1440/06/12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- هل حديث الرفع يعم الشبهات الحكمية ؟ - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

وأجاب السيد الشهيد(قده)[1] بما محصله:- إنَّ النسبة في جميع الفقرات هي بنسبة بنائية وإلى غير ما هو له ، أما في فقرة ( رفع ما استكرهوا ) وأخواتها الرفع نسب إلى الموضوع لأنَّ الاكراه يتعلق بالموضوع فواضح أنَّ نسبة رفع إلى الموضوع الذي هو ما استكرهوا عليه هي نسبة مجازية وإلى غير ما هو له ، وإنما المهم أن تبيّن لنا أنه كيف تكون السنبة مجازية عنائية حتى في ( رفع ما لا يعلمون ) ؟ أجاب(قده) وقال:- إنَّ الحكم الواقعي الذي لا نعلم فلا يرفع وجوده الواقعي ، إنما الذي يرفع هو وجوب الاحتياط بلحاظه لا أنه هو الذي يرفع ، وإلا لو رفع هو فسوف يصير أنك لم يثبت في حقك حكم ، وسوف تصير مختصة بالعالمين ، وهذا لا يمكن الالتزام به ، فهذا الرفع عنائي والمرفوع حقيقةً هو وجوب الاحتياط ولكن نسب الرفع إلى الحكم الواقعي الذي لا يعلم بنسبة عنائية ومجازية والمقصود هو رفع وجوب الاحتياط بلحاظه ، فصارت بذلك النتيجة هي أنَّ الرفع في جميع الفقرات هو بنحو المجازية والعنائية ، أما في فقرة ( رفع ما استكرهوا ) وأخواتها حيث إنَّ الموضوع لا يمكن للشارع أن يرفعه فيكون المقصود أنَّ الرفع هو بلحاظ حكمه ، فصارت النسبة والرفع عنائية والمقصود هو رفع الحكم وإن كان بالمباشرة وبالدلالة المطابقية نسب الرفع إلى الموضوع لكن المقصود هو رفع الحكم برفع موضوعه ، فهذه نسبة عنائية ، وأما في ( رفع ما لا يعلمون ) فالمرفوع ليس هو الحكم الواقعي وإلا يلزم اختصاص الحكم بالعالمين فقط ، فبالتالي يكون المرفوع هو وجوب الاحتياط ، وهذا أيضاً نسبة عنائية ومجازية ، ففي الجميع النسبة عنائية ، لا أنَّ النسبة في بعضها عنائية وفي بعضها الآخر حقيقية.

ويرد عليه:- إنَّ ما أفاده وجيه فيما لو فرض أننا أردنا أن نقدّر ( وجوب الاحتياط ) ، فيكون هناك محذوف وهو وجوب الاحتياط ولكن نسب الرفع مباشرةً إلى الحكم الواقعي الذي لا يعلم بنسبة مجازية عنائية وإلا فالمقصود هو رفع وجوب الاحتياط ، فإن قلنا هكذا فنعم يلزم ما ذكره.

ولكن هناك طريقة ثانية لا تحتاج إلى تقدير مضاف - أي لا تحتاج إلى تقدير وجوب الاحتياط - ولا تلزم المجازية والعنائية ، وذلك بأن نقول:- إنَّ الرفع رفعان ، فهناك رفع للشيء من أساسه ، وهناك رفع للشيء ببعض مراتبه لا بجميعها - وهذا قد تعلمناه من السيد الشهيد(قده) - فالتصرف يكون في كلمة الرفع ، فالرفع له فردان لا أننا نقدّر له مضافاً ، فإذا التزمنا بهذا فحينئذٍ لا يلزم أن تكون نسبة الرفع إلى الحكم الذي لا يعلم نسبة عنائية ومجازية ، فبناءً على هذا لا يلزم ما ذكر.إذاً اتضح من خلال ما ذكرناه إلى الآن أنَّ جواب الشيخ العراقي(قده) وكذلك جواب السيد الشهيد(قده) محل تأمل.

والأولى أن يقال في الجواب:- إنَّ الاستعمال ليس مجازياً على تقديرٍ وحقيقياً على تقديرٍ آخر ، بل النسبة واحدة على جميع التقادير ، والوجه في ذلك: هو أنَّ كلمة ( ما ) هي بمعنى الشيء بيد أنَّ مصاديق الشيء مختلفة ، فالمقصود من ( رفع ما استكرهوا ) أي رفع الشيء الذي استكرهوا عليه لا أنه رفع الموضوع ، فنُسِبَ الرفع إلى الشيء ، نعم مصداق الشيء هو الموضوع لا أنَّ المرفوع ابتداءاً هو الموضوع ، وإنما المرفوع هو الشيء ومصداق الشيء يختلف ، فـ ( رفع ما استكرهوا ) يعني رفع الشيء الذي اكرهوا عليه ومصداق الشيء هو الموضوع ، وهكذا في ( ما اضطروا ) واخواتها .... إلى أن نصل إلى فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) فأيضاً المقصود من كلمة ( ما ) فيها هو الشيء ، أي رفع الشيء الذي لا يعلمون ، ومصداق الشيء تارةً هو الحكم الجزئي وأخرى هو الحكم الكلّي ، فإنَّ كان هناك اختلاف فهو في مصداق الشيء وليس في المعنى المستعمل فيه ، فإنَّ المعنى المستعمل فيه الموصول في جميع الفقرات هو واحد وهو الشيء ، ومادام المعنى المستعمل فيه واحداً - وهو الشيء - فسوف تصير النسبة في الجميع على منوالٍ واحد ، والمدار في النسبة على ملاحظة المعنى المستعمل فيه لا على ملاحظة مصداق المعنى المستعمل فيه ، ولذلك قيل في باب تخصيص العام إذا قيل مثلاً ( أكرم كل عادل ) وبالمخصّص المنفصل خرجت بعض الأفراد فإنَّ المعنى المستعمل فيه هو العموم ولكن المخصّص المنفصل أفهمنا أنَّ المراد الجدّي هو شيء آخر وهو الخصوص ، فهل يكون الاستعمال مجازياً أو هو باقٍ على الحقيقية ؟ قالوا:- إنَّ الاستعمال يبقى حقيقياً ، لأنَّ المدار في كون الاستعمال حقيقياً أو ليس بحقيقي هو على ملاحظة المعنى المستعمل فيه ، والمعنى المستعمل فيه هو العموم ، نعم فهمنا بالمخصّص المنفصل أنَّ المقصود الجدّي هو الخصوص ، فإذاً يكون استعمال العام حقيقياً.

وفي موردنا نقول:- إنَّ كلمة ( ما ) مستعملة في الشيء ، فهي في جميع هذه الفقرات التي فيها كلمة ( ما ) قد استعلمت فيها كلمة ( ما ) بمعنى الشيء ، فالنسبة حينئذٍ تكون واحدة ، غايته أن مصداق الشيء يكون مختلفاً ، فالإشكال مندفع من أساسه.،يعني بتعبير آخر:- إنه لا توجد أرضية للإشكال ، لا أنه توجد أرضية للإشكال ونحن نريد دفعها كما حاول الشيخ العراقي والسيد الشهيد ، بل الارضية ليست موجودة أصلاً ، فالإشكال يكون مرتفعاً من أساسه بعدما كانت ( ما ) مستعملة في الشيء ، فالتقريب الثاني واهٍ من أساسه ، لا أنه لا بأس به لكنه يحتاج إلى دفعٍ كما يظهر ذلك من جواب الشيخ العراقي والسيد الشهيد.

التقريب الثالث[2] :- إن يقال: إنَّ الرواية استعملت كلمة ( رفع ) والرفع هو مقابل الوضع ، وكلمة ( الوضع ) تتعلّق بالفعل لا بالحكم ، فتقول ( وضعت عليه الفعل الفلاني ككنس المسجد ) ولا تقل ( وضعت عليه وجوب كنس المسجد ) ، فإذا قبلنا بهذا فالرفع الذي هو مقابل الوضع أيضاً من المناسب أن يكون كذلك ، يعني لا يتعلق بالحكم بل يتعلق بالفعل ، وإذا لم يتعلق بالحكم فقد خسرنا ما نريد ، لأنا كنّا نريد أن نرفع الحكم الذي هو غير معلوم مثل حرمة التدخين وحرمة شرب القهوة أو حرمة شرب البيبسي كولا وغير ذلك ، فهذه الحرّمات غير المعلومة أو الوجوبات غير المعلومة أردنا أن نرفعها فإذا قلنا إنَّ الرفع يتعلق بالفعل ولا يتعلّق بالحكم فقد خسرنا كل ما نريد ، فلا يمكن التمسّك بالإطلاق لإثبات سعة المرفوع بعد أن عرفنا أنَّ الرفع لا يتعلق إلا بالأفعال دون الأحكام.

وجوابه:- إنَّ كلمة ( رفع ) تستعمل أيضاً بالمعنى المقابل للإثبات ، يعني كما تستعمل مقابل وضع كذلك تستعمل مقابل الاثبات، فتقول ( اثبت عليه كذا ورفعت عنه كذا ) ، والاثبات يصح بلحاظ الفعل ويصح بلحاظ الحكم أيضاً ، فأُثبت عليه كنس المسجد أو أُثبت عليه جوب كنس المسجد ، فإذاً إذا كان الرفع مقابل الاثبات فسوف يتعلّق بالاثنين معاً ويكون صالحاً لشمولهما معاً.

ومن خلال هذا كله اتضح أن التمسك الاطلاق لشمول حديث الرفع للشبهة الحكمية شيء وجيه ولا يرد عليه شيء مما ذكر.


[2] أي التقريب الثالث للإشكال على التمسك بالاطلاق.