34-07-17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/07/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:-
  أما بالنسبة إلى روايات الخائف:- فيمكن أن يكون الوجه في التخصيص به هو أنه تجوز له الإفاضة من المشعر ليلاً فبهذا الاعتبار حُكِم بأنه يجوز له أيضاً أن يذبح ليلاً ويرمي ليلاً وأما غيره - يعني الإنسان العادي - فحيث لا تجوز له الإفاضة من المشعر الحرام ليلاً فلا معنى آنذاك لتجويز الذبح له ليلاً ، إن هذا الجواز يبقى لغواً وبلا فائدة إذ مادامت الإفاضة غير جائزة له فلا يعود هناك نفعٌ في تجويز الذبح له ليلاٌ . إذن حتى لو كان يجوز الذبح للجميع من دون تخصيصٍ بالخائف فمع ذلك يخصّص هذا الحكم الرباعي - يعني الإفاضة والرمي والحلق والذبح - من باب أن بعض أفراد هذا الحكم - وهو الإفاضة - لا يجوز لغير الخائف فما دام لا يجوز فحينئذ خصّص الحكم به ، إن هذا محتمل ويكفينا هذا الاحتمال لإسقاط دلالة الرواية عن الاعتبار.
 وأما بالنسبة إلى روايات النساء والشيوخ والأطفال:- فقد قيل بأنها تدلّ على عدم جواز الذبح للنساء والشيوخ والأطفال ليلاً وهذا معناه أن الذبح لا يجوز إلا نهاراً وإلا لو كان يجوز ليلاً فلماذا لم يجوز الإمام الذبح للنساء والشيوخ ليلاً وإنما جوّز الإفاضة والتقصير فقط ؟
 ولكن في مقام المناقشة نقول:- لابد وأن نراجع الروايات لنرى هل يستفاد منها أن الأمام لم يجوّز الذبح ليلاً أو لا ؟ وإذا رجعنا إليها فقد يتأمل في دلالتها على ذلك فلابد من عرضها وملاحظتها:-
 الرواية الأولى:- صحيحة سعيد الأعرج:- ( ... ثم أفِض بهنَّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة فإن لم يكن عليهنَّ ذبح فليأخذن من شعورهنَّ وليقصِّرن من أظفارهنَّ .. ) [1] .
 ويمكن أن يتأمل في دلالتها:- باعتبار أنه عليه السلام لم يقل ( لا يجوز لهنَّ الذبح ) وإنما قال ( إن لم يكن عليهن ذبح ) يعني أن الحج كان هو حج الإفراد ( فليأخذن من شعورهن ) يعني ويحصل الإحلال ، ومفهومه أنه إذا كان عليهن ذبحٌ فلا يجوز لهنَّ الأخذ من شعورهنَّ إلا بعد أن يذبحن أما متى يذبحن فهل يلزم أن يكون في النهار أو يجوز الآن- أي في الليل - ؟ إنه شيءٌ مسكوت عنه فكيف نستفيد من هذه الرواية أن الذبح لا يجوز إلا في النهار ؟! نعم ربما يكون فيها إشعارٌ - أي دلالة خفيَّة - حيث إن الإمام عليه السلام لم يقل ( فليذبحن الآن ثم ليقصِّرن ) ولكن هذا كما ترى ليس دلالةً وإنما هو إشعارٌ.
 الرواية الثانية:- رواية سعيد السمَّان - وسعيد السمان هو نفس سعيد الأعرج - ولكن هذه رواية وليست بصحيحة باعتبار ورود المعلّى بن محمد في السند وهو لم يوثّق وهي:-( إن رسول الله صلى الله عليه وآله عجّل النساء ليلاً من المزدلفة إلى منى وأمر من كان منهنَّ عليها هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح ومن لم يكن عليها منهنَّ هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور ) [2] .
 والمناقشة هي المناقشة دون زيادة.
 الرواية الثالثة:- صحيحة أبي بصير:- ( رخَّص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمعٍ بليلٍ وأن يرموا الجمرة بليلٍ فإذا أرادوا أن يزوروا البيت وكلّوا من يذبح عنهنَّ ) [3] .
 وهذه الرواية أيضاً كالسابقتين فإن ما دلت عليه هو أنه إذا أريد زيارة البيت فلابد من التوكيل في الذبح ولا تجوز زيارة البيت - أعني طواف الحج - والسعي قبل الذبح وتعبيره عليه السلام بـ( وكلّوا من يذبح عنهنَّ ) باعتبار أن النساء عادةً لا يتصدَّين للذبح فلابد أوّلاً من أن توكّل للذبح ثم يلزم أن تزور البيت ، أما متى يكون الذبح ؟ يبقى قضية مسكوت عنها ولا تدلّ الرواية على أنه لا يجوز إلا في النهار فغاية ما تدلّ عليه هو أنه لابد من التوكيل للذبح أوَّلا ثم زيارة البيت.
 الرواية الرابعة:- صحيحة أبي بصير الثانية:- ( ...فيرمين الجمرة ثم يصبرن ساعة ثم يقصِّرن وينطلقن إلى مكة فيطفن إلا إن يكنَّ يُرِدْنَ أن يُذبَح عنهنَّ فإنهنَّ يوكّلن من يذبح عنهنَّ ) [4] .
 والكلام هو الكلام.
 وقريب من ذلك صحيحته الثالثة الآتية.
 الرواية الخامسة:- صحية أبي بصير الثالثة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( رخَّص رسول الله صلى الله عليه وأله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليلٍ وأن يرموا الجمار بليلٍ وأن يصلّوا الغداة في منازلهم فإن خِفْنَ الحيض مضين إلى مكة ووكّلن من يضحّي عنهنَّ ) [5] .
 والمناقشة هي المناقشة السابقة.
 الرواية السادسة:- موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( رُخِّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلاً ) [6] . وتقريب الدلالة هو أن حصر الترخيص للثلاثة - يعني العبد والخائف والراعي - بالرمي يدلّ على أن الذبح بليلٍ لا يجوز إذ لو جاز فلا وجه لحصر الرخصة بالرمي بل كان من المناسب أن يقال ( رُخِّص للثلاثة الرمي والذبح ) . إذن تخصيص الرخصة بالرمي يدلّ على أن الذبح ليلاً لا يجوز.
 والإشكال عليها واضح حيث يرد:-
 أولاً:- إنها معارضة بما دلّ على أنه يجوز للخائف أن يرمي ويضحّي ليلاً - أعني صحيحة ابن سنان المتقدمة ( لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل ) -.
 وثانياً:- إنه لا يمكن أن نستفيد الحصر من ذلك - يعني تخصيص الرخصة بالرمي لا يمكن أن نستفيد منه تخصيص الرخصة به - لوجود قرينة وهي أن أحد الثلاثة - هو الخائف - وهو كيف لا يجوز له أن يضحي بليلٍ بعد فرض أنه خائف فإن مقتضى الخوف يجّوز له أيضاً أن يذبح وإلا فتجويز الرمي له دون الذبح يكون لغواً وبلا فائدة ؟! إذن ذكر الرمي بالخصوص لا يمكن أن نستفيد منه الحصر للنكتة التي أشرنا إليها وإنما ذكر من باب كونه مورداً لا من باب الحصر فيه.
 الرواية السابعة:- صحيحة معاوية بن عمار الواردة في بيان كفية حج النبي صلى الله عليه وآله:- ( ... وعجَّل ضعفاء بني هاشم بالليل وأمرهم أن لا يرموا الجمرة جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ) [7] .
 والإشكال عليها واضح:- باعتبار أن الضعفاء يجوز لهم بمقتضى الروايات السابقة أن يرموا ليلاً فلابد وأن تحمل هذه الرواية على الاستحباب .
 مضافاً إلى أن غاية ما تدلّ عليه هو عدم جواز الرمي قبل طلوع الشمس وحينئذ لا يجوز الذبح من باب أنها ساكتة عن مسألة الذبح فغاية ما تدل عليه هو أن الرمي لا يجوز إلا نهاراً وأما أن الذبح لا يجوز إلا نهاراً فهذه فقضيّة مسكوت عنها . نعم سوف يأتي أن الذبح حيث إنه مترتّب على الرمي فلا يجوز ليلاً ولكن هذه قضيّة أخرى ودليلٌ آخر - وهو الدليل الرابع الذي سوف نذكره - أما لو خلّينا نحن وهذه العبارة فغاية ما تدلّ عليه هو أن الرمي لا يجوز ليلاً أما أن الذبح لا يجوز فهو قضيّة مسكوت عنها.
 وعليه فجميع هذه الروايات قابلة للمناقشة وبالتالي لا يتمّ هذا الوجه والمهم هو الوجه الرابع.
 الوجه الرابع:- وحاصله مركب من مقدمتين:-
 الأولى:- إن الذبح مترتّب على الرمي فأوّلاً يلزم الرمي ثم بعد ذلك تصل النوبة إلى الذبح.
 والثانية:- إن الرمي لا يجوز إلّا نهاراً .
 والنتيجة:- هي أن الذبح لا يجوز إلّا نهاراً.
 أما بالنسبة إلى المقدمة الأولى:- فلإمكان استفادة ذلك من عدّة روايات ، من قبيل قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار:- ( إذا رميت الجمرة فاشترِ هديك ... ) [8] ، وعلى منوالها صحيحة محمد بن حمران المتقدمة:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ...... إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي وقال بعضهم ..... فقال:- لا حرج ) [9] ، وعلى منوالها غيرها فإنه يمكن أن يستفاد منها أن الرمي لابد من إيقاعه أوَّلاً ثم بعد ذلك تصل النوبة إلى الذبح.
 وأما بالنسبة إلى المقدمة الثانية:- فيمكن استفادتها من مجموعة روايات ، من قبيل صحيحة منصور بن حازم:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ) [10] ، وصحيحة اسماعيل بن همّام:- ( سمعت أبا الحسن الرضا يقول:- لا ترمِ الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس ) [11] .
 وعليه فبتمامية هاتين المقدمتين يثبت المطلوب وهو أن الذبح لا يجوز إلا نهاراً.
 ولكن نستدرك ونقول:- ينبغي التفصيل بين ليلة العاشر وبقيّة الليالي فليلة العاشر لا يجوز فيها الذبح باعتبار أن الذبح يأتي دوره بعد الرمي والرمي لا يجوز إلا في اليوم العاشر فالنتيجة هي أنه لا يجوز الذبح في ليلة العاشر ، وهذا بخلافه بالنسبة إلى الليلتين المتوسطتين فإن الذبح سوف يقع بعد الرمي وعليه فهذا الوجه بل وحتى الوجه الثالث لو تمّ فغاية ما يدلّان عليه هو أنه لا يجوز الذبح ليلة العاشر أما أنه لا يجوز في ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر فشيءٌ مسكوتٌ عنه فنرجع آنذاك إلى البراءة .
 بل قد يقال بوجود روايةٍ يفهم منها جواز الذبح ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر وهي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ( قال:- وقال:- إذا وجد الرجل هدياً ضالاً فليعرِّفه يوم النحر والثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيَّة الثالث ) [12] فإنه قد يفهم منها جواز الذبح ليلاً . وإنما عبرنا بقولنا ( قد يفهم ) لاحتمال وجود خصوصيّة وأن الحيوان قد ضلّ فيجوز حينئذٍ ذبحه عشية اليوم الثالث ، ولكن يكفينا أصل البراءة كما قلنا فإنه بعد عدم الدليل على عدم جواز الذبح في ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر نتمسك بأصل البراءة حيث نشك أن ذمتنا هل اشتغلت بالحج المقيّد بالذبح الذي يتحقق في نهار العاشر دون ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر ؟ إنه شك في التقييد الزائد فتجري البراءة عن ذلك .
 والنتيجة:- المناسب هو التفصيل بين ليلة العاشر فلا يجوز وبين ليلة الحادي عشر والثاني عشر فيجوز تمسّكاً بالبراءة.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص28، ب17 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح2، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص29، ب17 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح5، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص30، ب17 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح6، آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص30، ب17 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح7، آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص29، ب17 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح3، آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص71، 1ب14 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح2، آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج11، ص216، ب4 من أبواب اقسام الحج، ح2، آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14 ، ص96، ب8 من أبوب الذبح، ح4، آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص215، ب2 من أبواب الحلق والتقصير،ح2، آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص69، ب13 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح4، آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص70، ب13 من أبواب رمي جمرة العقبة، ح7، آل البيت.
[12] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص137، ب28 من أبواب الذبح، ح1، آل البيت.