05-08-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-مسألة ( 429 ) / الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت بمنى ).
ولكن توجد في المقابل رواية تدل على ثبوت الكفارة:-
وهي رواية علي عن أبي إبراهيم عليه السلام:- ( قال:- سألته عن رجل زار البيت فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم رجع فغلبته عينه في الطريق فنام حتى أصبح، قال:- عليه شاة )[1] فهي قد دلت بوضوح على أنّ من بات في الطريق تجب عليه الشاة . فإذن هي تتنافى مع صحيحة هشام المتقدّمة.
وفي الجواب نقول:- هي لو تمت سنداً - وسندها هكذا ( عنه عن حماد بن عيسى عن القاسم بن محمد عن علي عن ابي ابراهيم ) ولمقصود من ( عنه ) هو الحسين بن سعيد ولا اشكال فيه لوثاقته وحماد بن عيسى من أجلة أصحابنا ولكن المشكلة في القاسم بن محمد وفي علي فإنه يحتمل أن المقصود منه هو علي بن أبي حمزة وفيه اختلاف ونحن وإن كنا نميل الى وثاقته ولكن تبقى المشكلة في القاسم بن محمد - فيمكن أن يقال هي مطلقة لأنه لم يفترض فيها الخروج من مكة حيث قيل:- ( غلبته عينه في الطريق فنام حتى أصبح ) ولم يقل ( فنام بعد خروجه من مكة ) فإذن هي مطلقة فتقيّد بصحيحة هشام السابقة - يعني تقيد بما إذا فرض أنه نام داخل مكة فوجوب الشاة يكون من هذه الناحية - وكلامنا هو ما إذا فرض أنه نام خارج مكة، فإذن هي لا تضرّ، فإن قبلنا بهذا فبها وإلا فيوجد طريق أخر وذلك بأن يقال إنّ صحيحة هشام صريحة في نفي الكفارة لأنها قالت:- ( إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه ) فهي صريحة في أنه لا شيء عليه والقدر المتيقن من كلمة ( شيء ) هو الكفارة، فهذا نستفيده من باب القدر المتيقن لا من باب الاطلاق حتى تقول هي ليست نصّاً أو ليست أظهر في ذلك . إذن لا شيء عليه واضحٌ في نفي الكفارة إمّا بنحو الصراحة أو بنحو الظهور القوي بينما تلك الرواية قالت ( عليه شاة ) وهذه الفقرة ظاهرة في الوجوب وتحتمل الاستحباب أيضاً - أي الجامع - فهي ليست صريحة أو أظهر في الوجوب فهي قالت ( عليه ) بينما تلك قالت ( لا شيء ) ولا يحتمل أن يراد من ( لا شيء ) هو الجامع، فهي إذن صريحة في نفي الوجوب وتلك ظاهرة في ثبوت الكفارة بنحو الوجوب فيؤوّل ظهورها ويحمل على الاستحباب بقرينة هذه الرواية . إذن نحن إمّا أن نقيد فلا نحتاج إلى هذا الطريق، وإذا رفضنا وقلنا إنّها آبية عن التقييد  فلنا هذا الطريق , فإذن لا مشكلة من ناحية هذه الرواية.
وبذلك تكون النتيجة:- هي أنّ الطوائف الأربع لا كفارة عليها، نعم في خصوص المعذور قلنا بشرط أن يصدق عليه عنوان المضطر فإذا صدق فإذن جميع الطوائف الأربع لا كفارة عليها وبهذا ننهي حديثنا عن هذه المسألة
أمور ترتبط بالمسألة:-
هناك أمور ترتبط بهذه المسألة وهي:-
الأمر الأوّل:- عرفنا أنّ الحاج إذا لم يبت في منى وقضّى تمام الليل في غيرها من دون بدلٍ وجبت عليه الكفارة وهذا لا إشكال فيه والسؤال لو فرض أنه قضّى قسماً من لوقت في منى والقسم الآخر في غيرها من دون أن يكون ذلك القسم الآخر بدلاً كما إذا فرض أنه نام في منى إلى قبل منتصف الليل وخرج من منى وبقي خارجها من دون أن يذهب إلى مكة ويشتغل بالنسك إنّ مثل هذا يكون أثماً جزماً لأنه لم يأتِ بالواجب والكلام ليس في هذا وإنما الكلام هل عليه كفارة أو لا ؟ وسبب طرح هذا التساؤل هو أنه قد يقال إنّ الروايات قد دلت على أنّ من ات في غير منى فعليه كفّارة وهذا لا يصدق عليه أنّه بات في غير منى إذ هو بالتالي قد بات في منى خصوصاً إذا فرضنا أنه كان موجوداً في منى من أوّل الليل في منى ونام فيها إلى ما قبل نصف الليل بساعة مثلاً ثم استيقظ وخرج منها إنّ مثل هذا يصدق عليه أنّه بات في منى، فهو بات في الجملة والمفهوم من تلك النصوص التي قالت ( من لم يبت في منى ) هو أنه لم يبت أبداً وهذا ليس مصداقاً لمن لم يبت أبداً، فلا أقل يشكّك في صدق الموضوع الموجب للكفارة فإن الموضوع الموجب لها هو عدم البيتوتة في منى وهذا يشكّ في صدق العنوان المذكور عليه فإذا شككنا في تحقّق موضوع الكفارة فحينئذٍ كيف نحكم بثبوتها  فنحن نشكّ في ثبوتها فننفيها حينئذٍ بأصل البراءة ؟!! ولعل أول من أشار إلى هذا التشكيك صاحب المدارك(قده) فإنه قال:- ( واعلم أن أقصى ما يستفاد من الروايات ترتب الدم على مبيت الليالي المذكورة في غير منى بحيث يكون خارجاً عنها من أوّل الليل الى آخره )[2]، إنّ موضوع وجوب الكفارة هو من لم يبت في منى من أوّل الليل إلى آخره فهذا هو الذي عليه الكفارة، والشيخ النائيني(قده) أشار في مناسكه إلى ذلك وأشكل وقال ( في ثبوت الكفارة إشكال )، بينما يظهر من صاحب المدارك(قده) الجزم بعدم الكفارة، وعبارة الشيخ النائيني(قده) هكذا:- ( ولو فاته جزء من أول الليل لا في نسكه لكنه أدرك البيتوتة بها الى الفجر ففي وجوب الفدية[3]ففي وجوب الفدية )[4].
وحاول السيد الخوئي(قده)[5] أن يتمسّك ببعض الروايات التي يمكن أن يستفاد منها أن قضاء الوقت في غير منى من دون نسكٍ مع البيتوتة في القسم الأخر أنّ هذا لا يكفي بل الكفارة ثابتةٌ في حقّه وذكر في هذا المجال ثلاث روايات - يعني أنه يعترف بأن الروايات عنوانها الأوّلي هو ( لا تبت في غير منى فإن بت في غير منى فعليك دم ) كما في صحيحة معاوية فهو (قده) يقول هذا لا يستفاد منه أنه توجد كفارة على من بات قسماً من دون قسمٍ فلذلك حاول أن يتمسّك بمضامين رواياتٍ أخرى-:-
الرواية الأولى:- صحيحة معاوية المتقدّمة حيث جاء فيها:- ( لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى فإن بتَّ في غيرها فعليك دم، فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى إلا أن يكون شغلك نسكك )، إنه في هذه الرواية إذا لاحظنا الجزء الأول منها - يعني ( لا تبت ليالي التشريق إلا في منى فإن بت في غيرها فعليك دم ) - فالحق مع العلميَن لأن هذا الجزء يقول ( فإن بت في غيرها فعليك دم ) وإنما تصدق البيتوتة في غير منى إذا فرض أنه بات تمام الفترة خارج منى، ولكن تعال إلى العبارة التالية من الرواية فهي قالت:- ( فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى إلا أن يكون شغلك نسكك ) فهذه العبارة قالت:- ( فإن خرجت أوّل الليل ) يعني أنّه صار الغروب وهو قد خرج بعد الغروب بفترةٍ قليلةٍ كعشر دقائق مثلاً والإمام عليه السلام قال:- ( عن خرجت أوّل الليل ) يعني بعد دخول الليل ( فلا ينتصف الليل إلا وأنت في منى ) يعني إنه إذا لم تكن في منى قبل منتصف الليل فعليك دم وهذا يدلّ على أنّ الدم ثابتٌ حتى لو فرض أنّه جاء بعد منتصف الليل وبقي فترةً.
إذن لا نحتاج إلى مسألة أنّه خرج بعد الغروب فإن ذلك ليس بمهم وإنما الإمام عليه السلام قال له ( فلا ينتصف الليل إلا وأنت في منى ) يعني إذا جئت بعد منتصف الليل فعليك كفّارة رغم أنك قد بِتَّ في منى لأنه إذا جاء بعد منتصف الليل يصدق عليه أنّه بات في منى بلحاظ القسم الثاني من الليل . إذن موضع الشاهد هو أنّ الامام عليه السلام قال:- ( فلا ينتصف عليك الليل إلا وأنت بمنى ) وهذا معناه أنّه إذا جاء بعد انتصاف الليل فعليه الدم رغم أنه سوف يقضّي قسماً من الفترة بعد نصف الليل في منى وهذا يدلّ على أن البقاء في مقدارٍ من الفترة الواجبة لا يكفي بل المهمّ هو بقاء تمام الفترة الواجبة، ونصّ عبارته في التقرير فإنها تدلّ على أنه ( إن رجع بعد انتصاف الليل إلى منى لو لم يكن شغله نسكه يجب عليه الدم )، وعلى هذا الأساس يثبت أنّ الكفارة إنما تنتفي إذا بات المكلّف تمام الفترة الواجبة ولا تكفي البيتوتة في قسمٍ منها.
وفيه:- إنّ هذه الرواية وإن تعرضت إلى الكفارة ولكنها تعرضت إليها بشطرها الأوّل - أعني ( لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بت في غيرها فعليك دم ) - والمستفاد من هذا الجزء هو أنّ من لم يبت في منى فعليه كفّارة، وأمّا الجزء الثاني فهو قد غضّ النظر عن الكفارة وإنما هو ناظر إلى مسألة الحكم التكليفي - أي الوجوب - يعني يريد أن يبيّن هذا الجزء ويقول ( عليك أيّها المكلف لو خرجت أوّل الليل أن تعود قبل أن ينتصف الليل فهو واجب عليك وإذا لم ترجع كنت آثماً إلا أن يكون شغلك نسكك أما إذا لم ترجع فإنك آثم ) أمّا أنّه عليك الفدية والدم فهذا مسكوتٌ عنه، يعني لا نجزم بأنّ هذا الجزء الثاني ناظرٌ إلى الكفّارة - ويكفيني عدم الجزم - فلا ظهور في أن الجزء الثاني ناظر إلى الكفارة كما هو ناظر إلى الحكم التكليفي ومادام لا ظهور له في ذلك فلا يمكن التمسّك به لإثبات الكفارة.
الرواية الثانية:- صحيحة معاوية الأخرى:- ( وسألته عن الرجل زار عشاءً فلم يزل في طوافه ودعائه وفي السعي بين الصفا والمروة حتى يطلع الفجر، قال:- ليس عليه شيء كان في طاعة الله ) فإنه يستفاد منها أنّ من زار البيت عشاءً - والمقصود من الزيارة عشاءً يعني بعد مضيّ فترةٍ من أوّل الليل - مشتغلاً بالعبادة فلا شيء عليه وعللّ الإمام عليه السلام بأنّه في طاعة الله والمفهوم من ذلك أنّه لو ذهب عشاءً ولم يشتغل بطاعة الله - يعني بالطواف والسعي بل كان مشغولاً بالتبضع مثلاً - فهذا يستفاد أنّ عليه شيء وهو الكفّارة والحال أنّه قد فرض لأنه قضّى شطراً من الليل في منى لأنّه مضت عليه ساعة مثلاً وهو في منى لأنه خرج عشاءً فإذا كانت الكفارة واجبة على من ترك المبيت في كلّ الفترة فهذا الرجل لم يقضِّ كلّ الفترة خارج منى فافترض أنه كان مشغولاً بالتبضّع في جزءٍ من الفترة  ولكن الجزء الأوّل منها قد قضّاه في منى لأنه زار عشاءً . فإذن هذه الرواية تدلّ على أنّ من قضى قسماً من الفترة في منى لا يكفي في رفع وجوب الكفّارة وإنما الرافع لوجوبها هو أن يبيت تمام الليلة.


[3]  وواضح أنه بحيث أنه لم يدرك تمام النصف الثاني وأما إذا أدركه فلا مشكلة بل نفترض أنه وصل الى مكة النصف الثاني وبقيت بقية النصف الثاني.
[5]  المعتمد في شرح العروة الوثقى، الخوئي، ج5، ص393.