1441/05/16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

41/05/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع ( خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء ) - مبحث أصالة الاشتغال (الشّك في المكلف به)- مبحث الأصول العملية.

الملاحظة الثالثة: - لو فرض أن أحد الأطراف خرج عن محل الابتلاء بعد العلم الإجمالي فما هو الحكم؟ وبكلمة أخرى:- نحن في أصل التنبيه الرابع ذكرنا إذا كان بعض الأطراف خارجاً عن محل الابتلاء فالعلم الإجمالي على رأي المشهور لا يكون منجزاً، والآن في هذه الملاحظة نريد نقول لو كان خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء تحقق بعد العلم الإجمالي، فيفي بداية حدوث العلم الإجمالي كلا الطرفين كان داخلاً في محل الابتلاء كأن كان يوجد عندي اناءان أحدهما نجس وكلاهما كان محل ابتلائي ولكن بعد ذلك خرج أحدهما عن محل الابتلاء - كالإناء الثاني - ولكن بعد العلم الإجمالي، فما هو الحكم فهل يسقط هذا العلم الاجمالي عن المنجزية أو يكون منجزاً؟

والجواب:- إنَّ المورد يصير من العلم الإجمالي بين الفرد الطويل والقصير، يعني أصير عالماً إما بوجوب الاجتناب عن هذا الاناء الموجود الذي هو محل الابتلاء إلى الأبد أو بوجوب الاجتناب عن ذاك الاناء الذي خرج عن محل الابتلاء إلى فترة الخروج عن محل الابتلاء، فإذا صار الأمر هكذا فسوف يصير العلم الإجمالي منجّزاً بكل الفترة الطويلة، ويكون منجّزاً للطرف الآخر في التفرة القصيرة - يعني ما قبل الخروج عن محل الابتلاء -، فيتحول العلم الإجمالي هنا إلى فرد قصير وطويل ما يقال في العلم الإجمالي بين الفرد الطويل والقصير يقال هنا، وهناك يقال يجب الاجتناب عن الطويل في جميع الفترة وعن القصير في فترته القصيرة، وهذا واضح.

وهل يمكن اثبات الاشتغال بالفرد الطويل بغير قاعدة الاشتغال، فإنا تمسكنا الآن بقاعدة الاشتغال في العلم الإجمالي ولكن هل يوجد طريق ثانٍ يمكن التمسك به لإثبات وجوب الاجتناب عن الفرد الطويل أو لا يوجد طريق آخر؟

قد يقال: - إنه يوجد طريق آخر وهو التمسك بفكرة الاستصحاب فيقال إنه سابقاً حدث وجوب الاجتناب عن أحدهما جزماً والآن نشك هل زال ذلك الوجوب الكلي أو لا إذ نحتمل أن النجس هو هذا الفرد الموجود في محل الابتلاء فنستصحب بقاء وجوب الاجتناب السابق ونثبت وجوب الاجتناب عن هذا الفرد الطويل، ويكون ذلك من استصحاب الكلي من القسم الثاني.

والجواب:- إنه لا يصح ذلك، لأنه ف استصحاب الكلي من القسم الثاني نحن نرتب آثار الجامع - الكلي - بينما في المقام نريد أن نرتب الأثر على الفرد ونقول ( إذاً الفرد الطويل الذي هو في محل الابتلاء يجب الاجتناب عنه ) وهذا أصل مثبت، فإذاً الفارق بين المقامين واضح، ففي مقام استصحاب بقاء الكلي إذا افترضنا وجود نجاستين واحدة مرتفعة جزماً وواحدة مشكوكة فحينئذٍ نستصحب الكلي ونرتب آثار النجاسة المطلقة لا آثار النجاسة الخاصة، فمثلاً هذه النجاسة الخاصة تحتاج إلى تعفير بالتراب فهذا لا يترتب وإنما تترتب آثار النجاسة العامة المطلقة - أي آثار الكلي - فنعم هذا لا بأس به، بينما في مقامنا نحن نريد أن نرتب ونقول ( إنَّ وجوب الاجتناب عن الكلي إذا كان موجوداً وباقياً فإذاً يجب الاجتناب عن الفرد الطويل ) فصار من الأصل المثبت كما هو واضح.

إذاً ينحصر الأمر في اثبات التنجز بقاعدة الاشتغال دون استصحاب الكلي من القسم الثاني.

الملاحظة الرابعة:- ذكر الشيخ العراقي(قده)[1] مطلباً لا نعلم النكتة في ذكره هنا، حيث قال:- لو فرض أن المكلف كان عنده ماء وتراب ويعلم بنجاسة أحدهما فإن كان التراب نجس فلا يجوز التيمم به وإذا كان الماء نجس فلا يجوز الوضوء به فما هي الوظيفة فهل يجب الجمع بينهما فيتوضأ بالماء ويتيمم بالتراب أو أنه يتركهما معاً ونطبق عليه قاعدة فاقد الطهورين بأن يصلي من دون طهارة لا ترابية ولا مائية، أو أنه يتوضأ فقط؟

المناسب أن يقال:- أنَّ يتيمم أولاً بالتراب مع فرض أن التراب جاف وأعضاء التيمم جافة أيضاً، ثم يتوضأ بالماء، وعليه سوف يشك في نجاسة أعضائه فيجري أصل الطهارة في الماء من دون معارضة بأصل الطهارة في التراب لأن التراب جاف فحتى لو كان نجساً فلا يؤثر على نجاسة الأعضاء، فعلى هذا الأساس هو حتماً الآن حصلت منه الطهارة الواقعية، نعم يوجد احتمال أنَّ أعضاءه قد تنجست بسبب ملاقاة الماء ولكن هذا يدفع بأصل الطهارة لأنه بالتالي نسك أن الماء طاهر أو نجس فنجري أصل الطهارة فيه أو نجري أصل الطهارة في أعضاء البدن، فلا مشكلة حينئذٍ لا من ناحية الحدث لأنه لا يوجد حدث لأنه صار متطهراً من الحدث جزماً وايضاً لا يوجد خبث لأنه يشك في نجاسة الماء ويجري أًل الطهارة فيه.

بيد أن الشيخ العراقي(قده) ذكر شيئاً آخر حيث قال:- تارةً نفترض أن التراب يوجد له أثر آخر غير مسالة التيمم به، كالاستشفاء به كما إذا كان من تربة الامام الحسين عليه السلام، فإن فرضنا هكذا فالعلم الإجمالي يصير منجّزاً، وأما إذا فرض أنه تراب عادي فالعلم الإجمالي لا كون منجّزاً ويجوز لك أن تجري أصل الطهارة في الماء وتنحل المشكلة، والوجه في ذلك هو أنه إذا فرض انه لم يكن له اثر آخر - كما لو كان التراب عادياً - فهنا نقول لا يحصل علم اجمالي بثبوت حكم منجز لأننا نقول إن كان الماء نجساً فيجب التيمم - وهذا صحيح لأننا علمنا بوجوب التيمم على تقدير نجاسة الماء - وأما إذا كان التراب نجساً فلا يوجد حكم آخر، نعم اتفاقا إذا كان التراب نجساً فلازم ذلك أن يكون الماء طاهراً فيجب الوضوء منه لا أن نجاة التراب هي موضوع لوجوب الوضوء بالماء، وشرط منجّزية العلم الإجمالي أن يكون كل طرف يترتب عليه حكم وهنا على تقدير نجاسة التراب لا يترتب حكم أعني وجوب الوضوء بالماء ترتباً شرعياً وإنما ذلك من باب علمنا الخارجي بأنه إذا كان التراب نجساً فحتماً الماء طاهر فيجب الوضوء به، لا أنَّ نجاسة التراب هي موضوع لوجوب الوضوء بالماء فلا يكون كلا الطرفين مثبتاً لحكم شرعي، وإنما أحد الطرفين هو مثبت لحكم شرعي وهو ما إذا كان الماء نجساً فهو يثبت وجوب التيمم لأنَّ نجاسة الماء موضوع لوجوب التيمم، أما نجاسة التراب فليست موضوعاً لوجوب الوضوء فلا يكون هذا العلم الإجمالي منجّزاً، وهذا بخلاف ما إذا كان التراب يوجد له أثر آخر وهو الاستشفاء مثلاً فسوف أعلم بثبوت تكليف جزماً فأقول هكذا ( إذا كان الماء نجساً فيجب التيمم بالتراب وإذا كان التراب نجساً فلا أقل يجب الوضوء بالماء فإنَّ هذا باطل كما قلنا وإنما قلنا يجوز الاستشفاء به )، فإذاً صار موضوعاً لحكمٍ شرعي، فيصير منجّزاً.