34-08-21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 384 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 كان كلامنا في أن الحيوان المَهديّ يلزم أن يكون تامّاً وليس بناقصٍ ، وهناك كلامٌ في بعض أفراد الحيوان نذكرها تحت العناوين التالية:-
 العنوان الأول:- الخصيّ.
 وقع الكلام في أن الهدي إذا كان خصيّاً فهل يجزئ أو لا ؟ والخصاء عبارة عن سلَّ ونزع الخصية - بكسر الخاء أو بضمها فكلاهما جائز - وقد ذكر صاحب الجواهر في هذا المجال:- ( أن عدم إجزائه هو المشهور بل عن ظاهر التذكرة والمنتهى الاجماع عليه لنقصانه ) [1] . إذن المشهور هو عدم الإجزاء.
 بيد أن الكلام هو في أنه هل أن عدم إجزائه من باب كون الخصاء نقصاً فيكون مشمولاً لصحيحة علي بن جعفر المتقدمة الدالة على أن الهدي الواجب لا يجزي إذا كان ناقصاً أو هو لأجل الروايات الخاصّة فإنه توجد بعض الروايات التي تدلّ على أن الخصيّ بعنوانه لا يجزي ؟ وأين تظهر الثمرة ؟ إن الثمرة في ذلك تظهر في غير الخصيّ كمرضوض الخصيتين كما سوف يأتي فإن المرضوض من حيث الأثر هو كالخصيّ فكما أن الخصيّ لا يمكن أن يلقِّح وبالتالي يكون حيواناً كبيراً وينمو بسرعة كذلك مرضوض الخصيتين من هذه الناحية فهو من حيث هذه النتيجة - يعني أنه يسقط عن كونه فحلاً ضِراباً - واحدٌ فإذا قلنا إن الخصاء ليس نقصاً وإنما الروية دلت على أنه لا يجزي فنقتصر حينئذ في عدم الإجزاء على الخصيّ أما مرضوض الخصيتين فلا توجد بالنسبة إليه رواية تدلّ على عدم إجزائه فيجزي ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا إن الخصاء نقصٌ فيلزم أن يكون ما هو بحكمه - أعني رض الخصيتين - نقصاً أيضاً فلا يجزئ بلا حاجة إلى وجود رواية . إذن نحن نسلم أنه لا ثمرة بالنسبة إلى الخِصاء ولكنها تظهر فيما هو بحكم الخصاء فلو كان الخصاء نقصاً فما كان بحكمه لا يجزي بخلاف ما إذا لم يكن نقصاً فعدم الإجزاء نقتصر فيه على الخصاء لأنه وردت فيه رواية أما رضّ الخصيتين فحيث إنه لم ترد فيه رواية فيجزي إذن بمقتضى القاعدة.
 عود إلى صلب الموضوع:- إن صاحب الجواهر(قده) قال:- ( بل ادعي الاجماع على عدم الإجزاء لنقصانه ) وقوله( لنقصانه ) يظهر منه أنه يدّعي - أو المشهور - ويذهب إلى أن الخصاء نقص بينما يظهر من بعضٍ آخر عدم كونه نقصاً كصاحب المدارك(قده) [2] فإنه علّل عدم إجزائه بالروايات الخاصّة ولم يعلّل بكونه نقصاً وهذا يدل على أنه يرى أن الخِصاء ليس نقصاً وإلا لعلّل بذلك - أي بكونه نقصاً - مضافاً إلى الروايات لا أنه يقتصر على الروايات.
 وعلى أي حال اختلفت الكلمة من هذه الناحية فمنهم من قال هو نقصٌ ومنهم من قال هو ليس بنقصٍ ونحن قلنا فيما سبق لا أقل نحن نشك في كونه نقصاً بعدما فرض أن القيمة لا تنزل بذلك بل لعلّ الرغبة أكثر بالنسبة إلى الخصي ، وعلى هذا الأساس لا يكون مشمولاً لعموم أو اطلاق صحيحة علي بن جعفر لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية . فإذن بمقتضى القاعدة حينئذ يجوز أن يكون هدياً غايته لأجل الروايات الخاصّة نقول بعدم جوازه ، والرواية الخاصّة هي مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:- ( سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن الرجل يشتري الهدي فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب ولم يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي هل يجزيه أو يعيده ؟ قال:- لا يجزيه إلا أن يكون لا قوّة به عليه ) [3] ، ونحوها غيرها ، ودلالتها واضحة على عدم الإجزاء .
 نعم جاء في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( النعجة من الضأن إذا كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن ، وقال:- الكبش السمين خير من الخصي ومن الأنثى ، وقال:- سألته عن الخصي وعن الانثى فقال الانثى أحب إليَّ من الخصي ) [4] فإنه يمكن أن نفهم منه الإجزاء غايته هو مرجوح بالنسبة إلى الأنثى فالأنثى أرجح منه لو دار الأمر بينهما فقد يقال آنذاك بالمعارضة بين هذه الصحيحة وسابقتها.
 ولكن يمكن أن يجاب:- بأن هذه لم يذكر فيها عنوان الهدي بخلاف السابقة فإن السابقة قد ورد فيها عنوان الهدي حيث قالت:- ( عن الرجل يشتري الهدي ) وظاهر الهدي هو الهدي الواجب بينما هذه الصحيحة قالت:- ( النعجة من الضأن أفضل من الخصي ) أما أين الأفضلية ؟ فلعل الأفضلية في الأضحية المستحبة . إذن هي مجملة من هذه الناحية فلا تعارض ظهور تلك الصحيحة ولا أٌقل هي مطلقة فتقيّد حينئذٍ بتلك ، وعلى هذا الأساس يكون المناسب هو عدم إجزاء الخصيّ لأجل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج وما شاكلها.
 العنوان الثاني:- المهزول.
 وأما إذا كان الهدي هزيلاً فقد ادعى في الجواهر أن ذلك - أي عـدم الإجزاء- ( بـلا خـلاف أجـده ) [5] .
 وما هو الدليل ؟
 والجواب:- يمكن أن يستدل له بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في حديث:- ( وإن اشترى أضحية وهو ينوي نها سمينة فخرجي مهزولة أجزأت عنه ، وإن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه ، وإن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجزئ عنه ) [6] فإنها دلت على أن من اشترى الهدي وهو يعلم بكونه هزيلاً وظهر أنه كذلك فلا يجزئه فهي إذن تدلّ على عدم الإجزاء بوضوح.
 ولكن يمكن أن يقال:- إنها واردة في الأضحية ونحن كلامنا في الهدي ولذلك قد يتمسك برواية أخرى وهي رواية سيف عن منصور [7] والتي مضمونها نفس المضمون والتعابير متقاربة غايته توجد كلمة ( الهدي ) بدل كلمة ( الأضحية ) فتصير هذه الرواية أحسن حالاً من تلك فإذا أشكل بأن الأضحية لا تشمل الهدي فحينئذ أمكن التمسك بهذه الرواية.
 وهي لا مشكلة فيها من حيث الدلالة بيد أنه يوجد فيها تأمل من حيث السند حيث نقلها صاحب الوسائل هكذا:- ( موسى بن القاسم [8] عن سيف عن منصور عن ابي عبد الله عليه السلام ) وسند الشيخ إلى موسى بن القاسم البجلي - الذي هو من أجلة أصحابنا - معتبر ، وسيف هو ابن عميرة النخعي وهو من ثقاة أصحابنا أيضاً نعم هناك كلام في كونه واقفياً وأنا الآن ليس بصدّد بيان ذلك ولكن المهم أنه قد وثّق ، وإنما الكلام في منصور وقد كتب في الهامش ( أنه جاء في نسخةٍ عن سيف بن منصور وليس عن سيف عن منصور ) ، بيد أن الظاهر أن هذه النسخة اشتباهٌ حيث لا يوجد عندنا سيف بن منصور - ولعل البعض يحتفظ بالاحتمالات الضعيفة فيقول إنه هنا ورد سيف بن منصور ونحتمل أنه راوٍ جديد ليس له إلا هذا المورد ، ولكن نجيبه بأن هذا الاحتمال يحصل اطمئنان بعدم وجوده بحساب الاحتمال - إذن هذه النسخة غير معتبرة والنسخة الصحيحة هي ما ورد فيها ( سيف عن منصور ) . بيد أن منصور الذي يروي عنه سيف بن عميرة مردّد بين منصور بن حازم الثقة الذي هو من أجلة أصحابنا وبين كونه منصور الصيقل فإن سيف بن عميرة يروي عنه أيضاً ومنصور الصيقل لم يوثّق من قبل الرجاليين ، نعم هناك بعض الروايات قد يظهر منها مدحه ، وعلى أي حال إن أمره ليس بواضحٍ فلأجل هذا يشكل الاعتماد على هذه الرواية من حيث السند بعد احتمال كون منصور المذكور هو منصور الصيقل فلابد وأن نعود إذن ونتشبث بصحيحة محمد بن مسلم التي ورد فيها عنوان الأضحية بتقريب أن يقال إنه إما أن نلتزم بأن كلمة ( الأضحية ) هي مشترك معنوي أو نلتزم بأنها مشترك لفظي فإن بنينا على الأوّل - والمقصود أن الأضحية لها معنى واحد غايته تستعمل في المستحبة وتستعمل في الواجب - فمادام لها معنى واحد وليس بمتعدّد والإمام عليه السلام أطلق فنتمسك بإطلاق هذا المعنى الواحد ولا مشكلة ، وأما إذا بنينا على الثاني - الذي لازمه أن المعنى متعدّد يعني هي موضوعة لمعنيين للمستحبة وللهدي الواجب - فلا يمكن التمسك آنذاك بالإطلاق لأن ارادة كلا المعنيين - حتى لو قلنا بأنه جائز وليس بمستحيل - شيء مخالف للظاهر ولا يصار إليه إلّا عند قيام القرينة وحيث إنها معدومة فلا يمكن الحكم بإرادة كلا المعنيين بل المراد معنىً واحد وحيث إنه غير متعيّن فبالتالي لا يمكن التمسك بالإطلاق والقدر المتيقن لعله هو ارادة الأضحية المستحبة. ولكن يمكن أن يقال:- إنه إذا ثبت أن الهزيل لا يجزئ في الأضحية المستحبة فبالأولويّة العرفيّة القطعيّة لا يجزي في الواجب فإنه لا يحتمل أن يكون حال المستحب أصعب ولا يحتمل أن يكون الواجب فيه سعة دون المستحب ، وعلى هذا الأساس فبسبب هذه الاولويّة العرفيّة القطعيّة نتعدّى إلى الهدي الواجب وعليه يمكن الحكم - وفاقاً للسيد الماتن وللمشهور - بعدم إجزاء الهزيل.


[1] جواهر الكلام، ج19، ص145.
[2] مدارك الأحكام، ج8، ص33.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص106، ب12 من أبواب الذبح، ح3، آل البيت.
[4] المصدر ح5.
[5] الجواهر، ج19، ص147.
[6] الوسائل، ج14، ص113، ب16 من ابواب الذبح، ح1، آل البيت.
[7] الوسائل، ج14، ص113، ب16 من ابواب الذبح، ح2، آل البيت.
[8] يعني أنه رواها الشيخ الطوسي فإنه يبتدئ السند كثيراً بموسى بن القاسم وهذا نعرفه من خلال الممارسة.