1440/07/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

أما مضمون الرواية فهو واضح ، فهناك عبد أذن له في التجارة وقد دفع إليه شخص ألف درهم على أن يشتري نسمة تعتق وتحج بالباقي وهو اشترى أباه وطبق ما أراد الدافع ثم بعد ذلك وقع النزاع كلّ يقول اشتُرِيَ بمالنا وبالتالي فهو لنا والامام عليه السلام حكم بأنَّ الحجة صحيحة ويرد المعتَق رقاً إلى صاحبه وكل من أقام البينة على أنه اشتُرِيَ من ماله يكون له .أما أنَّ هذه الرواية تشتمل على أمورٍ مخالفة للقاعدة ، مثل أنَّ الحج يمضي ، وكيف أنَّ هذا الأب قد حُرّر ثم يُردُّ رقّاً ، فهذا ليس مهماً الآن وسنتعرّض إليه فيما بعد ، لكن مضمون الرواية واضح ، والمهم أنه كيف نستدل بهذه الرواية على صحة بيع الفضولي ؟يمكن أن تقرّب دلالتها على صحة بيع الفضولي بتقريبين أحدهما مجمل والآخر مفصّل ولعل المفصَّل يرجع إلى المجمل:-

أما التقريب المجمل:- فهو ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب حيث قال: إنَّ الرواية دلت على أنَّ من أثبت بالبينة من هؤلاء الثلاثة أنَّ الأب اشتري بماله فيكون له ونفس دعواه أنه لي واشتري بمالي هو اجازة ، وهذا يدل على أنَّ بيع الفضولي يصح بالاجازة ، إذ لو لم يصح بها فالبيّنة لا تجدي شيئاً ، يعني لنسلّم أنَّ البينة أثبتت أنه اشتُرِيَ بمالك فماذا تنفع أنه اشتري بمالك بعدما كان البيع فصولياً ؟!! فلابد أنه حينما يثبت أنه اشتُرِيَ بماله والمفروض أنه طالب به ويقول هو ملكي فهذا معناه أنه اجازة ، وبذلك ثبت أنَّ بيع الفضولي يصح بالاجازة.

يبقى شيء:- وهو أنَّ الشيخ الأعظم(قده) لم يبيّن أنه كيف يكون فضولياً ، فقد يقال إنه ليس بفضولي على جميع التقادير ، لأنهم بأجمعهم قد أذنوا له بالتجارة وكل واحدٍ منهم أعطاه مالاً وكلٌّ يقول هو قد اشتراه بمالي ، فإذاً هذا ليس فضولياً فكيف يصير فضولياً ؟ ، والشيخ لم يبيّن هذه النقطة ، وبذلك يكون استدلاله ناقصاً ، قال(قده):- ( بناءً على أنه لولا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك المبيع بعد مطالبته المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرّد دعوى الشراء بالمال ولا اقامة البينة عليها كافية في تملّك المبيع )[1] .

فالشيخ يريد أن يقول إنه إذا اشتري شيئاً بمال شخص فضولاً وطالب ذلك الشخص به فالمطالبة تكون اجازة وهذا يدل على صحة بيع الفضولي ، إذ لو لم يكن هذا كافياً فإقامة البينة على الاثبات والمطالبة به لا ينفع شيئاً ، فإذاً يتبيّن أنَّ بيع الفضولي صحيح بالاجازة الحاصلة بالمطالبة ، ولذلك قال الامام إذا أثبتوا أنه اشتُرِيَ بمالهم والمفروض أنهم طالبوا والمطالبة دالة على الاجازة فثبت المطلوب.

أما البيان التفصيلي:- فهو أن نقول: هناك احتمالات ثلاثة في شراء هذا الأب:-

الاحتمال الأول:- أن يكون الأب قد اشتُرِيَ بمال نفس مولى الأب ، يعني أنَّ مولى الأب كانت عنده أموال قد أعطاها لهذا العبد المأذون والعبد المأذون قد اشترى أباه ليس بمال ذلك الشخص الذي أعطاه الألف درهم وإنما اشتراه من مال مولى الأب ، لأنَّ مولى الأب أيضاً قد دفع إليه مالاً ليتاجر به له وهذا نحوٌ من التجارة ، فعلى هذا الأساس اشترى العبد المأذون والده بمال مولى الأب ، وبناءً على هذا الاحتمال يكون البيع باطلاً ، لأنه اشترى بمال المولى مال المولى - أي اشترى بملك المولى ملك المولى - فيكون باطلاً ، لأنه لابد أن تكون هناك مغايرة بين مالكي العوض والمعوّض.

الاحتمال الثاني:- أن يكون العبد المأذون قد اشترى أباه بمال مولاه الذي أذن له بالتجارة ، فهنا صارت مغايرة بين مالك الثمن والمثمن ، والمناسب أن يكون الشراء صحيحاً وليس فضولياً.

الاحتمال الثالث:- أن يكون قد اشترى أباه بأموال صاحب الألف ، وبناءً على هذا المناسب أن يكون فصولياً ، لأنَّ الشخص الدافع للألف حينما مات انتقل المال إلى الورثة والورثة لم يأذنوا له بذلك ، وإنما أبوهم هو الذي قال اشتر عبداً وبعدما مات الدافع للألف وقبل تحقق شراء الأب إذا مات الدافع للألف انتقل المال إلى ورثته فيكون الشراء فضولياً ، فإذا أثبتوا أنه اشتُرِيَ بمالهم والمفروض أنهم طالبوا به ثبت المطلوب وهو صحة بيع الفضولي.

هذه ثلاثة احتمالات والنافع منها الاحتمال الثالث ، ولكن كيف نثبته حتى نستفيد من الرواية إذ لعل المقصود هو الاحتمال الأوّل أو الثاني ؟

والجواب:- إنَّ الامام عليه السلام على جميع التقادير الثلاثة بما في ذلك الاحتمال الثالث ذكر جواباً واحداً وهو أنه من أقام البيّنة على أنه اشتُرِيَ بماله يكون له ، وهذا يشمل الاحتمال الثالث ، فإذا أثبت ذلك والمفروض أنه طالب به والمطالبة اجازة فثبت المطلوب.

بقي شيء:- وهو إنما يكون الاحتمال الثالث من الفضولي فيما إذا فرض أنَّ العبد المأذون كان يدّعي الوكالة من الأب الذي مات ولم يدّعي الوصية ، إذ لو جعل صاحب الألف درهم العبد المأذون وصياً له في هذه القضية فبموته لا ينتقل المال إلى الورثة ، فلا ينفعنا هذا الاحتمال ، فإذاً لابد وأن نثبت أنَّ هذا من مورد الوكالة وليس الوصية ، ومما يساعد على أنه من مورد الوكالة وليس من مورد الوصية تعبير الورثة بأنهم قالوا ( وكل يدّعي أنه اشتُرِيَ بمالنا ) فهذا يساعد على كونه إرثاً ، لأنه إذا كانت وصية لم يُشترَ بمالهم ، فقولهم ( بمالنا ) هذا معناه أنها وكالة وليست وصية ، فالمورد ليس من الوصية وإنما من الوكالة ، وأيضاً حكم الامام عليه السلام حيث قال:- ( وأيّ واحدٍ منهم اثبت انه اشتُرِي بماله ) هذا أيضاً يساعد على أنَّ المورد مورد الوكالة وليس مورد الوصية.

فإذاً يلزم أن نفترض هذا ، وبه يكون الاستدلال لا بأس به.