1440/05/01


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الأصل التنزيلي والأصل المحرز - مبحث الأصول العملية.

ويرد على ما أفاده:- إنَّه يمكن أنَّ يقال: إنَّ تقسيم الأصل إلى محرز وغير محرز وجعل الاستصحاب من المحرز هو عديم الفائدة ، فإذا لم تكن له فائدة فالتقسيم سوف يصير لغواً ، أما أنه ليس له فائدة فذلك باعتبار أنَّ دليل الاستصحاب لو كان ينزّل احتمال البقاء منزلة اليقين بالبقاء من زاوية الكاشفية بأن يجعلني متيقناً وعالماً بالحالة السابقة وهي النجاسة أو الحرمة مثلاً فصحيح أنه يرتفع الشك الذي هو موضوع أصل البراءة أو أصل الطهارة أو أصل الحلّية لأني صرت عالماً بالحالة السابقة وهي النجاسة أو الحرمة أو غير ذلك ولكن بناءً على هذا سوف يصير الاستصحاب من الأمارات ، وهو خلف ما أراده الشيخ النائيني(قده) ، فالشيخ النائيني(قده) لا يقول بأنَّ المجعول في باب الاستصحاب هو العلمية وإنما احتمال البقاء نُزّل منزلة اليقين بالبقاء من زاوية الجري العملي وفي مقام العمل ، وإذا كان الأمر كذلك فإذاً أنا لست عالماً بالنجاسة حتى لا يجري أصل الطهارة ، بل أنا بَعدُ شاك ، فموضوع أصل الطهارة بَعدُ موجود وهو الشك ، فالمعارضة تبقى على حالها.

وهكذا بالنسبة إلى أصل الحلّية ، فأنا لو كنت أستصحب حرمة هذا الشيء إذا كانت حالته السابقة هي الحرمة ، فأقصى ما يثبت هو أنَّ احتمال الحرمة منزَّل منزلة اليقين بالحرمة من حيث الجري العملي ، يعني في مقام الحركة الخارجية ، لا أني أصير عالماً بالحرمة ، وإذا لم أَصِر عالماً بالحرمة فهذا يعني أني باقٍ على الشك ، وإذا كنت باقياً على الشك فيبقى مجال أصل الحلية على حاله ، فإذاً لم ننتفع شيئاً من الأصل المحرز.

ومن باب توضيح مطلبٍ علميٍّ نقول[1] :- نعم بناءً على رأي السيد الخوئي(قده) هذا له وجاهة ، لأنَّ السيد الخوئي(قده) يقول إنَّ المجعول في الاستصحاب هو العلمية والكاشفية ، وبناءً على رأيه يصير الاستصحاب أمارة ، فإذا صار أمارة فيمكن أن يتقدّم على الأصول المقابلة له مثل أصل الحلّية وأصل الطهارة وأصل البراءة ، فإذا كان عندك استصحاب نجاسة فهو سوف يتقدّم على أصل الطهارة ، لأنَّ استصحاب النجاسة أمارة فيتقدّم على الأصل ، وهكذا في بقية الأصول.

ونلفت النظر إلى فائدة جانبية مفيدة:- وهي أننا نقول إنه على رأي السيد الخوئي(قده) إذا صار الاستصحاب أمارة فيلزم محذور ثانٍ ، فنحن حللنا مشكلة ولكن وقعنا في مشكلة ثانية ، فنحن حللنا مشكلة تقدم استصاب النجاسة على أصل الطهارة مثلاً ، ولكن وقعنا في مشكلة ثانية وهي أنه إذا صار الاستصحاب أمارة فيلزم أن لا يتقدّم الخبر عليه ، يعني إذا كان عندنا خبر مؤداه يخالف الاستصحاب فمن المسلّمات تقدم الخبر على الاستصحاب ، وهذا لا كلام فيه ، أما على رأي السيد الخوئي(قده) أنه مادام المجعول هو الكاشفية في الخبر وفي الاستصحاب معاً فيلزم من ذلك المعارضة بينهما لا أنه يُقدَّم الخبر على الاستصحاب ، فكيف يعالج هذه المشكلة ؟

أجاب وقال:- إنَّ دليل الاستصحاب قد أخذ في موضوعه الشك ، يعني مادمت شاكاً فسوف يجري الاستصحاب ، وأما الخبر الذي هو أمارة فلم يؤخذ في موضوعه الشك ، فلذلك يتقدّم على الاستصحاب.

وهذا جوابٌ لا بأس به.

ولكن يمكن أن نقول:- إنَّ الخبر يكون حجة فيما إذا لم تكن عالماً بالواقع ، وإلا لو كنت عالماً فلا معنى لحجية الخبر ، فلو علمت بأنَّ هذا الشيء طاهر جزماً أو نجس جزماً فالخبر لا معنى لكونه حجّة هنا ، إنما يكون حجة فيما إذا كنت شاكاً ، فإذاً الشك قد أخذ في حجية الخبر أيضاً.

أجاب وقال:- إنَّ الخبر حجة في غير حالة العلم الوجداني بالخلاف ، فحالة العلم الوجداني بالخلاف قد خرجت بالمخصص العقلي ، ولكن هذا ليس معناه أنَّ حجية الخبر قد أخذ في موضوعها الشك ، فالتالي هذا ليس معناه أنَّ موضوع حجية الخبر هو الشك ، وإنما موضوع حجية الخبر مطلقٌ خرج منه حالة العلم الوجداني بالمخصص العقلي ، وعلى هذا الأساس حينما يتعارض الخبر مع الاستصحاب فبما أنَّ الاستصحاب قد أخذ في موضوعه الشك في لسان دليله وقال ( لا تنقض اليقين بالشك ) فالخبر يرفع موضوع الاستصحاب وهو الشك ، وهذا بخلاف جريان الاستصحاب ، فإنَّ الاستصحاب وإن كان المجعول فيه هو العلمية ولكن حجية الأمارة لم يؤخذ فيها الشك وإنما أخذ فيها عدم العلم الوجداني ، والاستصحاب لا يولّد العلم الوجداني.

عودٌ إلى صلب الموضوع:- قلنا إنَّ الشيخ النائيني(قده) قال إنَّ الأصل المحرز وهو الاستصحاب يقدّم على أصل البراءة والحلّية والطهارة من باب أنه أصل محرز ، ونحن نقول صحيح هو محرز ، فهو ينزّل احتمال البقاء منزلة اليقين بالبقاء ولكن هذا في جانب الجري العملي لا في جانب الكاشفية ، فالشك المأخوذ في موضوع أصل البراءة أو الحلّية أو الطهارة بَعدُ لم يرتفع.

فإذاً تقسيم الشيخ النائيني(قده) لا ثمرة فيه.

وأما ما ذكره في الأصل التنزيلي:- ومثال الأصل التنزيلي أصل الحلّية ، فإنه ينزّل الحلّية الظاهرية منزلة الحيلّة الواقعية ، يعني ( كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) ينزّل هذه الحلّية منزلة الحلّية الواقعية ، فصار أصل الحلّية أصلاً تنزيلياً ، ولكن ما الفائدة منه ؟ قال:- إنه يوجد عندنا دليل يدل على أنَّ ( كل حيوان حلال الأكل فمدفوعه يكون طاهراً ) بناءً على كون المقصود من حلّية أكله هي الحلّية الواقعية ، فالحلّية الواقعية كيف نثبتها حتى يصير المدفوع طاهراً إذا فرضنا أنه حيوان مثل النعامة وقد أثبتنا حلّية أكلها بأصل الحل ، فكيف نثبت أنَّ مدفوعها طاهر ؟ إنه لابد وأن نثبت أنَّ حلّية أكلها واقعية بناءً على أنَّ طهارة المدفوع تدور مدار الحلّية الواقعية ، فإذا كان أصل الحل تنزيلياً يُنزّل الحلّية الظاهرية منزلة الحلّية الواقعية فهذا سوف يصير منزّلاً منزلة الحلّية الواقعية ، وإذا صار مُنزَّلاً منزلة الحلّية الواقعية فسوف يشمله الدليل الآخر الذي يقول ( كل حيوان حلال أكله - يعني واقعاً - فرجيعه طاهر ) ، فالثمرة سوف تظهر هنا.

ونحن نقول للشيخ النائيني(قده):- إنَّ كل أصل ظاهري - يعني يجعل حلّية ظاهرية أو طهارة ظاهرية - شئت أم أبيت هو يُنزّل هذه الحلّية الظاهرية منزلة الحلّية الواقعية وإلا لم يكن معنىً لجعل الحلّية الظاهرية ، فحينما يقول الدليل عند الشك في أنَّ هذا الحيوان حلال الأكل أو ليس حلال الأكل فابن على ( كل شيء لك حلال ) فهذا يعني أنك تعامل معه معاملة الحلال الواقعي ، وإلا فالحلال ظاهراً من دون أن يصير حلالاً واقعاً لا تترتب عليه آثار الواقع التي هي جواز الأكل ، لأنه لو لم يكن كذلك فلا تستطيع أن تأكله ، فكل حلّية ظاهرية إذا جعلت وقال الدليل إنَّ مشكوك الحلّية ابنِ على أنه حلال فهذا يعني أنك رتّب عليه آثار الحلال الواقعي ولا يوجد احتمال آخر.

فإذاً لا يمكن جعل حلّية ظاهرية من دون تنزيلها منزلة الحلّية الواقعية ، يعني أقول لك هكذا: ( احكم بحليته الظاهرية ولكن لا ترتب عليه آثار الحلّية الواقعية ) التي هي جواز الأكل وغير ذلك من الآثار ، فحينئذٍ هذا يكون بلا فائدة.فإذاً كل حلّية ظاهرية وكل طهارة ظاهرية إذا جعلت فالمقصود منها حتماً شئنا أم أبينا هو أنه منزّل منزلة الحلال الواقعي أو منزّل منزلة الطاهر الواقعي.فإذا كانت هذه الحتمية ثابتة وجزمية فتقسيم الأصل إلى تنزيلي وغير تنزيلي يكون بلا ثمرة ، لأنه بجعل الحلّية الظاهرية تحققت آثار الحلية الواقعية وإلا كان جعل الحلّية الظاهرية لغواً.والمقصود من الحلّية الظاهرية يعني أني أجعل لك الحلّية عند الشك في أنَّ هذا حلال واقعاً أو لا ، يعني أجعل لك حلّية حالة الشك في أنَّ هذا حلال واقعاً أو لا أو طاهر واقعاً أو لا ، يعني هي حلية مُنزَّلة منزِلة الحلال الواقعي وطهارة مُنزَّلة منزلة الطهارة الواقعي وإلا كان الجعل لغواً وبلا فائدة.فإذاً الثمرة التي ذكرها للأصل التنزيلي بلا معنى بعد أن فرض أنَّ كل حلّية ظاهرية يلزم أن تُنزَّل منزلة الحلّية الواقعية.

[1] وهذا خارج محل كلامنا ولكن نذكره من باب الكلام يجر الكلام.