1441/05/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

(مسألة 218): كلّ جناية لا مقدّر فيها شرعاً ففيها الأرش (4)، فيؤخذ من الجاني إن كانت الجناية عمديّة أو شبه عمد وإلّا فمن عاقلته(5)، وتعيين الأرش بنظر الحاكم بعد رجوعه في ذلك إلى ذوي عدل من المؤمنين تنبيه يرتبط بمسألة دية الذمي

فتقدم ان الروايات المستفيضة دلت على ان ديته ثمانمائة درهم، وهناك بعض الروايات تقول ان ديته دية كاملة واخرى تقول ديته اربعة الاف درهم، وقلنا استناداً الى موثقة سماعة نحمل الروايات الدالة على ان ديته دية كاملة على القتل العمدي للذمي ونحمل الروايات المستفيضة على القتل الخطائي، ففي القتل العمدي فالامر موكول الى الامام وهو حكم ولائي بحسب ظاهر الرواية، نعم يشترط ان تزيد على ثمانمائة درهم، لان نفس الرواية عللت اذن يكثر القتل في الذميين، وبحسب ما يراه الامام من المصلحة

تنبيه اخر: ذكرنا انه لا بد من تقييد الروايات التي ورد فيها عنوان اليهودي والنصراني والمجوسي بالذمي منهم، وقد يشكل على ذلك بانه لا وجه لهذا التقييد فان اثبات الدية على الذمي ثمانمائة درهم لا ينافي ثبوتها على مطلق اهل الكتاب فان ثبوتها في المطلق لا ينافي ثبوتها في بعض مصاديقه وافراده فلا موجب للتقييد فالمفروض ان نقول بعدم اشتراط ان يكون ذمياً

وجوابه يكون ببيان عدة امور:

الاول: ان الذي يستفاد من النصوص وكلمات الفقهاء ان الكافر على قسمين فهو اما ذمي او حربي ولا ثالث لهما، وذكروا في باب الجهاد بان كل كافر فحكمه الاساسي ان يدعى الى الاسلام فان اسلم فهو وان لم يسلم فان كان من اهل الكتاب تعرض عليه الجزية فيقر على دينه مقابل ان يدفع الجزية للدولة الاسلامية فان لم يقبل بدفع الجزية ولم يقبل الاسلام يقتل، فاذا رضي اهل الكتاب بالجزية فلهم امان ولهم دية ما داموا داخلين في الذمة واما اذا نقضوا العهود وخرجوا من الذمة عادوا كفاراً حربيين فدمهم هدر ولا امان لهم ولا دية في قتلهم، وهذا معناه ان الدية الواردة في الروايات تختص بالذمي، والرواية وان ذكرت اليهودي والنصراني والمجوسي ولكنها ناظرة الى ذلك الزمان اي زمان صدور النص الذي كان فيه كل اهل الكتاب من اهل الذمة ويدفعون الجزية، فالروايات التي تقول ان قتل اليهودي يترتب عليه شيء مقصودها الذمي من اليهود فلا بد من تقييد هذه المطلقات بالذمي، وقد دلت موثقة سماعة على ان أمان الذمي منوط بايمانه بالجزية واداءه لها واما اذا لم يؤدي الجزية فلا يحرم قتله قال (عليه السلام) «ومن قتل ذميا ظلما فانه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما ما آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها» [1]

الثاني: ان الغالبية العظمى من اهل الكتاب كانوا من اهل الذمة في زمان صدور هذه النصوص فكانت تؤخذ منهم الجزية اما على رؤوسهم او على اراضيهم، والجزية لا تقبل من غير اهل الكتاب، قال تعالى ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[2]

الثالث: يمكن ان يستدل بمعتبرة إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن دماء المجوس واليهود والنصارى ، هل عليهم وعلى من قتلهم شيء ، إذا غشوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم؟ قال : «لا ، إلا أن يكون متعودا لقتلهم» [3] ، فاذا لم يلتزموا بشروط الجزية فلا يحرم قتلهم

الرابع: صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) ـ في حديث ـ قال: «دية الذمي ثمانمائة درهم» [4] قد يقال حيث ان التقييد بالذمي ورد في كلام الامام فيفهم منه ان الامام في مقام تحديد موضوع هذه الدية وانه عبارة عن الذمي ومعناه ان غير الذمي لا تكون ديته ثمانمائة درهم فتختص هذه الدية بالذمي

ولكن هذا يمكن التوقف فيه باعتبار ان الرواية ليست واردة بهذا الشكل فالرواية عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه ‌السلام) قال : «لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم» [5] فالامام كأنه بصدد بيان شيء اخر فان اصل المسالة فرض فيها ان مسلماً قتل ذمياً والامام يقول لا يقاد به وتؤخذ الدية وهي ثمانمائة درهم وليست في مقام التحديد فليس فيها دلالة على انه ان كان من اهل الكتاب ولم يكن ذمياً فليس ديته ثمانمائة درهم، لان فرض المسألة انه قتل ذمياً فلا دلالة فيها على المفهوم وعلى التحديد حتى تقيد المطلقات

5- ذكرنا ان بعض الروايات موضوعها القتل وقرأنا نماذج منها لا الجناية على الاطراف والاعضاء ولكن قلنا بان هناك بعض الروايات التي يمكن الاستدلال باطلاقها في محل الكلام

منها: صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه ‌السلام) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا»[6] لان عمده منزل منزلة الخطأ

ومنها: موثقة إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبيه ، «أن عليا (عليه‌ السلام) كان يقول : عمد الصبيان خطأ ( يحمل على) العاقلة»[7]

ومنها: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال : سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره وتعقر دابته رجلا آخر؟ قال : «هو ضامن لما كان من شيء» [8] والرواية واردة في شبه العمد وهي مطلقة تشمل القتل وغيره، والجواب يساعد على ذلك فلم يحدد له شيء بل قال هو ضامن

ومنها: موثقة إسحاق بن عمار ، عن جعفر (عليه ‌السلام) ، «أن عليا (عليه ‌السلام) كان يقول : من وطئ امرأة من قبل أن يتم لها تسع سنين فأعنف ضمن»[9] فهي مطلقة وتدل على ان الجاني بنفسه يضمن