10-03-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وثانياً:- إن مدلول الروايتين معارض بسبع روايات تدلّ على أن حرمة الصيد ينتهي أمدها بالحلق أو التقصير وهذه الروايات السبع إما أن ندّعي أنها تشكل عنوان السنّة القطعيّة ومعه تسقط هاتان الرويتان باعتبار مخالفتهما للسنّة القطعية وإما باعتبار أنه لو لم تكونا سنّة قطعية فعلى الأقل تتحقق المعارضة بينهما فلا يمكنك آنذاك الأخذ بهاتين الروايتين . نعم لعل النتيجة لا تتغير بناءً على هذا التقدير باعتبار أنه بعد التساقط نرجع إما إلى الاطلاق وإما الى الاستصحاب والنتيجة واحدة تقتضي استمرار الحرمة الى زوال اليوم الثالث عشر ولكن القضيّة قضيّة فنيّة فإنه(قده) أخذ بهاتين الروايتين والحال أنها معارضة بروايات سبع والتخصيص شيءٌ مشكلٌ باعتبار أن مفهوم تلك الروايات مفهوم الحصر والتحديد وهو آبٍ عن التخصيص وتلك الروايات - والتي مضمونها واحدٌ وهو أنه بالحلق أو التقصير يحصل التحليل من كلّ شيءٍ سوى النساء والطيب - هي صحيحة معاوية بن عمار[1]، ورواية منصور بن حازم[2]، ورواية عمر بن يزيد[3]، وصحيحة سعيد بن يسار[4]، وصحيحة اسحاق بن عمار[5]،  رواية أو صحيحة محمد بن حمران - والترديد باعتبار محمد بن حمران أنه ثقة أو لا - [6]، ورواية جميل[7] . هذه سبع روايات تدلّ على مضمونٍ واحد ولا يؤثر ضعف سند بعضها بعدما كان المضمون مضموناً قطعياً ومتوتراً لكثرة هذه الروايات.
وثالثاً:- إن هاتين الروايتين كما اعترف هو(قده) مهجورتان عند الأصحاب ولم ينقل عن أحدٍ العمل بهما ومعه فلا داعي حتى للاحتياط الوجوبي مادام لم يعمل بهما أحد من الأصحاب، نعم الاحتياط الاستحبابي شيءٌ حسنٌ أما الاحتياط الوجوبي فلا داعي له لأنهما ساقطتان عن الحجيّة . وفرقٌ بين الهجران وبين الاعراض فالهجران يعني إعراض الجميع بينما مصطلح الاعراض يقصد منه ترك الأكثر لا أن الجميع قد ترك العمل بالرواية وهو(قده) يعترف بأن الهجران مسقطٌ للرواية عن الحجيّة.
ورابعاً:- إن سند الروايتين قد يناقش فيه:-
أما الرواية الأولى:- فسندها هكذا:- ( الشيخ بإسناده عن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام ) والمشكلة هي في محمد بن يحيى فإنه مشترك بين ثلاثة هم الخزاز والخثعمي وكلاهما ثقة والثالث هو الصيرفي وهو لم يوثق والجميع له كتابٌ - أي حتى الصيرفي له كتاب - فإنه إذا لم يكن له كتاب فيمكن أن يقال إن الاطلاق ينصرف الى المشهور الذي له كتاب أما بعد أن كان الجميع صاحب كتابٍ إذ الصيرفي قال عنه الشيخ ( إن له كتاباً ) وذكر طريقه الى الكتاب فلا  موجب لدعوى الانصراف آنذاك - يعني إلى الخثعمي أو الخزّاز - نعم قد يدّعى أن الأولين أشد شهرةً ولا أدري هل الصغرى تامّة أو لا ولكن لو تمّت فهذا المقدار لا يوجب الانصراف فإن الذي يوجب الانصراف هو كون هذا مشهورٌ وذاك غير مشهورٍ فمن هذه الناحية يشكل الحكم بصحة الرواية - وواضح أني حينما قلت أن محمد بن يحيى مردّد بين ثلاث أقصد أنه في هذه الطبقة من الرواة ولعلك إذا راجعت تجد أنه أكثر من ثلاثة ولكن هؤلاء الباقين ليسوا في هذه الطبقة فمثلاً عندنا محمد بن يحيى الأشعري الذي يروي عنه الكليني فهذا وما شاكله لا معنى لإدخاله في الحساب فلابد من ملاحظة الطبقة فهذا يروي عن أصحاب الامام الصادق عليه السلام فهو يروي عن حمّاد ففي هذه الطبقة هو مردّد بين ثلاثة - وعلى أي حال يحتمل أنه الصيرفي خصوصاً إذا لاحظنا أن صاحب الوسائل(قده) قبل هذه الرواية يذكر رواية يروي فيها محمد بن يحيى الصيرفي عن حمّاد وهي:- ( وبإسناده عن محمد بن الحسين عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن محمد بن يحيى الصيرفي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " لمن اتقى الصيد - يعني في إحرامه - فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل ) إنه في هذا السند نجد أن الصيرفي يروي عن حمّاد أيضاً والسند هنا وإن أمكن أن يُشكَل عليه من جهة بعض الرواة كيحيى بن المبارك مثلاً ولكنّه بالتالي هو وإن لم يكن تاماً فهو يصلح أن يشكك في انصراف السند الذي بيدنا - يعني محمد بن يحيى الوارد في السند الذي هو محلّ كلامنا الى الخثعمي أو الخزّاز -.
وأما الرواية الثانية:- أي صحيحة معاوية - فسندها هكذا:- ( وبإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الهيثم عن الحكم بن مسكين عن معاوية بن عمار ) والمشكلة هي في الحكم بن مسكين فإن محمد بن الهيثم هو بن عروة التميمي وهو ثقة ولكن المشكلة في الحكم بن مسكين فإنه لم يذكر بتوثيق، نعم هو مذكور في أسانيد كامل الزيارات ولكنّه(قده) تراجع عن ذلك . إذن هذه الرواية تصير محلّ إشكال أيضاً.
والخلاصة من كلّ ما ذكرناه:- إن الاستناد الى هاتين الروايتين شيءٌ مشكلٌ، نعم إذا أردنا الاحتياط فهو استحبابي لا أكثر.
عودٌ إلى صلب الموضوع:- ذكرنا فيما سبق أنه بِمَ تحصل حليّة محرمات الاحرام ؟ وذكرنا أنه توجد أقوال ثلاثة الأوّل للشيخ في التهذيب حيث يقول إنه بالحلق أو التقصير تحل جميع المحرمات عدى النساء والطيب، والثاني للمحقق في الشرائع وهو أنه تحلّ جميع المحرمات بالحلق أو التقصير عدى ثلاثة بإضافة الصيد الاحرامي وهذا هو الذي كنّا فيه وانتهينا منه الآن، والثالث للصدوقين حيث ذهبا الى أنه برمي جمرة العقبة - أي قبل الحلق والتقصير - تحلّ جميع المحرّمات عدى النساء والطيب وقد أشار الى هذا الحكم الصدوق الأب في الفقه الرضوي حيث قال ما نصّه:- ( واعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة حلّ لك كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب وإذا طفت طواف الحج حلّ لك كلّ شيء إلا النساء وإذا طفت طواف النساء حلّ لك كلّ شيءٍ إلا الصيد فإنه حرامٌ على المحلّ في الحرم وعلى المحرِم في الحلّ والحرم )[8]، وقال الصدوق الأبن في الفقيه:- ( وإذا رميت جمرة العقبة حلّ لك كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب )[9] . إذن هذان العلمان يذهبان إلى أنه برمي جمرة العقبة يحصل التحلّل من جميع المحرّمات عدى النساء والطيب، والسؤال هو أنه ما هو مستندهما في ذلك ؟ ذكر صاحب الجواهر(قده) في هذا المجال ما نصّه:- ( بأنّا لا نعرف له مأخذاً إلا خبر قرب الإسناد عن الحسين بن علوان وما يحكى عن الفقه الرضوي )[10] . إذن هناك مستندان الأوّل ما رواه الحسين بن علوان والثاني الفقه الرضوي بناءً على صحّة نسبته إلى الإمام الرضا عليه السلام وأنه ليس من عليّ بن بابويه، ورواية الحسين بن علوان هي:- ( قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف بن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليه السلام أنه كان يقول:- إذا رميت جمرة العقبة فقد حلّ لك كلّ شيءٍ حرم عليك إلا النساء )[11]، وقد تضاف إلى ذلك روايتان فتصير المستندات أربعة والروايتان هما موثقة يونس بن يعقوب:- ( قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام:- جعلت فداك رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعدما رمى الجمرة ولم يحلق ؟ قال:- لا بأس )[12]، والرواية الأخرى هي رواية الجعفريات أو الأشعثيات:- ( أخبرنا عبد الله أخبرنا محمد حدثني موسى قال حدثني أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه قال:- قال علي عليه السلام:- إذا رميت جمرة العقبة فقد حللت من كلّ شيءٍ حرُم عليك إلا النساء )[13] . إذن المستندات التي يمكن أن يستند اليها الصدوقان(قده) هي هذه الأمور الأربعة.
أما بالنسبة الى المستند الأول:- أعني ما رواه الحسين بن علوان - ففيه مشكلتان من حيث السند وبعض المشاكل من حيث الدلالة كما نذكر بعد ذلك، أما من حيث السند فالمشكلة الأولى هي في الحسين بن علوان فإن النجاشي قال في ترجمته ما نصّه:- ( الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة رويا عن أبي عبد الله عليه السلام )، وأما ابن عقدة حسب نقل العلامة في القسم الثاني من الخلاصة قال ما نصّه:- ( إن الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا )، والكلام هو أن هذين النصّين هل يمكن بهما إثبات توثيق الحسين بن علوان ؟ - وواضح هو رواياته متعدّدة فإذن هذه مسألة مهمّة ولا تنحصر روايته بهذا المورد أو بموردٍ آخر كلا بل عنده عدة روايات -.
أما من حيث ما قاله النجاشي فقد يشكل ويقال:- إنّه قال:- ( وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد ثقة ) وتعبير ( ثقة ) لمن يرجع ؟ فهل يرجع الى الحسن أو يرجع الى الحسين ؟ فإن رجع الى الحسن فلا ينفعنا ويكفينا الاجمال فإذا لم ندّعِ الظهور باعتبار أنه أقرب يكفينا الاجمال وبذلك يسقط هذا النصّ عن الحجيّة لاستفادة وثاقة الحسين منه.
وأما من ناحية ابن عقدة فقد يقال:- إنه يمكن أن يستفاد منه توثيق الاثنين معاً باعتبار أنه قال:- ( إن الحسن كان أوثق ) ولازمه أن الحسين كان ثقة أيضاً، وكلمة ( وأحمد ) يعني هو كان محموداً في المجتمع ولكن أخيه كان أشدّ محموديّة منه . إذن يمكن أن يستفاد منه توثيق الحسين فإذا كان هناك مشكلة في توثيق النجاشي فتوثيق ابن عقدة لا مشكلة فيه . نعم أبو العباس بن عقدة هو زيديٌّ ولكن بعدما كان من الثقاة فتوثيقاته تكون معتبرة حتى لو كان زيدياً أو غير ذلك فهذا لا يؤثر بعدما كان من الثقاة . فالخلاصة إذن هي أنه كيف الحال وماذا نصنع ؟