24-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 412 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
والجواب:- أنه يكفي بما سبق بلا حاجة إلى إعادة، وذلك لأن الحكم بجواز التقديم قد عُلّق على الخوف كما هو الحال في حقّ المرأة التي تخاف الحيض والخوف متحققٌ في حقّها جزماً فإنه يصدق بالاحتمال غير الضعيف جداً، ولم يقيّد الحكم بالجواز بما إذا فرض أنه لم ينكشف الخلاف، يعني أن دليل جواز التقديم هو مطلقٌ من هذه الناحية وليس مقيّداً بحالة انكشاف المطابقة وعدم انكشاف المخالفة، فتكون بذلك النتيجة هي الاكتفاء بالتقديم حتى وإن انكشف الخلاف، وهذا كما هو الحال في المريض بالنسبة إلى شهر رمضان فإنه إذا خاف المرض جاز له ذلك ولا يلزم تحقّق المطابقة واقعاً لأن الدليل المجوّز للإفطار في حقّ خائف الضرر أو المرض هو مطلقٌ من هذه الناحية ولم يقيّد بحالة المطابقة.
 هذا هو  المناسب في مقام التعليل، وليس المناسب أن نقول إنه لا تجب الاعادة لأن الترخيص بالتقديم ترخيص واقعيّ وليس ترخيصاً ظاهرياً، فإن الترخيص على نحوين فتارةً يكون ظاهرياً يعني هو مقيّد في فترة الجهل وعدم انكشاف الخلاف كما هو الحال في قاعدة الطهارة فإنها تثبت أحكام الطهارة والرخصة في المعاملة معاملة الطاهر ولكن مادام هناك جهل وعدم انكشاف للواقع وهذا ما يعبّر عن بالترخيص الظاهري، في مقابل أن تكون الرخصة من دون تقييدٍ بقيدٍ - أي بقيد الجهل وعدم الانكشاف وما شاكل ذلك - كما في الترخيص في شرب الماء أو تناول المباحات الأخرى فإن الترخيص هنا واقعيّ بمعنى أنه لم يقيّد بقيد الجهل . وهنا يقال ذلك فيقال بأن الرخصة في التقديم هي رخصه واقعيّة - كما يظهر من السيد الخوئي(قده) - وليست رخصة ظاهريّة . إن هذا لتعليل ليس فنيّاً باعتبار أنه تعليل بعين المتنازع فيه وبعين المدّعى، أي نقول له:- كيف تثبت أن الترخيص ترخيص واقعيّ ؟  ليس هناك من طريق إلا التمسّك بالاطلاق . إذن الاطلاق لابدّ من ضمّه والاستعانة به فيقال إن الحكم بالرخصة بالتقديم عُلّق على الخوف من دون قيد عدم انكشاف الخلاف فالحكم مطلقٌ ولازم هذا الاطلاق أن يكون الترخيص ترخيصاً واقعيّاً . ولعل مقصوده(قده) ما أشرنا إليه ولكن وقعت خيانة في التعبير وطيّ للمقدّمات وإلا فالمناسب هو التعليل بأن حكم جواز  التقديم معلّق على الخوف مع الاطلاق، فالمهم هو هذا ولازمه أن يكون الترخيص  وواقعيّاً لا ظاهريّاً.
الأمر الخامس:-  ذكرنا أن من يخاف من التأخير يجوز له التقديم كالحائض والشيخ الكبير، والسؤال هو:- هل المدار في الخوف من عدم التمكّن من الطواف هو على ملاحظة اليوم العاشر أو على ملاحظة أيام التشريق أو على ملاحظة ذي الحجّة بالكامل - باعتبار أن ذا الحجّة بكامله هو ظرف للطواف بناءً على أنه يجوز تأخير طواف الحجّ إلى نهاية ذي الحجّة - ؟
والجواب:- هناك احتمالات ثلاثة:-
الأول:- ذهب الشيخ النائيني(قده) على ما جاء في متن دليل الناسك[1] إلى أن المدار على أيام التشريق وليس على اليوم العاشر بخصوصه، كما أنه ليس المدار على طيلة ذي الحجّة.
وأشكل عليه غير واحدٍ بإشكالين:-
الإشكال الأوّل:- وهو أقرب إلى الاشكال الفنّي، فإنه(قده) ذهب إلى أن طواف الحجّ في جواز استمرار وقته إلى نهاية ذي الحجّة إشكال، فهو لم يجزم بأنه لا يستمرّ، كما لم يلزم بأنه يستمرّ جزماً، بل جعل المسألة محلّ إشكال، كان من المناسب بناءً على الاشكال أن يحتاط هنا أو يستشكل أيضاً، يعني أن يقول إن كون المدار على طيلة ذي الحجّة محلّ إشكال أو الأحوط عدمه لا أنه يجزم بالعدم؛ لأن المدار ليس عليه بل المدار على أيام التشريق لا غير.
الاشكال الثاني:- أما الدليل على كون المدار على أيام التشريق بعد فرض عدم وجود وراية تدلّ على ذلك ؟ فمن أين لك هذا ؟ إن المناسب عند عدم الدليل التمسّك بالقاعدة وهي تقتضي أن ظرف طواف الحج ما دام مستمراً إلى نهاية ذي الحجّة - بناء على هذا - فالمدار حينئذٍ على العذر طيلة ذي الحجّة، إن هذا هو المناسب فنيّاً، أمّا أن نجعل المدار على أيّام التشريق بالخصوص فهذا لا وجه له . إن هذا هو الاشكال العلميّ .
والجواب:-
ذكر السيد الحكيم(قده) في دليل الناسك[2]  أن بالإمكان جعل المدار على أيام التشريق وذلك بالبيان التالي فقال:- إنه توجد عندنا وراية صفوان بن يحيى الأزرق، وهي قد رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السلام:- ( سألته عن امرأة متمتّعة بالعمرة إلى الحجّ ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر أيصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحجّ  قبل أن تأتي منى ؟ قال:- إذا خافت أن تضطرّ إلى ذلك فعلت )[3]، وهي يمكن أن يستفاد منها كون المدار على أيام التشريق، وذلك ببيان:- إن المذكور فيها هو أنها ( خافت الطمث قبل يوم النحر ) أي قبل اليوم العاشر، وهذا يتحقّق بأن تخاف الحيض قبل اليوم العاشر ولو بساعة أو أقلّ فهي تخاف أن يأتيها الحيض قبل يوم النحر أي قبل أن يطلع الفجر أو الشمس من اليوم العاشر والقبليّة تتحقق بلحظة، وحيث إن أقلّ الحيض ثلاثة أيام والمفروض أنها قد أتاها قبل العاشر بلحظات فيصير المدار على اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر وهذه عبارة أخرى عن أيام التشريق، فالمدار على الخوف بهذا المقدار والامام عليه السلام قال ( فعلت ) . هذا هو المقدار الذي ذكره السيد الحكيم(قده)، ونصّ عبارته:- ( لكن في خبر الأزرق جواز التقديم لخائفة الحيض قبل يوم النحر ولأجل أن أقل الحيض ثلاثة أيام فإطلاقها يقتضي الاكتفاء بالعذر في ثلاثة أيام أحدها يوم النحر ) . هكذا قرّر(قده) الدلالة.
وقد يشكل علسيه بالإشكالين التاليين:-
الاشكال الأول:- إن أيام التشريق لا تنتهي باليوم الثاني عشر بل تنتهي باليوم الثالث عشر، وعلى هذا الأساس سوف لا يصير المدار على ملاحظة أيام التشريق بل على ملاحظة أقل من أيام التشريق.
ويمكن دفع ذلك بأن يقال:- إن اليوم الثالث عشر إنما يكون من أيام التشريق في حقّ من كان بمنى وهي الآن ليست في منى فتصير أيام التشريق في حقّها ثلاثة وليست أربعة.
الاشكال الثاني:- صحيحٌ أن أقل الحيض ثلاثة أيام ولكن بالتالي قد يأتيها الحيض أكثر من ثلاثة فإن المتعارف أنه يأتي أكثر من ثلاثة فقد يأتي أربعة أو خمسة أيام .. إلى العشرة، فعلى هذا الأساس يكون الحصر بالثلاثة - أي الأقل - مستنداً إلى ماذا ؟ فلماذا تحصره بالثلاثة بعد إمكان أنه يأتي في أربعة أيام أو خمسة أو ما زاد ؟
وفيه:- إن هذا لا يضر السيد الحكيم حث أن بإمكانه أن يجيب بأن الاحتمالات في الفترة لا تخلو من ثلاثة، فإما أن يكون المدار على اليوم العاشر فقط، أو يكون المدار على طيلة ذي الحجّة بتمامه، أو يكون المدار على أيام التشريق التي هي ثلاثة أو أربعة، أما أن يكون المدار على خمسة أو ستة أيام فهذا الاحتمال ليس بموجود، فتصير الرواية بالتالي دالّة على أن العذر مادام كان متحققاً في فترة أيام التشريق وإن تجاوزها لفترة يوم أو يومين أو ثلاثة فهذا يكفي لجواز  التقديم، وليس المدار على طيلة ذي الحجّة بل مادامت هي لا تتمكن في ثلاثة أيام التي هي أيام التشريق كفى . وهذا ينفعه(قده).
إذن لا مجال للإشكال عليه(قده) من ناحية هذين الاشكالين.
نعم يمكن بأن يشكل عليه:- بأن تحديد القبليّة - أي قبليّة يوم النحر - بالقبليّة بلحظةٍ أو ساعةٍ لا مبرر له فإن المتكلّم إنسانٌ عرفيّ وإذا قيل إن المرأة تخاف الحيض قبل يوم النحر فماذا نفهم من ذلك ؟ إن يعني أنها تخاف ذلك قبله ولو بيومين مثلاً فإنها إذا خافت بيومين فحينئذٍ يصدق عليها أنها تخاف، وحينئذٍ نقول للسيد الحكيم:- حيث إن أقل الحيض ثلاثة أيام فيصير المدار على هذا الأساس بضمّ يومين قبل يوم النحر وواحدٍ هو يوم النحر فيصير المدار على يوم النحر فقط وليس المدار على أيام التشريق . إذن لو أردنا أن نأخذ بالرواية فهي قابلة للحمل على كون المدار هو ثبوت العذر في يوم النحر ولا يتوقّف على ثبوته أيام التشريق بالكامل، وما ذكرناه أوجه مما ذكره(قده) فإن ما ذكره تماشٍ مع الألفاظ بالدّقّة وليس تماشياً عرفياً.
إذن الرواية من هذه الناحية لا أقل هي مجملة . مضافاً إلى أن سندها يشتمل على صفوان بن يحيى الأزرق وهو مجهول، إلا اللهم أن يقال إنه وقع خطأ والصواب هو ( عن صفوان عن يحيى الأزرق ) وليس ( صفوان بن يحيى الأزرق ) فقد حصل اشتباه بين كلمة ( ابن ) وبين كلمة ( عن )، ولكن مع ذلك تبقى المشكلة أيضاً فإن يحيى الأزرق مردّد بين يحيى بن عبد الرحمن الأزرق الذي قد وثّقه النجاشي وبين غيره الذي قد يصعب توثيقه . وعلى أي حال الرواية من حيث السند ليست خالية من التأمل، ولذا هو عبّر أيضاً بالخبر.
وأما السيد الخوئي(قده) فقال:- حيث لا دليل على تعيين مدّة العذر فالمدار هو على القاعدة وهي تقتضي طيلة ذي الحجّة، فعلى هذا الأساس يكون المدار على طيلة ذي الحجّة فإذا خافت أنها لا تتمكّن طيلة ذي الحجّة فحينئذٍ جاز لها التقديم.
والأنسب أن يقال:- إن المدار على الخوف بلحاظ اليوم العاشر - عدم التمكن في اليوم العاشر - وليس على أيام التشريق كما وليس على ذي الحجة، والوجه في ذلك هو أنه لو كان مقصود الإمام عليه السلام العذر طيلة أيام التشريق أو طيلة ذي الحجّة فهذا يحتاج إلى بيانٍ زائد فإن المتعارف هو الاتيان بالطواف في اليوم العاشر وأن الفترة تبتدئ منه فلو كان يقصد طيلة هذه الفترة فعلى الإمام عليه السلام أن يقيّد في الروايات التي جوّزت للشيخ الكبير وللمرأة التي تخاف الحيض ويقول ( إنه لا بأس للشيخ الكبير وهكذا المرأة التي تخاف الحيض لا بأس لها أن تقدّم مادام تخاف طيلة ذي الحجّة ) فإن هذا لا يُلتَفَت إليه ويحتاج إلى بيان، وعدم بيانه عليه السلام يدلّ على كون المدار على اليوم العاشر الذي يتعارف فيه الاتيان بالطواف.
نعم يمكن لقائلٍ أن يقول:- إن المتعارف ليس هو الاتيان بالطواف في اليوم العاشر بل في اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر فإن هذه الفترة هي الفترة المتعارفة فإرادة التعذّر بلحاظ ما زاد هو الذي يحتاج إلى بيان زائد أما العذر بلحاظ هذه الفترة التي هي الفترة المتعارفة فإن الحجيج عادةً يأتون بالطواف في هذه الأيام لا أنهم يأتون به في العشرين من ذي الحجّة مثلاً، فلو كان الإمام عليه السلام يقصد طيلة ذي الحجّة فهذا يحتاج إلى تقييدٍ أمّا إذا كان المقصود هو اليوم العاشر بإضافة أيام التشريق فهذا لا يحتاج إلى بيانٍ زائدٍ بعدما كانت هي الفترة المتعارفة.
وهذا لا بأس به ولا أقل الأحوط وجوباً كون المدار على العذر طيلة أيام التشريق.