1440/11/03


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 68 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

الرواية الثانية:- وهي صحيحة أبي عبيدة وهي قد يتمسك بها لإثبات أنَّ الاجازة كاشفة ومضمونها واضح ، حيث تزوج صبي بصبية من قبل الوليين وبعد ذلك مات الصبي قبل أن تبلغ الصبية ، والامام عليه السلام قال يعزل مقدار حصتها فإن بلغت وأجازت وحلفت أنها لم تجز طمعاً في التركة وإنما للعقد بما هو عقد فحينئذٍ تدفع إليها حصتها ، وهذا يتناسب الكشف دون النقل ، ونصّها:- ( سألت أبا جعفر عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، فقال:- النكاح جائز أيهما أدرك كان له الخيار فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا أدركا ورضيا ، قلت:- فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه ؟ قال:- نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ...... )[1] .

وقرّب الشيخ الأعظم(قده) دلالتها على المطلوب حيث قال:- إن الرواية أمرت بعزل مقدار حصتها ومن المعلوم أنه بناءً على أنَّ الاجازة ناقلة فهذا العزل سوف يكون تصرفاً في مال الورثة من دون رضاهم ، لأنه إذا كانت الاجازة نافلة من حين العقد سوف لا يحصل الزواج وإنما يحصل من حين الاجازة ، فعزل مقدار حصة الزوجة بناءً على لنقل هو تصرف في مال الورثة من دون رضاهم ، ومقتضى عموم حديث السلطنة أنه لا يجوز هذا العزل ، إلا أن تقول بالتخصيص فنقول إلا في هذا المورد ، ولكن عموم الحديث ينفي التخصيص لأنا نشك في أصل التخصيص ، إذ لعلّ النقل والانتقال يحصل من حين العقد لا من حين الاجازة بناءً على الكشف ، فلا يلزم من العزل تخصيص عموم حديث السلطنة.

فإذاً إذا بنينا على ناقلية الاجازة يلزم تخصيص عموم حديث السلطنة ، لأنَّ هذا العزل هو تصرف في مال الورثة من دون راضهم وعموم الحدث ينفي هذا التخصيص ، بينما لو قلنا بالكاشفية فلا يلزم من ذلك تخصيص عموم حديث السلطنة ، اللهم إلا أن تقول لعل جواز العزل مبني على اجازة الورثة ، يعني إنما يجوز العزل فيما إذا رضي الورثة بذلك ، فإذاً لا محذور في أن نبني على النقل ونقول إنَّ هذا العزل إنما جاز رغم أنه بناءً على النقل هو قبل الاجازة باقٍ على ملك الورثة فنقول هم رضوا بذلك ، فجواز العزل سوف يصير مشروطاً برضا الورثة.

وجوابه:- إنَّ الرواية لم تذكر قيد ( إذا رضي الورثة بالعزل ) بل هي مطلقة من هذه الناحية ، فإذاً اطلاقها بمعنى عدم التقييد برضا الورثة بالعزل زائداً عموم حديث السلطنة النافي للتخصيص إذ بناءً على النقل يلزم تخصيص عموم حدث السلطنة بناءً على النقل لأنَّ ابقاء المال هذا هو تصرف في أموال الورثة ، فعموم حديث السلطنة زائداً اطلاق الحديث - بمعنى عدم تقييد جواز العزل برضا الورثة - يعينان أنَّ الاجازة كاشفة ، إذ بناءً على الكشف لا يلزم تخصيص عموم حديث السلطنة لأنَّ ملكية الزوجة تكون ثابتة من حين العقد ، كما لا يلزم من ذلك تقييد اطلاق الرواية ، أما إذا بنينا على ناقلية الاجازة فيلزم أن نلتزم بأحد أمرين إما بتخصيص عموم السلطنة أو بتقييد الرواية بما إذا رضي الورثة بالعزل ، وحيث إنَّ حديث السلطنة عام وعمومه ينفي التخصيص وصحيحة أبي عبيدة مطلقة ولم تقيد برضا الورثة فهذا الاطلاق اضافةً إلى ذلك العموم حينما يجتمعان يعينان أنَّ الاجازة كاشفة ، إذ بناءً على ذلك لا يلزم تخصيص العموم ولا تقييد اطلاق حديث أبي عبيدة.

هذا كله إذا فرضنا أنَّ الزوجة حينما تكبر تجيز العقد ، فإذا أجازت - في علم الله - يلزم هذين المحذورين بناءً على ناقلية الاجازة ، ولكن لعلّها لا تجيز فكيف أمرت الرواية بالعزل والحال أنَّ الأصل عدم تحقق الاجازة من هذه الزوجة إذا أدركت ، وبذلك يكون ابقاء المال معطلاً لفترة طويلة بلا وجه ، فلماذا أمرت الرواية بالعزل ؟

أجاب الشيخ الأعظم(قده) عن ذلك وقال:- صحيح أنَّ الأمر كما تقول ، ولكن الشرع أراد أن يحتاط للزوجة ، فهي يحتمل أنها لا تجيز ولكن أراد الشرع أن يحتاط لها فقدّم الاحتياط على استصحاب عدم تحقق الاجازة منها ، ونظير هذا المورد ما إذا فرض أنَّ الزوجة كانت حاملاً ولا ندري أنها حامل بواحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة .... فهنا حكم الشرع بأنه تعزل الحصة مع ملاحظة أكبر الاحتمالات كأن يكون ثمانية أولاد ، فالشرع حكم هنا بذلك من باب الاحتياط للجنين وقدّم الاحتياط على استصحاب عدم الحمل بأكثر من واحد ، فهنا الأمر كذلك ، فلعل الشارع حكم بذلك من هذه الناحية ، قال(قده) ما نصه:- ( نعم صحيحة أبي عبيدة ...... ظاهرة في قول الكشف إذ لو كان مال الميت قبل اجازة الزوجة باقياً على ملك سائر الورثة[2] كان العزل مخالفاً لقاعدة تسلط الناس على أموالهم فاطلاق الحكم بالعزل[3] منضماً إلى عموم الناس مسلّطون على أموالهم يفيد أنَّ العزل لاحتمال كون الزوجة غير المدركة وارثة في الواقع[4] فكأنه احتياط في الأموال قد غلَّبه الشارع على أصالة عدم الاجازة كعزل نثيب الحمل وجعله أكثر ما يحتمل )[5] .

ويرد عليه:-

أولاً:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) جعل حديث السلطنة كأنه حديث تام السند وتام العموم أيضاً فيلزم حينئذٍ تخصيصه ، والحال أننا ذكرنا في قاعدة السلطنة أنَّ مدرك هذه القاعدة ليس هو حديث ( الناس مسلطون على أموالهم ) فإنه ضعيف السند ، وقد نقله صاحب عوالي اللآلي مرسلاً ، فإنَّ كل روايات عوالي اللآلي مرسلة ، إلا أن تنبي على حجية هذه المراسيل ولكن هذه قضية ثانية ، وإنما المستند المهم لقاعدة السلطنة هو السيرة العقلائية الممضاة ، بينما الشيخ الأعظم(قده) جعل لنا عموماً وهو عموم حديث السلطنة ، فكأنه رواية ولها عموم وبالتالي يلزم تخصيص هذا العموم ، وهذا إنما يتم فيما إذا كانت قاعدة السلطنة ذات مدرك لفظي تام حتى يلزم فكرة التخصيص ، وأما إذا كان المدرك هو السرة العقلائية فالمناسب أن نقول إنه لا يلزم التخصيص وإنما يلزم من خلال الرواية الردع عن سعة السيرة العقلائية في هذا المورد ، فتصير غير ممضاة بمقدار هذا المورد لا أنه يلزم التخصيص ، يعني تصير القضية بالعكس ، فعلى الطريقة التي اتبعها الشيخ الأعظم(قده) يلزم تخصيص عموم حديث السلطنة ، بينما بناءً على ما ذكرناه يلزم الردع عن هذه السيرة العقلائية في مساحة ضيقة - التي هي موردنا - وتسقط حينئذٍ السيرة عن الاعتبار في موردنا ، بينما على رأي الشيخ الأعظم(قده) المعتبر هو العموم ونتمسّك به لنفي التخصيص.


[2] كما هو مقتضى كون الاجازة ناقلة.
[3] يعين عدم تقييده بإجازة ورضا الورثة.
[4] و1لك لا يتم إلا بناءً على الكشف.
[5] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص.