1440/05/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

وأما أصالة الحس فالحواب:- إنَّ أصالة الحس يجريها العقلاء فيما إذا كان احتمال الحس احتمالاً معتداً به وبدرجة قوية ، أما إذا كان احتمال الحس ضعيفاً فهل العقلاء يطبقون أصالة الحس آنذاك ؟ إنه مشكوك وغير معلوم ، وفي باب السيرة العقلائية ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن ، لأنها ليست دليلاً لفظياً حتى نتمسّك بإطلاقه ، فنتمسك حينئذٍ بالقدر المتيقن وهو ما إذا كان احتمال النشوء من الحس معتداً به ، وفي مقامنا هذا الاحتمال ليس معتداً به ، يعني احتمال نشوء جزم الشيخ الصدوق من الحس ليس معتداً به إذ لو كان الجزم عن حس فهذا معناه أنَّ هناك طرق متعددة إلى هذا الحديث وصلت إلى الشيخ الصدوق بحيث أورثت له الجزم ، ولا أقل ثلاث طرق ، ولو كان ذلك موجوداً لأشار إليه ، وهو لم يذكر إلا طريقاً واحداً وهو الموجود في الخصال والتوحيد ، ولو كانت له طرق أخرى لذكرها وبذلك سوف يضعف احتمال الحس ، فعلى هذا الأساس يكون تطبيق أصالة الحس هنا محل تأمل.

فإذاً هذا البيان يمكن مناقشة كلتا مقدمتيه ، هذا كله في البيان لإثبات حجية مراسيل الشيخ الصدوق.

البيان الثاني:- أن يقال: إنَّ الشيخ الصدوق هو صاحب خبرة في هذا الفن وغواص بحار روايات أهل البيت عليم السلام ، وبالتالي عنده معرفة بروايات أهل البيت عليهم السلام ، فهو صاحب خبرة بروايات أهل البيت عليهم السلام ، فإذا أسند رواية وعبَّر بكلمة ( قال ) فهذا معناه أنه شهادة منه بالدلالة الالتزامية أو بالدلالة الضمنية بأنَّ هذه الرواية هي من جملة روايات أهل البيت عليهم السلام ، وشهادة أهل الخبرة حجَّة ، ومستند حجية شهادة أهل الخبرة هو سيرة العقلاء التي لا ردع عنها ، فالآن نحن نرجع في القضايا إلى الخبير ، ففي باب الهندسة نرجع إلى المهندس ، وفي باب الطبابة نرجع إلى الطبيب ..... وهكذا في كلّ بابٍ نرجع إلى صاحب الخبرة في ذلك الباب ، وحيث إنَّ الشيخ الصدوق صاحب خبرة بروايات أهل البيت عليهم والسلام وقد أسند هذه الرواية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيها فقرة ( ما لا يعلمون ) فيثبت المطلوب وأنَّ هذه الفقرة ثابتة بطريقٍ معتبر بشهادة الخبير بذلك.

ونتمكن أن نقول:- إن هذا البيان يرجع إلى مقدمتين:-

الأولى:- إنَّ الصدوق خبير بروايات أهل البيت ، يعني هو يعرف الصحيح من السقيم.

الثانية:- إنَّ شهادة أهل الخبرة حجَّة.

وقد يناقش في القدمة الثانية ويقال:- صحيح أنَّ شهادة أهل الخبرة حجة بالسيرة العقلائية ، ولكن حيث إنَّ السيرة العقلائية دليل لبَّي فنقتصر فيه على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن هو أنَّ العقلاء يرجعون إلى أهل الخبرة في مجال الطبابة وفي تقدير قيم الأشياء وفي مجال الهندسة وما شاكل ذلك ، أما أنهم يرجعون إلى الخبير بالرواية فهذا ليس بثابت ، فالسيرة المنعقدة جزماً هي بذلك الحجم ، أما امتداد دائرتها إلى الرجوع إلى الخبير بروايات أهل البيت في تحديد الرواية أنها صادرة من أهل البيت أو لا فهذا ليس من المعلوم أنَّ السيرة موجودة بلحاظه ، فنقتصر على القدر المتيقن.

وهذه مناقشة في الكبرى ، يعني أننا لا نسلَّم بالمساحة الوسيعة للكبرى ، وإنما نسلّم بها في المساحة المتيقنة وأما زاد - وهو موردنا - فمشكوك ، فلا تشمله السيرة لأنها دليل لبّي فيقتصر فيه على القدر المتيقن.

وفي مقام التعليق على هذا نقول:- إنه ينبغي في باب السيرة أن يبحث عن أنَّ السيرة هل يقتصر فيها على مقدار مساحتها العملية الخارجية أو تلاحظ النكتة لهذه السيرة فإن النكتة ربما تكون أوسع ؟ فإذا كان المدار على النكتة فسوف تثبت عندنا مساحة أكبر ، أما إذا كان المدار على المقدار الذي تحقق خارجاً فالمساحة آنذاك سوف تصير ضيقة ، فالمدار على أيهما ؟ هذه مسألة وقع فيها خلاف بين الأعلام.

والمناسب المدار على النكتة الارتكازية وليس على المساحة الخارجية ، والوجدان شاهد على ذلك ، فمثلاً حيازة السمك موجب للملكية ، والآن جاءت أنواع جديدة من الأسماك لم تكن موجودة سابقاً وقد حازها الصياد فهل هذه الحيازة سبب للملكية أو نقول له إنَّ هذا السمك لم يكن موجوداً سابقاً حتى تكون الحيازة سبباً للملكية وتكون ممضاة ، فهذا السمك جديد ولم تكن حيازته موجودة في عصر المعصوم عليه حتى نقول إنَّ سكوت المعصوم دليلاً على الامضاء ؟ كلا فإنه لا يوجد أحد يقول بذلك ، بل ننظر إلى النكتة وهي أنه صار عنده استيلاء ، فمن استولى على شيءٍ مباحٍ فهو أحقُّ به ، ولا توجد خصوصية لكون السمك من هذا النوع أو من ذاك النوع ، أو آلات الحيازة مثلاً ، في الزمن السابق كانت آلات الحيازة بشكلٍ معين أما الآن فهي يشكلٍ آخر ، فإذا كان المدار على تلك المساحة الموجودة في عصر النص فيلزم أن نقول إنَّ الحيازة بالوسائل الجديدة ليست ممضاة ، فمثلاً النفط الآن هل حيازته من أساب الملكية أو لا ؟ نعم ، فالنفط لم يكن موجوداً سابقاً ، كما أنه لم يكن يستخرج بهذه الوسائل الحديثة ، ولعل بعض المعادن أيضاً لم تكن موجودة سابقاً ولكن رغم ذلك لا يتمكن الفقيه أن يقول إنَّ حيازتها لا توجب الملكية ، وهذا معناه أنَّ المدار على النكتة الارتكازية وليس على المساحة الخارجية ، وتوجد شواهد كثيرة أخرى من هذا القبيل.فإذا عرفنا هذا نرجع إلى محل كلامنا ونقول:- إنَّ الشيخ الصدوق هو خبير بروايات أهل البيت عليهم السلام ، والمساحة الخارجية للسيرة كانت بلحاظ قيم الأشياء أو غير ذلك أما أكثر من ذلك فليس من المعلوم أنها كانت موجودة بلحاظها ، ولكن النكتة - وهي الخبروية - موجودة بلحاظ جميع الموارد ولا تختص بموردٍ دون آخر ، فمادامت النكتة هي الخبروية والمدار دائماً في باب السيرة ودليل الامضاء على النكتة لا على السماحة الخارجية فعلى هذا الأساس تكون المناقشة في الكبرى ليس بصحيحة.

نعم نحن نناقش في الصغرى:- وهي أنَّ الشيخ الصدوق هل هو خبير بهذا الحجم الوسيع أو لا ؟ يعني بتعبير آخر:- إنَّ الشيخ الصدوق هو خبير بمعنى أنه يتمكن أن يعرف أنَّ هذه الرواية من روايات أهل البيت عليهم السلام أو ليست من رواياتهم ؟ ، نعم هو قد يكون خبيراً بهذا الجانب ، ولكن أن يكون خبيراً بحجم أوسع فليس بمعلوم ، وذلك بأن نفترض أنَّ حديث الرفع هو وارد عن أهل البيت عليهم السلام ولكن فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) دست فيه ، فهل الشيخ الصدوق خبير بهذه الدرجة أيضاً بحيث يشخّص ذلك ؟ ، ونحن نحتمل أنَّ الحديث كلّه تام وصحيح ولكن هذه الفقرة التي هي محل الشاهد قد دست فيه ، فهل نقول إنَّ شهادة الشيخ الصدوق على أنَّ حديث الرفع صادر من أهل البيت عليهم السلام بحسب خبرته أنه صادر حتى مع فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) - يعني هو يميّز حتى هذا المقدار - ؟ فربما هذه الفقرة ليست موجودة وإنما دست ، والخبروية هنا لا يمكن أن تميّز مادامت هي على نسق تلك الفقرات السابقة ونحتمل أن الدّاس لها شخص يعرف كيف يدس ، فيحتمل أنَّ هذه الفقرة قد دست وخبروية الشيخ الصدوق لم تثبت مساحتها الوسيعة بهذا المقدار.

فإذاً نحن نناقش في المقدمة الأولى وهي خبروية الشيخ الصدوق بهذه المساحة الواسعة وليس في الكبرى.