1441/03/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 69 )، مسألة ( 70 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

القول الثاني: - أن يقال: إنَّ البيع صحيح ولكن يثبت الخيار للبائع ولوجه في ذلك لا ضرر فإنَّ الصحة بنحو اللزوم ضرر على البائع الذي اتضح أنه مالك فمن المناسب لقاعدة لا ضرر ثبوت الخيار، وهذا بناءً على أنَّ مضمون لا ضرر رفع الحكم الضرري وهنا الصحة بنحو اللزوم يتولد منها الضرر على البائع الذي اتضح أنه مالك فيثبت بذلك الخيار، وقد ذكر صاحب الجواهر(قده) هذا على مستوى الاحتمال لا الجزم حيث قال:- ( والمتّجه فيه الوقوف على الاجازة كما سمعته من الكركي أو اثبات الخيار ألا أني لم أجد من احتمله )[1] ولكنه لم يبين المدرك.

بيد أنّ الشيخ أسد الله التستري(قده) في مقابيس الأنوار على ما نقل الشيخ الأعظم(قده)[2] ذهب إلى الصحة بنحو الجزم مع ثبوت الخيار لقاعدة نفي الضرر

ويرده: -

أولاً: - إنَّ ثبوت الخيار فرع ثبوت الصحة، فإنه إذا لم تثبت الصحة لا معنى لثبوت الخيار فلابد من ثبوت الصحة في محلة سابقة، وحينئذٍ نقول إذا كانت الصحة موقوفة على طيب النفس الاجازة فقد ارتفع الضرر بذلك، ولا تصل النوبة إلى اثبات الخيار فإنَّ الضرر يرتفع بأن لا يجيز البيع، فإذا لم يجز البيع ارتفع الضرر عنه.

وإذا قلت: - إنَّ هذا يرد إذا قلنا بأنَّ الصحة موقوفة على الاجازة فآنذاك يكون اثبات الخيار بقاعدة لا ضرر من دون وجه، إذ ارتفع الضرر بتوقف الصحة على الإجازة وطيب النفس، ولكن تعال لنقول إنَّ الصحة غير موقوفة على الاجازة وطيب النفس فتصل النوبة آنذاك إلى اثبات الخيار كما قال صاحب المقابيس.

قلت: - إنَّ صحة كل عقد موقوفة على طيب النفس فإنه ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه )، وهذا أمر مسلّم، فلا معنى لأن تقول إنَّ الصحة ليست موقوفة على طيب النفس، ولو تنزلنا ولكن رغم ذلك لا يمكن اثبات الخيار بقاعدة لا ضرر، إذ يصير كلا الاحتمالين ثابت ووارد، يعني من المحتمل وجود الخيار إذا فرضنا أنَّ الصحة غير موقوفة على الاجازة، ويحتمل أنَّ أصل الصحة موقوفة على طيب النفس والاجازة من دون ثبوت الخيار، فكلا الاحتمالين وجيه، فلا يصح من صاحب المقابيس القول بثبوت الخيار بنحو الجزم استناداً إلى قاعدة لا ضرر.

ثانياً: - إنَّ الضرر يصدق عرفاً فيما لو فرض أنَّ البيع كان بلا ثمن أو كان بثمن أقل من الثمن المناسب، أما إذا كان بمقدار الثمن المناسب بل أعلى منه فلا يوجد ضرر، حيث ذهب منه شيء ودخل إليه شيء آخر مساوٍ له أو أعلى منه فلا ضرر، فإنَّ الضرر لابد أن يكون هناك نقصان في المالية أما إذا كان بثمنٍ مساوٍ أو أعلى فلا ضرر في البين.

وقد تقول: - هو بالتالي يحبّ هذا الشيء، فحينما اتضح أنه مالك فالآن صار يحبه ويقول إني أحبه وأريده، فالضرر يتولد من جهة أنه فقد شيئاً محبوباً وإن لم تنقض المالية.

وجوابه: - إنَّ مجرد هذا لا يوجب صدق الضرر، وإلا يلزم في البيع المتعارف إذا تم وانتهى ثم بعد ذلك تذكر البائع أنَّ هذا الشيء الذي باعه قديم وله خصائص فندم وأحبَّه فهل يحتمل فقيه أنَّ المورد يصير من موارد الضرر فيثبت حينئذٍ الخيار؟!! إنَّ هذا ليس احتمالاً وجيهاً، فعلى هذا الأساس لا يصدق الضرر في المقام.

وبهذا اتضح أنَّ الأقوال في مسألة من باع باعتقاد أنه أجنبي فاتضح أنه مالك أربعة، والمناسب منها هو الصحة مشروطة بطيب النفس.

ونلفت النظر إلى أنَّ من يقرأ عبارة السيد الماتن ربما يجد فيها شيء من الخفاء في معرفة مختاره، حيث قال: - ( لو باع باعتقاد كونه ولياً أو وكيلاً فتبين خلافه فإن اجازه المالك صح وإن ردّ بطل، ولو باع باعتقاد كونه اجنبياً فتبين كونه ولياً أو كيلاً صح ولم يحتج إلى الاجازة، ولو تبين كونه مالكاً ففي صحة البيع من دون حاجة إلى اجازته إشكال والأظهر هو الصحة ) [3] أي يفهم منها الصحة من دون إجازة، ولكن مبناه بإصرار هو الصحة موقوفة على طيب النفس، فهل هذا تراجع منه أو أن له توجيهاً ؟ يمكن أن نوجه كلامه فنقول: - إنَّ مقصوده هو الصحة مع الاجازة، لأنه قال ( ولو تبين كونه مالكاً ففي صحة البيع من دون حاجة إلى إجازة إشكال والأظهر هو الصحة ) أي الصحة مع الاجازة، فيرتفع التنافي، وإلا فسيبقى الاشكال ثابتاً عليه.

 

مسألة (70 ):- لو باع مال غيره فضولاً ثم ملكه قبل إجازة المالك ففي صحته بلا حاجة إلى الاجازة أو توقفه على الاجازة أو بطلانه رأساً وجوه أقواها أوسطها.[4]

هذه المسألة هي المعروفة بين الأوساط العلمية بمسألة ( من باع ثم ملك )، وفيها ثلاث احتمالات، الصحة من دون حاجة إلى الاجازة، أو التوقف على الاجازة، أو البطلان رأساً، وقد قال السيد الماتن ( أقواها أوسطها )، أي توقفها على الاجازة، والحال أنه في تقرير درسه يصرّ على أنها باطلة، فهل هذا عدول منه أو هو من سهو القلم؟!!

وقبل أن ندخل في صلب الموضوع نذكر قضية جانبية حاصلها:- إنَّ المحقق الحلي تعرض إلى هذه المسألة في المعتبر في باب الزكاة، وذكر في مسألة لو باع المالك النصاب قبل اخراج الزكاة فيحكم بالصحة فيما عدى مقدار الزكاة أما بالنسبة إلى مقدار الزكاة فإنه بعدما باع لو اغترم حصة الفقراء من مالٍ آخر ففي مثل هذه الحالة نقل عن الشيخ الطوسي أنه يحكم بصحة البيع في تمام النصاب مادام قد غرم مقدار الزكاة.

وأشكل المحقق الحلي وقال:- إنه لم يكن مالكاً لمقدار الزكاة وبعد أن دفع العوض صار مالكاً بملكٍ جديدٍ مستأنف، أي ثبت هذا الملك بعد أن باع كلّ النصاب، وهذا لا ينفع في اثبات الصحة لمجموع النصاب بما في ذلك مقدار الزكاة بل لابد من الاجازة، ثم قال ( هذا كمن باع ثم ملك )، فيفهم من هذا الكلام أنَّ المحقق الحلي في مسألة من باع ثم ملك ن صحة البيع متوقف على الاجازة، كما فهمنا شيئاً آخر وهو أنَّ المحقق الحلي في هذه المسألة في مثال بيع النصاب حكم بأن المناسب هو الصحة في غير مقدار الزكاة وأما مقدار الزكاة يتوف فعلى الاجازة، كما عرفنا أنَّ الشيخ الطوسي يقول بالصحة من دون حاجة إلى الاجازة، وهذا إشكال يسجل على الشيخ الطوسي، إذ كيف يحكم بالصحة من دون حاجة إلى إجازة؟

وأراد الشيخ الأعظم يوجه حكم الشيخ الطوسي بالصحة من دون حاجة إلى الاجازة فقال:- لعله يرى أنَّ حق الزكاة متعلق بالذمة وليس بالعين، فالعين كلها ملكٌ صرفٌ للمالك وبتعلّق الزكاة لا يخرج شيء من ملكه، فالحق متعلّق بالذمة وهذه العين الخارجية مجرّد رهن، يعني إذا هرب المالك ولم يدفع فسوف نأخذ من العين، نظير باب القرض، فإنَّ الذمة تنشغل بالمال المقترَض ولكن قد تدفع عينٌ بعنوان الرهن بمعنى أنه إذا فرض أنَّ المدين لم يدفع وهرب فيؤخذ مقدر الدين من العين المرهونة وإلا فالحق متعلق بالذمة، فلعل الشيخ الطوسي ذهب إلى الصحة من حاجة إلى الاجازة لأجل أن حقَّ الزكاة متعلّق بالذمة وليس بالعين الخارجية[5] .