34-07-16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/07/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 المقام الثاني والثالث:-
 ندمج الحديث عن هذين المقامين في موضعٍ واحد لوحدة النكات والمطالب المرتبطة بهما ونلاحظ ذلك مرَّة على مستوى الفتوى وأخرى على مستوى الصناعة والدليل:-
 أما على مستوى الفتوى:- فقد تقدمت عبارةٌ لصاحب المدارك(قده) في المقام الأوّل نذكرها هنا أيضاً قال(قده):- ( أما وجوب ذبحه يوم النحر فهو قول علمائنا وأكثر العامة لأن النبي صلى الله عليه وآله نحر هديه في هذا اليوم وقال "خذوا عني مناسككم" ) [1] ، وهذه العبارة كما ترى تتلاءم مع جميع المقامات الثلاثة ، وقال صاحب الجواهر:- ( بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعض لكن المسلّم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الاجماع عليه كما ادعاه بعضهم أما عدم جواز تأخيره عنه فهو إن كان مقتضى العبارة لكن ستعرف القائل بالجواز صريحاً وظاهراً بل قد يشكل الدليل عليه فإنهم لم يذكروا له إلا التأسي الذي يمكن الإشكال فيه ) [2] ، وهذه العبارة يمكن أن نستفيد منها أن إيقاع الذبح ليلية العاشر ربما يمكن تحصيل الاجماع على عدم جوازه وأما بلحاظ الليالي الأخرى فيشكل الحكم بعدم الجواز .
 هذا وجاء في الحدائق ما نصه:- ( فائدتان:- الأولى:- قال العلامة في المنتهى ...... فرعٌ:- الليالي المتخللة لأيام النحر قول أكثر فقهاء الجمهور إنه يجزي فيها ذبح الهدي لأن هاتين الليلتين داخلتان في مدّة الذبح فجاز الذبح فيها كالأيام احتجّوا يقوله تعالى " ويذكروا اسم الله في أيام معلومات " والليالي تدخل في اسم الأيام ) [3] ، ثم علق العلامة بالمنع - أي لا نسلّم بأن لفظ الأيام يصدق على الليالي إلا مع وجود قرينة - ، ثم قال صاحب الحدائق(قده) بعد أن فرغ من نقل كلام العلامة:- ( وظاهر شيخنا في الدروس الجواز ) - يعني الجواز ليلية الحادي عشر والثاني عشر - ثم قال:- ( والمسألة عندي محلّ توقف في حال الاختيار لعدم النص الوارد في ذلك ).
 أقول:- لا معنى للتوقف إذا كان مقصوده التردد من حيث الصناعة فإنه بالتالي إما أن يفترض وجود دليلٍ على المنع أو أنه لا يوجد ، فإن كان هناك دليل أخذنا به ومنعنا من جوازه في الليالي المتوسطة وإن لم يكن هناك دليلٌ تمسكنا بأصل البراءة ، فمن حيث الصناعة لا معنى لأن يتوقف في الحكم . نعم يحتمل أن يكون مقصوده هو ( أني أتوقف في الحكم بالجواز وبالتالي لا أحكم بالجواز لفقدان النصّ ) . إذن هو بالتالي يفتي بعدم الجواز ولكن بعبارة مؤدّبة وإذا كان مقصوده هو هذا فله وجاهة وإن كنّا لا نوافقه إذ حتى لو فرض أنه لا دليل على الجواز ولكن أين أصل البراءة ؟! إن المناسب بعد عدم الدليل على الجواز والمنع هو التمسك بأصل البراءة بالبيان الذي أشرنا إليه أكثر من مرَّة وهو أنّا نشك هل اشتغلت ذمتنا بالحج المقيّد بالذبح الذي يقع في النهار دون الليل ؟ وهذا شك في تقييدٍ زائدٍ وشك في أصل الاشتغال فيكون مجرى للبراءة . بيد أن القدماء كانوا لا يسلكون هذا الطريق بل كان يقولون إن الذمة قد اشتغلت بالذبح أو بالحج المقيد بالذبح ونشك في فراغها لو وقع الذبح في الليل ، وهذه الطريقة قد اشكلنا عليها فيما تقدّم وقلنا إن المورد ليس من موارد الشك في تفريغ الذمة يعني أنا لا ننظر إلى عالم الامتثال مادام يمكننا أن ننظر إلى عالم شغل الذمة فنقول أثبت لي أن الذمة مشتغلةً بالذبح المقيد بكونه في النهار ؟ إنه لا طريق لذلك فتجري البراءة . نعم الذمة قد اشتغلت بأصل الذبح وأنا قد أتيت بأصل الذبح فما اشتغلت به يقيناً فقد أتيت به والذي لم أأت به أشك في أصل الاشتغال به.
 إذن المسالة من حيث الفتوى ليست صافية فلا يمكن أن يدّعى وجود اجماعٍ على عدم الجواز فلننتقل إلى الصناعة وما تقتضيه الأدلة:-
 قد يستدل بالأدلة التالية:-
 الدليل الأول:- سيرة المعصومين عليهم السلام والمسلمين على الذبح نهاراً ولو كان يجوز ليلاً لوقع ذلك منهم ولو مرّة أو مرّتين وحيث لم يُنقَل ذلك منهم كذلك فيثبت عدم جواز الذبح ليلاً ، وهذا كما ترى ليس تمسكاً بالسيرة المجرّدة أو بالفعل المجرّد ليقال إن السيرة أعمّ من الوجوب أو أن فعل المعصوم أعمّ من الوجوب كلا بل هو تمسك بالسيرة أو بفعل المعصوم مع إدخال تعديلٍ - كي لا تأتي تلك الملاحظة - فيقال لو كان ذلك جائزاً لوقع منه ولو مرّة واحدة وعدم الوقوع حيث لم يُنقَل فيدل على عدم الجواز.
 والجواب واضح كما أشرنا سابقاً:- حيث قلنا إن عدم فعله ليلاً من قبل المعصوم لعله من ناحية أفضليّة وقوعه نهاراً فلماذا يترك المعصوم الأفضل ويفعل غير الأفضل ؟! بل المناسب له المواظبة على الأفضل . إذن عدم وقوعه منه في غير ذلك لعله من هذه الناحية وليس من ناحية عدم الجواز .
 إن قلت:- فليفعل ذلك حتى يبيّن الجواز للمسلمين ؟
 قلت:- إن بيان ذلك لا يتوقف على أن يرتكب المعصوم غير الأفضل بل يمكن بيانه بالألفاظ . إذن عدم وقوعه من المعصوم لعله من هذه الناحية.
 وأما غير المعصوم ففعله ليس بتلك الأهمية التي تستحق أن تنقل في التاريخ . مضافاً إلى احتمال أن المسلمين كانوا يسارعون من باب أنهم كي ينهوا الإحرام ويحلّوا منه فلعله من باب اقتضاء الطبع ذلك - يعني لأجل الاسراع في الإحلال -.
 الدليل الثاني:- تسمية يوم العاشر بيوم النحر بعد ضمّ ضميمة وهي أن اليوم لا يطلق على الليلة ، وهذه الضميمة لم نكن بحاجة إليها في المقام الأوّل لأنا كنا نريد إثبات إيقاع الذبح يوم نهار العاشر في مقابل نهار اليوم الحادي عشر أما هنا فنريد أن نثبت ذلك - أي تعيّن نهار اليوم العاشر - في مقابل الليل فمن المناسب إضافة هذه المقدمة.
 وجوابه ما تقدم سابقاً:- من أن الإضافة كما قرأنا في النحو يكفي فيها أدنى ملابسة - وهذه قضيّة عرفية بلا حاجة إلى النحو - فالإضافة يكفي فيها مناسبةٌ ما ولعل المناسبة هنا التي صحّحت هذه الإضافة هي أنه جرت سيرة المسلمين على إيقاع الذبح في نهار اليوم العاشر وليس في الليل فلأجل أن ذلك أمرٌ متعارفٌ صحّت هذه الإضافة وليس لأجل وجوب ذلك فإن المصحّح لهذه الإضافة لا ينحصر بالوجوب بل يكفي التعارف والعادة والسيرة.
 ولو قلت:- إنه بناءً على هذا يلزم أن يكون الإمام عليه السلام مُخبِراً وليس حاكماً ومنشئاً والحال أن ظاهره هو الإنشاء والحكم دون الإخبار.
 قلت:- إن التعبير بيوم النحر لم يرد في مقام الإنشاء حتى يقال إن ظاهر الامام عليه السلام هو الإنشاء وإنما ورد بالشكل التالي فمثلاً صحيحة اسماعيل بن همام قال:- ( سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول:- لا ترمِ الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس ) [4] فإنه هنا عبّر عليه السلام بيوم النحر لا بقصد الإنشاء حتى يأتي هذا الكلام.
 الليل الثالث:- إن بعض الروايات بيّنت أن الخائف يجوز له أن يرمي ويحلق ويذبح ليلة العاشر من قبيل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل ) [5] ، وعلى منوالها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم [6] .
 وهكذا يستدل بما دلَّ على أن النساء والشيوخ والأطفال يجوز لهم الإفاضة في الليل والرمي في الليل أيضاً ولكن لم يجوَّز لهم الذبح ، وتقريب دلالة هذه على المدّعى واضحة فإن تخصيص الإفاضة والرمي بالليل يدلّ على عدم جوازه الذبح في الليل ليلة العاشر وهذا يثبت فقط وفقط في ليلة العاشر ولا يثبته بلحاظ ليلة الحادي عشر.
 وأما الأوّل- أعني رواية الخائف - فتقريبها هو أن تخصيص جواز هذا المجموع الثلاثي - أعني الإفاضة والرمي والذبح - للخائف يدلّ على أنه لا يجوز لغيره ومنه الذبح فلو كان يجوز لغيره فتخصيصه بالذكر لماذا ؟ إذن تخصيص الخائف بهذه الأمور الثلاثة التي منها الذبح يدل على أن الذبح لا يجوز تقديمه ليلة العاشر إلا للخائف.


[1] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص27.
[2] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص133.
[3] الحدائق الناظرة، الكركي، ج17، ص82.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص70، ب13 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح7، آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص70، ب14 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح1، آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص70، ب14 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح4، آل البيت.