1440/06/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

وللتوضيح أكثر نقول:- إنَّ الرفع رفعان ، رفعٌ واقعي ورفعٌ ظاهري ، والاختلاف بين هذين النحوين يمكن أن نبينه بأحد بيانين:-

البيان الأول:- أن نقول: إنه في الرفع الظاهري يكون متعلّق الرفع هو وجوب الاحتياط ، فالمرفوع هو وجوب الاحتياط ، أما في الرفع الواقعي لا نقدر كلمة وجوب الاحتياط ، ففي الرفع الظاهري يوجد تقدير مضاف هو وجوب الاحتياط أما في الرفع الواقعي لا يوجد تقدير.

البيان الثاني:- أن يجعل الفرق بلحاظ نفس الرفع وليس بلحاظ المرفوع ، يعني نقول: إنَّ الرفع له نحوان ، فتارة يرفع الحكم من جذوره وهذا هو الرفع الواقعي ، وأخرى يكون الفرع له لا من جذوره بل بمرتبة من مراتبة وهي وجوب الاحتياط.

إذاً مرّةً نفرّق بين الرفعين بلحاظ نفس الرفع بأن نجعل له معنيين بقطع النظر عن المرفوع ، ومرة أخرى نقول إنَّ الرفع واحد والاختلاف يكون في المرفوع ، فإذاً الفرع الواقعي والرفع الظاهري يمكن أن يصوَّر بأحد شكلين كما وصحنا.

ونلفت النظر إلى قضية:- وهي أنه كيف نرفع استحقاق العقوبة والحال أننا نعلم أنَّ استحقاق العقوبة أثر عقلي والآثار العقلية لا يمكن رفعها بالأصول الشرعية وإلا يلزم محذور الأصل المثبت ، لأنَّ الأصل المثبت هو أن تجري الأصل ويكون الهدف من اجرائه - ولو في الوسط أو في النهائية لا ابتداءً - هو رفع أثر غير مجعول شرعاً ، فمادام الأثر ليس مجعولاً فسوف يكون المورد من الأصل المثبت ، فإذاً إذا أردنا أن نرفع استحقاق العقوبة بحديث الرفع فحيث إنَّ استحقاق العقوبة هو أثر عقلي فيلزم من تطبيق الحديث لرفعه محذور الأصل المثبت.

ولا تقل:- افترض أنه لا يرتفع ثم ماذا ؟

فجوابه:- المهم أننا نريد التأمين من العقوبة ، فإذا لم نؤمَّن من العقوبة فلم ننتفع شيئاً ، فإذاً لابد وأن يؤمنني حديث الرفع من ناحية العقوبة ويرفعها وإلا سوف أبقى من دون شيء يمكن أن أتّكل عليه.

والجواب:- إن هذا جيه فيما إذا فرض أنا أردنا رفع استحقاق العقاب بالحديث ، والحال أننا قد بيّنا أنّا لا نريد التمسّك بالحديث لرفع استحقاق العقوبة وإنما نرفع وجوب الاحتياط إما بأن نقدّر كلمة ( وجوب الاحتياط ) بحذف المضاف ، أو نقول إنه أصلاً هو معنى الرفع المخفف الذي نعبّر عنه بالرفع الظاهري الذي هو بمعنى رفع وجوب الاحتياط ولو لم نقدّر كلمة وجوب الاحتياط ، فنحن بالتالي رفعنا وجوب الاحتياط بحديث الرفع ، فإذا ارتفع وجوب الاحتياط فحينئذٍ لا نحتاج إلى الحديث للتأمين من استحقاق العقوبة ، لأنه إذا ارتفع وجوب الاحتياط وقال لي الحديث لا يجب عليك الاحتياط فسوف يحصل لي القطع بعدم استحقاق العقوبة وارتفاعها ، فأثبت رفع الاستحقاق أو رفع العقاب بالقطع لا بالحديث حتى يلزم محذور الأصل المثبت.

إذاً نحن سلّمنا أننا نحتاج إلى التأمين من العقوبة فإنه هو المطلوب الأساسي ، ولكن التأمين من ناحية العقوبة يمكن أن نحصل عليه لا من خلال الحديث بأنه هو الذي يرفع الاستحقاق حتى يقال يلزم محذور الأصل المثبت لأنَّ الاستحقاق ليس أثرا شرعياً ، وإنما الحديث يرفع وجوب الاحتياط فقط وكأنه يقول أيها المكلف لا يجب عليك الاحتياط ، وإذا لم يجب عليَّ الاحتياط فسوف يحصل لي القطع بعدم التكليف ، فنفينا استحقاق العقوبة لا بالحديث بل بالقطع والجزم واليقين ، فلا يلزم محذور الأصل المثبت ، فإنَّ محذو الأصل المثبت هو أن أثبت الآثار غير الشرعية بنفس الأصل ، أما إذا اثبتها باليقين والجزم والقطع لا بالأصل فهذا لا يكون أصلاً مثبتاً ولا مشكلة فيه.

وقد يقول قائل:- لماذا الاصرار على أنَّ الرفع رفعٌ ظاهري فلنقل إنه واقعي ؟ ، بل إذا قلنا هو واقعي فلعله يكون أولى وأحسن ، فإنا إذا رفعنا الحكم واقعاً فهذا أطيب لنفس المؤمن وأقوى في تحصيل مقصوده ، لأنَّ الانسان المؤمن يريد أن يحصل على المؤمِّن ، فإذا رفع الحكم من الأساس فحينئذٍ يكون هذا أقرب إلى تحصيل المطلوب ، فتعال لنقل بأنَّ الرفع واقعي أو ظاهري ، وكلاهما يؤمّنان المطوب ، بل إذا كان واقعياً فسوف يؤمّن المطوب بدرجةٍ أقوى وأحسن ؟ ، هذا ما قد يخطر إلى الذهن ، بل ربما ذهب إليه البعض مثل السيد الروحاني(قده)[1] .

والجواب:- إنَّ الرفع الواقعي لا يمكن ، لأنه لو أثبتنا الرفع الواقعي فهذا معناه أنَّ الأحكام خاصة واقعاً بالعالمين بها ولا تعمّ الجاهلين والشاكين ، وهذا لا يمكن الالتزام ، إذاً لابد وأن نقول إنَّ الرفع ظاهري وإلا يلزم هذا المحذور ، يعني من يعلم بحرمة التدخين فالحرمة ثابتة في حقه ومن يعلم بوجوب السورة في الصلاة فهي ثابتة في حقه واقعاً ، أما من لا يعلم بذلك فليس ذلك بثابت في حقه واقعاً ، يعني حكم العالم غير حكم الجاهل واقعاً لا أنه من حيث وجوب الاحتياط ، كلا بل العالم واقعاً توجد حرمة أو جوب في حقة أما أنا الجاهل فلا توجد حرمة أو وجوب في حقي ، وهذا خلف مسألة الاشتراك ، وقد قيل إنَّ ما يدل على الاشتراك هو الأخبار المتواترة ، وقال السيد الروحاني(قده) إنه لا توجد أخبار متواترة تدل على أنَّ الأحكام مشتركة واقعاً بين العالم والجاهل ، وسنبين تحت عنوان الجهة الثالثة أنَّ الرفع واقعي أو ظاهري.

لكن الذي نريد أن نقوله الآن:- هو أنَّ المناسب أن يكون الرفع ظاهرياً ، لأنَّ لازم الرفع الواقعي تخصيص جميع الأحكام بخصوص العالمين بها ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، ولذلك صرنا إلى الرفع الظاهري بأحد نحوين ، إما بنحو التقدير - أي تقدير كلمة وجوب الاحتياط - أو أن نقول إنَّ الرفع له معنيان رفعٌ من الجذور ورفعٌ بمرتبةٍ من المراتب.

[1] منتقى الأصول، الروحاني، ج4، ص386.