34-06-25


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسالة ( 380 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 أما بالنسبة إلى الصورة الأولى:- فيأتي بالرمي في أيام التشريق والظاهر أنه لم ينقل خلاف في المسألة ومستند ذلك روايتان.
 الرواية الأولى:- صحيحة عبد الله بن سنان:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرمِ حتى غابت الشمس ، قال:- يرمي إذا أصبح مرتين مرّة لما فاته والأخرى لليوم الذي يصبح فيه وليفرِّق بينهما [1] يكون أحدهما بُكرة - وهي للأمس - والأخرى عند زوال الشمس ) [2] وموردها كما ترى هو ناسي رمي جمرة العقبة لأنه قال:- ( عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس ) والمقصود من ( غابت الشمس ) هو شمس اليوم العاشر . إذن مورد الرواية هو من ترك رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر وهذا ما نريده.
 وشيء آخر وهو أنه قٌد ورد فيها التعبير بالعارض حيث قال:- ( فعرض له عارض ) وكلمة ( عارض ) يفهم منها المانع وهو إما المانع التكويني بمعنى أنه حصل له شيء كأن فقد نقوده وبدأ يبحث عنها حتى غابت الشمس وهذا مصداق واضح وبالإطلاق نقول هو يشمل الناسي أيضاً لأن النسيان نحوُ عارضٍ . نعم يبقى الكلام في الجهل فإنه ليس بعارضٍ بل هو أصيلٌ فالجاهل هو من البداية لا يعلم أن رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر واجب فهذا ليس بعارضٍ وإنما العارض يصدق إما على المانع التكويني أو من نسي وأما من جهل فيمكن أن يستشكل في صدق العارض عليه.
 ولكن يمكن أن يقال:- إن كلمة ( العارض ) وإن لم تشمل الجهل لفظاً ولكنها تشمله روحاً ونكتةً فإن مقصود السائل هو أنه لم يرمِ لعذرٍ وعبّر بالعارض بهذا المعنى والعذر حينئذٍ كما يصدق على النسيان يصدق على الجهل أيضاً . إذن مناسبات الحكم الموضوع - إن صح التعبير - أو غيرها من النكات هي التي تعمّم كلمة العارض لحالة الجهل ولكن كما قلنا هذا تعميم من حيث النكتة والروح ويكفينا هذا العميم ولو من حيث الروح والنكتة فلا مشكلة إذن من هذه الناحية.
 ولكن لابد من تتميم:- وهو أن مورد الرواية هو ما لو نسي في اليوم العاشر ثم التفت والإمام عليه السلام قال ( يرمي في اليوم الآخر ) أما إذا فرضنا أنه لم يرمِ في اليوم الآخر - أي الحادي عشر - لأجل أن العذر استمر أو حصل تهاون من قبل المكلف فهل يرمي في اليوم الثاني عشر أو في الثالث عشر فهذا كيف نعمّمه فإن الرواية لم تتعرض إليه ؟ إنه لابد أيضاً من إدخال الغاء الخصوصية ويقال إن العرف لا يفهم الخصوصيّة من هذه الناحية وإنما الإمام عليه السلام ذكر اليوم الثاني من باب أنه هو مورد الالتفات وإلا فلا خصوصيّة له ، ولابد من الجزم بإلغاء الخصوصية هنا وإذا شكك شخص في ذلك فالرواية إذن تنفعه فميا إذا التفت في اليوم الحادي عشر وأتى به في اليوم الحادي عشر أما من لم يلتفت إلا في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر أو التفت وكان العذر مستمراً فالرواية حينئذ لا تنفعه والمسالة مرتبطة بنفسية الفقيه من هذه الناحية.
 الرواية الثانية:- صحيحة جميل بن دراج:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ، ثم قال:- إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّروه إلا قدّموه ، فقال:- لا حرج ) وفي رواية الشيخ الصدوق هكذا:- ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدِّموه إلا أخّروه ولا شيئاً كان ينبغي لهم يؤخّروه إلا قدَّموه ، فقال:- لا حرج ) [3] وموردها ليس ناسي رمي جمرة العقبة وإنما الحكم يشمل ذلك من باب ترك الاستفصال فإنه ورد هكذا:- ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدموه ولا شيئاً ينبغي ان يقدموه إلا أخّروه ) والنبي صلى الله عليه وآله لم يستفصل فيثبت بذلك الشمول لترك جمرة العقبة وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية.
 وأيضاً لم يفترض فيها أن الترك كان عن نسيان بالخصوص بل لعل القدر المتيقن هو حالة الجهل . نعم في البداية ذكر النسيان حيث قال:- ( لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) ولكن حينما استشهد الإمام بحديث النبي صلى الله عليه وآله يفهم أن مقصوده من النسيان ما يعمّ الجهل - أي حالة العذر - بل ربما يقال إنها تشمل حالة العمد والتهاون كما في حق بعض الناس الذين لا يبالون فيقدّمون ويؤخّرون فالرواية قد يدّعى بأن لها شمولاً حتى لمثل غير المبالي بل حتى ولمثل العامد.
 نعم يمكن أن يقال بأن العامد خارج باعتبار أن العموم نثبته بترك الاستفصال ولعله صلى الله عيله وآله فهم من السؤال حالة الجهل والنسيان التي هي الحالة الطبيعية والمتصورة أما أن يأتي شخص إلى مكة قاصداً الأعمال ويتعَّمد أن يقدِّم ويؤخِّر فهذه حالة غير ثابتة فلم يستفصل صلى الله عليه وأله لأجل فإن هذه الحالة هي في نفسها حالة مرفوضة فلا حاجة إلى أن يقول ( هل كان هذا عن عمدٍ أو عن غير عمد ) فلأجل أنه فهم أن كون المقصود هو حالة عدم العمد لذلك لم يستفصل ، ومعه تكون استفادة العموم منها لحالة العمد غير تامّ فتبقى حالة الجهل والنسيان مشمولة للحديث الشريف.
 هذا مضافاً إلى وجود قرينة أخرى تخرج العامد وهو صدر الرواية حيث قال عليه السلام:- ( لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) . وإذا أردنا أن نوسِّع الناسي فنوسعه لمطلق صاحب العذر دون مثل العامد.
 وعليه فلا ينبغي التأمل في حكم هذه الصورة لأجل هاتين الروايتين.
 وأما الصورة الثانية:- فتوجد روايتان إحداهما تدلُّ على أنه متى ما التفت أتى بالرمي ما دام لم يرحل عن مكة وبإطلاقها تشمل ما إذا كان الالتفات بعد أيام التشريق لأنها لم تقيّد بذلك ، ومثالها صحيحة معاوية بن عمار:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل نسي رمي الجمار ، قال:- يرجع فيرميها ، قلت:- فإن نسيها حتى أتى مكة ؟ قال:- يرجع فيرمي متفرِّقاً يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت:- فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ؟ قال:- ليس عليه أن يعيد ) [4] وهي لم ترد في ناسي رمي جمرة العقبة وإنما موضوعها هو رجل نسي رمي الجمار وهي بإطلاقها تشمل رمي جمرة العقبة ، إلا أن يقال إن الرواية قالت ( نسي رمي الجمار ) وذلك لا يصدق إلا على اليوم الحادي عشر والثاني عشر فإن الرمي فيه يكون للجمار الثلاث وأما الرمي في اليوم العاشر فلا يصدق عليه ( رمي الجمار ) بل يصدق عليه رمي الجمرة - أي جمرة العقبة - فتعبيره ( نسي رمي الجمار ) يعني ما بعد اليوم العاشر غير رمي جمرة العقبة.
 وجوابه:- إن كلمة ( جمار ) هنا يقصد منها الجنس وليس الجمع حتى يجعل ذلك قرينة على ما ذكر ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية.
 على أنه لو كان هناك احتمال الفرق فمن المناسب للإمام عليه السلام أن ينبّه على ذلك ويقول ( إن كان ناسياً لرمي جمرة العقبة فهكذا حكمه وإن كان ناسياً لرمي بقيّة الأيام فهكذا حكمه ) وعدم التنبيه على ذلك يدلُّ على أنه لا فرق بينها .
 فالخلاصة:- إنا لا ندعي الاحتمال وإنما ندّعي الظهور في ذلك وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية وهي تشمل بإطلاقها ما إذا كان الالتفات بعد أيام التشريق لأنه عليه السلام لم يستفصل ولم يقل ( إن كان بعد أيام التشريق فحكمه كذا وإن كان فيها فحكمه كذا ) وعدم الاستفصال يدلُّ على أنه مادام في مكة فيرجع ويأتي به وأما إذا خرج فلا شيء عليه.
 هذا كله بالنسبة إلى الطائفة الأولى.


[1] وواضح أنه هنا مسألة التفريق لعله هنا لا تذكر بأن يرجأ أمرها إلى ما بعد العود إلى منى فهناك يتحدث بأن التفريق واجب أو ليس بواجب وهل يكون بمقدار ساعة أو أن أحدهما غداة والثانية ظهراً - لان بعض الروايات هكذا دلت - أو لا ؟
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص72، ب15 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح1.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ح14، ص155، ب39 من أبوب الذبح، ح4.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص262، ب3 من أبواب العود إلى منى، ح3.