الجمار وفي سائر الأيام إلا أنه بضمّ عدم احتمال الفصل نسرّي ذلك إلى رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر . وهو شيء لا بأس به وقد أشار إليه جمعٌ من الأصحاب كصاحب المدارك(قده) وغيره.
 البيان الثاني:- التمسك بما أشرنا إليه من بيان أكثر من مرّة وذلك بأن يقال إن هذه المسألة ابتلائية - أعني عامة البلوى - والمسائل الابتلائية يلزم أن يكون حكمها الشرعي واضحاً ، ثم نضيف ثالثاً ونقول:- إنه مادام الحكم واضحاً فيلزم أن ينعكس ذلك الحكم الواضح لا أقل على فتاوى الفقهاء وتصل اليهم أجواء واضحة في ذلك الحكم ، ثم نقول رابعاً:- حيث أن الفقهاء لم ينقل خلاف بينهم على اعتبار الرمي بسبع حصيات فنستكشف من خلال هذا أن ذلك الحكم الواضح هو اعتبار ذلك - أي الرمي بسبع حصيات - . وروح هذا البيان الذي نذكره في غير موردٍ يرجع كما قلنا إلى الاطمئنان ولولا إدخال فكرة الاطمئنان في الحساب لا تعود قيمة لهذا البيان يعني بالتالي يدعى أن الفقيه يحصل لديه الاطمئنان بكون ذلك الحكم الشرعي الواضح هو هذا - يعني اعتبار الرمي بسبع - فإن ذلك هو لازم التسليم بالمقدمات التي أشرنا إليها.
 وأما بالنسبة إلى الشرط الثاني:- فقد يستدل له بصحيحة معاوية المتقدمة - أعني ( خذ حصى الجمار ثم اات الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها ... ) [1] فإن المذكور في الصحيحة المذكورة عنوان الحصى حيث قيل ( خذ حصى الجمار ) وبذلك يثبت المطلوب وهو تعيّن الرمي بما يصدق عليه عنوان الحصاة.
 وهذا شيء جيد فيما إذا افترض أن الرواية لم تقترن ببعض المستحبات أما بعد اقترانها بذلك فيشكل استفادة الوجوب من الخصوصيات الأخرى المذكورة في الرواية والتي منها عنوان الحصاة فيحصل إجمالٌ من هذه الناحية ويزول الظهور في الوجوب ، وواضح أن هذا يكون بناءً على مسلك الظهور من جهة الوضع وأما على مسلك حكم العقل فلا يأتي كما هو واضح.
 هذا مضافاً إلى أنه قد يشكك في ظهور ( خذ حصى الجمار ) في تعيّن عنوان الحصى فلعله عليه السلام قد ذكر ذلك من باب الفرد البارز وليس من باب الفرد المتعيّن.
 وقد يتمم التمسك بهذه الرواية تغلباً على الإشكال بهذا الكلام فيقال:- إن إجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل وحيث لا دليل فيتعيّن عنوان المأمور به ، وهنا العنوان الذي أمرنا به هو عنوان الحصاة والرمي بالحصاة وإن لم نستفد من الرواية التعيّن فبالتالي نحن أمرنا برمي عنوان الحصاة وحينئذ يقال إن إثبات إجزاء غير عنوان الحصاة عن عنوان الحصاة يحتاج إلى دليل وحيث لا دليل يدل على ذلك إذ لا يوجد نصّ يقول ( إن غير الحصاة يجوز الرمي به ) فعلى هذا الأساس يتعيّن الرمي بالحصاة وإن لم نستفد من الرواية التعيّن لأجل هذه المقدمة التي ذكرناها.
 وفيه:- إنا نسلّم أن إجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل ولكن الكلام في أن المأمور به ما هو ؟ فإنه إذا شخّصنا المأمور به تأتي حينئذ تلك المقدمة - وهي أن أجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل - والمفروض في مقامنا هو عدم ثبوت كون المأمور به خصوص عنوان الحصاة فلعل المأمور به هو الأعم من عنوان الحصاة وقد ذكر عنوان الحصاة من باب المثاليّة فكيف تثبت أن عنوان الحصاة هو المأمور به حتى يقال عن إجزاء غيره عنه يحتاج إلى دليل ؟ وليس لديك إلا أن تتشبث بقاعدة ( الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) فتقول إن ذمتنا قد اشتغلت جزماً بالرمي ونشك في الفراغ لو رمينا غير الحصاة.
 والجواب ما أشرنا إليه غير مرَّة من أنّا لا نذهب إلى عالم تفريغ الذمّة بل نذهب إلى عالم شغل الذمة ونقول:- من قال إن ذمتنا قد اشتغلت بعنوان الحصاة ؟ بعد أن فرضنا إجمال الدليل فإذا لم يكن هناك ظهور في الاشتغال بخصوص عنوان الحصاة فنجري البراءة عن خصوصيّة العنوان المذكور وبالتالي اشتغلت ذمتنا بأصل الرمي - وهذا هو المعلوم جزماً - وقد فرّغناها من خلال الرمي بغير الحصاة فالاشتغال بالجملة قد حصل الفراغ منه جزماً والزائد على ذلك وإن لم يتحقق الفراغ بلحاظه ولكن لم يتحقق الاشتغال أيضاً بلحاظه.
 والأجدر التمسك برواية أخرى:- وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( قال:- حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك ، قال:- وقال لا ترمي الجمار إلا بالحصى ) [2] ، وبعد وجود هذه الرواية لا يعود عندنا إشكال وتأمل من هذه الناحية - أي تعيّن عنوان الحصاة - كما هو واضح.
 


[1] الوسائل، ج14 ص58 ب3 من أبواب رمي جمرة العقبة.
[2] الوسائل، ج14 ص59 ب4 من أبواب رمي جمرة العقبة ح1