1440/10/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 67 ) – اشتراط اللفظ في تحقق الاجازة – شروط المتعاقدين.

وأما الاحتمال الرابع الذي اختاره الشيخ فقد استدل له بوجهين:-

الوجه الأول:- كلمات بعض الأصحاب.

الوجه الثاني:- بعض الروايات.

أما بالنسبة إلى الوجه الأول:- فقد ذكر عدّة عبارات لكنها كلمات بعضهم وليست كلمات الجميع بحيث يصير المطلب مجمعاً عليه وإنما هو اختيار ورأي بعض الأصحاب ، وننقل عبارتان كمثال على ذلك.

العبارة الأولى:- قال(قده):- ( قد علل جماعة عدم كفاية السكون في الاجازة بكونه أعم من الرضا فلا يدل عليه ، فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ إلى عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا )[1] .

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنَّ هذه هي كلمات بعض ورأي البعض ليس بدليل وإنما الدليل هو الاجماع ، فإذاً كلمات البعض لا تنفع .

ثانياً:- إنَّ هذه العبارة تتلاءم مع الاحتمال الثالث الذي يعتبر وجود الدال حيث قال:- ( فلا يكفي الرضا الواقعي من دون مبرز بل لابد من وجود دال يدل عليه ) ، إنها تلاءم مع الاحتمال الثالث حيث علل هكذا وقال:- ( بكونه أعم من الرضا فلا يدل عليه ) يعني لا يوجد دال على الرضا وهذا يتلاءم مع الاحتمال الثالث أيضاً ، فعلى هذه الأساس هذه العبارة لا يمكن استفادة ما أراده منها وهو أنَّ المدار على الرضا وإن لم يكن هناك دال عليه.

ولكن قوله ( فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ ) لا يبعد أنه يفهم منه أنَّ الشيخ يريد أن يقول إنَّ المبرز لابد منه ولكن لا يلزم أن يكون لفظاً وهذا سوف يصير احتمالاً خامساً ، فإن كان مقصوده هو هذا فنحن معه ، وإذا كان مقصوده أنه لا يعتبر الدال وإنما المدار على الرضا الواقعي فلو انكشف وجود رضا واقعياً من دون دالٍ يدل على رضاه فهذه العبارة لا تدل عليه لأنها تتلاءم مع عدم وجود الدال.

وأما العبارة الثانية التي نقلها فإنه قال:- « حكي عن آخرين أنه إذا أنكر الموكّل الإذن فيما أوقعه الوكيل من المعاملة فحلف انفسخت لأنَّ الحلف يدل على كراهتها »[2] ، فهو استدل بهذه العبارة حيث جعل المدار على الكراهة وحيث لا نحتمل الفرق بين الكراهة وبين المقابل - أعني الرضا - فإذا كانت الكراهة تكفي في الفسخ فالرضا يكفي في الاجازة حيث لا نحتمل الفرق بين الاجازة والفسخ.

والجواب هو الجواب:-

أولاً:- إنَّ هذه عبارة البعض وليس اجماعاً.

ثانياً:- إنهم قالوا في العبارة ( لأنَّ الحلف يدل على كراهتها ) وهذا معناه أنه لابد من وجود دالٍ يدل ، فالعبارة تتلاءم مع الاحتمال الثالث ولا ينحصر تلاؤمها مع الاحتمال الرابع.

أما بالنسبة إلى الوجه الثاني:- فنقرأ بعض الروايات:-

الطائفة الأولى:- قال (قده) :- ( ما ورد في عدّة أحبار من أن سكوت المولى بعد علمه بتزويج عبده اقرار منه له عليه )[3] ، ولم يذكر رواية.

ونحن نذكر رواية واحدة حتى نلاحظها ، وهي ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب قال:- ( جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال:- إني كنت مملوكاً لقومٍ وإني تزوجت امرأة حرّة بغير إذن مواليَّ ثم أعتقوني بعد ذلك فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت ؟ فقال له:- أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم ؟ فقال:- نعم وسكتوا ولم يغيروا علي ، قال فقال:- سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم اثبت على نكاحك الأول »[4] ، ووجه الدلالة أنه عليه السلام قال سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار ، فالمدار على الاقرار والامضاء الواقعي.

ويرد عليه:-

أولاً:- إنَّ هذا لا ينفعنا في مبحث الفضولي ، لأنَّ هذا العبد قد زوّج نفسه لا أنه زوّج غيره وهذا ليس هو الفضولي محلّ الكلام فإنَّ الفضولي الذي هو محل الكلام فيما لو تصرّف فيما لا يرتبط بنفسه أما هذا فهو قد تصرّف في نفسه غايته أنَّ المولى له حق ، فيحتمل أنَّ هذا النحو من الفضولي - إن صحّ التعبير - يتسامح فيه فيكفي فيه الرضا الواقعي أما الفضولي المتعارف فهذه الرواية لا ترتبط به ، فنحن كلامنا في الفضولي المتعارف الذي يتصرّف خارج حوزته هناك يحتاج إلى مبرز للرضا أو لا وهذه الرواية افترض أنها دلت على كفاية الرضا الواقعي من دون مبرز ولكنها ليس ناظرة إلى دائرة كلامنا وإنما هي ناظرة إلى حالة ما إذا تصرّف بما يرتبط بنفسه فعل التصرّف فيما يرتبط بنفسه له خصوصية فيكفي الرضا الواقعي من حاجة إلى مبرز.

ثانياً:- يحتمل أنَّ المورد من قبيل الزواج ببنت أخ الزوجة أو بنت أختها فإنه يكفي رضا العمة والخالة ، فمجرد الرضا وطيب النفس يكفي لخصوصية فعله هنا أيضاً طيب نفس المولى معتبر فيكفي حينئذٍ الرضا وطيب النفس ، وهذا بخلافه في بقية الموارد التي طيب النفس لا يعتبر فيها فقط بل أكثر منه وهو أنَّ الاجازة معتبرة فهناك يمكن أن يقال لا يكفي طيب النفس بل لابد من الحاجة إلى مبرز ، فإذاً نحن نحتمل الفارق بين الموردين ويكفينا الاحتمال.

ثالثاً:- إنَّ المبرز والدال هنا موجود حيث قال عليه السلام ( سكوتهم عنك ) فالإمام عليه السلام يتمسّك بوجود المبرز ، فالإمام عليه السلام يريد أن يقول يوجد مبرز لإقرارهم وامضاءهم وهو نفس السكوت فالسكوت يدل على الامضاء فهذه الرواية لا تدل على أنَّ الرضا الواقعي يكفي وحده كلا بل تمسك الامام عليه السلام بمسألة السكوت الدال على الرضا فإذاً هذه الرواية لا تنفعنا بل لعلها أنسب بما نقول - أي أنسب بالاحتمال الثالث -.

الطائفة الثانية:- قال (قده):- ( ما دل على أنَّ قول المولى لعبده المتزوج بغير إذنه:- طلّق يدل على الرضا بالنكاح فيصير اجازة )[5] .

وأما الرواية التي تدل على ذلك فيه ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن بنان بن محمد عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام:- ( أنه أتاه رجل بعبده فقال إنَّ عبدي تزوج بغير إذني ، فقال علي عليه السلام لسيده:- فرّق بينهما، فقال السيد لعبده:- يا عدو الله طلِّق ، فقال له علي عليه السلام :- كيف قلت له ؟ قال قلت له :- طلِّق ، فقال علي عليه السلام للعبد:- أما الآن فإن شئت فطلِّق وإن شئت فأمسك ، فقال السيد:- يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي فجعلتَه بيد غيري ؟!! ، قال:- ذلك لأنك حين قلت له طلِّق أقررت له بالنكاح )[6] ، والشاهد هو قوله عليه السلام ( أقررت له بالنكاح ) فيدل على أنَّ المدار على الاقرار والامضاء الواقعي.

ولكن يرد عليه:-

أولاً:- نحن نحتمل أنَّ الرواية واردة لبين حكم تعبّدي فإنَّ المولى حينما قال ( يا عدو الله طلِّق ) لم يقصد بذلك إمضاء النكاح بل قال له ( طلِّق ) لأنَّ الامام عليه السلام قال ( فرّق بينهما ) ومن الواضح أنَّ قول الامام عليه السلام من ( فرّق بينهما ) ليس هو طلِّق وإنما معناه أنه يفصل بينهما أي التفرقة المكانية وليست التفرقة الشرعية من خلال الطلاق ولكن هذا السيد فهم هذا الشيء فقال له طلِّق ، فنحتمل أنَّ هذه قضية تعبّدية وحكم وارد في مورد خاص وقضية معينة فلا يمكن التعدّي من ذلك إلى مرودنا ويكفينا الاحتمال.

ثانياً:- إنه يرد عليها ما اوردناه على الرواية السابقة وهو أن مورد هذه الرواية هو أنه ما إذا فرض تصرف العبد في نفسه لا أنه تصرف في غيره فعلى هذا الأساس هذه الرواية لا تنفع من هذه الناحية.

ثالثاً:- يمكن أن نقول إن ( طلِّق ) هو نحو مبرز لإمضاء النكاح ، فإذاً المبرز موجود وهو التعبير بكلمة ( طلِّق ).

رابعاً:- نحتمل أنَّ طيب النفس يكفي هنا ، يعني كالزواج ببنت العمة والخالة فكما أنَّ طيب نفسهما يكفي بلا حاجة إلى الاجازة ودال على الاجازة فهنا أيضاً نقول إنَّ هذا الاحتمال موجود فيعتبر طيب نفس المولى فلخصوصية المورد يكفي الاقرار وطيب النفس بلا حاجة إلى اجازة ومبرز.

هذا كله من حيث الدلالة.