03-08-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/08/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-مسألة ( 429 ) / الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت بمنى ).

قال في المدارك:- ( وإطلاق النصّ وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العالم والجاهل . وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد:- أن الجاهل لا شيء عليه . وهو محتملٌ )[1] وقال في الرياض:- ( وإطلاق النصوص والفتاوى يشمل الجاهل والمضطر والناسي فيكون جبراناً لا كفارة، خلافاً للمحكي عن الشهيد في بعض الحواشي فاستثنى الجاهل، ووجهه غير واضح )[2]، ونفس هذه العبارة ذكرها الشيخ النراقي في المستند[3]، وقريب من هذا أيضاً في كتاب الجواهر[4]، وحكم الشيخ النائيني(قده) كما حكم المشهور، وعلّق السيد الحكيم(قده) بقوله:- ( كما صرح به بضٌ ويقتضيه اطلاق النص والفتوى )[5]، ولم يزد على ذلك شيئاً، وهو غريبٌ فإنه كان من المناسب له بعد تطوّر الفقه أن يشير إلى أنّ حديث الرفع ماذا نفعل به ؟ فيردّه بشكلٍ من الأشكال..
وعلى أيّ حال هذا بالنسبة إلى كلام الفقهاء، فهم إذن متّفقون تقريباً على إطلاق الحكم - أعني ثبوت الكفارة في حقّ الجاهل وغيره -.
ولكن يمكن أن يقال بالعدم:-
أما بالنسبة إلى الناسي:- فلحديث الرفع فإنه مطلقٌ أعني يرفع جميع الآثار لا خصوص العقوبة والمفروض أنّهم بانون على ذلك ولذلك قالوا بأنّ الشاة جبرانٌ وليست كفارة، فإنهم لو لم يبنوا على إطلاق حديث الرفع لم تكن هناك حاجة إلى هذه الجملة، فنفس هذه الجملة تدلّ على أنهم بانون على إطلاق الحديث وبعد إطلاقه يتمسّك بهذا الاطلاق لرفع الكفّارة عن الناسي.
إن قلت:- إن النسبة بين حديث الرفع وبين دليل ثبوت الشاة هي العموم من وجه فلماذا نقدّم حديث رفع النسيان بينما كانت النسبة في مادّة المعارضة هي العموم من وجه ؟ والوجه في كون النسبة هي العموم من وجه هو أنّ حديث رفع النسيان يرفع الآثار حالة النسيان فهو خاصّ بحالة النسيان وعامّ لكلّ موردٍ سواء كان ترك المبيت بمنى - الذي هو محلّ كلامنا - أو الموارد الأخرى التي ثبت فيها أثر كما في باب الصوم فإنه ثبت أنّ من ترك الصوم عليه الكفارة فهو باطلاقه يشمل جميع موارد الأثر الثابت للطبيعي أعمّ من كونه مقامنا أو غيره . فعلى هذا الأساس جنبة خصوصيّته هو أنّه خاصّ بحالة النسيان وجنبة عموميّته أنه يشمل جميع موارد الأثر الثابت للطبيعي أعمّ من مقامنا وغيره.
وأما إذا ذهبنا إلى ما دلّ على ثبوت الشاة في حقّ من لم يبت في منى وجدناه خاصّاً بمن لم يَبِت في منى وعامّ للعالم والجاهل وغيرهما، فتحصل المعارضة في حقّ من لم يبِت في منى إذا كان ذلك عن نسيانٍ فإن حديث الرفع يقول لا كفارة بينما إطلاق ما دلّ على ثبوت الشاة يقول توجد كفارة فلماذا إذن يقدّم حديث الرفع على إطلاق هذا الدليل ؟
قلت:- إنّ هذا هو مقتضى الحكومة فإن المفروض أنّ حديث الرفع ناظر إلى الأدلّة الأوّلية ولولا ثبوت الأدلة الأوّلية لكان حديث الرفع لغواً وبلا فائدة، فلابد وأن يفترض في مرحلةٍ سابقةٍ ثبوت آثارٍ لموضوعات معيّنة في التشريع الاسلامي ثم يأتي حديث الرفع ليستثني حالة النسيان أو حالة الجهل أو الخطأ من إطلاق تلك الأدلة، فهو ناظرٌ إليها ومن دونها يكون لغواً فهو يستثني حالة النسيان أو الجهل أو الخطأ وهذا هو معنى الحكومة . إذن وجه تقدّمه رغم كون النسبة هي الهموم من وجه هو أنّه حاكمٌ، وهذا من الأمور الواضحة.
إن قلت:- إنّنا لا نحتاج إلى حديث الرفع بل عندنا مدرك آخر لعدم ثبوت الكفارة في حقّ الناسي وهو أن ما دلّ على أنّ هؤلاء معذورون - أي أنّ الناسي والجاهل القاصر والمخطئ والمضطر معذورون - فنفس إثبات العذريّة يدلّ بالالتزام على أنّه لا كفارة إذ لو كانت هناك كفارة لبُيّنت فإثبات العذريّة من دون بيان الكفارة يدل بالاطلاق المقامي على أنّه لا كفارة وإلّا لبُيّنت وذُكِرَت فعدم ذكرها يدلّ على أنّه لا كفارة بلا حاجة إلى حديث رفع النسيان.
قلت:- هذا شيءٌ جيدٌ إذا فرض أنّه جاءت رواية وقالت إنّ هؤلاء معذورون بلحاظ المبيت في منى، بيد أنّ المفروض أنه لا دليل على ذلك وإنما غاية ما هناك هو دليل رفع عن أمتي النسيان وما اضطروا إليه - أي عموم حديث الرفع - ولا يوجد غيره.
إن قلت:- إنّ نفس العذريّة يلازم عرفاً نفي الكفارة، فنحن ما دمنا نعترف بأنّ الناسي معذورٌ فهذا بنفسه يلازم عرفاً نفي الكفارة فإن العذريّة لا تلتئم مع ثبوت الكفارة.
قلت:- إنّ الكفارة تارةً تكون كفارة عن الذنب فهي لا تلتئم مع العذريّة فإنه لا ذنب بعد فرض كونه معذوراً ولكن من قال إنّ هذه الكفارة هي قد ثبتت لأجل أنّها كفّارة على الذنب وضريبة وغرامة عليه بل لعلّها ضريبة على نفس عدم المبيت بمنى فجعل هذا بدلاً للمبيت بمنى بقطع النظر عن مسألة الذنب وهذا ما عبّر عنه الفقهاء في كلماتهم السابقة بالجبران، فيحتمل أنّه من هذا القبيل، وإذا كان من هذا القبيل فحينئذٍ لا منافاة بين كونه معذوراً وبين ثبوت الكفّارة والمفروض أنّ دليل ثبوت لكفارة لم يذكر عنوان أنّه كفّارة على الذنب أو ذكر لفظ ( الكفارة ) وإنما قال ( عليه دم ) أو ( عليه شاة ) . فإذن لا يمكن أن نصير إلى هذا.
إن قلت:- ما دمنا نحتمل أنّ الشاة قد ثبتت من باب الجبران - كما احتمله غير واحدٍ ممن تقدمت كلماتهم وليس كفّارة - فحديث الرفع لا يمكن التمسّك به إذن فإنه يرفع الكفّارة وهذا لا نجزم بكونه كفّارة بل نحتمل أنّه بدلٌ فلا يمكن التمسّك آنذاك بحديث الرفع لاختصاصه بالكفّارة وهذا ما دعا هؤلاء الأعلام إلى عدم التمسّك بحديث الرفع حيث قالوا نحتمل أنّه جبرانٌ لا كفّارة.
والجواب:- إنّ هذا تمسّكٌ بالألفاظ فإن حديث الرفع يرفع كلّ تحميلٍ شرعيّ، والشاة حتى لو كانت بدلاً تسدّ مسدَّ المبيت الفائت فهي بالتالي تحميلٌ شرعيّ والحديث الشريف يرفع كلّ تحميلٍ شرعيّ في حالة النسيان سواء سمّيته بالكفارة أو سمّيته بالجبران، إنّ الحديث لم يؤخذ فيه أن يكون المرفوع عنوان الكفّارة وإنما يرفع كلّ ما وضعه الشارع وحمّله على المكلف في حالة النسيان والخطأ وغير ذلك . فإذن إطلاق الحديث لا مانع من التمسّك به.
وأما إذا كان جاهلاً:- فالأمر كذلك، يعني يمكن التمسّك بحديث الرفع غايته يتمسّك بفقرة ( ما لا يعلمون )، مضافاً إلى إمكان التمسّك بصحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:- ( إنّ رجلاً أعجمياً دخل المسجد يلّبي وعليه قميصه فقال لأبي عبد الله عليه السلام:- إني كنت رجلاً أعمل بيدي واجتمعت لي نفقة فحيث أحج لم أسأل أحداً عن شيء وأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي وأنزعه من قبل رجلي وأن حجّي فاسد وأنّ عليَّ بدنة، فقال له:- متى لبست قميصك أبعد أن لبيت أم قبل ؟ قال:- قبل أن ألبّي، قال:- فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل، أيّ رجلٍ ركب أمراً بجهالةٍ فلا شيء عليه )[6]، إنّه عليه السلام قال:- ( أيمّا رجلٍ[7] ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه ) فهو أعطى قاعدة عامة فنستعين بها في باب المبيت في منى، فهو لم يبِت بمنى لجهالته بوجوب ذلك فلا شيء عليه.
ويمكن للتمسّك بها أيضاً في باب الصوم، فالآن يوجد جملة من الفقهاء يفتون بذلك وأنّه في باب الصوم لو فرض أنّ شخصاً كان يعتقد أنّ الصوم لا يجب عليه إلّا بعد الزواج مثلاً أو بعد خروج شعر الشارب واللحية ....... فلو جاء وسألنا فنقول له عليك القضاء ولكن لا كفارة عليك، ولماذا لا كفارة عليه ؟ لأجل أنه جاهل بوجوب الصوم عليه - وواضح أنّه لابد وأن يكون جاهلاً بوجوب الصوم لا أنه جاهل بوجوب الكفارة - من دون فرقٍ بين القاصر والمقصّر لإطلاق الحديث . فإذن نتمّسك بإطلاق الحديث في مقامنا.
إن قلت:- إن الحديث وارد في باب الحج وقد ذكره صاحب الوسائل(قده) في باب الحج فكيف تتمسّك به في غير باب الحجّ - لو فرضنا أن المورد في غير باب الحج -.
قلت:- إنّ الإمام عليه السلام أعطى قاعدةً عامّةً فنتمسّك بإطلاق هذه القاعدة . وهذا من ضغريات ما يقال ( المورد لا يخصّص الوارد ) فهذا المصداق صحيحٌ.
إن قلت:- هذا وجيهٌ على مسلك القوم الذين يقولون بأنّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب لا يمنع من التمّسك بالاطلاق، أمّا مثل صاحب الكفاية الذي يرى أنّ القدر المتيقّن يمنع من التمسّك بالاطلاق أو مثل ما نبني عليه نحن في باب الاطلاق من أنه يجوز التمسّك به إذا فرض أنه كان الإطلاق مستهجناً على تقدير إرادة المقيّد واقعاً وهنا لا استهجان على تقدير ظهور الإمام وقوله إنّ هذه القاعدة قد أعطيتها في باب الحجّ وليست قاعدةً عامّةً لأنّ الحديث هو عن باب الحج وشؤونه فماذا يصنع صاحب الكفاية(قده) وماذا تصنعون أنتم ؟