1439/10/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

39/10/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث حجية الظواهر.

الدليل الثاني:- ما دل على الأمر بالتمسك بالكتاب الكريم والسنَّة الشريفة ، كما جاء في حديث الثقلين ( ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابداً ).

إن قلت:- إنه لا توجد فيه اداة تدل على تدل على وجوب التمسك .

قلت:- افترض أنه لا يدل على الوجوب رغم قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لن تضلوا بعدي أبداً ) فإنَّ هذا قد يستفاد منه اللزوم ، ولكن بالتالي يستفاد الجواز والرجحان ، فإذا استفيد ذلك فحينئذٍ يتم ما نريده ، وذلك بأن يقال: إنَّ التمسك بالكتاب والسنَّة إنما يكون من خلال التمسّك بظواهرهما ، فبالتالي حديث الثقلين يدل على حجية الظواهر وإلا كيف أمر بالتمسّك بالكتاب والسنَّة ، فإن التمسّك بالكتاب والسنَّة يكون من خلال التمسَّك بظاهر الكتاب والسنَّة وإلا كيف نتمسّك بهما إذا لم نتمسّك بالظاهر ، فإذن الحديث الشريف يدل على حجية الظواهر.

وفيه:- لعل المقصود هو التمسّك بخصوص ما كان نصّاً صريحاً في الكتاب أو السنَّة ، أو لعل المقصود هو التمسك بهما بعد تفسير أهل البيت عليهم السلام ، فإذا فسّروا الكتاب أو فسّروا سنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو آبائهم الطيبين الطاهرين فيكون التمسّك بعد التفسير ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلا التمسّك بالإطلاق حيث تقول إنَّ الحديث لم يقيد بأن يكون التمسّك بالنص وإنما أطلق ، وهكذا لم يقيد بما بعد ورود التفسير بل أطلق ، فإذن بالتالي التمسّك يكون بالإطلاق والاطلاق هو ظهور ، فبالتالي تمسكنا بالظهور لإثبات حجية الظهور وهو لا يجوز.

إذن هذا الدليل قابل للمناقشة باعتبار أنَّ تماميته هي فرع حجية الظهور ، فإذا تمت حجية الظهور فحينئذٍ من خلال الظهور نتمسّك بالإطلاق لنفي اعتبار تفسير أهل البيت عليهم السلام أو نفي احتمال كون الوارد نصّاً صريحاً ، أما بعد أن فرض أنه لا نصّ في ذلك فإذن نتمسّك بالظهور ، فكيف نثبت حجية الظهور من خلال الظهور فإنَّ هذا دور واضح ؟!! فإذن هذا الدليل لا يصح التمسّك به.

الدليل الثالث:- ما دل على أنّ الكتاب الكريم أو السنّة الشريفة هي هداية للبشرية فإنه لا إشكال في ذلك ، ومقتضى كونهما هداية جواز التمسّك بظواهرهما وإلا كيف نهتدي بالكتاب والسنَّة ؟ إنه لابد أن نقرأ الكتاب الكريم ونلاحظ ظواهره ونعمل بها ، وهكذا بالنسبة إلى السنَّة الشريفة ، فإذن ما دل على أن الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة هما هداية للبشرية يكفيان لإثبات حجية الظواهر.

والفارق بين هذا الدليل وبين سابقه:- أنَّ السابق ورد فيه أمر بالتمسّك كما في حديث الثقلين ، أما في هذا الدليل فنحن لم ننظر إلى حيثية التمسّك والهداية لم تذكر في النصوص وإنما كون الكتاب الكريم كتاب هداية هي قضية جزمية بلا حاجة إلى أمر ، فهذا ليس تمسكاً بظاهر الأمر ، بخلافه في الدليل السابق فإن التمسّك فيه هو بظاهر الأمر ، فهناك أمر فنتمسّك به أما هنا فلا يوجد أمر بل من الخارج نعرف أن الكتاب الكريم هو كتاب هداية ، فمادام هو كتاب هداية فلابد أن تكون ظواهره حجة حتى يمكن الاهتداء والاقتداء به.

والجواب هو الجواب عمّا سبق حيث نقول:- لعل المقصود هو التمسك بهما بعد تفسير أهل البيت عليهم السلام أو خصوص ما كان نصّاً صريحاً ، ولا دافع لذلك إلا أن تقول: هناك اطلاق من هذه الناحة وهذا بالتالي يكون تمسكاً بالظهور.

الدليل الرابع:- إنهم عليهم السلام كانوا يعملون بظواهر الكتاب الكريم وسنَّة آبائهم الطيبين الطاهرين ، فمثلاً كان زرارة يقول للإمام الصادق عليه السلام:- من أين علمت بأنَّ المسح هو ببعض الرأس لا أنه يجب مسح تمام الرأس ، فقال عليه السلام:- ( لمكان الباء حيث قال " وامسحوا برؤوسكم " ) ، إذ لو كان المقصود جميع الرأس لكانت الآية الكريمة تقول ( رؤوسكم ) من دون الحاجة إلى الباء ، فهنا الامام تمسّك بالظاهر فيدل هذا على أنَّ الظواهر حجة.

وجوابه:- إنه يمكن أن يقال إنَّ الامام عليه السلام كان يقطع بإرادة مدلول هذا الظهور ، فلا يمكن أن نعمم حكمه إلينا ونقول مادام الامام عليه السلام يتمّسك بالإطلاق فنحن أيضاً يجوز لنا ذلك ، كلا ، فإنه كان يقطع بأنَّ هذا الظهور مراد لله عزّ وجلّ أو مراد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو للإمام الذي قبله فإنهم أعرف بكلام الله أو بكلام سائر المعصومين فيحصل لهم القطع ، بينما نحن لا يحصل لنا القطع بأنَّ هذا الظهور هو المراد ، فعلى هذا الأساس لا نتمكّن أن نقول مادام هم قد عملوا بالظواهر فإذن نحن يجوز لنا أن نعمل بها فإنَّ هذا قياس مع الفارق ، والفارق ما أشرنا إليه[1] فقياس حالنا على حالهم لا يجوز.

الدليل الخامس:- إذا لم يكن الظهور حجة يلزم من ذلك الهرج والمرج.

والجواب:- إنه يلزم الهرج والمرج لو فرضنا ظهور كلام الناس العاديين غير القرآن الكريم وغير كلام أهل البيت عليهم السلام ليس بحجة ، يعني الكلام فيما بين الناس إذا كان ظهوره ليس بحجة فصحيح هنا يلزم الهرج والمرج ، لأنه بالتالي كيف تتكلم الناس فيما بينها ، فلابد وأن يتكلمون بالنص الصريح والقرائن الصريحة وهذه قضية ليست بسهلة ، فإذن لا يمكن أن نتحدث فيما بيننا وايصال الأفكار فيما بيننا ، فمثلاً إذا أردت أن أقول لك ( غداً يوجد درس ) فهذا ظهور وينطبق على الغد المتصل باليوم وبالذي بعده من الأيام فيلزم أن أقول لك ( الغد المتصل باليوم ) ، فإذن لو لم يكن ظهور الناس العاديين فيما بينهم حجة فهنا يلزم الهرج والمرج ، أما إذا قلنا إنَّ ظهور الكتاب الكريم ليس بحجة إلا بعد تفسير أهل البيت عليهم السلام فهذا لا يلزم منه الهرج والمرج.

فإذن هذا الوجه باطل ، لأننا نريد أن نثبت حجية ظواهر الكتاب والسنَّة لا حجية ظواهر كلام الناس العاديين ، والهرج والمرج إنما يلزم من عدم حجية ظواهر كلام الناس العاديين ولا يلزم من عدم حجية ظواهر الكتاب والسنَّة بلا إشكال ، بل نعتمد على تفسير أهل البيت عليهم السلام ، فأين ما ورد تفسير وتوضيح فحينئذٍ نأخذ به وإلا فلا.إذن اتضح من خلال كل هذا أنَّ الدليل الصحيح هو ما أشرنا إليه أوّلاً ، يعني سيرة العقلاء.مضافاً إلى شيءٍ آخر ، وهو ما دل على ارجاع صحة الشرط إلى الكتاب والسنَّة ، يعني بعبارة أخرى إنَّ الروايات قالت هذه الضابطة وهي ( أنَّ كل شرط خالف الكتاب والسنة فهو باطل ) ، مثل قول الزوجة للزوج ( إن الطلاق يكون بيدي ) فهذا الشرط على خلاف الكتاب والسنّة ، فمادامت هذه الروايات أرجعتنا إلى الكتاب السنَّة في تشخيص الشرط وأنَّ هذا شرط صيح أو لا فهل هو موافق للكتاب والسنَّة حتى يكون صحيحاً أو مخالفاً لهما حتى يكون باطلاً فهذا يدل على أنَّ ظواهر الكتاب والسنَّة حجَّة ولا يتوقف على ورود تفسير من أهل البيت عليهم السلام.إذن في كل مورد لاحظنا أنَّ الشرط يخالف الكتاب والسنَّة فحينئذٍ يكون مردوداً ، وليس من البعيد أنَّ هذه الطائفة التي قالت إنَّ الشرط إذا وافق الكتاب والسنَّة يكون صحيحاً وإلا فليس بصحيح لا بأس بالتمسّك بها.ودعوى:- أنه نأخذ بالظواهر بعد ورود تفسير من أهل البيت عليهم السلام.نقول: إنه لم يرد تفسير من أهل البيت عليهم السلام في كل مورد من آيات الأحكام والحال أنَّ الرواية أرجعت إلى الكتاب والسنَّة من دون هذا القيد ، وهذا إذا لم يكن دليلاً فهو داعم للسيرة.

إذن النتيجة التي انتهينا إليها:- هي أنَّ ظواهر الكتاب الكريم السنَّة الشريفة حجة لسيرة العقلاء ، زائداً ما يمكن أن يكون داعماً للسيرة وهو ما أشرنا إليه من ارجاع الشرط الى الكتاب والسنَّة لمعرفة الصحيح والمردود.

وتوجد أمورٌ مرتبطة بالمقام:-

الأمر الأول:- إنَّ السيرة التي تمسكنا بها مرّة نفترض أنها سيرة متشرعة ، وأخرى نفترض أنها سيرة عقلاء ، فلو كانت سيرة متشرعة فهي لا تحتاج في حجيتها إلى الامضاء بعدم الردع ، لأنها متلقاة يداً بيد من المعصوم عليه السلام وإلا لم تكن سيرة مشرعة ، ومن الواضح أننا لم نتمسّك بسيرة المتشرعة أصلاً ، ولكن كتوضيحٍ نقول لو كنّا نستند إلى سيرة المتشرعة فنحن لا نحتاج إلى إمضاء وعدم ردع ، ولكن بعد أن تمسكنا بسيرة العقلاء فهنا نحتاج إلى إمضاء ، فإنَّ سيرة العقلاء بما هي هي ليست بحجة ، فلا بد من الإمضاء ، والامضاء نستكشفه من خلال عدم الردع.

وربما يقال:- إنَّ الرادع موجود ، وهو الآيات الكريمة الناهية عن الأخذ بغير علم ، وحيث إنَّ الظواهر لا تفيد علماً فتكون مصداقاً لغير العلم ، وبالتالي يكون التمسّك بها منهياً عنه.

وقد أجاب صاحب الكفاية في كفايته عن هذا الاشكال بعدة بأجوبة:- منها أنه قال: إنها ناظرة إلى أصول الدين ، أو غير ذلك.

ولكن الجواب المناسب أن يقال:- حيث إنَّ هذه السيرة هي سيرة مستحكمة ، فالسيرة العقلائية متى ما كانت مستحكمة فالرادع عنها لابد أن يكون قوياً بدرجتها ، فلا كفي الردع بالعموم ، بل لابد من الردع بالخصوص ، ولا يكفي ردعاً واحداً بل يلزم أن يكون متعدداً ، فمثلاً الربا أو الفساد الآن مستحكم فإذا أردت أن ترد عنه فإنك لا تردع عنه بالعمومات ، بل يلزم أن ترع عنه بكلامٍ صريح وبمرّات متعددة ، وهنا نقول: حيث إنَّ السيرة على العمل بالظواهر بيننا شيء مستحكم فلابد أن يتخوّف الشرع من تسرّب هذه السيرة يوما ما إلى الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة فإذا لم يرض بهذا التسرّب فلابد أن يردع بردوعٍ متعددة لا ردعاً واحداً كما يلزم أن يكون الردع صريحاً ، لا بنحو العموم مثل ﴿ إن يتبعون إلا الظن ﴾ أو ﴿ إن الظن لا يغين من الحق شيئاً ﴾ فإنَّ هذا لا ينفع ، فنحتاج إلى ردوع خاصة متعددة.


[1] من أنهم يقطعون بأن هذا الظهور مراد بينما نحن لا نقطع.