39/06/14


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 48 ) هل يجوز استعمال ألفاظ البيع في الشراء وبالعكس أو لا - المكاسب المحرّمة.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ اللازم في القبول أن يكون دالاً على الرضا بما صدر أو يصدر ، فالمهم في القبول أن يكون دالاً على إنشاء الرضا بالنقل الذي أو يحصل أما أكثر من ذلك وذلك بأن يكون دالاً على إنشاء النقل وأن يكون في الحال فهذا لا نسلّمه.

وإذا قلت:- إنَّ هذه دعوى بدعوى ، فالشيخ يدّعي هكذا وأنت تدّعي هكذا وهذا ليس بحثاً علمياً ولابد من اثبات؟

قلت:- هذا صحيحٌ فإنه لابد من اثبات ، ولكن الشيخ الأعظم(قده) لم يذكر دليلاً على ما ذهب إليه فكانت دعواه مجرّد دعوى بلا دليل ، بيد أنا نذكر دليلاً على ما قلنا ، حيث نقول إنه عرفاً يصدق البيع ، فحينما قالت الآية الكريمة ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ أو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يكفي لتحقق البيع أنَّ البائع ينقل والمشتري يقبل أما بأن ينشئ المشتري النقل أيضاً وأن يكون في الحال فهذا لم يثبت ، بل عرفاً البائع يقول بعتك والمشتري يقبل لا أكثر ولا يصدر من المشتري أكثر من ذلك ، وكفى هذا في تحقق البيع ، أما إذا كان قاصداً إنشاء نقل المبيع إليه في مقابل الثمن أو إنشاء نقل الثمن في مقابل المبيع فهذا لم يثبت اعتباره عرفاً ، وهكذا أن يكون هذا الإنشاء في الحال - يعني الآن حين إنشاء القبول - فإنَّ هذا خلاف الفهم العرفي.

والخلاصة:- إنَّ دليلنا على ذلك هو أنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ أو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ والعرف يرى أنه يصدق البيع بمجرّد الرضا ، أما أنه لابد وأن يقصد المشتري الانشاء يعني نقل الثمن مقابل كذا وأن يكون في الحال فهذا عرفاً ليس بثابت بل عدمه هو الثابت فنتمسّك بإطلاق ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ ، فعلى هذا الأساس يكفي في تحقق البيع الرضا لا أكثر من ذلك.

ثانياً:- لو سلّمنا اعتبار إنشاء النقل بأن يرضى المشتري وينشئ النقل لا أنه يرضى فقط من دون إنشاء النقل أما قيد ( في الحال من ) من أين أتيت به فإنه لا مثبت له.

الثالث:- لو سلّمنا كل ما قلت ، ولكن قولك ( لو تقدّم القبول لا يدل على الرضا بإنشاء النقل في الحال ) فهذا أيضاً لا نقبله وهو أوّل الكلام ، بل نقو إذا تقدّم فهو يدل على الرضا بإنشاء النقل في الحال ، فإني لو قلت ( قبلت بإيجابك الذي سوف يصدر منك ) فهذا معناه أني رضيت بإنشاء نقل الدار لي مقابل الثمن الآن ، فإذن هو يدل على إنشاء الرضا بالنقل في الحال.

إذن اتضح أنَّ تقديم القبول بلفظ قبلت ورضيت لا مانع منه لأنا لا نشترط في القبول إلا الرضا بالإيجاب لا أكثر ، لأنَّ العرف يكتفي بالإيجاب والرضا بالإيجاب أما أكثر من الرضا بالإيجاب بأن يكون متضمّناً إنشاء النقل في الحال فهو خلاف ما عليه العرف ، ومع التنزّل نقول إنه حتى لو تقدّمت ( رضيت ) فيه تدل على إنشاء النقل في الحال ، فإذن لا مانع من تقدم وتأخر القبول بلفظ قبلت.هذا كله بالنسبة إلى النحو الأوّل من تقديم القبول.

وأما النحو الثاني من تقديم القبول الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) وهو تقديم القبول بلفظ اشتريت أو تملّكت:- فقد قال الشيخ(قده) يجوز تقديم القبول بكلمة ( اشتريت ) ، وذلك لأنَّ كلمة ( اشتريت ) تدل على الرضا بإنشاء النقل في الحال - أي في حال إنشاء تملكت هي تدل على إنشاء النقل في حال التكلم الآن - ، فالعناصر الثلاثة المعتبرة موجودة إلا عنصرا رابعاً إذا اعتبرنا نقول هو مختل ، ولكنه ليس بمعتبر ، وهو أن يكون إنشاء القبول بنحو المطاوعة ، يعني يلزم أن يقول الطرف الآخر ( ملَّكتُكَ ) حتى أقول ( تملَّكتُ ) مثلاً فذاك لم يقل لي ملّكتك حتى تصير مطاوعة.

ولكنه قال:- إنَّ هذا غير معتبر ، فإنَّه لا يعتبر في القبول أن يكون بنحو المطاوعة ، إذ لا دليل عليه ، والمهم هي العناصر الثلاث المتقدّمة هي متحققة فتكفي ، ونصَّ عبارته:- ( وإن كان التقديم بلفظ اشتريت ..... فالأقوى جوازه لأنه أنشأ ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضاً ففي الحقيقة أنشاء المعاوضة كالبائع ...... فإن قلت: إذ الاجماع على اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله اشتريت حتى يقع قبولاً لأنَّ إنشاء مالكيته لمال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقق فيه معنى الانتقال وقبول الأثر ...... بخلاف ما لو تقدم فإن مجرّد انشاء المالكية لمالٍ لا يوجب تحقق مفهوم القبول ....... قلت: المسلّم من الاجماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعنى الشامل للرضا بالإيجاب وأما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة وقبول الأثر فلا فقد تبين من جميع ذلك أن إنشاء القبول لابد أن يكون جامعاً لتضمن إنشاء النقل وللرضا بإنشاء البائع تقدم أو تأخر ولا يعتبر إنشاء انفعال[1] نقل البائع )[2] .

وتعليقنا عليه قد اتضح من خلال ما تقدم:- وهو أن نقول نعم هذا يكفي بالأولى ، إذ نحن جوّزنا الأوّل فهذا يجوز بالأولى ، لأنه بالتالي يدل على الرضا بالإيجاب ونحن لا نشترط إلا الرضا بالإيجاب ، أما إنشاء النقل وأن يكون في الحال وبمعنى المطاوعة فلا ، لعدم الدليل ، والعرف يرى كفاية هذا المقدار.

هذا كله بالنسبة إلى البيع.

[1] يعني القبول بنحو المطاوعة.