34-06-06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 378 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وقد يوجّه ذلك بأحد وجوه ثلاثة:-
 الوجه الأول:- أن يقال إن تحريم إخراج شيء من المسجد كالحصى عبارة أخرى عن وجوب إبقاء الحصى في المسجد ، ثم نقول:- إذا وجب الإبقاء حَرُم بذلك الرمي فإنه ضدٌّ للإبقاء وإذا صار محرّماً لزم من ذلك بطلانه فإن النهي في باب العبادة مبطل لها.
 وفيه:- إنه تام بناءً على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدِّه الخاص فإن الرمي ضدٌّ خاصٌ - أي منافٍ وجودي وكل منافٍ وجودي هو عبارة أخرى عن الضدِّ الخاص - للإبقاء والأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدِّه الخاص كما هو ثابت في محلّه ، بل ربما يستشكل حتى بالنسبة إلى الضدِّ العام فضلاً عن الضدِّ الخاص . وعلى أي حال لو سلّمنا بأن الإبقاء واجب والإخراج محرَّم فهذا لا يلزم منه تحريم الرمي إلا بناءً على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدِّه الخاص وهو ليس بثابت.
 الوجه الثاني:- إن إخراج الحصى من المسجد هو نحو إتلاف لتلك الحصاة فإنها سوف تضيع بسبب الرمي وبذلك يتحقق إتلافها - يعني نسلّم أنها لا تتكسر لأنها حصاة ولكن بالتالي بسبب اختلاطها مع غيرها وعدم إمكان التمييز فسوف يلزم من ذلك إعدامها وإتلافها - وحيث أن إعدام تلك الحصاة التي يَحرُم إخراجها من خلال الرمي فيقع حينئذ الرمي الذي هو سبب توليديٌّ لإعدام تلك الحصاة وفقدانها محرّماً وبالتالي سوف يكون باطلاً من هذه الناحية من دون حاجةٍ إلى إقحام المسألة في كبرى أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه حتى يقال نحن نمنع ذلك بل نقول إن هذا الرمي إتلافٌ لتلك الحصاة وبناءً على أن إخراج الحصاة من المسجد حرام فحيث إن هذا الرمي يسبّب الإتلاف فيكون محرماً.
 وفيه:- إنه شيء وجيه ولكنه أخص من المدّعى ، يعني أنه ليس دائماً يكون الرمي بالحصاة موجباً إتلافها وإعدامها كما لو فرض أن الرمي كان في اليوم الثالث عشر فإنه لا يوجد زحامٌ للناس فإذا عُلّمت الحصاة بعلامة فحينئذ يمكن بعد ذلك أخذها وإرجاعها إلى المسجد . إذن لم يصر الرمي سبباً توليديّاً لإتلاف تلك الحصاة.
 الوجه الثالث:- أن ندّعي كبرى كليّة جديدة وهي أن التصرف بأجزاء المسجد بأي شكلٍ من الأشكال لا يجوز مادام ذلك لا يعدّ تصرفاً في شؤون المسجد ولصالحه ومعلومٌ أن أخذ الحصاة والرمي بها هو ليس تصرفاً في صالح المسجد ولا يرتبط بشؤونه فيصير محرّماً وبالتالي يقع باطلاً.
 وهذا شيء وجيه ولكنه مبنيّ على هذه القاعدة الكلية - وهي أن التصرف في أجزاء المسجد مادام لا يرتبط بشؤونه وبصالحه فهو محرّم - وهذا هو أوّل الكلام . نعم التصرف في مثل جدرانه وأرضه وقد يعمم إلى وسائل التبريد وما شاكل ذلك فهذا شيءٌ وجيه أما أنه يحرم التصرف في مثل التراب والحصاة فالتعميم بهذا الشكل هو أوّل الكلام ، ولكن لو تمّت هذه القاعدة بعرضها العريض فهذا سوف يكون وجهاً وجيهاً.
 ومن خلال هذا اتضح أن إلحاق بقيّة المساجد بالمسجدين أمرٌ لا تقتضيه القاعدة بل يقتصر على خصوص المسجدين كما اقتصرت الرواية.
 ويمكن أن نصعد اللهجة أو نذكر بياناً آخر:- وهو أن نفس الرواية التي استثنت خصوص المسجدين تدل بالدلالة العرفيّة على أن الإخراج من بقيّة المساجد أمرٌ جائز إذ لو لم يكن جائزاً فلماذا التخصيص بهذين المسجدين ؟! اللهم إلا أن يدّعى أنه في عصر صدور النص لم يكن هناك مسجد سوى هذين المسجدين فالإمام خصّص بهما من باب أن الواقع الخارجي هو كذلك أو يفترض أنه كانت هناك مساجد أخرى ولكن لا يوجد فيها حصى والحصى كان موجوداً في هذين المسجدين فقط ، وحيث إن كلا هاتين الدعويين شيءٌ بعيد فيمكن أن نقول إن نفس تخصيص الرواية عدم الجواز بالمسجدين يفهم منه عرفاً الجواز بلحاظ غيرهما وهذا هو المناسب . هذا كله بالنسبة إلى هذا الشرط الأول بشقه الأول.
 وأما بالنسبة إلى الشق الثاني [1] :- وذلك لصحيحة معاوية بن عمار وصحيحة ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( خذ حصى الجمار من جمعٍ وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك ) [2] .
 الشرط الثاني:- الأحوط أن تكون الحصاة بكراً .
 ولم ينقل في الحكم المذكور خلاف بل ادعى صاحب المدارك(قده) [3] أن ذلك مجمع عليه ، ولكن ما هو مستند ذلك ؟
 قد يستدل على ذلك بالوجوه الثلاثة التالية:-
 الوجه الأول:- التأسي وأن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كانوا يفعلون كذلك - أي يرمون بالحصيات البكر -.
 وجوابه:- ما تقدّم أكثر من مرّة من أن فعل المعصوم أعمّ من اللزوم.
 الثاني:- انعقاد سيرة المسلمين على التقاط الحصى من مناطق أخرى غير مكان الجمرة نفسها فلا يأخذون الحصيات من مكان جمرة العقبة أو الجمرتين الأخريين بل يأخذونه من أمكنة أخرى وهذه السيرة تنبئ عن عدم جواز ذلك - أي عن اشتراط أن تكون بكراً - فلو لم يلزم أن تكون بكراً لكان بعض المسلمين على الأقل يأخذ الحصاة من المكان الذي يجتمع فيه الحصى عند الجمرة ويضرب به فعدم الأخذ يدلّ على اشتراط كونها بكراً ، وقد استند إلى هذا الوجه صاحب المدارك(قده) حيث قال:- ( ويدل عليه مضافاً إلى التأسي وإطباق الناس على نقل الحصى الدال بظاهره على عدم إجزاء مطلقها ).
 وفيه:- إن السيرة لو أخذت كعملٍ خارجي فلا دلالة فيه على اللزوم إذ يمكن أن يكون ذلك من باب رجحان الرمي بالبكر وليس لأجل لزوم ذلك فالعفل إذن أعم من هذه الناحية ، أو يكون المستند هو العمل الخارجي بضمّ الارتكاز يعني هم يفعلون ذلك من باب ارتكاز اللزوم أي لزوم الأخذ من الأماكن الأخرى فيكون هذا تمسكاً آنذاك بالارتكاز وهو شيء مقبول ولكن لابد وأن تثبت الصغرى - يعني أنه يوجد حقاً ارتكاز من هذا القبيل وهو ارتكاز اللزوم - وهذا أوّل الكلام.
 الوجه الثالث:- الروايتان الدالتان على أن الرمي بحصى الجمار - أي الذي يجتمع عند الجمرات الثلاثة - لا يجوز:-
 الرواية الأولى:- مرسلة حريز وسندها هكذا:- ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن ياسين الضرير عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام في حصى الجمار ، قال:- لا تأخذه من موضعين من خارج الحرم ومن حصى الجمار ) [4] بتقريب أن النهي عن الأخذ من حصى الجمار حيث إن من البعيد أن يكون حكماً تعبدياً بل المناسب أنه طريقي - أي من باب أن وجود الحصاة عند الجمرة أمارة على أنها قد رُمي بها - فمن باب ترجيح هذه الأمارة على الأصل - فإن الأصل يقتضي عدم الرمي بها - حُكم بعدم جواز الرمي بها . إذن الحكم بعدم جواز الرمي هو من باب الإماريّة فيدلنا هذا على شرطيّة كون الحصاة غير مرمي بها وهو عبارة أخرى عن كونها بكراً.
 وتناقش:- بأن هذه الرواية ضعيفة السند بياسين الضرير وبالإرسال.
 الرواية الثانية:- ما رواه الكليني(قده) عن عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد عن عبد الكريم بن عمرو عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا تأخذ من حصى الجمار ) [5] وهذه الرواية من حيث الدلالة تقرّب كسابقتها وأما من حيث السند فقد يتأمل فيها من ناحية سهل وعبد الأعلى بل وعبد الكريم أيضاً.
 ويمكن أن يورد على كلتا الروايتين:- مضافاً إلى ضعف السند إن الحمل على التعبديّة شيءٌ له وجاهة فلا يمكن أن نقول إن عدم جواز الرمي بحصى الجمار يكشف عن اعتبار كون الحصاة بكراً كلا بل يحتمل أن يكون ذلك حكم تعبدي ولو لأجل أن يبقى هذا الحصى متجمعاً والذي فيه شيء من الجلالة على العظمة فحفاظاً على هذا الشعار وهذه الصورة أريد أن لا يؤخذ شيء من حصى الجمار إنه شيء محتمل فالجزم بكون هذا الحكم بنحو الطريقية إلى اشتراط أن تكون بكراً شيءٌ يصعب المصير إليه والجزم به . نعم هناك تتمّة للرواية الثانية ذكرها الشيخ الصدوق(قده) حيث قال:- ( لا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمي ) فإن هذا قد يستفاد منه ما ذكر ولكنّ الصدوق رواها بشكلٍ مرسل ، وعلى هذا الأساس تكون الفتوى باشتراط أن تكون الحصاة بكراً استناداً إلى هذه الوجوه الثلاثة شيءٌ مشكل . نعم المصير إلى الاحتياط شيءٌ وجيهٌ كما صنعه السيد الماتن(قده).
 ثم إنه بناءً على اشتراط أن تكون الحصاة بكراً نطرح أسئلة ثلاثة:-
 السؤال الأول:- هل المقصود من كون الحصاة بكراً هو أن لا يكون قد رُمي بها بنحو الجزم أو أن لا يعلم أنه قد رمي بها ؟ فالشرط ماذا هل الجزم بأنه لم يُرمَ بها أو أن الشرط هو عدم العلم ؟
 السؤال الثاني:- أن الرمي الذي يضرّ بكون الحصاة بكراً هل هو خصوص الرمي الصحيح أو الأعم منه ومنه غيره فلو رُمِي بها ولكن لم يكن رمياً صحيحاً نتيجة عدم الإصابة مثلاً فهل هذه بكر بعد أو لا ؟
 السؤال الثالث:- إذا كان قد رُمِي بها في سنواتٍ سابقةٍ فهل تعدّ في هذه السنة بكراً أو أنه ما دام قد رُمِي بها في سنة سابقة فلا تعد بكراً ؟


[1] الذي اشتمل عليه الشرط وهو أن الأفضل أن يكون الحصى من قطعةٍ معيّنةٍ من الحرم وهي المشعر الحرام.
[2] الوسائل، ج14 ص31 ب18 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
[3] المدارك، ج7 ص441.
[4] الوسائل، ج14 ص60 ب5 من أبواب رمي جمرة العقبة ح1.
[5] المصدر السابق.