23-03-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
تحقيقٌ حول طرق كتاب الفهرست:-
ذكرنا فيما سبق أن طرق الشيخ في المشيخة إلى أصحاب الكتب ليست هي طرقاً إلى نفس الكتب دون النسخة وإنما هي طرق إلى نسخة معيّنة وذكرنا لذلك عدّة شواهد، والآن من باب الاستدراك يقع الكلام عن طرق الفهرست - الذي هو للشيخ الطوسي (قده) - والذي يدعونا إلى بحث ذلك رغم أن الكتاب المذكور ليس كتاباً مشتملاً على روايات كما عليه التهذيبان فإن فيهما رواياتٍ عن أصحاب الأصول فمن الضروري آنذاك أن يكون النقل نقلاً عن النسخة والطريق طريقاً إلى النسخة وإلا فإثبات الطريق إلى أصل الكتاب من دون أن يكون إلى نسخة معيّنة هو عين الإرسال، إن هذا البحث وجيهٌ في طرق المشيخة ولكن ما هو الداعي إلى بحثه في كتاب الفهرست ؟ لعل هذا تساؤل قد يخطر إلى الذهن .
وجوابه:- إن طرق المشيخة إذا كانت ضعيفة فيستعان آنذاك بطرق الفهرست فإذا فرض أن طرق الفهرست كانت إلى أصل الكتاب دون النسخة فلا يمكن حينئذِ الاستعانة به . إذن الوجه والداعي إلى هذا البحث هو هذا،  فلابد من إثبات أنها طرق إلى النسخة وليس إلى نفس الأصل.
ولكن قبل أن نثبت ذلك قد يخطر إلى ذهنك تساؤل آخر:- وهو أنه ما هو مستند التعويض - أي التعويض بطرق الفهرست عند ضعف طرق المشيخة - أوليس من الممكن أن نقول إن طرق المشيخة خاصّة بالروايات المذكورة والمنقولة من كتب الأصحاب لكن في التهذيبين أما ما يُنقل في الفهرست فلعلّه طرق إلى الأصول حينما ينقل عنها في غير التهذيبين فكيف يمكن إثبات أن طرق الفهرست صالحة لأن تقوم مقام طرق المشيخة عند ضعفها ؟
وفي الجواب نقول:- إن ذلك يمكن إثباته بعدّة بيانات:-
البيان الأوّل:- إن الشيخ(قده) في كتاب الفهرست جرت عادته على أن يعبّر بعد ذكر صاحب الترجمة وذكر كتبه بهذا العبير:- ( أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان عن فلان ) وربما يذكر طريقاً ثانياً وثالثاً ورابعاً . إذن هو يعبّر بقوله ( أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ) وحيث إنه قد نقل عنه - أو من أصله - في التهذيبين فذلك المنقول في التهذيبين يصير من جملة رواياته والأصل الذي نقل عنه من جملة كتبه فالصغرى ثابتة ببركة ما ينقله عنه في التهذيبين والكبرى ثابتة بقوله ( أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان )، وعلى هذا الاساس سوف يثبت إمكان التعويض بطرق الفهرست عن طرق المشيخة.
البيان الثاني:- إن الطريق المذكور في المشيخة يكون مذكوراً عادة في الفهرست مع زيادةِ طرقٍ أخرى، هذه مقدمة،ومقدمة أخرى وهي أن ظاهر تعبيره ( أخبرنا بجميع كتبه فلان عن فلان ) ثم يقول ( فلان عن فلان ) أن كلّ ما وصل له بذلك الطريق فقد وصل إليه بالطريق الثاني لا أنّ قسماً من الروايات وصل بالطريق الأوّل وقسماً آخر وصل البطريق الثاني.
وهذا البيان كما ترى موقوف على المقدمة الأولى - يعني على أن يكون طريق المشيخة مذكوراً في الفهرست مع زيادةٍ فحينئذٍ يتم هذا البيان، وهذا بخلافه في البيان الأوّل فإنه لا نحتاج إلى المقدمة الأولى.
البيان الثالث:- لو كانت الطرق الثانية مغايرة للطرق الأولى المذكورة في الشيخة بأن كانت طرق الفهرست طرقاً إلى نسخةٍ أخرى غير طرق المشيخة فإنها إلى نسخة مغايرة غير النسخة المنقول عنها في الفهرست - إنه إذا كان الطريق مختلفاً بتعدّد النسخ - فمن المناسب أن يشير الشيخ إلى ذلك كما أشار في ترجمة العلاء بن رزين فقال إن لكتابه أربع نسخ وكلّ نسخةٍ وصلت بطريق معيّن . إذن سكوت الشيخ عن كون هذا طريق إلى نسخةٍ وذاك طريق إلى نسخةٍ أخرى هو بنفسه ظاهرٌ في أن جميع هذه الطرق هي طرق إلى نسخة واحدة.
البيان الرابع:- لو لم تكن طرق الفهرست طرقاً إلى نسخة معيّنة هي نفس النسخة في التهذيبين للزم من ذلك محذور للغويّة في مساحةٍ واسعة وإن لم ذلك في كلّ المساحة، وذلك باعتبار أن جُلّ روايات الشيخ والمهم منها التي هي  مورد الاعتماد هي مذكورة في التهذيبين فإذا لم تكن طرق الفهرست طرقاً إلى نفس الطرق التي نقل عنها في التهذيبين كان ذكر هذه الطرق لغواً وبلا فائدة لأن المهم من الروايات - وهي روايات التهذيبين - سوف لا ننتفع فيها بطرق الفهرست فسوف يلزم محذور اللغويّة كما قلنا ولكن في مساحةٍ واسعةٍ وليس في كلّ المساحة - أي في مساحة رواية التهذيبين التي هي المساحة المهمّة -.
البيان الخامس:- إنه قال في آخر مشيخة الاستبصار ما نصّه:- ( قال مصنف هذا الكتاب:- قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرحٌ يطول هو مذكور في الفهارس للشيوخ فمن أراده وقف عليه من هناك إن شاء الله تعالى )[1] . إذن هو(قده) يقول هذه بعض الطرق وأما الطرق الأخرى التي أردتها فهي في فهرست مشايخي إلى تلك الأصول ويقصد بذلك الإشارة إلى كتاب الفهرست . إذن لا إشكال من هذه الناحية وأن نظرية التعويض مقبولة في هذه المساحة - يعني تعويض طرق المشيخة بطرق الفهرست - فالتعويض بهذا المقدار مقبولٌ.
وبالجملة:- إن الداعي إلى بحث طرق الفهرست هي هذه النكتة - يعني أنه نحن نعوّض عن طرق المشيخة بطرق الفهرست فلابد من إثبات أنها طرق إلى النسخة المعيّنة -.
وحينئذٍ قد تطرح شبهة فيقال:- إن الشيخ(قده) في كتاب الفهرست ترجم لتسعمئة وأربعة عشر شخصاً وذكر لهم أصلاً وذكر طرقاً إلى الكتاب عادةً، نعم أحياناً قد يذكر أن له كتاب ولكن لم يذكر الطريق ولكن هذا أمر شاذٌّ ولكن الطابع العام هو أنه عندما يذكر كتابه يذكر طريقه إليه وربما يذكر أكثر من طريقٍ له، وحينئذٍ يقال إن هذه الكثرة الكاثرة تولّد استبعاداً في أن يكون الشيخ ناظراً إلى النسخة فإن لازم هذا اجتماع عدّة نسخ في مكتبته خصوصاً إذا لاحظنا الطرق المتعدّدة فإنه قد تزداد النسخ آنذاك، بل كيف تكون النسخة الواحدة واصلة بطرقٍ متعدّدة وهذا أيضاً يحتاج إلى وقتٍ كبير ... الخ . إذن يحصل استبعادٌ في أن تكون هذه الطرق طرقاً إلى نفس النسخة ومن القريب أنها طرق إلى نفس الكتاب، أما ما هو الهدف آنذاك - يعني من ذكر الطريق إلى نفس الكتاب - أوليس ذلك لغواً وبلا فائدة مادام لم يكن لنفس النسخة ؟
يجاب عن ذلك:- بأنه لا يلزم محذور اللغويّة باعتبار أننا نحتمل أن الشيخ قد كتب هذا الكتاب لنفس الداعي الذي كتب لأجله النجاشي كتابه فإن النجاشي كتب كتابه بسبب تعيير جماعةٍ من غيرنا أنه ليس لكم مصنّف حيث قال ما نصّه:- ( أما بعد فإني وقفت على مذكره السيد الشريف أطال الله بقاه وأدام توفيقه من تعيير قومٍ من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنّف، وهذا قول من لا علم له بالناس )، فهو إذن ألف هذا الكتاب لدفع هذه الشبهة، ولعل الشيخ ألف كتاب الفهرست لذلك، أي لإثبات أنه يوجد لأصحابنا مصنفات ولنا طرق تثبت تلك المصنفات أما أن هذه النسخة هي الصحيحة وأن الطريق طريق إلى هذه النسخة فهذا ليس مهمّاً له مادام الهدف نحتمل أنه إثبات أن له مصنّف . وعلى هذا الأساس كيف نثبت أن طرق الفهرست طرق إلى نفس النسخة بعد الاستبعاد الذي أشرنا إليه ؟
ولأجل دفع هذه الشبهة يمكن أن نذكر وجوهاً متعدّدة إن لم يكن كلّ واحدٍ منها صالح لدفعها فالمجموع لعلّه صالح لذلك:-
الوجه الأوّل:- لو نظرنا إلى الفترة الزمنيّة لتي عاش فيها الشيخ الطوسي(قده) وجدنا أن لها خصوصيّة، وهكذا لو نظرنا إلى مشايخ الشيخ الطوسي وجدنا أنّ له خصوصيّة أيضاً - يعني للشيخ من حيث مشايخه -، ولو نظرنا إلى نفس الشيخ وجدنا أن له خصوصيّة، وبملاحظة هذه الخصوصيّات لعله يضعف هذا الاستبعاد . أما خصوصيّة الفترة الزمنية التي عاش فيها الشيخ فيمكن بملاحظة مجموعة من المؤشرات تحصيل الاطمئنان على أنه في تلك الفترة كان تداول النسخ وقراءتها فنّاً وعلماً من العلوم فكما نحن ندرس في يومنا هذا في كل يوم دروساً معيّنة فندرس البلاغة والنحو مثلاً ... وهكذا في كلّ يوم فهم يظهر أنهم كانوا أيضاً يدرسون على مشايخهم من هذا القبيل درسا ًيرتبط بالنُسَخ وبالأخبار وبقراءة تلك النسخ إن هذا فنّاً كان متداولاً في تلك الفترة.
أما ما هي المؤشرات على لذلك ؟
والجواب:- نذكر في هذا المجال بعض تلك المؤشرات:-
المؤشر الأوّل:- قال في ترجمة حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي:- ( جليل القدر فاضل من غلمان محمد بن مسعود العياشي وقد روى جميع مصنفاته وقرأها عليه وروى ألف كتابٍ من كتب الشيعة بقراءةٍ وإجازة )[2].
المؤشر الثاني:- قال في ترجمة السيد المرتضى بعد أن ذكر وجود ما يقرب من أربعين مؤلفٍ له:- ( قرأت هذه الكتب أكثرها عليه وسمعت سائرها تقرأ عليه دفعاتٍ كثيرة )[3]، إن العبارة قد تكون واضحة في أن فكرة القراءة كانت قضيّة متعارفة حتى أن الكتاب يُقرأ دفعات فالشيخ يصرّح بذلك ويقول أنا أيضاً قرأت ذلك.
المؤشر الثالث:- قال في ترجمة عبد الله المكنى بأبي طالب الأنباري بعد ذكر كتبه ما نصّه:- ( أخبرنا بكته ورواياته أبو عبد الله أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر رحمه الله عنه سماعاً وإجازةً )[4]، وقيد ( سماعاً وإجازة ) يحتمل رجوعه لابن الحاشر يعني أن ابن الحاشر سمعها وأجازها الأنباري له، ويحتمل رجوعها إلى(  أخبرنا ) المذكورة في الصدر يعني أن الشيخ يقول أخبرنا ابن الحاشر سماعاً، ولعلّ هذا أظهر ولكن هذا لا يؤثر فعلى كلا التقديرين يظهر أن هذه القضيّة كانت ظاهرة متعارفة كما أردنا أن نستشهد عليه.